الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة9 يونيو 2021 13:45
للمشاركة:

صحيفة “دنياي اقتصاد” التخصصية – التجارة ما بعد الاتفاق

أشار الكاتب والخبير الاقتصادي، حسين سلاح ورزي، في مقال له بصحيفة "دنياي اقتصاد" إلى مستقبل إيران في التجارة الدولية في حال حصل اتفاق مع واشنطن في المفاوضات النووية، وأكد الكاتب وجود العديد من التحديات الأخرى التي على إيران التغلب عليها بعد إنجاز الاتفاق حول ملفها النووي.

يبرز سؤال في أذهان النشطاء الاقتصاديين في البلاد في كل مرة ترسل فيها أخبار محادثات فيينا إشارات للمجتع الدولي تفيد بالتوصل لاتفاق والسؤال هو في حال التوصل لاتفاق بين إيران وأمريكا فما هي التطورات التي ستطرأ على التجارة الدولية لإيران؟

للأسف خلال السنوات الأخيرة قام بعض السياسيين وطيف من النشطاء الاقتصاديين بالترويج للنظرية القائلة أنه يمكن الاستفادة من قدرات التجارة الدولية للبلاد بالرغم من معارضة وعراقيل الولايات المتحدة ولكن ذلك خطأ فادح وإن كانت دوافعهم في هذا الأمر هي دوافع خير؛ ولكن هذا التحليل لا يتماشى ولا يتناسب مع الوقائع الاقتصادية والتجارية الحالية.


إن الاعتقاد بأن الولايات المتحدة الأمريكية منذ السابق وحتى يومنا هذا قد مارست كل أساليب الظلم والجرائم بشكل كبير بحق إيران وكذلك الذات العزيزة والباحثة عن الحقيقة والقتالية للشعب الإيراني تريد أن تقف في وجه هذا الظلم، هو اعتقاد مشترك بين جميع الإيرانيين الواعين والوطنيين. ولكن مسالة أنه ضمن هذه الظروف الحالية هل ينبغي التوصل لتفاهم واتفاق بالحد الأدنى مع الولايات المتحدة وما هي التكاليف التي يجب دفعها للتوصل لهذا الاتفاق فهذه موضوع آخر في عالم السياسية وليس لكاتب هذه السطور الصلاحية على التطرق إليه.

ولكن الواقع الميداني في مجال الاقتصاد والتجارة الدولية يقول إن الولايات المتحدة وخلال الـ70 عاماً الماضية اتخذت مكانة استثنائية وتاريخية ضمن السلسلة الاقتصادية العالمية وليس هنالك آفاق لتغيير هذه الظروف على الأقل خلال العقد أو العقدين القادمين. حيث أن الولايات المتحدة تتمتع وبشكل متزامن بأغنى الأسواق الاستهلاكية وأكثرها ديناميكية في العالم وهي مركز الهيكل أحادي القطب للأسواق المالية والنقدية العالمية ومركز ثقل السوق الدولية للتكنولوجيا ورأس المال الاستثماري.


حيث إن الخصائص والمزايا الاستراتيجية الناتجة عن التراكب لهذه الأوضاع الاستثنائية الثلاث إلى جانب تطور الهياكل القانونية المالية والتجارية الدولية وكذلك الإمكانات النابعة من القدرات التقنية للمعلومات والاتصالات قد خلقت جميعها جواً طاغياً شاملاً بحيث أنه إذا أصرّت الولايات المتحدة على قطع العلاقات التجارية لبلد على غرار الاقتصاد الإيراني مع كافة دول العالم فسيكون من الصعب جداً إن لم نقل من المستحيل الاستفادة الكاملة والصحيحة من القدرات التجارية الدولية لهكذا بلد.

وبغض النظر عن الكيفية التي يفكر بها صانعو السياسة في البلاد للتوصل أو عدم التوصل لاتفاق ففي الحقيقة في هذا الصدد فإن أي قرار يرونه متوافقاً مع السياسات العامة للنظام والمصلحة طويلة الأمد للبلد والمبادىء الثلاث وهي الكرامة والحكمة والنفع فمن وجهة نظر الاقتصاد والتجارة يمكن القول إن تخلي أمريكا عن الضغط المستمر على المجتمع الدولي من أجل قطع العلاقات التجارية مع إيران هو شرط أساسي وضروري لعودتنا لسلسلة الاقتصاد الدولية.


وهذا الشرط ضروري ولكنه غير كاف. حيث أن هنالك عقبات أخرى خطيرة للغاية أمام عودة إيران للطريق الصحيح من أجل أن تستفيد من قدراتها التجارية الدولية بشكل كامل وتلعب دوراً مؤثراً ضمن سلسلة الاقتصاد العالمي. ومن أهم هذه العقبات يمكن الإشارة لمسألة ارتباط إيران بالشبكة المصرفية العالمية؛ وهي مسألة تستحضر اسم مجموعة العمل المالي “FATF”. وحول مسألة مجموعة العمل المالي فمن الضروري الإشارة لهذه النقطة وهي أنه إذا لم المسار الفني والتنفيذي للشبكة المصرفية للبلد من أجل تحقيق المعايير وتنفيذ التوصيات طويلاً ومليئاً بالعقبات فلن يكون قصيراً وسهلاً في حال لم يتبع المسار السياسي في بلادنا لمجموعة العمل المالي.

وبعد مسألة الوصول إلى الشبكة المصرفية الدولية فإن الاستقرار وشفافية إجراءات اتخاذ القرار بشأن الاقتصاد السياسي وتعريفات التجارة الدولية والبنى التحتية اللوجستية وتوفير بيئة العمل من أجل الانتاج التنافسي والذي يعتبر أساس تنمية التجارة الدولية هي أيضاً من ضمن العقبات أمام طريق استعادة البلاد لمكانتها في الأسواق الدولية والسلسلة الاقتصادية العالمية. وعلى فرض أن إيران والولايات المتحدة قد توصلتا لحد أدنى من الاتفاق خلال محادثات فيينا فليس من الصعب التنبؤ بأن تركيز مثل هذه الاتفاقية سيكون بالغالب على مستوى التجارة في المنتجات التي تساهم بشكل ملحوظ في سلة الحكومة من النقد الأجنبي؛ كالصناعات مثل الخامات المعدنية والمنتجات النفطية ومنتجات صناعات الطاقة الثقيلة. حيث أنه في الواقع التأثير قصير الأمد للاتفاقية سيكون في تطوير أجزاء من التجارة الدولية للبلاد والتي ستزيد بشكل مباشر من وصول الحكومة لمصادر النقد الأجنبي. وبعد هذه المرحلة ستبدأ فترة مؤثرة في تحديد مستقبل التجارة الدولية لإيران والتي يعتمد مسارها على القرارات السياسية مما يجعل التنبؤ بها صعباً وفقاً للحسابات الاقتصادية.


وفي خضم ذلك يُطرح سؤال آخر؛ في حال ظهور انفتاح أولي فهل ستتبع الحكومة المُقبلة بالاعتماد على مصادر النقد الاجنبي التي حصلت عليها طريق إصلاح الهيكل الاقتصادي للبلاد بهدف التنمية وتعزيز الصناعات الموجهة للتصدير؟ أم سيتم استخدام هذه المصادر لمتابعة سياسة قمع النقد الأجنبي من أجل ضمان رفاهية الشعب على المدى القصير وسيدفع المجتمع بأسره ثمن ذلك وبالأخص الطبقات والفئات التي تعاني من سيل التضخم هذا خلال السنوات المُقبلة؟

وفي حال أردنا التنبؤ بالمستقبل وفقاً للماضي فلا مانع من أنه يجب أن نستنتج بأن تشكيل اتفاقية بين إيران والولايات المتحدة في فيينا هو مثل العديد من الفرص التي ظهرت في اقتصاد البلاد خلال العقدين الماضيين والتي من خلال تجاهل الجسد البيروقراطي لمبادىء وسياسات التحسين المستمر لبيئة العمل والاقتصاد المقاوم أصبحت تهديدات خطيرة والتي ستكون في المستقبل القريب ولن يؤدي لهيب هذه الاتفاقية لتسخين الأنشطة الإنتاجية الموجهة للتصدير في البلاد.


ولكن ما الذي يمكن فعله ليبقى لدى الانسان أمل في الحياة. من واجب نشطاء وخبراء الاقتصاد والأعمال شرح وتوضيح الطريقة المبدئية لاستغلال الفرص ضمن إطار سياسات الاقتصاد المقاوم من أجل بناء الاقتصاد الداخلي والخارجي، كما ويجب أن نأمل بأن تتمتع الحكومة المُقبلة بالشجاعة وتحمل المسؤولية والمعرفة والقدرة التنفيذية الكافية من أجل اتخاذ هذه القرارات الصعبة وتوجيه اقتصاد البلاد باتجاه التنمية وتعزيز الصناعات الموجهة للتصدير والاستفادة الكاملة والصحيحة من قدرات التجارة الدولية من أجل تحقيق الازدهار الاقتصادي.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ صحيفة “دنياي اقتصاد” التخصصية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: