الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة3 مايو 2021 14:41
للمشاركة:

“البومة العمياء” لـ صادق هدايت.. حداثة أبصر عليها الأدب الإيراني الحديث

رواية عن العزلة

إنّ رواية البومة العمياء هي رواية تمجيد الألم واليأس والتي تعبّر عن خواء وفراغ العالم، حيث تسحبكَ إلى عوالمها، وهي فضلا عن ذلك مكتوبة على بوتيرة واحدة، تشدّك إليها وكأنّما بئر أو دوّامة بحريّة تسحبك إلى عمقها.

يقول بطل البومة العمياء في أحد المقاطع: (إذا كانت هناك حقيقةً نجمة لكلّ إنسان في السماء، إذا فيجب أن تكون نجمتي مظلمة لا معنى لها، ربما لم تكن لي نجمة على الإطلاق!) فهذا الإحساس باللامعنى واللاجدوى يُلازم القارئ الذي يتورّط مع البطل في تمثّل المعاني المنثورة في الرواية.

ينجح الروائي الإيراني صادق هدايت في سحبكَ من يدك وزجّك وسط الرواية، حيث الخوف والفراغ القاتل والقلق يسيرون جنبا إلى جنب حتى تضلّ في النهاية ومن ثم تجد نفسك وحيدا، وتفكّر فعلا بجدوى الحياة ومعانيها وكيف أنّ ثمة أمورا لا تستحقّ منا سوى الجلوس إزائها والبكاء بصمت.
تخاطب رواية البومة العمياء الانسان في فردانيته ووحدانيته وعزلته، وفي حياة مليئة بالجلبة وخاصة بعد عقود طويلة من تأليفها تجد لنفسها محبّين وقرّاء يمجدون العزلة أو لنقل يرتطمون بها في زمن السوشال ميديا وزمن كورونا والصخب اللانهائي الذي يستدعي لحظة ما التوقّف وإغلاق كل ما حولك والنظر إلى أوراق العزلة وتكريسها.
رواية البومة العمياء هي صخب داخليّ في مواجهة صخب العالم، ربما لن تُساعدكَ لتكون أفضل إن كنتَ تبحث عن الهدوء الروحي، لكنّها ستساعدكَ لتختبرَ مشاعر جديدة في هذه الحياة.

"البومة العمياء" لـ صادق هدايت.. حداثة أبصر عليها الأدب الإيراني الحديث 1

صادق هدايت (1903 – 1951)

وُلِد صادق هدايت في العام 1903 بطهران، وهو من عائلة كانت معروفة في عصر الملك القاجاري ناصر الدين شاه، حيث أنّ جدّه رضا قلي خان كان من الكتاب المعروفين حينها، وقد أنهى هدايت دراسته الابتدائية والإعدادية بطهران، والتحق العام 1914 بدار الفنون ومن ثم تركها بسبب مرض في عينيه، وقد تنقّل بين طهران وباريس وبلجيكا دون أن يكمل دراسته، حيث عاد 1930 إلى إيران ليعمل في البنك القومي الإيراني، وكان منهمكا في الكتابة في تلك الأثناء وقبلها.

سافر إلى الهند وتعلّم الفلهوية وترجم عنها، حيث كان يحنّ إلى الثقافة الفارسية والإيرانية القديمة، وقد نشر روايته البومة العمياء وهو في الهند بعد أن كان قد كتبها في باريس متأثرا بكتابات سارتر وكافكا وغيرهم من الفرنسيين خاصة حيث كان يجيدها وترجم عنها أعمالا إلى الفارسية.
وأسس مع مسعود فرزاد، ومجتبى مينوي، وبزرك علوي جمعية أدبية باسم “ربعة” انضم إليها لاحقا أعضاء آخرون، حيث كانوا ذوي نظرة حداثوية وتجديدية في الأدب والحياة.

مات هدايت في مسكنه في باريس منتحرا بالغاز عام 1951، حيث دُفن في مقبرة پير لاشيز مقبرة الغرباء.
حين نشر هدايت البومة العمياء لأول مرة في بومباي بالهند كتب عليها، ليس للبيع والنشر في إيران، وكان ذلك في عهد رضا شاه إلى أن اعتزل رضا شاه في العام 1941 حيث شهدت إيران عهدا سياسيا جديدا، فشهدت البومة العمياء انتشارا ليس على مستوى النقاد وحسب، بل على مستوى القرّاء أيضا.

والرواية على الرغم من تأثرها بالوجودية السارترية والاتجاهات الغربية السائدة، إلا أنّها أيضا مشرقية متأثرة بالبوذية والديانات المشرقية القديمة، وهي مزيج سوداويّ يغلّف أجواء الرواية حيث تكثر مفردات الموت والمقبرة والقصّابون والعتمة ومتلازمات الموت، ولقد تلقّفت الأوساط الغربية روايته بإعجاب شديد لما لها من فرادة أسلوبية، وهو يعدّ بحقّ رائد السرد في الآداب الفارسية الحديثة.

"البومة العمياء" لـ صادق هدايت.. حداثة أبصر عليها الأدب الإيراني الحديث 2
جاده ايران تلغرام
للمشاركة: