الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة11 أبريل 2021 15:06
للمشاركة:

طموحات مسقوفة.. هل تقبل إيران المبادرة الروسية لتعزيز أمن الشرق الأوسط؟

رغم أنه يبدو للوهلة الأولى أن لدى روسيا وإيران مقاربة متوافقة – أو حتى متشابهة – تجاه خطة العمل الشاملة المشتركة والأمن الإقليمي – بما يتضمن تأكيد موسكو على ضرورة عودة جميع الأطراف إلى الاتفاق النووي لعام 2015 وتجنب رفع مطالب جديدة في هذه المرحلة مع وجهة نظر طهران بأن خطة العمل الشاملة المشتركة، لكن تبدو وجهات نظر موسكو أقل جاذبية بالنسبة لطهران بشأن الأمن الإقليمي.

في هذا السياق، يشير كل من حميد رضا عزيزي وحنا نوتي في مقالهما بموقع نادي “فالداي” الروسي للمناقشة، على أنه في خضم حالة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران لتحديد مخطط العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني (“خطة العمل الشاملة المشتركة”)، تضع روسيا نفسها كمحاور لا غنى عنه؛ حيث طرحت وزارة الخارجية خارطة طريق غير رسمية من “الخطوات المتزامنة” التي يتعين على طهران وواشنطن اتخاذها من أجل العودة إلى تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة.

أما فيما يتعلق بالملفات غير النووية للاتفاق المستقبلي مع إيران، والتي تندرج بشكل فضفاض تحت عنوان “الأمن الإقليمي”، روج وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خلال زياراته مؤخراً إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، لمفهوم الأمن الجماعي الروسي للمياه الخليجية، وهو الأمر الذى يتسق مع المسار متعدد الأطراف الذي أعقب مؤتمر مدريد للسلام تشرين الأول/ أكتوبر 1991 والذى تم التوافق في إطاره بين الدول الحاضرة في ذلك الوقت على تشكيل خمس مجموعات عمل متعددة الأطراف حول قضايا الشرق الأوسط، والتى تضمنت الحد من التسلح، والأمن الإقليمي، والمياه، والبيئة، واللاجئين والتنمية الاقتصادية. ففي الوقت الذى كانت تهدف فيه هذه المفاوضات إلى تعزيز عمليات السلام الثنائية بين إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية، بقيت إيران والعراق ولبنان وليبيا وسوريا خارج هذا المسار  الذى تعثر منذ منتصف التسعينيات لأسباب مختلفة.

طموحات مسقوفة.. هل تقبل إيران المبادرة الروسية لتعزيز أمن الشرق الأوسط؟ 1

ووسط أجواء مؤتمر فالداي الأخير، دعا سفير روسي سابق إلى العودة إلى نموذج مجموعة عمل ما بعد مدريد من أجل التنفيذ العملي لمفهوم الأمن الجماعي الروسي، ثم خصص وزير الخارجية لافروف نفسه الجزء الأكبر من ملاحظاته خلال مؤتمر فالداي لاستعادة أفاق “عملية هلسنكي” في الشرق الأوسط، وأكد على أن مثل هذه العملية يجب أن تكون شاملة من حيث الشكل والمضمون؛ حيث يجب أن تتضمن هذه العملية معالجة الأبعاد الأمنية بطريقة متكاملة (عسكرية وسياسية واقتصادية وإنسانية)، بما في ذلك مشكلة الصواريخ الباليستية الإيرانية، كما أنه يجب ألا يقتصر فقط على جميع دول المنطقة (على عكس المسار المتعدد الأطراف لما بعد مدريد)، ولكن من الممكن أن يتضمن أيضًا الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن.  

فرغم ترحيب إيران بمفهوم الأمن الجماعي الروسي للمياه الخليجية، معتبرة أنه يتماشى مع مبادراتها الدبلوماسية، وخاصًة مبادرة هرمز للسلام. لكن تبدو أفكار روسيا بشأن الأمن الإقليمي أقل جاذبية بالنسبة للجانب الإيراني؛ بسبب تعثر أية عملية أمنية يمكن أن تشمل الجميع على خلفية العداء العنيف بين إيران وإسرائيل. ويفترض الكاتبان بأنه في حال موافقة طهران على مثل هذه الجهود، وهو أمر بعيد الاحتمال، فإنها ستطالب بالتأكيد بوضع البرنامج النووي الإسرائيلي – الذى تعتبره إيران التهديد الرئيسي لأمن المنطقة- على الطاولة، وإنطلاقًا من أن إسرائيل تنفي رسميًا امتلاك مثل هذه الأسلحة، فإن فرصة موسكو ضئيلة للتوفيق بين مواقف الجانبين.

علاوة على ذلك، يعتبر قادة إيران برنامجهم الصاروخي جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية الدفاعية للبلاد، والتي تهدف إلى ضمان استمرار ردع المنافسين، ولاسيما أنه في الوقت الذى منعت فيه العقود الطويلة من حظر السلاح على طهران من تحديث قدراتها العسكرية، لا سيما في مجال الدفاع الجوي، طورت دولاً أخرى في المنطقة قواتها المسلحة بشكل كبير بمساعدة الدول الغربية. وفي ضوء ذلك، يُنظر إلى برنامج الصواريخ الإيراني المحلي على أنه ضروري لمساعدة طهران في الحفاظ على الردع. وبالتالي، سيكون من غير المقبول أن يتفاوض الإيرانيون على الصواريخ دون معالجة القدرات العسكرية الواسعة لخصومهم.

طموحات مسقوفة.. هل تقبل إيران المبادرة الروسية لتعزيز أمن الشرق الأوسط؟ 2

كما تتعارض فكرة روسيا بإدراج الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عملية الأمن الإقليمي المقترحة مع وجهة النظر الإيرانية بأن الأمن في المنطقة لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الحوار المباشر بين الجيران ودون تدخل من جهات خارجية. ورغم أنه من المؤكد أن الدبلوماسيين الروس على دراية كاملة بهذه التحفظات الإيرانية والآفاق المحدودة لتأسيس عملية إقليمية شاملة منذ البداية، إلا أن التساؤل الرئيسي الذى يطرح نفسه يتمحور حول  سبب تقدميهم لمثل هذه المفاهيم، وهو ما فسره الكاتبان  بأنه يأتى كانعكاس لممارسات روسيا الروتينية المتمثلة في طرح الأفكار وانتظار التعليق عليها، من أجل البقاء على صلة بكل  الملفات. وفي ضوء  ذلك، يشير الكاتبان إلى أن الهدف الأساسي من هذه  المبادرات الروسية  لا يقتصر فقط على تأسيس عملية أمنية إقليمية تشمل إيران والدول العربية، بل يمتد لتعزيز جهود موسكو في القضية الإسرائيلية الفلسطينية، مما يعزز الانطباع بأن روسيا الدبلوماسية ليس لديها قوالب ثابتة ومُحددة بالكامل في هذا الوقت. الأمر الذى يشير إلى أنه بخلاف المفاهيم الغامضة حول جدوى الشكل والمضمون لا توجد رؤية روسية ملموسة لعملية أمنية إقليمية شاملة. وهذا يتناقض بشكل كبير مع نهج روسيا في حالات الصراع الفردية؛ حيث كانت ممارستها المتمثلة في تشكيل تحالفات مرنة – مثل “أستانا ترويكا” بشأن سوريا – أكثر استهدافًا ونجاحًا في تحقيق النتائج.

لذا، فمن غير المرجح أن تدفع المناشدات من أجل الشمولية وحدها الإيرانيين وغيرهم إلى مناقشة هادفة حول الأمن الإقليمي؛ سيتطلب ذلك بعضًا من سياسة العصا والجزرة الجادة، والتسلسل المنطقي الصحيح، والقيادة الحاسمة في جميع أنحاء المنطقة والعواصم الدولية.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: