الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة8 أبريل 2021 23:44
للمشاركة:

محادثات فيينا النووية (2).. المناخ الإيجابي يتراجع!

برغم حديث الوفد الإيراني عن "محادثات بناءة" في ضوء الجولة الأولى من إجتماعات فيينا، بدت الأجواء في طهران، عشية الجلسة الثانية، ضبابية في ظل تقديرات إيرانية تشي بأن فرص التفاهم حظوظها ضئيلة للغاية "لأسباب أميركية وليست إيرانية". لعل النقطة الإيجابية اليتيمة.

لعل النقطة الإيجابية اليتيمة في الجولة الأولى من محادثات فيينا أن الحرب الكلامية بين إيران والولايات المتحدة حول من يجب أن يتخذ الخطوة الأولى على خط العودة إلى الإتفاق النووي، بكل مندرجاته وإلتزاماته، إنتقلت من الإعلام إلى طاولة المفاوضات المغلقة، أي أنها أصبحت قضية قانونية وتقنية. هذه الإيجابية ليست كافية للبناء عليها، ذلك أن لسان حال القيادة الإيرانية أن من تنصل من الاتفاق النووي في العام 2018 هو المطالب بالوفاء لالتزاماته غير المنفذة، قبل أن يطالب الآخرين بتنفيذ إلتزاماتهم.

في هذه الأثناء، ترصد طهران ما يحيط بمحادثات فيينا من عوامل موضوعية ضاغطة، سواء من داخل الولايات المتحدة أو من خلال متضررين آخرين من العودة إلى الإتفاق حيث تقف إسرائيل في طليعة هؤلاء. في هذا السياق، يكثّف أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري ومعهم عدد من الأعضاء الديموقراطيين جهودهم الضاغطة على البيت الأبيض سواء عبر إحياء قوانين قديمة أو تقديم مشاريع قوانين جديدة لفرض عقوبات جديدة على إيران. وبالتزامن، قرر أعضاء في مجلس الشيوخ توجيه رسالة إلى الإدارة الأميركية تعارض العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران بنسخته الحالية، وهي حملة يقودها السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، والديموقراطي بوب مننديز حيث تمكنا من تأمين تواقيع عدد كبير من أعضاء المجلس من جمهوريين وديمقراطيين بارزين أهمهم السيناتور الديموقراطي كريس كونز، المقرب من الرئيس الأميركي جو بايدن.

يدرك الإيرانيون أيضاً أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إستطاع تكبيل الإدارة الحالية بإقدامه على فرض عقوبات قياسية ضد إيران بلغ عددها نحو 1500 عقوبة، على مدى سنوات ولايته، وتحت عناوين مختلفة (البرنامج النووي الإيراني، مكافحة الإرهاب حقوق الإنسان وغيره).

“تشير أوساط إيرانية غير رسمية في طهران إلى أن حكومة بايدن تستخدم القضية لإطالة أمد المفاوضات لأنها تفضل إبرام صفقة مع الحكومة الإيرانية المحافظة التي ستنتجها الإنتخابات الرئاسية المقررة في 18 حزيران/ يونيو المقبل، وتستمر بالحكم حتى العام 2025، بينما سيكون إبرام صفقة مع حكومة حسن روحاني مهدداً”

هل ستكون إدارة بايدن قادرة على التحرر من هذه الضغوط والعقوبات وبالتالي الإستجابة لمطالبة طهران برفع كل العقوبات الأميركية شرطاً للعودة إلى الإتفاق؟

ثمة إعتقاد في طهران أن إدارة بايدن أعجز من القدرة على مواجهة هذه الضغوط، وحتى لو استطاعت إتخاذ قرار مفاجىء إلا أن تنفيذه سيستغرق وقتًا طويلاً، وهذه ليست بالنقطة البسيطة في حسابات الإيرانيين. لذلك، يُحذر الإيرانوين من مسعى أميركي إلى جعل مفاوضات فيينا مجرد ورقة رابحة بيد بايدن للمماطلة وإضاعة الوقت، الأمر الذي يُضر بإيران التي تسعى إلى رفع العقوبات في أسرع وقت ممكن.

هذا المناخ التشاؤمي في طهران إزاء قدرة إدارة بايدن إرتفعت أسهمه في الساعات الأخيرة، قبيل إنعقاد الجولة الثانية من المحادثات. ثمة تشكيك إيراني بسلوك الإدارة الجديدة “التي قررت خيانة شعارات حملتها الانتخابية وبينها التعهد بالعودة الى الإتفاق النووي”. ولن يكون صادماً أن نشهد إنتقال هذا التشاؤم في الساعات المقبلة من طهران إلى الوفد الإيراني في فيينا.

وكلما ضاعفت إسرائيل والمعارضون الآخرون للاتفاق النووي في الولايات المتحدة جهودهم لمنع إدارة بايدن من العودة إلى الاتفاق النووي، كلما ضعفت مناعة الفريق الأميركي الذي يدفع بإتجاه العودة إلى إتفاق العام 2015.

وتشير أوساط إيرانية غير رسمية في طهران إلى أن حكومة بايدن تستخدم القضية لإطالة أمد المفاوضات لأنها تفضل إبرام صفقة مع الحكومة الإيرانية المحافظة التي ستنتجها الإنتخابات الرئاسية المقررة في 18 حزيران/ يونيو المقبل، وتستمر بالحكم حتى العام 2025، بينما سيكون إبرام صفقة مع حكومة حسن روحاني مهدداً لأن الفريق الإصلاحي والمعتدل تبدو حظوظه الرئاسية ضعيفة جداً.

وإذا صح الرهان الأميركي على تمديد أمد المفاوضات طوال الشهرين المقبلين، فلا شيء يمنع من القول إن هذه السياسة الأميركية ستكون محفوفة بالمخاطر لأنه لن يكون من السهل على الولايات المتحدة خوض غمار المفاوضات مع المحافظين الذين سيتولون الحكومة المقبلة في إيران، والذين سيكونون أكثر تشددا من حكومة حسن روحاني.

هذا يعني أن الأميركيين وضعوا أنفسهم بين خيارين لا يبدو أن أياً منهما مضمون النتائج.

وقد كان لافتاً للإنتباه كيف تعمد رئيس الوفد الإيراني في فيينا عباس عراقجي إشاعة مناخ إيجابي بعد إنتهاء الجولة الأولى من المفاوضات. لدى التدقيق يتبين أن إشارة عراقجي إلى أن الأجواء كانت “بناءة” لم تكن مستندة على معطيات راسخة. لذلك، لا ينبغي للمراقبين أن يبالغوا في التفاؤل بشأن الجولات المقبلة من محادثات فيينا.

وعلى عكس ما تناقلته وسائل الإعلام، يعتقد الإيرانيون أن إدارة بايدن ليست جادة في العودة إلى الصفقة النووية، وهذا ما دفع الجميع إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستنتظر حتى إنتهاء الانتخابات الرئاسية الإيرانية.

في الختام لا بد من التذكير بأن البرنامج النووي الإيراني أصبح الآن في عهدة مجلس الأمن القومي الإيراني، الذي يعمل كذراع للقيادة الإيرانية في السياسة الخارجية، ولهذا يعتبر الوفد الإيراني المفاوض في فيينا نفسه مُنفذاً لسياسات مجلس الأمن القومي.

*تنشر هذه المقالة بالتزامن مع موقع 180

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: