الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة6 أبريل 2021 06:09
للمشاركة:

صحيفة “وطن امروز” الأصولية – نصائح للتيار الثوري: حذاري من الثقة الزائدة بالفوز في الانتخابات

تناولت صحيفة "وطن امروز" الأصولية، في مقال لـ"يونس مولائي"، موضوع انتخابات الرئاسة الإيرانية في حزيران/ يونيو 2021. حيث رأى الكاتب أن أهم الأخطار التي تهدد جزءاً من التيار الثوري للبلاد في هذا المجال هو الافتراض أن النصر والفوز هو أمر مؤكد.

يمكن اعتبار تاريخ أي مجتمع هو نتاج التجارب الجماعية لأفراده في مواجهة الأيام الصعبة والسهلة، والتعاضد والصراعات والخيارات التي تشكلت ضمن الأوقات المختلفة. ومن هذا المنطلق يصعب الجلوس في موضع تحليل للوضع الحالي والنظر إلى الماضي. وبغض النظر عن مدى اختلاف البشر في مواجهة الفرضيات والإمكانيات من خلال الاعتماد على قوة إرادتهم الحرة لا يزال من غير الممكن اعتبار قبضة التاريخ فارغة من توقع الوضع الحالي والتحذير من تكرار صفحاتها السوداء. وربما لهذا السبب فإن الانتخابات الرئاسية الثالثة عشرة في 18 حزيران/ يونيو من هذا العام باعتبارها واحدة من المنعطفات التاريخية في إيران والتي لها آثار طويلة المدى على المصير الجماعي للشعب، تحتاج إلى دراسة وتحليل عبر التاريخ. وعلى الرغم من أهمية المنافسة السياسية بمشاركة واسعة من الشعب هي الورقة الذهبية الجديدة في تاريخ آلاف الصفحات الإيرانية، إلا أننا لا نستطيع تجاهل حقيقة أن تجربة الانتخابات التي أجريت على مدار الأربعين عاماً الماضية تعتبر كمؤشر مهم في تحديد هوية نمط السلوك الجماعي للإيرانيين؛ حيث أن الخبرات المتراكمة جميعها ذات قيمة ومصداقية كبيرة للمحللين والنخب السياسية.

بهذه الأوصاف فإن ما يمكن رؤيته هو على شكل رعب خلال الأشهر الماضية والأيام التي تسبق انتخابات 18 حزيران/ يونيو، والاستخدام غير الكافي للتجربة الانتخابية لتيار الثورة خلال فترات مختلفة؛ التجارب التي يمكن أن يؤدي عدم الإشارة إليها إلى تكاليف باهظة لمستقبل البلاد. ومن أهم الأخطار التي تهدد جزءاً من التيار الثوري للبلاد في هذا المجال الافتراض بأن النصر والفوز هو أمر مؤكد مهما كانت الظروف والعلاقات. وما إذا كان هناك أساساً ما يسمى “اليقين” في المجال الساري للمنافسة السياسية حيث يتطلب مناقشة تفصيلية ولكن ما ينبثق من تجربة الانتخابات في العقود الأخيرة هو أن أي تيار يعتبر نفسه فائزاً بشكل قاطع قبل بدء المنافسة فسيتكبد هزيمة مريرة. وبناءً على هذه التجربة وبغض النظر عن عدد الأيدي الفارغة التي يمتلكها الخصم الموجود على المسرح لا يمكن اعتبار هذه الأيدي الفارغة وكأنها الأعلى. ومع هذا الافتراض هل يمكن اعتبار أنه من المنطقي اليقين بالنصر من الآن والدخول في نزاعات ثانوية غير ذات أولوية؟

ربما خلصت بعض التيارات السياسية لنتيجة الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في شباط/ فبراير 2020 والهزيمة الكاسحة لأنصار الحكومة إلى أنه لا ينبغي النظر في أي احتمال لتغيير المعادلات في المستقبل السياسي للبلاد، ومن الآن فصاعداً من الممكن المساومة على الاختلافات الفئوية الأخرى بناءً على هذا النصر الحاسم، ولكن هل يمكن تقييم جميع المعادلات بهذه السهولة حقاً؟ وتجاهل الأنواع المختلفة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وتجاهل الوضع الخاص للانتخابات البرلمانية عام 2020، والذي أظهر أيضاً انخفاض المشاركة العامة وتعدد هذه الحالات كذلك ويمكن القول إنه لا يمكن استخلاص نتيجة صحيحة من تشبيه الانتخابين. ومع ذلك حتى لو افترضنا أن فرض الفوز في الانتخابات مؤكد فلا يزال هناك العديد من الأسباب التي تجعل الاعتماد على مثل هذا الافتراض يمكن أن تؤدي إلى إضعافه ويكون له تأثير ضار في النهاية. ولفهم هذه القضية بشكل أفضل يمكن للمرء أن ينظر بقليل من الشك فقط إلى محاولة وسائل الإعلام الغربية لتأسيس افتراض النصر الحاسم للقوى الثورية في الانتخابات المقبلة. فهل التيار الذي يدرك هزيمته بشكل قاطع يتابع حملته الانتخابية بجدية مضاعفة؟.

النتيجة الأكثر وضوحاً لتخيل الفوز في الانتخابات هي ظهور الانقسامات الجماعية داخل جسد التيار الثوري بحيث تقوم المجموعات المختلفة، مع الاختلافات الطفيفة التي هي طبيعة أي مساحة سياسية صحية بتعريف نفسها عملياً ضد بعضها البعض وتتنافس مع القوى الأخرى المتماشية معها في النهج؛ وهي مشكلة تم اختبارها بالفعل في حالات مماثلة. وبالتأكيد فإن هذا الانقسام الجماعي على عكس ما يعتقد، له تأثير سلبي على جميع المجموعات بطريقة تجعلهم بسبب عدم تجميع قوة الدعاية والقدرة الدعائية للتيار الثوري ويحولهم إلى مجموعة من الأصوات الهادئة بدلاً من الأصوات العالية المتحدة. وإضافة إلى ذلك فإن هذا التشرذم له تأثير سلبي آخر على المجتمع لا يقل ضرره إن لم يكن أكثر. وعندما يعيش المجتمع الإيراني في ظل الوضع المضطرب الحالي إلى جانب تراكم أوجه القصور ويرى عدداً كبيراً من الأفراد والجماعات الذين يعتبرون أنفسهم هم الخيار الوحيد المؤهل للفوز بالرئاسة، فإنهم لن يُحبذوا الانضمام لهم ومرافقتهم. وبالتأكيد ليس من السهل تجاهل فوز حسن روحاني في انتخابات عام 2013 بنسبة 70٪ فقط أكثر من النصاب القانوني المطلوب. حيث يولي المجتمع مزيداً من الاهتمام للشخص عندما يواجه مجموعة من الأصوات المتناثرة.

وعلى هذا الأساس فإن التصور النهائي بالفوز في انتخابات حزيران/ يونيو وما تبعه من تصعيد في الانقسامات الجماعية سينتهي فقط لصالح جانب واحد وهو الجانب الذي له صوت عال في مواجهة التشتت.

في ظل اليقين بالانتصار في الانتخابات وخلق الانقسام يبتعد تحليل التيارات السياسية عملياً عن الأجواء الحقيقية للمجتمع، لدرجة أنهم يعتبرون خلافاتهم الصغيرة هي القضية الرئيسية للانتخابات ويبتعدون عن واقع الأمر. ويؤدي خلق مثل هذه الأخطاء الحسابية في أذهان النخب السياسية في نهاية المطاف إلى حرف القوى النشطة اجتماعياً عن متابعة خط المنافسة في سياقها الحقيقي. وكما يؤدي تكوين البيئات الهشة وإهمال المطالب الرئيسية للشعب إلى إبعاد الناس عن مرشحي تيار الثورة. ولم تكن قضية العيش الرئيسية وفي الوقت ذاته كيفية حل مشاكل الإدارة والسياسة في البلاد ملموسة أكثر من أي وقت مضى للناس أكثر مما هي عليه في الوقت الراهن وعندما تتصاعد الانقسامات الجماعية، يتحول جزء كبير من موقف القوى الثورية إلى قضايا مجردة بدلاً من مطالب الشعب مما يجبرهم على اتخاذ خيارات خاطئة.

بعد الانقسامات الجماعية والتصعيد الموازي للانقسامات الحزبية على الرغم من تضاؤله في أجواء المنافسات الانتخابية ومسؤولية الحكومة القائمة في خلق حالة غير مرغوبة أو مطلوبة. وفي حين أن الموضوع الأول الذي يجب أن يتناوله التيار الثوري في الساحة الانتخابية هو إظهار دور الحكومة الحالية وتفكير التيار الموالي للغرب في تشكيل الوضع الحالي وشرح استراتيجيات التيار الثوري للخروج من الوضع الحالي فلا يجب إضفاء الأصالة للنزاعات ونقل المساحة في اتجاه يتجاهل مسؤولية الحكومة.

ولقد أثبتت تجربة إدارة روحاني التي امتدت لثماني سنوات بجلاء حقيقة أن الابتعاد عن التفكير الثوري لا يقتصر على عدم وجود ضمان للازدهار وهو ما يؤدي حتى بعد أكبر تراجع أمام الجانب الأمريكي إلى فرض أكبر ضغوط خارجية. وهذه التجربة هي أهم مثال على بصيرة وواقعية الثوار الذين كانت الحكومة برمتها مسؤولة عن إضعافهم وإذلالهم. حيث أن التقليل من شأن مثل هذا الواقع حتى لو أهمل في ظل الانقسام يغلق الطريق أمام تعزيز الفكر والأفكار الثورية.

على الوجه الآخر، بافتراض تحقيق النصر المؤكد في الانتخابات، يكمن السؤال: هل يراقب الموالون للغربيين تسليم كرسي الرئاسة المهم للمنافس؟ حيث إنه لأمر مُبشّر للغاية قبول مثل هذا الافتراض في موقف تشير فيه كل الأدلة والحركات إلى أقصى جهد من الإصلاحيين لتوسيع وجودهم في هذا المنصب.

والموالون للغرب الذين واجهوا في السنوات الأخيرة سقوطاً حراً في مكانتهم السياسية والاجتماعية في أعقاب عدم كفاءة الحكومة و إنهم يدركون جيداً حقيقة أن الهزيمة في الميدان الانتخابي القادم قد تخرجهم من فلك كل التطورات لسنوات عديدة قادمة لذلك من الطبيعي أن يخوضوا المنافسة بكل قوتهم وحتى كما أظهروا في الفترات السابقة في حال أصبح الفوز أمراً حيوياً بالنسبة لهم يمكنهم تعطيل حتى طاولة المنافسة السليمة والقانونية بتجاهلهم للمصالح الوطنية. ولكن الحزب الذي يحاول أن يُظهر للرأي العام أن انتصار الخصم مضمون ويؤدي بهم إلى التشتت وتعدد الأصوات فما هي نظرته المستقبلية للانتخابات المُقبلة؟

تجربة الهزائم المتتالية للإصلاحيين في انتخابات 2001 وأخيراً أعمال الشغب في الشوارع في عام 2009 قادتهم إلى استنتاج أنهم لا يستطيعون جلب مختلف الأذواق إلا بإدخال بوادر جديدة وذلك مع بداية 2011 وازدياد الضغط الخارجي على بلادنا وتجسيد هذه الضغوط في الحياة اليومية للشعب حوّل كل قوته الدعائية إلى الاستثمار في مجال السياسة الخارجية؛ وهو استثمار مكلف أدى بالطبع إلى اتفاقية الطوارئ وانتهى بفشل الاتفاق النووي. ولكن الأمور لم تسر على النحو المخطط له من قبل الموالين للغرب، ومع زوال الاتفاقية فقدوا أيضاً كل مصداقيتهم السياسية لدرجة أن الرأي العام شهد أن الموالين للغرب لم يفشلوا في رفع العقوبات فحسب، ولكن ليس لديهم أدنى كفاءة في إدارة العقوبات. وعليه فإن أهم سيناريو محتمل للتيار الموالي للغرب والذي يُخشى منه حتى في الفترة التي تسبق الانتخابات هو التضحية بالمصالح الوطنية للبلاد من أجل الحد الأدنى من مقترحات الإدارة الأمريكية الجديدة. حيث أن الموالين للغرب الذين وصفوا مراراً وتكراراً محادثاتهم الخارجية صراحةً بأنها جزء من مشروعهم الانتخابي المحلي يتجنبون منذ شهور في حالة بادرت بلادنا باتخاذ خطوات عملية في وجه عدم رفع العقوبات بقبول أدنى التنازلات ويمكن أن يتوصلوا إلى اتفاق ضعيف قبل انتخابات حزيران/ يونيو واستخدام هذا الاتفاق لاستعادة سياستهم والمصداقية وحشد أنصارهم. وإن إهمال هذا السيناريو جنباً إلى جنب مع السيناريوهات الأخرى مثل القطبية الاجتماعية والثقافية يمكن أن يمنح الموالين للغرب عملياً فرصة لتقديم وعود في الأيام الأخيرة من الانتخابات بدلاً من أن تتم محاسبتهم مثل التيار الذي خرج عن السلطة وكشف النقاب عن وعود انتخابية جديدة. وفي مثل هذه الحالة هل للتيار المتشرذم الذي اعتبر نفسه منتصراً في الانتخابات القدرة على قيادة الرأي العام؟

قد لا يشعر التيار المؤيد للغرب بالراحة عند مشاهدة هزيمته الانتخابية وخسارة كرسي الرئاسة المهم، ولكنه يميل بالتأكيد إلى مشاهدة خصومه يتشاجرون ويستغل هذا الجو سياسياً وانتخابياً. وبعبارة أخرى إيجاد أصالة الاختلافات الطفيفة داخل التيار الثوري، وتدمير المجموعات المختلفة لبعضها البعض بافتراض أن الفوز في الانتخابات مؤكد، فهي أكبر فائدة تأتي من التيار الذي يمكن أن يجلب معه الرأي العام من قلب هذه التدمير.

ويكفي إلقاء نظرة سريعة على سلوك بعض وسائل الإعلام والأفراد في الأشهر الأخيرة لفهم حقيقة أن جزءاً من التيار الثوري بافتراض أنه الفائز النهائي في الانتخابات قد دمّر الشخصيات البارزة في هذا التيار. والنتيجة الوحيدة لتصعيد موجة الدمار التي يبدو أنها تحدث من أجل اختيار الخيار الأفضل هي تراجع مصداقية القوى الثورية في الفضاء العام للبلاد. حيث أن مشاهدة مثل هذا الجو المدمر هو أهم حلم للموالين للغرب الذين يرون عملياً فقدان كل هيبتهم ومكانتهم السياسية ويمكنهم من خلال الاستشهاد بمثل هذا الجو داخل الثورة أن يستعيدوا بعضاً من هيبتهم المفقودة وأملهم في تشرذم أصوات القوى الثورية وإعادة كسر صندوق الاقتراع الانتخابي حيث سيكون هنالك فرصة للجلوس في السلطة مرة أخرى. وربما إذا كانت نظرة جماهير الشخصيات التي تشعر أن الفوز في الانتخابات سهل ومتاح للغاية فيجب أن يعيدوا النظر في وجودهم السياسي والجو الذي يُحيط بهم. ومن المؤكد أن التيقن بالنصر ستكون نهايته في الساحة الانتخابية.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ صحيفة “وطن امروز” الأصولية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: