الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة3 أبريل 2021 06:58
للمشاركة:

صحيفة “شرق” الإصلاحية – الاتفاقية مع الصين تواجه العقبات

تطرقت صحيفة "شرق" الإصلاحية، في مقال للخبير في القانون الدولي "رضا نصري"، لموضوع الاتفاقية بين الصين وإيران والعقبات التي قد تواجهها. حيث رأى الكاتب أن التحدي التالي لتنفيذ محتوى خارطة الطريق هو تحقيق "تطبيع العلاقات الاقتصادية والتجارية لإيران مع العالم" الذي تم التعهد به صراحة في الاتفاق النووي وبشكل عام لإيران لتحقيق أقصى استفادة من التفاهم مع الصين.

الأن وبعد توقيع الاتفاقية التي تبلغ مدتها 25 عامًا بين إيران والصين أخيرًا، فإن أحد أهم الأسئلة التي تثار هو ما إذا كان يمكن تنفيذ هذه الاتفاقية عمليًا أم لا وما هي العوامل والعقبات التي قد تنجم عن فعاليتها وتأثيرها الإيجابي على الاقتصاد وعرقلة المصالح الوطنية لإيران؟

 في الحقيقة أن هذا الاتفاق من خلال وظيفتين يمكن أن يلعب دورًا في تأمين المصالح الكبرى وتحسين أوضاع البلاد. الوظيفة الأولى هي “روح إبرام اتفاق استراتيجي بين إيران والصين” واستخدام “الصورة” بأن مجرد إبرام هذه الاتفاقية موجه إلى دول منافسة أخرى وخاصة الولايات المتحدة والعالم الغربي، والوظيفة الثانية هي جدوى وجودة تنفيذ محتوى الاتفاقية من وجهة نظر “عملية”. وفيما يتعلق بـ “روح إبرام اتفاق”، فإن مشهد توقيع “وثيقة استراتيجية” بين إيران والصين يثير حتماً هذا التصور في ذهن “الحرب الباردة” لواشنطن وعواصم غربية أخرى في عملية التنافس مع الصين التي تمكنت من إضافة وزن ثقيل إلى موازينها.

هذا الوزن الثقيل هو “إيران” والتي نظرًا لقدرتها على توفير الوقود الأحفوري والمستوى المتخصص والنوعي للقوى العاملة والموقع الجغرافي الاستراتيجي  والقوة العسكرية ونطاق النفوذ في المنطقة وتأثيرها الروحي الثقافي والمفاهيمي على الدول المجاورة وغيرها من الدول الإسلامية يمكن للمجتمعات النهوض وسوف تلعب الصين دورًا محوريًا ضد الولايات المتحدة والغرب. ومن ناحية أخرى القوة الاقتصادية المتنامية للصين أي قوتها السياسية لا سيما في المؤسسات المؤثرة مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الذي تتمتع فيه بحق النقض)  والجودة المتزايدة للتكنولوجيا الصينية وإمكانية نقلها إلى إيران وقدرة الصين التي لا مثيل لها على البناء كالبنية التحتية اللازمة للتطوير وأسلحتها النووية فضلاً عن قدرتها على جذب إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون وأنظمة التعاون العسكري الدفاعي المماثلة، هي من بين السمات التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على تعزيز مكانة إيران باعتبارها دولة بلا منازع في القوة الإقليمية. وبالطبع خلافًا للاعتقاد السائد فإن وجهة نظر إيران بشأن اتفاقية مدتها 25 عامًا مع الصين لا تستند إلى وجهة نظر “شرق-غرب”، ولكن الحقيقة هي أن الحكومات الأميركية والغربية غالبًا ما تنظر إلى الاتفاقية الأخيرة من هذا المنظور وخلق قدرة لإيران على الاستفادة من الصورة التي تم إنشاؤها للحصول على تنازلات من الغرب. والآن من أجل تنفيذ هذا الاستغلال بأكثر الطرق فعالية فإن الشرط الأكثر وضوحًا هو أن يدرك الجهاز السياسي للبلاد وكذلك الرأي العام إمكانات هذه الاتفاقية ومساعدة الجهاز الدبلوماسي للبلاد من خلال التآزر والتعاون والوحدة.

في الواقع تدرك الولايات المتحدة والحكومات الغربية جيدًا أن نشر النص الكامل لمثل هذا الاتفاق الاستراتيجي واسع النطاق ليس في مصلحة إيران أو الصين حيث يمكن لإيران أن تدخل الميدان بموقف أقوى ويد أكثر انفتاحاً في المفاوضات المستقبلية المحتملة والتي ستحصل على نقاط وظروف أفضل. ونتيجة لذلك بدأت أجهزة الدعاية المنافسة بالفعل في معالجة هذه الالتباسات وبالتالي إضعاف موقف إيران التفاوضي بمساعدة بعض المشاهير الناطقين باللغة الفارسية ووسائل الإعلام التابعة لها والتي نجحت للأسف في جعل بعض من  شرائح المجتمع متشائمة بشأن الاتفاق. ولسوء الحظ هجوم الخصوم السياسيين للحكومة على الجهاز الدبلوماسي على مدى السنوات السبع الماضية وحملاتهم الدعائية ضد وزير الخارجية نفسه هو في الأساس الخوف من مستقبل جواد ظريف السياسي فضلاً عن الاتهامات الشديدة التي يوجهها أحيانًا الإعلام الوطني والمحاكمات الرسمية ضد العملاء السياسيين حيث واجهت الحكومة الإيرانية تحديات لا داعي لها في استغلال “سرية” الاتفاق وغموض الحكومات المتنافسة فيه.

في الواقع مع الأجواء التي أوجدتها الحرب النفسية في الغرب والتنافس غير المسؤول بين الفصائل داخل البلاد  تضطر الحكومة أحيانًا إلى فتح قبضتها على منافس غير محرم أو قمع نظريات المؤامرة في تصريحاتها لتهدئة المخاوف وتهدئة الجمهور دائما وذلك بالتقليل من أهمية وجدية العقد. وكلما اضطر المسؤولون في البلاد إلى التأكيد على تصريحات مثل “هذه الاتفاقية مجرد خارطة طريق” أو “اتفقنا فقط مع الصين على عدد من العموميات”، فإن إيران ستستفيد بشكل أقل من هذه السرية. ولأن الحكومات الغربية ستشعر بأنها أقل ضرورة لتقديم تنازلات لإيران لذا فإن التحدي الأول لتحقيق أقصى استفادة من هذه الاتفاقية التي تبلغ مدتها 25 عامًا هو القضاء على العوامل التي تعيق الصورة المرغوبة فيها  لتحالف الاستراتيجي الجديد بين الصين وإيران.

فيما يتعلق بـ “القدرة على تنفيذ محتوى الاتفاقية” تجدر الإشارة إلى أن هذه المذكرة هي “خارطة طريق” سيتم استخدامها في المستقبل في تقسيمها الفرعي والتي يوجد فيها مئات العقود في مناطق محددة وبطبيعة الحال سيكون المتعاقدون الخاصون والبنوك والجامعات والشركات والمقاولون كيانات قانونية يتعين عليها حتماً العمل في إطار القانون الدولي والمعايير المصرفية العالمية وحتى لسوء الحظ القوانين الخارجية للولايات المتحدة. لذلك فإن التنفيذ السلس لهذه الاتفاقيات يتطلب من ناحية  إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأميركية خارج الحدود الإقليمية ومن ناحية أخرى تكييف النظام المصرفي الإيراني مع متطلبات ومعايير مجموعة العمل المالي. والآن إذا فشلت حكومتا إيران والولايات المتحدة ربما قبل انتهاء الاتفاقية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في الشهرين المقبلين في فتح عملية العودة إلى الاتفاق النووي الأمر الذي يؤدي الى إحياء قرارات مجلس الأمن بشأن العقوبات حيث سيتعين على الصين الالتزام بها. ومن المؤكد أن العقد الذي تبلغ مدته 25 عامًا سيتأثر أيضًا سواء من حيث العلاقات بين الحكومتين أو من حيث الرأي العام. وأيضًا إذا استمر مصير النظام المصرفي في البلاد في الاعتماد على التسويف والتردد بشأن مجموعة العمل المالي فمن الطبيعي أن تظل العقبات نفسها التي تواجهها الشركات الصينية اليوم للعمل مع إيران قوية بعد إبرام العقود الفرعية لخريطة الطريق. لذا فإن التحدي التالي لتنفيذ محتوى خارطة الطريق هو تحقيق “تطبيع العلاقات الاقتصادية والتجارية لإيران مع العالم” الذي تم التعهد به صراحة في الاتفاق النووي وبشكل عام لإيران لتحقيق أقصى استفادة من التفاهم مع الصين.

وفي النهاية أنه من الضروري اتخاذ بعض الإجراءات. أولا إقناع الرأي العام وتنسيقه وصد الشائعات التي لا أساس لها مثل نقل جزيرة كيش والمزاد العلني لموارد البلاد الطبيعية من خلال توضيح ضرورة الحفاظ على سرية أجزاء من الاتفاقية في المرحلة الحالية ومحاولة نشرها تدريجياً وبمرور الوقت ستقل الحساسيات الاستراتيجية والأمنية. ثانيًا إرساء توافق وطني على مستوى الفصائل والفاعلين السياسيين من أجل تقوية جهاز الدولة الدبلوماسي وإزالة العوائق السياسية لمساعدة وزارة الخارجية على الاستفادة من الأثر النفسي لعقد هذا الاتفاق في الدول الغربية. ثالثًا تقوية الحكومة لإحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأميركية أحادية الجانب قبل استئناف محتمل لقرارات مجلس الأمن الدولي ضد إيران وإسناد قضية مجموعة العمل المالي والتي لها اليوم دور جديد ومحوري في إنجاح الاتفاقية.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ صحيفة “شرق” الإصلاحية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: