الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة3 أبريل 2021 06:47
للمشاركة:

صحيفة “جوان” الأصولية – التحالف الشرقي أمام العقوبات الغربية

تناولت صحيفة "جوان" الأصولية، في مقال لـ"مهدي بور صفا"، موضوع اتفاقية التعاون بين إيران والصين التي تمتد لـ25 عاماً. حيث رأى الكاتب أن هذا الاتفاق هو خطة عمل شاملة للمستقبل، معتبراً أن حساسية الأطراف الغربية لهذه المذكرة تُظهر أن البلدين يسيران على الطريق الصحيح، حسب تعبيره.

انقلب الجدل حول الاتفاقية الاستراتيجية الإيرانية الصينية ضده من ناحيتين؛ أولاً، بعض الذين اتخذوا في البداية مقاربة دوغماتية (الجمود الفكري) تجاهها وباتخاذ موقف “الاستقلال التام” ونفي اتهامهم للغرب اعتبروا أن أي اتفاق استراتيجي يضر بالبلاد بسبب حالة الضعف الحالية، وقد تخف مع مرور الوقت. وربما أساؤوا تقدير “ضعف الدولة” أو غيروا شركتهم في قضية “بيع إيران” أو لأسباب أخرى لا ندركها ولكننا نرى أنهم يتخذون موقفاً أكثر عقلانية من هذا الاتفاق الاستراتيجي مما كان عليه في الماضي.

ومن ناحية أخرى، أثار الجدل حول الاتفاقية الجدل المعتاد حول الاتفاق النووي والولايات المتحدة وأوروبا، وذلك بالنسبة لمنتقدي الصفقة الذين كانوا أكثر قلقاً بشأن علاقات إيران مع الغرب، حيث انقلبت ضدهم.

ويشير معظم المراقبين الآن إلى الاتفاقية الاستراتيجية الإيرانية الصينية على أنها “تحالف شرقي ضد العقوبات الغربية” لكل من إيران والصين. وطبعاً تشويش إعلام العدو والضجيج الجماهيري المزعج للخائنين الذين يدعون الوطنية مستمر وهذا طبيعي ويُظهر أن الطريق هو الطريق الصحيح.

حيث يمكن اعتبار توقيع مذكرة التفاهم التي تمتد لـ25 عاماً بين إيران والصين خطوة مهمة نحو مواجهة العقوبات الأميركية والغربية أحادية الجانب ضد بلدنا وفتح ثغرة لإعادة الاتصال بالاقتصاد العالمي.

وقبل ثلاث سنوات في شباط/ فبراير 2018، أوضح القائد الأعلى علي خامنئي نقطة مهمة حول السياسة الخارجية في لقائه مع أهالي أذربيجان الغربية، والتي تتماشى مع تأكيده السابق على الحاجة إلى تغيير النظرة إلى السياسة الخارجية، مشيراً إلى أن “تفضيل الشرق على الغرب في السياسة الخارجية وتفضيل الجار على البعيد وتفضيل الأمم والدول التي لديها قواسم مشتركة معنا على الآخرين، هي إحدى أولوياتنا اليوم”.

وفي ذلك الوقت وعلى الرغم من جدية احتمال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، فسّر الكثيرون هذه الخطة الاستراتيجية فقط ضمن إطار تشاؤم الجمهورية الإسلامية ضد الغرب. ومع ذلك فقد أظهرت التطورات اللاحقة أن هذا التكتيك لا ينبع من نظرة تشاؤمية متأصلة للغرب ولكن من واقع استراتيجي على المسرح العالمي.

وبعد ثلاثة أشهر بالفعل انسحب ترامب من الاتفاق النووي، وعادت جميع العقوبات التي رفعت بموجب الاتفاق، وبعد عام ومع رفع جميع الإعفاءات سعى إلى خفض صادرات النفط الإيرانية وحتى إيصالها إلى الصفر. وفي خضم ذلك كان ردّ الحكومة هو محاولة للتعويض عن طريق إقامة علاقة مالية خاصة مع أوروبا، ولكن بعد عامين والعديد من الاجتماعات المرموقة، لم يؤت أي منها ثماره. وفي غضون ذلك كانت الطريقة الوحيدة لتنفس الاقتصاد الإيراني على الأقل هي في الشرق والصين؛ وهي ذات النقطة التي أثارها القائد الأعلى.

يمكن اعتبار اتفاقية التعاون التي تمتد لـ25 عاماً بين إيران والصين امتداداً لذات التكتيك الاستراتيجي. وقد بدأت العملية بزيارة الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في عام 2016. وتم تجاهل الاقتراح على ما يبدو من قبل الحكومة التي كانت ثملة في غياهب الاتفاق النووي، ولكن الأحداث اللاحقة أظهرت أن أفضل طريقة لكسر جدار العقوبات هي النظر إلى الشرق.

ومن ناحية أخرى، فإن تعيين علي لاريجاني ممثلاً خاصاً للنظام في المفاوضات مع الصين وزيارته لبكين مع محمد جواد ظريف وعبد الناصر همتي ولقائه برئيس هذا البلد عام 2019 كان قادراً على الإسراع في عملية الصياغة لمذكرة التفاهم. وفي نهاية المطاف وبعد عدّة جولات من المحادثات الثنائية تم أخيراً توقيع اتفاقية تعاون تمتد لـ25 عاماً بين إيران والصين بزيارة وزير الخارجية الصيني إلى طهران في 27 آذار/ مارس 2021؛ وهو اتفاق كان له العديد من ردود الفعل، سواء بين أصدقاء وأعداء جمهورية إيران الإسلامية.

إن توقيع مثل هذه الاتفاقية مع إيران هو انعكاس لما يحدث في مجال العلاقات الدولية. وربما مع حسم وحزم قل نظيره يمكن القول إن قضية العلاقات الصينية الأميركية اليوم هي القضية الأكثر حساسية وأهمية في العلاقات الدولية العالمية. ولسنوات كان الأميركيون حساسين تجاه القوة الاقتصادية والعسكرية المتنامية للصين.

ومنذ أن أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، سعت الولايات المتحدة لاحتواء قوة بكين المستقبلية في العالم. وقد تحدّث الرئيس الحالي جو بايدن لأول مرة عن الحاجة إلى الاهتمام بالصين في عام 2011 كنائب للرئيس آنذاك. وفي السنوات الأخيرة تحدثت مصادر رفيعة المستوى في واشنطن مراراً وتكراراً عن الحاجة إلى احتواء الصين حتى عام 2017 ولأول مرة تم ذكرها على أنها تهديد للولايات المتحدة ضمن وثيقة الأمن القومي السنوية. حيث تشير التقديرات إلى أن الصين ستتفوق على الولايات المتحدة اقتصادياً بحلول عام 2028 مما يجعلها أكبر مصدر ومستورد في العالم وأكبر مستورد للنفط في العالم، بإجمالي ناتج محلي يبلغ 15 ألف مليار دولار.

لعل السؤال الرئيسي هو ما هو موقع إيران في هذه اللعبة الكبرى بين الصين والولايات المتحدة، والتي أثرت آثارها على العالم كله؟

إن إلقاء نظرة على أهم عنصر في علاقة إيران الاقتصادية مع العالم يُظهر أن خريطة الطاقة في العالم قد خضعت للعديد من التغييرات. وتسعى الولايات المتحدة والغرب إلى تقليل وارداتهما من الطاقة وتقليل وارداتهما النفطية من الشرق الأوسط، بينما يتزايد اعتماد الصين على المنتجات النفطية في الشرق الأوسط بشكل حاد. وفي كانون الثاني/ يناير 2021 استوردت الصين ما يقرب من 11 مليون برميل من النفط، نصفها من الشرق الأوسط. وبالتالي أصبح دور إيران في أمن الطاقة ضمن الشرق الأوسط والذي قد يكون ذا أهمية قليلة للأميركيين في الوقت الحالي، وعنصراً حيوياً بالنسبة للصين.

وبالإضافة إلى ذلك تُعد إيران باحتياطاتها النفطية الكبيرة أحد أهم خيارات الصين لتنويع قواعد استيراد النفط، كما أن تركيز المشتريات من أي من لاعبي النفط الرئيسيين في العالم يمثل تهديداً أساسياً للصينيين. وبالإضافة إلى ذلك ومن وجهة النظر الصينية فإن لإيران أدواراً مهمة أخرى في المنطقة، بما في ذلك دورها في أمن أفغانستان ومنطقة آسيا الوسطى. وقد دخلت الصين في شراكات استراتيجية مع العديد من دول الشرق الأوسط لضمان تدفق النفط والبضائع من هذا البلد إلى غرب آسيا وأوروبا.

والصين على سبيل المثال هي أكبر مشتر للنفط من المملكة العربية السعودية وتستثمر عشرات المليارات من الدولارات في ذلك البلد. وقد تم تطوير ميناء جوادر باستثمارات صينية في باكستان وهو متصل بغرب الصين عبر طريق سريع على يمتد لعدّة مئات من الكيلومترات. حيث تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة حالياً بإنتاج وتوزيع لقاح كورونا الصيني وتعتزم أن تصبح مركزاً للقاح الصيني في المنطقة. وكما تجري أنشطة مشتركة مع دول مثل الكويت والعراق وإلى حد ما تركيا. وهذه نقاط كافية لمعرفة أن إيران تقع في آخر هذا الطابور وفقدت العديد من الفرص للاستثمار الثنائي.

يمكن اعتبار اتفاقية التعاون بين إيران والصين التي تمتد لـ25 عاماً خطة عمل شاملة للمستقبل، لكنها تفتقر إلى أي تفاصيل تنفيذية، ولتحويلها إلى اتفاقية ذات مخرجات سيتطلب الأمر مفاوضات أوسع وأطول وتوقيع عشرات الاتفاقيات الأخرى. ولكن حساسية الأطراف الغربية لهذه المذكرة تُظهر أن البلدين يسيران على الطريق الصحيح. ويمكن لإيران استخدام إمكانات الصين الاستثمارية العالية في مخطط “طريق واحد حزام واحد” واستخدام البنية التحتية المالية للصين للالتفاف على العقوبات. ومن ناحية أخرى تغتنم الصين موقع إيران الجغرافي الفريد لنقل البضائع والخدمات إلى أوروبا وإفريقيا فضلاً عن إمداداتها من الطاقة. والنقطة المهمة هي أنها يمكن أن تكون ورقة إيران الرابحة أمام الغرب.

وفي إيران، لا يزال البعض متشائماً بشأن أي تطور في العلاقات بين إيران والصين ويريد العودة إلى الهيكلية السابقة مع تنفيذ الاتفاق النووي. ولكن الحقيقة هي أنه من المستحيل حل العديد من هذه المشاكل دون إقامة علاقات استراتيجية بين إيران والصين. حيث يسعى الجانب الآخر إلى منع تنفيذ هذه الاتفاقية وتوسيع العلاقات الإيرانية الصينية بأي وسيلة، ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى العقوبات الشاملة في عامي 2019 و2020، والتي فرضت إدارة ترامب معظمها.

ومع ذلك، يمكن القول إنه وفقاً لخطاب القائد الأعلى للثورة عام 2018، فإن تطوير العلاقات مع الشرق سيكون أهم أولويات إيران في السنوات المقبلة، وتعليقها بسبب الخلافات والقضايا السياسية الداخلية هي أكبر أذية يمكنها أن تحدث لمستقبل إيران.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ صحيفة “جوان” الأصولية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: