الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة14 مارس 2021 00:33
للمشاركة:

صحيفة “وطن امروز” الأصولية – متطلبات المجتمع لمواجهة صعوبات الوضع الراهن

تناولت صحيفة "وطن امروز" الأصولية، في مقال لـ"يونس مولائي"، واقع الصعوبات الاقتصادية والسياسية في البلاد. وبعد توجيه الانتقادات إلى الإصلاحيين في سياسة إدارة الدولة، وجّه الكاتب بعض النصائح إلى التيار الأصولي الذي وصفه بـ"التيار الثوري"، معتبراً أن العام المقبل يمكن أن يكون عاماً مليئاً بالتطلعات إذا تم تغيير بعض السياسات.

ضمن وضع ترى فيه التيارات المناهضة للثورة والموالية للغرب أن استمرار مشروع المساومة يعتمد على إحباط المجتمع وإحداث شعور بالضيق، لذلك فمن الضروري إحياء الأمل من خلال رسم إحداثيات التغيير الإداري خلال السنة المُقبلة.

يمر هذا العام الصعب بأيامه الأخيرة في وضع جعلته مجموعة من العوامل البشرية واللاإنسانية، وقتاً عصيباً لكثير من الإيرانيين. فمن ناحية، فإن مشاكل سبل العيش وارتفاع الأسعار وعدم استقرار السوق وما إلى ذلك والتي عانت منها السنوات السابقة كانت محسوسة بشكل أكبر في هذا العام ومن ناحية أخرى أثر تفشي فيروس كورونا كمتغير غير متوقع على جميع جوانب حياة الناس. حيث كانت خسارة أكثر من 60 ألف مواطن بسبب الفيروس خسارة لا يمكن تعوضيها إلى جانب الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتفشي فيروس كورونا والتي جعلت حياة الناس اليومية أكثر صعوبة من أي وقت مضى.

وفي مثل هذه الحالة فإن إنكار المصاعب المفروضة على الناس والأوضاع الخاصة التي تعيشها بلادنا هو عقبة كبيرة أمام إدراك الظروف والتفكير في الخروج منها لدرجة أنه نتيجة مواقف بعض المسؤولين الحكوميين في الأشهر الأخيرة يمكن اعتبارها سبباً لزيادة الغضب الشعبي.

ومع أخذ ذلك في الاعتبار يبدو من الصعب التشكيك في العلاقة بين “الأمل” و “الوضع الراهن للمجتمع الإيراني”؛ سواء كان ذلك لأن المجتمع لم يتلق بادرة طيبة في مواجهة تراكم المشاكل والمصائب أو لأن القوى السياسية لم تظهر الكثير من القدرة على إقناع الرأي العام في مواجهة الوضع الراهن العصيب. وفي مثل هذه الحالة يعتبر مشروع إعادة الأمل وخلق الصورة وإمكانية تغيير الموقف من أصعب العمليات بالنسبة للمتعاطفين مع إيران، وهي عملية تبدو بالتأكيد مستحيلة بدون استراتيجية وإجماع حول كيفية الخروج من هذا الموقف.

من أهم معوقات مشروع إعادة الأمل للجو الاجتماعي الإيراني وجود تيار يعتبر في الأساس استمرار هذا اليأس أمراً مرغوباً فيه. ومن ناحية يمكننا أن نشير إلى مناهضي الثورة في الخارج والذين يبذلون قصارى جهدهم لجعل الإيرانيين يستنتجون أنه لا توجد إمكانية لتغيير الوضع الراهن من خلال خلق شعور بـ”الجمود” في الرأي العام. حيث تعمل وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية في الخارج على تشكيل هذا الافتراض على مدار الساعة من أجل تعزيز مشروع أعمال الشغب في الشوارع والإطاحة بالنظام الإسلامي. وإلى جانب هذا التيار هناك الإصلاحيون الجدد المحليون والتيار الموالي للغرب والذين على الرغم من دورهم الفاعل والرئيسي في خلق الوضع الراهن سعداء بهذا الإحباط. وكما أنهم يعتبرون الشعور بالمأزق والجمود شرطاً ضرورياً لتحقيق أهدافهم ومحاولة فرض مشروعهم على السلطة من خلال تعزيز اليأس الاجتماعي وإجبار الجمهورية الإسلامية على قبول التنازل عن حقوقها والاستسلام للغرب ونزع سلاحها.

حيث أن كثيراً من نشطاء فتنة 2009 في هذه الأيام بدلاً من محاولة التعبير عن أسفهم على الوضع الذي خلقته حساباتهم الخاطئة وأفكارهم الإدارية وبدلاً من الاستجابة للوضع الحالي وقفوا كدائنين واغتنموا هذه الفرصة للخروج بأفكار خطيرة يستخدمونها لغاياتهم. وهم أولئك الذين وصفوا منتقدي الاتفاق النووي بـ”الترامبيين” للإشارة إلى عواقب مقاربة السياسة الخارجية للحكومتين 11 و 12 هم الآن يشتكون من عدم الفوز مرة أخرى وعدم فرض ضغوط جديدة ويصرحون علانيةً أنهم يعتبرون تضييق المجال على الناس شرطاً مسبقاً لتحقيق مآربهم الدنيئة. وفي الأشهر المقبلة سيحاول الإصلاحيون الجدد بالتأكيد الاستفادة القصوى من الوضع المُزري للأحوال المعيشية للناس ومن ضغوطات حياتهم اليومية لمتابعة النسخة التي تم التغاضي عنها من الاستقلال الوطني بهدف الحصول على الموافقة الأمريكية.

في غضون ذلك يجب على القوى الثورية كقادة في انتقاد الوضع الحالي ومن حذروا من عواقب المسار الذي سلكته الحكومتان 11 و 12 على مدى سنوات أن توضح علاقتها بالأمل. ومن المؤكد أن التفكير الثوري له علاقة أبدية لا تنفصل عن عنصر الأمل وذلك لأنه ضمن جو اليأس لا يمكن للفرد تحديد إمكانية تغيير الوضع ناهيك عن التحرك نحوه. حيث يمكن اعتبار الأمل هو نتيجة تحديد العيوب بالتوازي مع توفير مخرج منها. وكما أن التيار الذي يعرّف الوضع الراهن في إطار المأزق والجمود يسعى إلى رفض أي إمكانية للتغيير وفي ظل ذلك ينزع الأمل من المجتمع. وبحكم طبيعة عملهم لا يستطيع الثوريون تحديد حتى أصعب الظروف ضمن إطار المأزق وذلك لأن تجسيد الجمود في ذهن المجتمع يمنعه من التغيير أو كما تطالب التيارات المناهضة للثورة والإصلاحية الجديدة بقبول الفروض الخارجية. وعليه يجب على التيار الثوري أن يحدد مشروع استعادة الأمل الاجتماعي كجزء من خارطة طريقه المستقبلية عشية العام الجديد؛ وهو مشروع بالطبع ليس بالأمر السهل ويواجه عقبات وتحديات كثيرة.

  • والعقبة الأولى التي يجب على القوى الثورية أن تدركها هي استيعاب موجة الإحباط في المجتمع. وهذا يعني أن الطبقات الثورية تصل عملياً إلى مرحلة من السلبية الاجتماعية والتي يصابون فيها هم أنفسهم بالإحباط من أي تغيير. حيث إن تجربة السنوات التي تلت الدفاع المقدس وتغير الخطاب السياسي الحاكم هي مثال حاضر على هذا الاحتمال حتى أن القوى الثورية وصلت إلى عزلة لا يمكن إنكارها في مواجهة الموجات الاقتصادية والثقافية والسياسية في ذلك الوقت. وفي ذلك الجو وعلى الرغم من أن تحدي الأمل الاجتماعي لم يكن موجوداً في شكله الحالي حاول الثوار الذين رأوا المسافة بين مُثلهم العليا وما يتم تحقيقه أن ينأوا بأنفسهم عن الساحة الاجتماعية. وعلى الرغم من أن الوضع في هذا العام يختلف بشكل كبير عن الوضع في المجتمع الإيراني في أواخر القرن الماضي ولكن لا يمكن تجاهل هذا الاحتمال أو التحذير منه.
  • والعقبة الثانية هي خارطة الطريق التي يتطلع إليها الإصلاحيون الجدد. حيث إنهم يميلون إلى الامتناع عن انتقاد التيارات الثورية في مواجهة الوضع الراهن ومواكبة موجة التغيير التي يريدها الإصلاحيون الجدد. ومن المؤكد أن العديد من الإشارات التي يرسلها الإصلاحيون الجدد إلى المجتمع تهدف إلى إضعاف حاجز القوى الثورية ودفعها إلى استنتاج أن السبيل الوحيد للخروج من الوضع الحالي هو قبول الضغوط الخارجية والتنازل أمام الإملاءات الخارجية. والإصلاحيون الجدد لا يجهلون بالطبع هذه النقطة. وفي مواجهة هذه العقبة ينبغي على التيار الثوري تعزيز مقاربته الإيجابية من أجل منع رؤية الإصلاحيين الجدد هذه ضمن الفضاء العام للمجتمع.

حيث يمكن النظر إلى تجربة الاتفاق النووي الواضحة كمثال على ذلك. ورغم أن التيار الثوري تمكن من اكتشاف الطبقات الخفية لهذا المشروع بنظرة دقيقة وحذّر المجتمع من عواقبه إلا أنه لم يستطع إقناع المجتمع كثيراً ضمن إطار إيجابي؛ وهي قضية سمحت من الناحية العملية للغربيين بجعل فكرة أن المستقبل القابل للحياة يعتمد على تحقيق الاتفاق النووي ضمن عقلية المجتمع. والآن عشية العام الجديد وعلى الرغم من أن المجتمع الإيراني قد اكتسب خبرة أكثر قيمة ونضجاً سياسياً من خلال مشاهدة عواقب الاتفاق النووي، ولكن بالتأكيد دون تقديم حلول إيجابية وخطة مقنعة في المجتمع لا يمكن للمرء أن يتوقع عودة الأمل الاجتماعي وبالتالي إجراء تغييرات لصالح الناس.

يمكن أن يكون العام المُقبل بداية طريق مشترك في المصير التاريخي لإيران. حيث إن تغيير مسار سياسة البلاد نحو إصلاحات جذرية وتحسين الوضع العام لا يحول إحباطات المجتمع الإيراني إلى أمل على المدى المتوسط فحسب بل ويقوي الروح الجماعية للمجتمع الإيراني باعتباره أهم الثروات الوطنية في مواجهة الضغوط الخارجية. وإن تحقيق الأمل في ظل التغيير ممكن للنهوض بطبقات المجتمع التي تقبع تحت الضغط نحو التحسن، لذلك لن يكون من الخطأ إذا اعتبرنا أن عودة الأمل تعتمد على متغيرات العام المُقبل. وفي خضم ذلك ينبغي أن يتوصل التيار الثوري إلى فهم واحد للوضع الحالي وتتمثل مهمته في تمكين عودة هذا الأمل واختيار أي أدب ونهج ومسار ذكي في مواجهة هذا الأمل هو تحرك مناهض للثورة؛ و كما ورد هذا الموضوع في كلام القائد الأعلى للثورة في ذكرى المبعث النبوي الشريف حيث أشار إلى عنصري “البصيرة” و “الصبر والمثابرة” كشرط للوقوف في وجه العدو وقال: “إذا كانت هنالك سلسلة من النصائح للصبر والعدالة بين الناس، فلن يكون هنالك شعور باليأس والوحدة أو ضعف بالإرادة ضمن المجتمع و ولن تضيع شجاعة العمل”.

ومع أخذ ذلك في الحسبان ربما يمكن اعتبار أهم مخاطر التيار الثوري في العام المُقبل على النحو التالي:

  • التفكك وروتينية التيار: إن إعطاء الأصالة للخلافات القائمة إلى حد التجزئة والانقسام وأخيراً تعدد الأصوات هو عقبة قوية أمام بداية التغييرات الأساسية. ويجب أن تصبح مساعي تجنب هذا الاحتمال جزءاً من المعايير الثورية.
  • المثالية الزائفة: من المؤكد أن أحد أهم جوانب التفكير الثوري هو أن يكون لديك مبادئ ومُثل لتوجيه الحركة الجماعية لمجموعة ما ومع ذلك لا ينبغي إغفال أن التحرك نحو المُثل العليا دون الواقعية والفهم الصحيح للقدرات والإمكانيات الحالية يؤدي فقط إلى العزلة الجماعية. وعليه يجب على التيار الثوري قبل اتخاذ أي خطوة أن يحقق التوازن المنشود بين المُثُل والإمكانيات المتاحة له.
  • تكرار النسخ غير الناجعة: إن تحول بعض التجارب إلى منظومة قيم لتيار بسبب التكرار والتسلسل من أهم المعاناة التي يواجهها التيار الثوري اليوم. ومن المؤكد أن التيار الثوري مع الحفاظ على الوحدة والإجماع يجب أن ينظر بشكل نقدي إلى ماضيه السياسي ويمنع إعادة النسخ البالية التي ثبت بالفعل أنها غير فعالة.

وفي نهاية المطاف يمكن أن يكون العام المُقبل بمثابة مقدمة لتحقيق العديد من الأهداف والتطلعات للناس بعد سنة عجفاء.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ صحيفة “وطن امروز” الأصولية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: