الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة26 فبراير 2021 17:08
للمشاركة:

مصالح متعارضة.. هل تواجه الصفقة النووية الإيرانية مشكلات إقليمية حقيقية؟!

تريتا بارسي- عرض: مرﭬت زكريا

بينما تحاول الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة جو بايدن دراسة المحددات التى يمكن من خلالها العودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة مع إيران، تصر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – وهما دولتان من ثلاث دول فقط في العالم عارضتا عقد هذه الاتفاقية في عام 2015- على أنه يجب إشراكهما في المفاوضات المستقبلية حول أي تفاهمات مع إيران؛ حيث يجادل ممثلو البلدين بأن تضمينهم من شأنه أن يصحح جوانب الخلل الموجودة في هذه الاتفاقية، ولاسيما فيما يتعلق بكبح جماح النفوذ الإيراني المتصاعد في الإقليم.

لكن في الحقيقة، يؤكد الكاتب الإيراني ونائب المدير التنفيذي لمعهد كوينسي لفنون الحكم المسؤول تريتا بارسي، على أن كل من الرياض وأبو ظبي لديهما اهتمام أقل لتعزيز الاتفاق النووي من رغبتهما في الحفاظ على استمرارية العداء بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران؛ فأثناء التفاوض على خطة العمل المشتركة الشاملة في عام 2015، قامت هذه الدول بدور المخرّب، من خلال تصعيد حدة التوتر بين كل من طهران وواشنطن، حتى تجبر هذه الأخيرة على التواجد في المنطقة لحماية مصالحها. لذا، يحتاج بايدن إلى تغيير حقيقي في أولويات هذه الدول ولاسيما في ظل إصرارهما على الانخراط في المفاوضات القادمة مع إيران.


تبعات الماضي

هناك تعارض كبير بين تأكيد كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل في الوقت الحالي على أن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 كان ينبغي أن يشمل القضايا الإقليمية، وبين إصرار أبو ظبي والرياض خلال مرحلة المفاوضات في فترة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على تحييد النزاعات الإقليمية عن المناقشات مع إيران في غيابهما. كما عارضت إسرائيل توسيع أجندة التفاوض لتشمل ملفات أخرى بخلاف القضية النووية خوفاً من أن يؤدي ذلك بواشنطن إلى حل وسط بشأن القضايا الإقليمية بدلاً من البرنامج النووي، الأمر الذي يتعارض مع إدعاءات الدول الثلاثة حاليًا بقصور خطة العمل المشتركة الشاملة نتيجة تركيزها على الأنشطة النووية حصراً.

وفي ضوء ذلك، يؤكد بارسي على أن دول الخليج لا تستثمر بشكل خاص في القيود النووية للاتفاق؛ حيث لم تضغط الرياض أو أبو ظبي من أجل عمليات تفتيش أكثر صرامة أو قيودًا أطول على البرنامج النووي الإيراني في مشاوراتهما الخاصة مع إدارة أوباما، والشاهد على ذلك هو ما أقره أحد كبار مستشاري نائب الرئيس الأميركي جوبايدن في عام 2015 عنما قال “لم نجر محادثة واحدة مع السعوديين حول عدد أجهزة الطرد المركزي، لكن الواضح، أنه إذا اضطرت الرياض إلى الاختيار، فستفضل إيران المعزولة بقنبلة نووية على إيران المقبولة دوليًا غير المسلحة بأسلحة الدمار الشامل”.

قد يؤدى احتواء الولايات المتحدة الأميركية لنفوذ إيران السياسي وتقويض اقتصادها، إلى ميل توازن القوة في المنطقة – بشكل مصطنع- لصالح هذه الدول.

كما أن المملكة العربية السعودية لم تبدِ اهتمامًا كبيرًا بالدبلوماسية الإقليمية عندما تحركت الولايات المتحدة الأميركية في عهد أوباما للقيام بذلك، بعد بضعة أشهر من التفاوض على الاتفاق النووي، لمعالجة دور إيران في سوريا من خلال المفاوضات متعددة الأطراف التى عقدت في فيينا؛ حيث رفضت الحكومة السعودية المشاركة في البداية، ولم تستسلم إلا بعد أن تدخل أوباما شخصيًا وأبدى استياءه، مؤكداً على أن دول الخليج بحاجة إلى التفاهم في قضايا الجوار المشتركة مع إيران. لكن على النقيض من ذلك، دعمت المملكة العربية السعودية – إلى جانب إسرائيل والإمارات العربية المتحدة – قرارات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بخرق الاتفاق النووي والتعامل من خلال استراتجية الضغوط القصوى على إيران التى تمحورت حول إعادة فرض العقوبات الاقتصادية.

وفي هذا السياق، أدت استراتجية الضغوط القصوى إلى تحقيق مآرب المملكة العربية السعودية من خلال تشديد العقوبات على إيران، وبالتالي، وضع المزيد من العقبات في مواجهة أي حوار أميركي- إيراني؛ فطالما استمرت سياسة العداء بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، ستحافظ واشنطن على التزامها العسكري تجاه الشرق الأوسط، الأمر الذي يوفر مظلة أمنية تعتمد عليها كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. علاوة على ذلك، قد يؤدى احتواء الولايات المتحدة الأميركية لنفوذ إيران السياسي وتقويض اقتصادها، إلى ميل توازن القوة في المنطقة – بشكل مصطنع- لصالح هذه الدول.

نوافذ نحو المستقبل

يشير الكاتب إلى أنه بالنظر إلى أن الشركاء الأمنيين الثلاثة للولايات المتحدة الأميركية- المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل- لديهم مصلحة مشتركة في استمرار العداء بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وبالتالي، فإن تضمينهم في المفاوضات النووية القادمة سيكون خطأً فادحًا، لكن ذلك لا ينفى أنهم سيكونوا أقطابًا رئيسية في أي تفاهمات لاحقة بشأن قضايا المنطقة.

لذا، سيتعين على الولايات المتحدة الأميركية أن تبدأ بتنحية هذه الدول الثلاث من أي فكرة مفادها أنها تستطيع ببساطة إضافة مخاوفها بشأن السلوك الإيراني إلى جدول التفاهمات القادمة دون إخضاع سياساتها الخاصة للتفاوض. فرغم طرح كل من الرياض وأبوظبي لمخاوف مشروعة بشأن دعم إيران لحكومة بشار الأسد في سوريا، ونقلها الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن، وتمويل بعض الوكلاء في جميع أنحاء المنطقة، لكن لطهران مشاكلها الخاصة أيضًا مع سياسات هذه الدول ولاسيما فيما يتعلق بتمويل وتسليح بعض الميليشيات الأخرى، والترويج السعودي للوهابية، والمشتريات المكثفة للأسلحة الأميركية. وعليه، من الصعب التوصل بين إيران وهذه الدول إلى حل وسط، الأمر الذى يمكن أن يؤدى – في حال ضمهم لأي تفاهمات قادمة مع إيران- إلى استمرار حالة الجمود التى تخيم على العلاقات الأميركية – الإيرانية.

في الواقع، قد يكون لدى السعوديين والإماراتيين حافز ضئيل للغاية للانخراط في أي تفاهمات دبلوماسية – بحسن نية- حول المنطقة، طالما أنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة الأميركية لديها المصلحة والإرادة السياسية لمواصلة الهيمنة على المنطقة عسكريًا، فمن المحتمل أن يؤدي نجاح أي محادثات من هذا القبيل إلى تقديم تنازلات مؤلمة وتقليص مشتريات الأسلحة من واشنطن، حتى أن هذه الأخيرة قد تنتهز الفرصة لسحب قواتها العسكرية من المنطقة الخليجية. وبالتالي، قد لا يبدو هذا النوع من التفاهمات جذاب بالنسبة للسعوديين أو الإماراتيين؛ حيث أنهم يفضلون كثيرًا الوضع الراهن – أي التمتع بمظلة أمنية أميركية – بينما تظل الولايات المتحدة الأميركية وإيران على خلاف دائم.

وعليه، سيتطلب الوصول إلى سلام إقليمي حقيقي أن تتخذ الولايات المتحدة الأميركية خطوة مؤلمة ومترتبة على ذلك، وهي أن الانخراط العميق لها في منطقة الخليج بات موضع تساؤل في واشنطن ولا يحظى بشعبية لدى الجمهور الأميركي، ما يجعل تكلفة الحفاظ على الهيمنة العسكرية في هذه المنطقة عملية شبه مستحيلة.

ختامًا: يكشف بارسي عن أنه لكي لا يلعب آل سعود وحلفاؤهم الإماراتيون دور المفسدين في أي تفاهمات دبلوماسية بشأن المنطقة، يجب على الولايات المتحدة الأميركية أن تؤكد على أن حقبة الهيمنة الأميركية على منطقة الخليج تقترب من نهايتها، وفي هذه الحالة، ستقتنع كل من الرياض وأبو ظبي أن الدبلوماسية الإقليمية الناجحة هي الخيار الأفضل، وبالتالي، لا سبيل إلا أن يصبحا شريكين لواشنطن في السلام.

المصدر:

Trita Parsi, The Real Regional Problem With the Iran Deal: Some Players Prefer for Washington and Tehran to Remain at Odds, Foreign Affairs, February 23, 2021, available at https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2021-02-23/real-regional-problem-iran-deal .

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: