انسحاب إيران من البروتكول الإضافي بين الضرورة والضرر
على قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، حط مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي رحاله في طهران مساء السبت 20 شباط/ فبراير 2021، طامحًا في استنقاذ ما يمكن من الدور المسنود لهيئته الدولية وفق نص الاتفاق النووي. وجاءت الزيارة بعد أن أبلغت إيران الوكالة الدولية رسميًا أنها ستوقف في 23 شباط/ فبراير 2021، تنفيذ البروتكول الإضافي والإجراءات الطوعية الملحقة بمعاهدة حظر الانتشار النووي.
قرابة الـ 24 ساعة قضاها غروسي في طهران تضمنت لقاءين أحدهما مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والآخر مع رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية علي اكبر صالحي، وعلى الرغم من أن هذه المباحثات جرت في ظل إعلان إيراني مسبق بأن زيارة غروسي لن تثني البلاد عن تطبيق قرار البرلمان بخصوص إجراءات الرقابة والتفتيش في موعده المحدد، وهو ما حصل، إلا أن مدير عام الوكالة الدولية، نجح في تجميد تفعيل صاعق التفجير الذي تحمله هذه الخطوة لمدة ثلاثة أشهر، وذلك من خلال إبرام اتفاق يقضي بأن تحتفظ إيران بتسجيلات كاميرات المراقبة المنصوبة في سلسلة من المنشآت النووية (بقيت القائمة سرية) خلال فترة زمنية قوامها ثلاثة أشهر، وأن تسلمها للوكالة الدولية في حال تحققت مطالب طهران، لكن إذا حدث العكس فإن هذه الأخيرة ستشطب التسجيلات نهائيًا.
البرلمان الإيراني بصفته المراقب لتنفيذ القانون لم يرض بالاتفاق المذكور، وعمد لتأجيل مناقشة الميزانية السنوية في جلسته العلنية غداة الإعلان عن التفاهم، وخصص الجلسة لمناقشة هذا المستجد، وعقب المداولات صوت بالأغلبية (موافقة 221، معارضة 6، امتناع 7) على قرار مقاضاة حكومة الرئيس حسن روحاني بسبب ما اسماه “استنكافها عن تطبيق القانون الخاص بتقليص الالتزامات النووية”.
البرلمان ارتكز في قراره هذا إلى المادة 9 من القانون التي تدعو إلى التطبيق الكامل، وتحدد في الوقت ذاته عقوبات قضائية تتراوح بين السجن من عامين إلى 25 عاماً، وغرامات مالية على من يخالف تنفيذ القانون.
في الأثناء، كان القائد الأعلى علي خامنئي يجري لقاءً سنويًا مع مجلس خبراء القيادة، دعا فيه لـ”حل النزاع الحاصل بين البرلمان والحكومة لكي لا يظهر أن البلاد تشهد انقساماً في الآراء”، مبديًا إشادته بقرار مجلس الشورى من خلال قوله إن “القانون مناسب ولا بد من الحرص على تنفيذه”. كما أشار إلى أن “الحكومة مدركة أنها ملزمة بتنفيذ القرار البرلماني بدقة”، مشدّدا على “ضرورة التعاون لإنجاء هذا القرار”.
وسط هذا المشهد لم تتأخر الحكومة عن الإدلاء بموقفها، فأصدرت عقب تصريحات القائد الأعلى بيانًا، أعربت فيه عن “أسفها الشديد حيال تصريحات بعض النواب والقرار غير المنطقي والمتعارض مع الأمن القومي الذي تم اتخاذه اليوم في البرلمان”، موضحة أنها ملتزمة بتنفيذ القرار البرلماني المتعلق بتقليص الالتزامات النووية، لكنها لفتت إلى أنها “تنفذه بالقدر الأقل كلفة والأكثر فاعلية”، منوهة إلى أن “التنفيذ بهذا الشكل تم الاتفاق عليه في المجلس الأعلى للأمن القومي في دورته 759 بتاريخ 13 شباط/ فبراير 2021”.
ما سلف، يشير إلى أن الموقف الإيراني حيال الخطوات النووية التي تدخل حيز التنفيذ في 23 شباط/ فبراير 2021، منقسم بين من يطالب بتنفيذها دون الالتفات للمخاطر التي قد تترتب عليها، وبين من يعتقد أن هناك طريقًا للتنفيذ قد يقلل التبعات. مرد هذه الآراء المتباينة يعود لقناعات مختلفة تسري في أوساط أصحاب الرأي في طهران. إذ يرى البعض أن هذه الخطوة ضرورية للبلاد، فيما يحذر آخرون من أضرار جسيمة قد تتكبدها إيران جراء استكمال هذا المسار. صحيفة “وطن امروز” الأصولية، قدمت مقاربة الطرف الأول، إذ اعتبرت في أحد تقاريرها أن “تنفيذ الانسحاب من البروتوكول الإضافية خطوة أساسية في مواجهة إيران لعدم المبالاة الأوروبية والأميركية تجاه الالتزامات المطلوبة منهم بحسب الاتفاق النووي”. على ذات الوتر عزفت صحيفة “كيهان” الأصولية، فوصفت الخطوة الجديدة بـ “الاستراتيجية”، مبررة ذلك بأنها “توفر ضمانة عبر إفهامها للطرف الآخر أن فسخ العقد أمر مكلف”.
الجدير ذكره، أن المؤمنين بهذه المقاربة، لا يتوقفون عند شرح ضرورة الخطوة، بل يرجحون أن تنفيذها من شأنه أن يدفع الأطراف الغربية للاستجابة لمطالب طهران برفع العقوبات، ويتقاطعون في ذلك مع المسؤول السابق في الخارجية الأميركية، ورئيس قسم برنامج السياسة النووية وعدم انتشارها مارك فيتزباتريك، الذي أكد في مقابلة مع إذاعة “فردا”، التي تبث من التشيك والممولة من الحكومة الأميركية، أن “خطوة إيران ستضغط على حكومة بايدن لاتخاذ خطوات من شأنها إحياء الاتفاق النووي”. في المقابل، تتراوح توقعات أصحاب وجهة النظر الأخرى بين التشكيك في إمكانية تحقيق هذا الهدف، والجزم بعدم حدوثه. فصحيفة “جهان صنعت” الاقتصادية، تنفي “وجود احتمال واضح يؤشر لإمكانية تحقيق طهران لهدفها المتمثل برفع العقوبات”.
الآراء المتباينة تعود لقناعات مختلفة تسري في أوساط أصحاب الرأي في طهران. إذ يرى البعض أن هذه الخطوة ضرورية للبلاد، فيما يحذر آخرون من أضرار جسيمة قد تتكبدها إيران جراء استكمال هذا المسار.
إلى ذلك، ذكّر محلل العلاقات الدولية علي بيغدلي، بـ “السلوك الأوروبي والأميركي الذي لم يتغير عندما زادت إيران احتياطاتها من اليورانيوم المخصب”، ليخلص في افتتاحية صحيفة “ستاره صبح” الإصلاحية، إلى أن “الخطوات النووية الجديدة لم ولن تجعل الغرب يتعاطى مع إيران بطريقة مختلفة، بل إن هذا سيؤدي إلى تطرف سلوكهم تجاه طهران”. ووافقه الرأي الخبير السياسي حسن بهشتي، بقوله لصحيفة “آرمان ملي” الإصلاحية، إن “تعليق إيران العمل بالبروتوكول الإضافي سيجر إلى ردود فعل متشددة تجاه إيران”.
من التداعيات السلبية المتوقعة جراء تنفيذ هذه الخطوة “قيام الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي بتفعيل آلية فض النزاع في مجلس الأمن”، بحسب ما يذهب إليه المحلل السياسي، قاسم محب علي، الذي يوضح في مقابلة مع صحيفة “آرمان ملي”، أن “تواجد طهران في الاتفاق النووي، كان يمنع تلك الدول عن اللجوء لهذه الآلية، لكن بعد إقدامها على خطوة إلغاء البروتوكول فإن هذه الدول لن تتردد في استخدامها، وستكون مواقفها متناسقة مع الموقف الأميركي”. مضيفًا أن “هذه الإجراءات سيترتب عليها وضع إيران تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي عودة العقوبات الدولية، وفي حال أقدمت إيران على خطوات أخرى فإنه يمكن أن تضاف إلى البند 42 الذي يتيح إمكانية شن عمل عسكري ضد إيران”. في هذا الشق من مستويات الضرر التي قد تلحق بإيران، لا يُغفل المراقبون موقف الصين وروسيا باعتبارهما جزء من المجتمع الدولي، وباستحضار التعليقات الروسية على خطوات إيران الأخيرة والتي وصلت ذروتها بدعوة “طهران لضبط النفس واتباع نهج مسؤول”، فإن الباحثين هانا نوت وحميد رضا عزيزي، يؤكدان أن “إيران بتوقيف تنفيذ البروتوكول الإضافي أو باتخاذ المزيد من الخطوات التصعيدية، فإنها تختبر صبر موسكو، كما كان الحال في عامي 2006، و 2010″، منوهين في مقال بمركز “كارينغي” البحثي، إلى أن “التصورات المتعلقة بالتعنت الإيراني في مواجهة المبادرات الغربية البناءة يمكن أن تؤدي إلى تصلب موقف روسيا، والذي تدعمه في نهاية المطاف مخاوف من حظر الانتشار النووي وسلامة عملية الاتفاق”.
أخيرًا، لعل من المهم الإشارة إلى أن كل السيناريوهات الإيجابية والسلبية التي تقدم ذكرها كنتائج لخطوة تقليص طهران للرقابة الدولية على مشروعها النووي، لا تعني أن المشهد بين إيران وشركاءها الدوليين في الاتفاق النووي سيكون طوال الفترة المقبلة محكومًا فقط بثنائية التفاهم أو التصعيد، بل ستبقى معركة عض الأصابع محتدمة بين الطرفين على خط وسط المسارين أقله حتى تحسم إيران هوية رئيسها المقبل في حزيران/ يونيو 2021.