الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة18 فبراير 2021 18:53
للمشاركة:

“نهر آراس”.. الضائع في حرب ناغورنو كاراباخ

نشر موقع "ايران دبلماسى"، مقالةً يوم الأحد 7 شباط/ فبراير 2021، للخبير السياسي حسين رمضان، ناقش خلالها أهمية نهر آراس، والذي يعتبر أحد أطول أنهار منطقة القوقاز والشريان الحيوي للمنطقة الشمالية الغربية لإيران، معتبرًا قضية النهر من أهم القضايا التي لا ينبغي نسيانها في خضم قضية كاراباخ. كما ورد في المقال التي ترجمته "جاده إيران".

كانت الحدود الشمالية الغربية لبلدنا المجاورة لأذربيجان وأرمينيا وتركيا واحدة من أقل حدود بلادنا تحديًا، التغييرات الأساسية مثل انهيار الاتحاد السوفياتي لم تسبب مشاكل للنظام الثوري فحسب، بل جلبت أيضًا مزايا استراتيجية لبلدنا. يمكن العثور على نتيجة هذه الميزة في إدخال عبارة “منطقة القوقاز” في أدبيات النخب السياسية في بلادنا. ميزة تحولت من خلال تجنب المنظور الأمني ​​إلى فرصة ومدخلًا للتفاعلات الثقافية والاقتصادية، تأثرًا بهذا الرأي لم تأخذ الأزمات والتحديات الأمنية والعسكرية في المنطقة في العقود الثلاثة الماضية الكثير من قدرة إيران، وتمّت إدارة القضايا الثنائية أو متعددة الأطراف بتكلفة أقل بكثير مقارنة بالجهات الفاعلة البيئية الأخرى.

من خلال هذه المراجعة التاريخية الموجزة، يبدو أنه مع اندلاع حرب كاراباخ الثانية، فإن منطقة القوقاز تتجه ببطء نحو تجربة ومنظور خطابي جديد، وأهم ما يميزها هو تطوير القضايا السياسية والأمنية حيث ظهرت البوادر الأولى منها خلال التحليلات الداخلية والخارجية بالطبع، يشير سلوك المؤثرون في هذه المنطقة إلى رغبتهم بالتفوق في التعاون الاقتصادي وتشكيل آليات جديدة للتعاون.

ولكن بصرف النظر عن القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية، يمكن أن تتطلب بعض التطورات الجغرافية والبيئية أيضًا مزيدًا من الدراسة لآفاق التطورات على الحدود الشمالية الغربية. أحد هذه القضايا التي لا ينبغي نسيانها في قلب قضية كاراباخ هو “نهر أراس”، الشريان الحيوي للمنطقة الشمالية الغربية من بلادنا. أراس المعروف أيضًا بنفس الاسم في البلدان المجاورة، ينبع من السفوح الشمالية لجبال بينجول داغ في مقاطعة أرضروم التركية، وبعد مسافة طويلة، تنضم إلى نهر أخوريان، وترسم الحدود المشتركة بين تركيا وأرمينيا إلى أذربيجان (نخجوان). ثم في الشمال الشرقي لقرية “دیم ‌قشلاق” تدخل الحدود الإيرانية وتمتد على طول الحدود الإيرانية مع أرمينيا وأذربيجان. ثم في الطرف الشمالي من منطقة مغان، يدخل إلى جمهورية أذربيجان ويتصل بنهر كورا ليصب أخيرًا في بحر قزوين، حسب الإحصائيات، بلغ متوسط ​​الحجم السنوي لمياه نهر أراس في الثلاثين سنة الماضية 10.5 مليار متر مكعب (حسب مصادر البحث التركية، 13 مليار متر مكعب) ، منها 4 مليارات متر مكعب من تركيا، و 2 مليار متر مكعب من أرمينيا، و2 مليار متر مكعب مصدرها جمهورية أذربيجان و 2.5 مليار متر مكعب من إيران.

قامت كل دولة من دول الحوض المائي هذا ببناء سدود صغيرة وكبيرة على طول النهر، وأهمها سد أخوريان (مشترك بين أرمينيا وتركيا)، وسد أراس وخدا افرين (مشترك بين إيران وأذربيجان). وعلى الرغم من أن هذه السدود أثارت مخاوف دعاة حماية البيئة ونهر اراس لكن بسبب دورهم في السيطرة على الفيضانات، لم يهددوا الحياة التاريخية للنهر، لكن ما قد يعرض وضع نهر أراس للخطر في المستقبل هو تغيير الوضع عند منبع النهر، الذي يقع بشكل أساسي في المناطق الشرقية من تركيا. ومن المفارقات في هذا الصدد، أن الحكومة التركية تعمل منذ عدة سنوات تماشيا مع “مشروع شرق الأناضول” المسمى “داب” في اللغة الإسطنبولية التركية (Doğu Anadolu Projesi) حيث اتخذت إجراءات لمنع خروج المياه من البلاد من خلال بناء سدود كبيرة في منابع من نهر أراس، يُعرف مشروع جنوب شرق الأناضول أيضًا في بلدنا باسم مشروع جاب، وهو أساسًا بناء السدود على روافد نهري دجلة والفرات ومن هذه السدود سد کاراکورت بمحافظة قارس الذي غمرته المياه أواخر عام 2019 بارتفاع يزيد عن 140 متر ويبلغ حجم الخزان 590 مليون متر مكعب  وسد آخر هو سد سویلمز، الذي سيدخل حيز التنفيذ في عام 2022 باعتبارها واحدة من 400 مشروع داب ويبلغ سعته التخزينية أكثر من مليار متر مكعب من المياه، يمكن لكل من هذه السدود جمع ملايين الأمتار المكعبة من المياه سنويًا من نهر أراس وتعريض تدفق مجرى النهر للخطر. تدّعي الحكومة التركية، متأثرة باستراتيجيتها المائية، أن بناء سد في المنبع هو سيادة الحكومة التركية وهي ليست طرفًا في الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن استغلال المياه المشتركة، وليس لديها التزامات دولية في هذا الصدد.

ووفقًا للحكومة التركية، فإن بناء هذه السدود هو لتشغيل محطات الطاقة الكهرومائية وعودة المياه إلى النهر، لكن تجربة أي سد أو حقائق ميدانية تظهر انخفاضًا كبيرًا في المياه في اتجاه مجرى النهر.

بالإضافة إلى تركيا، قامت دولة أخرى في حوض أراس ، أرمينيا، ببناء سدين بسعة تزيد عن 250 مليون متر مكعب وتسعة سدود صغيرة (5 إلى 100 مليون متر مكعب) على روافد نهر أراس.

يعود تسليط الضوء على تصرفات تركيا في موضوع نهر أراس أكثر من أرمينيا في الحجم الكبير لاحتياطيات السدود والسياسة شبه الرسمية للبلاد لاستغلال الموارد المائية المشتركة مع البلدان المجاورة المتأثرة بالمواقف الاستراتيجية ويعتقد بعض الخبراء أن سياسة التحكم في المياه هذه قد لا تؤدي إلى النتائج المرجوة للحكومة التركية بسبب تجاهل المكونات الجغرافية الاجتماعية والدينية والتاريخية لنهر أراس.

يجب أن تستند رغبة الحكومة التركية في تكوين تعاون اقتصادي في منطقة أوراسيا على السياق التاريخي والجغرافي للمنطقة وبعيدًا عن التناقضات الاستراتيجية.

لكن في نهاية حديثي، أود أن أذكركم بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان احتج بشاعرية على فصل آراس بالحجر والحديد خلال استعراض انتصار الجيش الأذربيجاني في حرب قره باغ. لكن الحقيقة (بغض النظر عن نية الراوي) أن هذه الدعوة يجب أن تكون مصنوعة من الحجر والحديد، الأمر الذي يهدد الأساس التاريخي لهذا النهر وحياته في سدود المنبع. ونحتاج أن نرى في المستقبل ما إذا كان دور تركيا في قره باغ ومساعدتها لجمهورية أذربيجان التي تقوم على تفسيرات قومية وروابط عرقية ولغوية، هذه المرة ستنعكس في محنة الشعب على جانبي نهر آراس أو مثل تجربة سوريا والعراق (دجلة والفرات) في خضم الأزمات العسكرية والأمنية، و يتم تهميش القضايا البيئية ويأخذ تناول المياه الموحلة وجهًا حقيقيًا.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ موقع “ايران دبلماسى”

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: