الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة18 فبراير 2021 08:41
للمشاركة:

صحيفة “وطن امروز” الأصولية – لماذا تغير سلوك أميركا إزاء الملف اليمني؟

ناقشت صحيفة "وطن امروز" الأصولية، في مقال لـ"ثمانه اکوان"، قرار الرئيس الأميركي جو بايدن وقف الدعم للسعودية في الحرب مع اليمن. حيث أوضحت الكاتبة أن إدارة بايدن لا يزال لديها العديد من الأهداف جراء إنهاء هذه الحرب، ومثلما حاول ترامب إخراج السعودية من المستنقع، يحاول بايدن وفق قولها إغلاق ملف القضية اليمنية إلى الأبد خلال الأيام الأولى من رئاسته.

منذ أن أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنه سيغير سياسات الولايات المتحدة في دعم السعودية بحرب اليمن، كان هناك الكثير من التكهنات حول كيفية حدوث هذا التغيير في السياسة. فمن ناحية يعتقد البعض أن هذه خطوة عظيمة للحكومة الديمقراطية في العودة إلى محور “حقوق الإنسان” و “الديمقراطية” في مجال السياسة الخارجية، ويرحبون بذلك. ومن ناحية أخرى، يعتقد كثيرون أن هذا في مصلحة الولايات المتحدة، وذلك بسبب تحسن ظروف أنصار الله في الحرب ضد العدو السعودي، ووعود بايدن لن تتجاوز الشعارات وفي النهاية الهدف الوحيد للحكومة الديموقراطية هو التوجه إلى الدبلوماسية وسحب عائلة آل سعود من هذا المستنقع بكرامة.

وقد انتهت الحرب اليمنية من الناحية العسكرية منذ فترة طويلة. حيث دُمرت البنية التحتية للبلاد بشكل كامل، وزاد تواجد القوى المتطرفة ضمن مناطق البلاد المختلفة وكذلك تعززت احتمالات التفكك والانقسام، وأخيراً الحصار الاقتصادي والمجاعة وكورونا والكوليرا، يُدمرون سكان هذا البلد والإبادة الجماعية التي ستظل وصمة عار في وجه آل سعود وأنصارها في الولايات المتحدة عبر التاريخ. ولكن حكومة بايدن ووسائل الإعلام الرئيسية تعمل على تغيير الحقائق حول هذه الحرب. حيث يدّعون بأن إدارة بايدن لديها خلافات كبيرة مع إدارة دونالد ترامب في سياستها تجاه اليمن وأنها تسعى إلى إعادة تأكيد خطاب حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم، وتسعى لمواجهة محمد بن السلمان المُسبب الرئيسي للحرب على اليمن، والانتقام منه لمقتل جمال خاشقجي.

ومع ذلك، لا يزال لدى إدارة بايدن العديد من الأهداف من إنهاء هذه الحرب على البُعد الدبلوماسي، ومثلما حاول ترامب إخراج السعودية من المستنقع، يحاول بايدن إغلاق ملف القضية اليمنية إلى الأبد خلال الأيام الأولى من رئاسته. ولكن ما هي أهداف بايدن الحقيقية؟ وهل دخلت الإدارة الأميركية الجديدة الميدان لصالح الشعب اليمني أم لدعم حليفها القديم؟ وهل حكومة بايدن قادرة بشكل أساسي على إنهاء هذه الحرب دبلوماسياً وسياسياً؟

ومنذ أن أعلن أعضاء حكومة بايدن عن خطتهم للانسحاب من الحرب اليمنية أو إزالة جماعة أنصار الله اليمنية من قائمة الجماعات الإرهابية، وقد استشهد العديد من المحللين بذرائع إدارة بايدن للقيام بذلك، مستشهدين بقضايا مثل حماية حقوق الإنسان كسبب رئيسي لإخراج الولايات المتحدة من الحرب اليمنية. ومع ذلك، فإن إلقاء نظرة على أنشطة وخطط بايدن تُظهر أنه بحاجة ماسة إلى إنهاء الحرب وتأمين الوضع للمملكة العربية السعودية من أجل تقدّم سياسته في غرب آسيا. وفيما يلي الأسباب الرئيسية لهذا التغيير المفاجئ في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

  • أولاً، بدأت الحرب على اليمن لتحييد قدرة قوات أنصار الله، التي تعتقد السعودية والولايات المتحدة أنها قوة قريبة من إيران في المنطقة، ولكن مع استمرار هذه الحرب تعززت قوة أنصار الله، لم تستطع هذه الحرب من تحييد هذه القوة ولو قيد أنملة. وقد كتب روبرت مالي، المبعوث الأميركي الخاص لإيران ملاحظة في مجلة الشؤون الخارجية قبل وقت قصير من توليه منصبه في إدارة بايدن، وقال “الآن، بعد ما يقرب من ست سنوات من التدخل السعودي، فإن الحرب على اليمن ليست سوى كارثة. وعلاوة على ذلك، فقد زعزعت هذه الحرب من استقرار الشرق الأوسط، وقوّت إيران وشوهت المصداقية العالمية للولايات المتحدة.” وبعد ست سنوات من الحرب على اليمن حيث كان محمد بن سلمان يعتقد أنه يمكنه أن ينهي الحرب في وقت قصير ويعيد حكومة عبد ربه منصور هادي إلى السلطة، فالآن أنصار الله، والذين أطلقت عليهم السعودية في البداية اسم المتمردين أو الميليشيات، يستهدفون بسهولة القواعد العسكرية السعودية، ويهاجمون النقاط الحدودية السعودية، وكما أنهم يستولون على أجزاء منها ضمن عمليات قصيرة المدى، ويستخدمون الطائرات المُسيّرة والصواريخ في استهدافهم للمنشآت النفطية السعودية. حيث أن الحكومة التي دمرت كل المقاتلات والطائرات وحتى المطارات في اليمن لم تتخيل في يوم من الأيام أن تقدّم الشعب اليمني في مجال الدفاع سيكون عظيماً لدرجة أنها ستضطر إلى التوسل للولايات المتحدة للدفاع عنها. وقد طلبت الأسرة السعودية من ترامب إضافة جماعة أنصار الله إلى قائمة الجماعات الإرهابية بعد الهجمات على أرامكو، ولكن هذا لم يكن ليوقف الخسائر الاقتصادية السعودية في هذا الشأن، وأظهر أن الهجوم على اليمن لحماية الحدود السعودية كان فكرة فاشلة تماماً ويجب إيقافه بأي حال.
  • السبب الثاني لبايدن لوقف الوجود الأميركي في الحرب اليمنية ليس الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان، ولكن الخوف من العار فيما يخص قضايا حقوق الإنسان والأزمة الإنسانية في اليمن. وقد انتهت ست سنوات من التجاهل الإعلامي للجرائم السعودية في اليمن خلال فترة انتشار كورونا وانتخابات الرئاسة الأميركية. ووسائل إعلام الحزب الديمقراطي التي أرادت التشكيك في تصرفات ترامب في جميع أنحاء العالم بعد سنوات من تجاهل الحرب غطت بنهاية المطاف أدائه خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2020 وأثارت قضايا حقوق الإنسان. ومن ثم جاءت أزمة كورونا التي لفتت الأنظار الإعلامية إلى اليمن. ويجب على بايدن أن يخطط الآن لمواصلة سياسة أسلافه من الرؤساء الديمقراطيين في معالجة قضايا حقوق الإنسان في أجزاء أخرى من العالم وإنهاء الوجود والتأثير الأميركي في هذه الحرب. حيث أنه لم يستطع اتهام إيران والصين وروسيا ودول أخرى في العالم بانتهاكات حقوق الإنسان وهنالك دور للولايات المتحدة في خلق أزمة المجاعة والوفيات بسبب المرض في اليمن. ولا يزال بايدن يحاول عقد قمة عالمية حول الديمقراطية في الأشهر الأولى من رئاسته، لكنه لا يعرف كيف يدافع عن الديمقراطية الأميركية في ظل ما حدث خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية. لذلك فالأولوية هي حل القضية اليمنية، وقضية المهاجرين والأسر المشتتة على الحدود، وقضية التمييز العنصري في الولايات المتحدة.
  • السبب الآخر يمكن ملاحظته بوضوح في مذكرة روبرت مالي وهو القلق الأميركي من امتداد الأزمة اليمنية إلى الدول العربية الأخرى في المنطقة. وكتب: “ما دام الصراع مستمراً، فهنالك خطر من اتساعه وتحوله إلى مواجهة مباشرة بين إيران والسعودية. وقد تعهد بايدن خلال حملته الانتخابية بإبقاء الولايات المتحدة خارج معمعة الشرق الأوسط.”
  • القضية الأخيرة، والتي من المفارقات أنها أهم قضية لفريق السياسة الخارجية لبايدن، هي موضوع البيان الذي كتبه أعضاء هذا الفريق إلى دونالد ترامب في 2018 حول فشل سياسة أوباما في الحرب اليمنية وكذلك سياسة ترامب في نصرة ودعم الأسرة السعودية في الحرب على اليمن. وقد وقّع الخطاب وزير الخارجية الحالي أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ومستشار الأمن لبايدن في ذاك الوقت روبرت مالي، وعليهم الآن أن يُظهروا أنهم يواصلون انتقاد مواقف الولايات المتحدة وأنه مع انتصار بايدن في الانتخابات لن يتغير هذا النقد. وفي حال استمروا في دعم الحرب على اليمن في الوقت الحاضر، فسيتم اتهامهم بالنفاق والخداع.

ورغم كل هذه الأوصاف والأسباب، فإن السؤال التالي هو: هل لدى حكومة بايدن القدرة أو التصميم على إنهاء هذه الحرب، أم أنها تتعامل معها فقط كشعار؟ حيث أن صحيفة  The Hill، والتي تنشر داخل الكونغرس الأميركي، تنقل عن بعض المحللين والأشخاص المقربين من إدارة بايدن قولهم أنه إذا كان بايدن ينوي حقاً سحب الولايات المتحدة من الحرب وإنهائها (وهو ما لم يتضح بعد فيما إذا كان هناك مثل هذا التصميم ضمن حكومته) فهو أمام مسار معقد وصعب للغاية. حيث قال مسؤول في حكومة بايدن، والذي اطلع عن كثب على سياسات بايدن تجاه المنطقة وطلب عدم نشر اسمه: “لا يزال من غير الواضح ما يريد بايدن فعله بشأن اليمن”، وأضاف بأن “بايدن قال إنه سينهي دعمه للسعودية في الحرب على اليمن، بينما لا يزال يقول إنه لا يزال يعتبر نفسه ملتزماً بالدفاع عن السيادة السعودية. وقد خلقت هذه السياسات الدفاعية والهجومية مفارقة لا يمكن الجمع بينها. وهذا سؤال جاد ولا يزال هناك الكثير من الجدل في الحكومة حوله. ولقد توصلت إلى استنتاج من محادثاتي أنه لم يتضح بعد في الحكومة ما هي الإجراءات التي ينبغي اعتبارها هجومية وما هي الإجراءات التي يجب أن تسمى دفاعية، والأهم من ذلك في تحديد هذه الإجراءات، هو ماضي الولايات المتحدة في التعامل مع إيران والذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.”

هذا هو التناقض الرئيسي الذي لم يتم حله بعد في حكومة بايدن، وهذا التناقض ستظهر على الأرجح آثاره السلبية في الخطوات التالية لإنهاء هذه الحرب. وقد شهدت الولايات المتحدة بعض الأحداث المثيرة للاهتمام في الآونة الأخيرة، لكنها حتى الآن لم تقف بأي حال من الأحوال في طريق ماضيها، وقد أرسى اليمن مرآة واضحة لتحركات الديمقراطيين العدوانية في الأوضاع الراهنة والتي يرددون فيها شعار حقوق الإنسان والسلام.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ صحيفة “وطن امروز” الأصولية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: