صحيفة “شرق” الإصلاحية – أفاق مظلمة بعد شهر العسل السعودي الأميركي
تناولت صحيفة "شرق" الإصلاحية، في مقال للدبلوماسي المتقاعد "جاوید قربان اوغلي" موضوع العلاقات السعودية الأميركية بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض وتأثير ذلك على إيران. حيث رأى الكاتب أن فريق بايدن السياسي والأمني يقوم بتصميم سياسة أميركية جديدة في الشرق الأوسط وإصلاح نهج ترامب، مشيراً إلى أنه من المتوقع أنه على ضوء سياسة بايدن أن تمر علاقة السعودية بالولايات المتحدة بأوقات عصيبة.
تعتبر العلاقات بين الرياض وواشنطن ذات أهمية استراتيجية لكلا البلدين بغض النظر عن من يكون الرئيس. ومع ذلك فقد تبنى جو بايدن في أيامه الأولى في البيت الأبيض سياسات لم تكن بالتأكيد تروق للقادة السعوديين وتختلف عما فعله الرئيس السابق دونالد ترامب الذي وضع كل البيض الأميركي في سلة الرياض على الرغم من استخدامه لغة بذيئة ومهينة تجاه المملكة العربية السعودية، وكل ذلك من أجل مصالح مادية واضحة ومشاريع كبيرة وصفقات أسلحة كبيرة متجاهلاً جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها محمد بن سلمان في اليمن وتجاهل المذبحة والقتل الوحشي لجمال خاشقجي.
يقوم فريق بايدن السياسي والأمني بتصميم سياسة أميركية جديدة في الشرق الأوسط وإصلاح نهج ترامب. حيث أن برنامج الفريق الجديد للبيت الأبيض في المنطقة والفرق الملحوظ بين نهج بايدن وترامب هي أحد العوامل التي تقلق السعودية. ومن المتوقع أنه في ضوء سياسة بايدن أن تمر علاقة السعودية بالولايات المتحدة بأوقات عصيبة. فقد صرح جو بايدن ونائبه وأكدا أنهما سيعيدان تقييم العلاقات مع المملكة العربية السعودية وإنهاء دعمهما للسعودية في حرب اليمن، وهو ما فعله بايدن بعد تنصيبه في الأيام الأولى للبيت الأبيض، حيث قام بشطب الحوثيين من قائمة التنظيمات الإرهابية وأوقف بيع السلاح للسعودية ولو لفترة وجيزة.
على الرغم من أن هذا لا يعني تغييرًا في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه المملكة العربية السعودية ويتحدث عن خلاف عميق في العلاقات بين واشنطن والرياض إلا أن خطوات بايدن تثير قلق القادة السعوديين المحافظين. فمن منظور فريق الرئيس بايدن الطموح، أصبحت المملكة العربية السعودية حليفًا إشكاليًا لا يمكن الدفاع عنه في بعض السياسات الأميركية. فمنذ خمس سنوات حتى الآن شن محمد بن سلمان حربًا عقيمة في اليمن خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، لا سيما النساء والأطفال. حيث أعلن بايدن إنهاء هذه المأساة المخزية كواحدة من أولويات سياسته خلال الحملة الانتخابية. ومنذ الأيام الأولى لانتصار بايدن بدأت المملكة العربية السعودية جهدًا هائلاً للتأثير على فريق البيت الأبيض الجديد.
نظرًا لقلق المملكة العربية السعودية بشأن مستقبل العلاقات بين الرياض وواشنطن فإن سياسات بايدن الصارمة تجاه المملكة العربية السعودية تتزامن مع نهج الولايات المتحدة في التعامل مع إيران الخصم الرئيسي للسعودية. حيث اتخذ محمد بن سلمان نهجًا عدائيًا تجاه إيران على مدى العقود الأربعة الماضية على عكس القواعد المعروفة للمملكة السعودية المحافظة. وكان رهان الأمير السعودي على تبني هذا النهج وأن يصبح القوة المهيمنة في المنطقة من خلال سياسة ترامب بالضغط الأقصى على إيران ومحاولة فرض صعوبات اقتصادية على إيران المتأثرة بالعقوبات غير المسبوقة وضمان الدعم الأميركي الكامل للمواجهة بين طهران والرياض. حيث أثارت قضية الهجوم الصاروخي الواسع النطاق على منشأة أرامكو النفطية الضخمة، فضلاً عن فشل الولايات المتحدة في الرد على إسقاط طائرة أميركية بدون طيار من قبل جمهورية إيران الإسلامية شكوكًا جدية بشأن التزامات الولايات المتحدة تجاه المملكة العربية السعودية. فكان عمل ترامب يقوم على مبدأ “الأمن مقابل المال” وبطريقة غير مسبوقة ومهينة أخبر القادة السعوديين أنهم إذا أرادوا دعم الولايات المتحدة لتحقيق الأمن لبلادهم فيتوجب عليهم دفع ثمن ذلك.
الأمن هو الشغل الشاغل للقادة السعوديين، ففي السياسة الداخلية أدت تصرفات محمد بن السلمان ضد خصومه و بعضهم من العائلة المالكة إلى تكثيف المنافسة لاستبدال ملك البلاد المريض والعجوز والموقف القوي الظاهري لمحمد بن سلمان. وأما في السياسة الإقليمية، لدى المملكة العربية السعودية مخاوف كبيرة بشأن مستقبل الحرب اليمنية ويمكن أيضًا تحليل نهج السعودية تجاه إسرائيل في هذا الصدد، واستئناف العلاقات بين الرياض وتل أبيب خيار جيد بالنسبة لهما. حيث تخشى المملكة العربية السعودية حدوث تغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران وتستخدم جميع الوسائل بما في ذلك النفوذ الإسرائيلي في الولايات المتحدة والعواصم الأوروبية لمنع هذا الحدث المهم. لأن فشل “ضغط ترامب الأقصى”، وإعلان بايدن العودة الى الاتفاق النووي واختيار فريق سياسي أمني معروف بالتعامل مع طهران، والآثار الأولية لهذا التغيير كانت على بعض الانفتاح الاقتصادي لإيران تعكس تغييراً في المناخ السياسي بين طهران وواشنطن ما أثار المخاوف السعودية.
إن دولارات النفط السعودي وجاذبية العقود الكبيرة وضغط إسرائيل على فرنسا أجبر الإليزيه على اتباع نهج غير تقليدي. فمن السهل رؤية الآثار والأنشطة الدبلوماسية السعودية الإسرائيلية المشتركة التي تؤثر على نهج الولايات المتحدة تجاه إيران في تصريحات ماكرون الأخيرة حول الاتفاق النووي. ومع ذلك، فإن الاتفاق النووي هو اتفاق بين القوى العالمية الست مع إيران والذي أصبح اتفاقية دولية بالقرار 2231، ورغم انسحاب الولايات المتحدة منها فمن حيث القواعد لا يمكن تغيير هيكلها.
ومن المتوقع أن تكون سياسة خفض التوتر في المنطقة على جدول أعمال بايدن. سيؤدي هذا النهج إلى الضغط على المملكة العربية السعودية ومحمد بن سلمان لإنهاء الحرب اليمنية واعتماد نهج سلمي تجاه إيران كأحد اللاعبين الرئيسيين في التطورات اليمنية. فإن رسائل إيران العديدة إلى المملكة العربية السعودية تماشياً مع هذه السياسة التي ذكرها مراراً روحاني وظريف هي إشارة إيجابية لبايدن لمتابعة هذا النهج لصالح السياسات الإقليمية وتقليل الضغط على إيران وهو الأمر الذي ينبغي متابعته بجدية.
أخيراً إن جهود بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي لإعادة فتح قضية اغتيال خاشقجي، إلى جانب مقاربة الولايات المتحدة للحرب في اليمن هي عوامل أخرى تؤثر على العلاقات السعودية الأميركية. استطاع محمد بن سلمان، العقل المدبر والمرتكب لعملية الاغتيال في عهد ترامب، أن يحمي نفسه من آثار الاغتيال باستخدام المال. وأما الشائعات التي تفيد بفتح القضية في عهد بايدن تعد تحذير خطير لمحمد بن سلمان ومستقبل القيادة السياسية في البلاد.
إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا
المصدر/ صحيفة “شرق” الإصلاحية