الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة23 يناير 2021 08:44
للمشاركة:

صحيفة “وطن امروز” الأصولية – ماذا لو تفاوضوا مع ترامب؟!

تناولت صحيفة "وطن امروز" الأصولية، في أحد تقاريها، توقعات مصير الأمور في حال تفاوض الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف مع الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب. حيث أشارت الصحيفة إلى أن إدارة روحاني فرضت تكاليف وأعباء سياسية واقتصادية ضخمة على البلاد وذلك للتفاوض مع ترامب إلا أن الأخير هو الذي رفض، حسب تعبير الصحيفة.

يحتفل المسؤولون وعلى رأسهم حسن روحاني ومحمد جواد ظريف بنهاية عهد دونالد ترامب في الولايات المتحدة ويقومون بالترحيب بجو بايدن الضيف الجديد في الجناح الغربي للبيت الأبيض على أمل إعادة الاتفاق النووي إلى الأيام الخوالي. وفي خضمّ ذلك، يتباهى كل من روحاني وظريف، وهما يتخذان وقفة النصر بأن مقاومتهما هي التي دفعت ترامب للخروج من أبواب البيت الأبيض؛ يبدو الأمر كما لو أنهما نسيا ماذا فعلوا وبماذا تحكّموا لتمهيد الطريق للتفاوض مع هذا الرئيس الأميركي المثير للجدل.

إن الرئيس وحلفاؤه يكيلون الإهانات هذه الأيام لترامب وعلى الأقل منذ سنتين حيث لم تظهر الحكومة والجهاز السياسي الخارجي أي بيان سوى أنه ينبغي التفاوض مع الرئيس الأميركي آنذاك؛ حيث أن هذه المفاوضات التي لو استسلم النظام لها لم يكن من الواضح ما هي الهاوية الرهيبة التي بانتظار البلاد. ومع ذلك لا تبدو هذه الهاوية غريبة جداً وذلك لأن البلاد بمجرد أنها واجهتها تكبّدت تكلفة باهظة؛ حيث توصل روحاني وجنرالاته الدبلوماسيون إلى اتفاق حول أساسيات الاتفاق النووي مع الحكومة عشية وداع باراك أوباما. ولقد كان غريباً لدرجة أنه دفع 47 من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي إلى تحذير الحكومة الإيرانية من أن ما يوقعون عليه هو خطة عمل مشتركة شاملة وهو مجرد اتفاق تنفيذي ويمكن للرئيس المقبل إلغاؤه بكلمة. حيث أكّدت الرسالة المفتوحة والتي نظمها توم كوتون ووقعها قادة مجلس الشيوخ الجمهوريون بالإضافة إلى ماركو روبيو وتيد كروز وراند بول، على ما يلي: “من المثير للاهتمام أنه بينما نراقب مفاوضاتك مع حكومتنا، نرى أنك لست على دراية كاملة بنظامنا الدستوري … وأي شيء لم يوافق عليه الكونغرس هو مجرد اتفاقية تنفيذية، ويمكن للرئيس المقبل أن ينهيه بكلمة. وكما يمكن للكونغرس القادم تعديل شروط الاتفاقية في أي وقت”. ولكن هذه التحذيرات قوبلت بسخرية من محمد جواد ظريف والجملة الشهيرة لوزير الخارجية الذي دعا فيها توم كوتون لاسترجاع أمواله من جامعة هارفارد، ولكن بعد أقل من ثلاث سنوات قام الرئيس آنذاك دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي بشحطة قلم وجعل محمد جواد ظريف عابساً؛ وما يتحدث عنه روحاني هذه الأيام: ذلك رجل الأعمال الأمّي خربش على الأوراق وانسحب من الاتفاق النووي.

ومع ذلك بعد الانسحاب غير القانوني للولايات المتحدة من الاتفاق النووي كان من المتوقع أن تلقى هذه الخطوة رداً قاسياً من الحكومة ولكن أعربت الحكومة عن ارتياحها لانسحاب متطفل، ورد الفعل الوحيد لروحاني إعطاء الدبلوماسية فرصة، وأعلن أن 1 + 5 أصبحت 1 + 4 من الآن فصاعداً حيث قام بعملية اشتقاق رياضية فقط! ولكن بما أن الحكومة الثانية عشرة لم يكن لديها فكرة أخرى سوى التفاوض لإدارة البلاد، فقد وجدت أخيراً طريقة للتفاوض مع رجل الأعمال الأمّي هذا.

إن متابعة مواقف المسؤولين الحكوميين، بقيادة روحاني وظريف في تلك الأيام، تؤكّد الحقيقة التي لا يمكن إنكارها وهي أنه كلما أصبح فشل تطلعات الحكومة أكثر واقعية بمرور الوقت، كلما أصبح التراجع بالأوامر الدبلوماسية للحكومة ضرورياً. وفي العام الماضي غرّد ظريف بعد مقابلة مع كريستين أمانبور من سي إن إن: “كان غصن الزيتون دائماً على الطاولة ولكننا نعرض غصن الزيتون مرة أخرى”.

لم تكن هذه نهاية الأمر، ومع زيارة شينزو آبي لطهران والتي كان يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تحمل رسالة ترامب، حيث قامت وسائل الإعلام الموالية للحكومة بتسليط الضوء على الزيارة باعتبارها بداية تراجع عن الضغط الأميركي. ولكن خلال هذه الرحلة عارض القائد الأعلى رسالة ترامب وقال في ردّه الشهير على رئيس وزراء اليابان: “ليس لدينا شك في لطفك ونيتك الحسنة وجديتك ولكن فيما نقلته عن الرئيس الأميركي، فأنا لا أعرف أي رسالة جديرة بالتبادل مع ترامب ذاته ولن أرد.”

الموقف الحازم للقائد الأعلى في مواجهة سيناريو ترامب والذي أثار غضب الجانب الأميركي أيضاً، ومن المنطقي اليوم أن يتنحى ترامب عن المشهد السياسي الأميركي بعد خسارته في الانتخابات، ومن ناحية أخرى فقد استقال وسيطه شينزو آبي بسبب الفساد وهنا تكمن منطقية رد القائد، فلو عاد رئيس الوزراء الياباني المخلوع إلى ترامب بيد مليئة من طهران، لما عانت بلادنا اليوم سوى من فاجعة دبلوماسية.

بعد الاغتيال الجبان الذي قامت به أميركا واستشهد على إثره القائد سليماني، أدلى وزير الخارجية بعد 20 يوم من الاغتيال بتصريحات غير عادية ومنافية للمصالح الوطنية في مقابلة له مع مجلة دير شبيغل الألمانية حيث قال في رده عن سؤال المراسل حول إمكانية التفاوض مع أميركا بعد اغتيال القائد سليماني: “نعم! أنا لا أستبعد هذا الاحتمال أبداً طالما أنهم سيغيرون نهجهم ويعترفوا بالحقائق. ومن وجهة نظرنا لا يهمنا من يقطن البيت الأبيض؛ المهم لدينا سلوكهم. ويمكن لإدارة ترامب تعويض ماضيها ورفع العقوبات والعودة إلى طاولة المفاوضات. ونحن ما زلنا على طاولة المفاوضات”.

ولكن قاتل القائد سليماني غرّد في رد مُهين على ظريف:” وزير الخارجية الإيراني يقول إنه يريد التفاوض مع الولايات المتحدة ولكنه يريد رفع العقوبات. كلا؛ شكراً!” وتصريحات ظريف هذه منافية للأمن والمصالح الوطنية وقد تلقى بطاقة صفراء من البرلمان يوم الثلاثاء بسبب هذه التصريحات.

كما أوضحنا في حال نجحت سلسلة جهود روحاني وظريف للتفاوض مع ترامب ووضعت النظام على طريق التفاوض والاتفاق مع رئيس الولايات المتحدة آنذاك، فستواجه البلاد اليوم معضلة دبلوماسية. وكما أوضحنا فقد أدّى اتفاق المسؤولين مع أوباما إلى انسحاب ترامب من الاتفاقية وفرض عدد من العقوبات غير المسبوقة على بلادنا، والتي وصفها حسن روحاني بالحرب الاقتصادية.

وفي الحالة الثانية لو كانت الدولة قد تفاوضت مع ترامب من خلال تقييمات رئيس الدولة ووزير الخارجية وخسر ترامب بالانتخابات، لكان العمل أكثر كارثية، وكانت إيران اليوم ستفقد مصداقيتها في عيون العالم وستكون كارثة في تاريخ السياسة الخارجية الإيرانية والعالمية وقد توصلت إيران إلى اتفاق مع (ترامب ووسيطه شينزو آبي) اللذان غادرا بأبشع طريقة.

ولولا الاستراتيجية الذكية للقائد الأعلى خلال فترة ترامب والتي كانت “لن تكون هنالك حرب ولن نتفاوض” لكانت البلاد غارقة في هاوية لا يمكن الخروج منها. وبالطبع الأميركيون لا يتحدثون كلهم بذات الطريقة؛ فأحياناً يطلقون شعار “التفاوض غير المشروط”، وأحياناً يُسمى “التفاوض بدون شروط مُسبقة” وأحياناً “التفاوض مع 12 شرطًاً”؛ فإما أن تكون سياستهم سياسة فوضوية حقاً، فهم لا يعرفون ما يريدون، أو أنهم يقومون بخدعة؛ وهذه إحدى الحيل: أحدهم يقول شيئاً والآخر يقول شيئاً آخر وذلك من أجل إرباك الطرف المقابل؛ ولكننا غير مرتبكين فطريقنا واضح. ويقول القائد الأعلى: “إذا تمكّن عدونا من إثبات أن أقصى ضغط هو العلاج لعمل إيران وفعال على إيران، فلن ترى إيران الراحة مرة أخرى”.

استخدم المتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زاده، كلمات “جاهل” و “سخيف” و “مهمل” و “دوني” رداً على صحيفة “وطن امروز” عندما وضعت عنواناً يوم الأربعاء “ظريف الترامبي”. وبغض النظر أننا نأسف عن هذه الكلمات التي صدرت عن المتحدث باسم وزارة الخارجية والتي من المفترض أن تكون وزارة وطنية غير حزبية، ولكن المتحدث باسم الخارجية يجب أن يجيب أين الجهل؟ عندما تتحدث وزارة بعد ثلاثة أسابيع فقط من استشهاد القائد سليماني في مقابلة مع دير شبيغل عن إمكانية التفاوض مع قاتل القائد الوطني؟ الجهلة الذين اتهموا منتقديهم بأنهم إلى جانب نتنياهو وترامب ومن ناحية أخرى فقد سعوا للتفاوض مع ترامب ذاته من خلال قنوات مختلفة ولو حدث ذلك لكانت البلاد قد أصيبت بالخزي. المتحدث باسم وزارة الخارجية المحترم من الجاهل؟ أولئك الذين ومن خلال رسالة ضعف، شجّعوا الطرف الآخر على الضغط على بلدنا وعدم الوفاء بأصغر التزاماته في الاتفاق النووي، أم المتعاطفين الذين توقعوا مثل هذه الأيام؟

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ صحيفة “وطن امروز” الأصولية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: