الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة9 يناير 2021 04:46
للمشاركة:

طهران ترمي فترة ترامب خلفها: اليوم الذي يلي!

مع غزوة الكونغرس يوم السادس من كانون الثاني/ يناير وما يمكن وصفه بحفل الختام الشعبي غير التقليدي لفترة دونالد ترامب الرئاسية في الولايات المتحدة، يمكن القول إن إيران تخطت مرحلة التهديد التي كانت تواجهها بشن ضربة أميركية عليها. النهاية الهوليوودية لعصر ترامب ستعيد نوعاً من الواقعية للعلاقة المتأزمة الأميركية الإيرانية، على الأقل ستضعها على سكة الحوار عن بعد، وكلام القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي يوم الجمعة ٨ كانون الثاني/ يناير بمناسبة ذكرى انتفاضة مدينة قم في العام ١٩٧٨ والتي مهدت لاشتعال الثورة وإطاحة الحكم الملكي، رسم الخطوط العريضة الإيرانية لليوم الذي يلي خروج ترامب من البيت الأبيض وتسلم الرئيس المنتخب جوزيف بايدن الرئاسة.

في خطابه أوضح خامنئي أن بلاده لا تصرّ على عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي ولا تتعجل ذلك “المهم رفع العقوبات لأنه حق الشعب الايراني الذي حرموا منه وواجب أميركا وأوروبا العمل لرفع العقوبات بعدها يصبح مقبولا عودة أميركا الى الاتفاق، لكن قبل ذلك سيكون مؤذيا لإيران.”

جاء هذا الموقف بعد أسبوع تقريبا من إعلان طهران زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ٢٠ بالمئة، وهو ما يعد عمليا خرقا للاتفاق، لكن المسؤولين الإيرانيين لم يخفوا واقع أن هذه الخطوة جاءت في إطار عملية ضغط إضافي لدفع الإدارة الأميركية الجديدة للتراجع الفوري عن العقوبات، وهو ما أكده أيضا خامنئي بقوله “عندما لا يفي الطرف الآخر بالتزاماته، لا معنى لوفاء إيران بجميع التزاماتها. إذا عادوا إلى التزاماتهم، سنعود.”

كلمة السر في كلام خامنئي ومن قبله ظريف والمتحدث باسم الحكومة، سنعود، بالتالي هذا يؤكد، بعيدا عن التصعيد الكلامي والخطوات المتعاقبة، كون طهران على مستوى النظام راغبة في عودة الحياة للاتفاق بإطاره العام الذي جرى التوصل إليه في فيينا عام ٢٠١٥. وهي الآن تستخدم الهجوم، من خلال خطواتها التصعيدية، على قاعدة خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، لتضغط على بايدن لعدم ربط التسوية النووية بملفات أخرى، وتحديدا الملف الصاروخي. فربط جاك سوليفان، المرشح لموقع مستشار الأمن القومي في الحكومة الأميركية الجديدة، العودة للاتفاق بالتفاوض على البرنامج الصاروخي الإيراني، واشراك أطراف جديدة في المفاوضات، قرأته طهران تصعيدا من الإدارة الانتقالية، بل ولغما لا يمكن تخطيه بسبب ارتباطه اللصيق بخطوط الأمن القومي الإيراني الحمراء.

لذا فعلّت طهران خطوة العشرين بالمئة باكرا لتصنع ورقة جديدة للمناورة في وجه الإدارة الجديدة، بدل الاستسلام للشرط المعلن، وهي كانت قادرة على رمي كرة نار أكثر التهابا في ملعب بايدن لو أنها بدل زيادة نسبة التخصيب، عمدت مثلا إلى اختبار صاروخ باليستي يتخطى مداه حد الـ ٢٠٠٠ كيلومتر الذي وضعته لنفسها وأعلن عنه سابقا.

ستكون صواريخ طهران هي عنوان اليوم الذي يلي ترامب، وهنا العقدة التي ستشكل الأساس للتوتر القادم المتوقع على مستوى العلاقة الإيرانية الأميركية

تدرك طهران جيدا أن يد بايدن ستكون مغلولة في ملف العلاقة معها، فهو وإن التزم بالعودة للاتفاق حال توليه الرئاسة، سيواجه ضغطا من صقور الحزب الديمقراطي ومن خلفهم إسرائيل والسعودية والإمارات لمتابعة مسار ترويض النفوذ الإيراني في المنطقة، إلى جانب محاصرة البرنامج الباليستي الإيراني بكافة السبل الممكنة، باعتباره الخطر الأكثر حضورا بالنسبة لهم. لذلك سيكون عنوان اليوم الذي يلي ترامب صواريخ طهران، وهنا العقدة التي ستشكل الأساس للتوتر القادم المتوقع على مستوى العلاقات الإيرانية الأميركية.

هي عقدة مؤجلة من زمن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الذي أراد تحقيق اتفاق نووي كخطوة أولى تنقله إلى الخطوة الثانية التي من خلالها كان ليتفاوض مع إيران على ضبط حضورها في المنطقة وترويض صواريخها، لكن الوقت لم يسعفه حينها لنهاية ولايته، ولاحقا، فشلت مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون في الانتخابات أمام ترامب الذي فضّل هدم هيكل الاتفاق والضغط لإعادة التفاوض عليه مجددا في إطار عملي أوسع يضم النقاط المذكورة أعلاه. وفي حين لم يحقق ترامب هدفه الكبير، بنى حول إيران أسواراً حديدية من العقوبات والضغوطات، نجحت عمليا في ضرب الاقتصاد الإيراني، لكن عنوان فشلها الرئيس كان بقاء طهران على موقفها حتى نهاية فترته الرئاسية.


يقول قائل إن ترامب سهّل على بايدن مهمته بسياسة الضغط القصوى على طهران، إذ أنها أصبحت أكثر ليناً فيما يتعلق بالحفاظ على الاتفاق أملا في اسقاط العقوبات. المدافعون عن وجهة النظر هذه يتسلحون بالأرقام الصادرة من طهران على مستوى المؤشرات الاقتصادية، إلى جانب الضغط الذي تواجهه حكومة روحاني التي بات يُنظر اليها في إيران على أنها الأكثر فشلا في تاريخ الحكومات منذ الثورة.

لكن رأيا آخر يحاجج به مؤيدو الاتفاق النووي، مفاده أن عملية إضعاف روحاني وفريقه صنع سياقا سمح بسيطرة الأصوليين على مجلس الشورى وعبّد الطريق بشكل كبير لوصول حكومة متشددة تتولى الحكم بعد الرئيس المعتدل، بالتالي ستكون فرضية التوصل لتسويات جديدة معها ضعيفة بسبب سقفها المرتفع مسبقا، ولأنها في الأصل لم تكن ترى في الاتفاق النووي سوى مثال سيء لعدم جدوى الانفتاح على الغرب. هؤلاء يضغطون بدورهم لتبني بايدن خطوات عملية سريعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، على قاعدة أن سقوط الاتفاق سيسمح لطهران بالوصول إلى العتبة النووية التي تمكنها ساعة تريد من اتخاذ القرار بصناعة رؤوس نووية. أي باختصار، بناء طبقة ردع لا يمكن بعدها العودة إلى الوراء.

اليوم الذي يلي، كما أنه محل تفكير إيران وأميركا، هاجس رئيس لإسرائيل لرئيس وزرائها بنجامين نتنياهو. الأخير، وبحسب وسائل الإعلام الإٍسرائيلية، يستبق دخول بايدن البيت الأبيض، والخلافات المتوقعة معه، بالطلب إلى حكومته أن يكون هو صاحب القرار الأول والأخير بكل ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وقد قوبل الطلب باعتراض وزير دفاعه بني غانتس، الذي أوضح لنتنياهو أن هذا الملف ليس من اختصاص فرد واحد وأن أي قرار يتخذ يجب أن يكون بعد اجتماع المجلس الوزاري المصغر(الكابينيت). كما أن موقع أكسيوس الأميركي ذكر أن نتنياهو وفريقه يتحسبون بشكل كبير للتعيينات التي يجريها بايدن في فريقه الدبلوماسي، بل وأن فريق رئيس الحكومة الإسرائيلي لم يجر حتى الآن أي اتصال مع فريق الرئيس الأميركي المنتخب، رغم مرور شهرين على انتخابه.

كثيرة كانت الإشارات التي تقول إن الأيام الأخيرة من رئاسة ترامب ستشهد حبسا للأنفاس لما قد يقوم به تجاه إيران، لكن واقع أن التأثير الإسرائيلي وصل إلى ضفاف الخليج بعد اتفاقيات التطبيع الأخيرة، يدعو للاعتقاد أن حبس الأنفاس قد يطول لما بعد تسلم بايدن الرئاسة، لأن تل أبيب لن تكون مستعدة للقبول بالواقع الجديد وبتفعيل الاتفاق النووي، وهذا قد يعني فيما يعنيه بالحد الأدنى مزيدا من التصعيد الأمني واغتيالات إضافية، كما قد يصل في حده الأقصى إلى توجيه ضربات لإيران وهو ما سيكون حدثا لن يكون بالإمكان توقع اليوم الذي يليه.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: