الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة6 يناير 2021 06:45
للمشاركة:

إيران والمصالحة الخليجية.. البراغماتية في انتظار حسم أزمات المنطقة

رغم أنّ عام 2021 ما زال في بدايته، إلا أنه يمكن الجزم أنّ صورة المصافحة بين ولي العهد السعودي وأمير قطر، ستكون من أبرز صور هذا العام. ليس فقط لأنّها مشهد المصالحة الأوّل بين جارين بلغا شفير العداوة، بل أيضًا لأنّها صورة تأسيسية لمرحلة جديدة من العلاقات الخليجية. علاقات بمعايير ما بعد صدع ليلة إعلان حصار قطر عام 2017. ليلة التصدع الأكبر في تاريخ مجلس التعاون الخليجي. يؤدي ذلك تلقائيًا إلى أن الصورة الشهيرة، على أهميتها المعنوية، لا تعني نهاية ما نشأ بفعل السنوات الثلاث الخليجية العجاف. تتجاوز المسألة غِلظة الآثار المعنوية بين قطر والدول المقاطِعة، إذ يمكن ترميم هذه المسألة بالإعلام، بالنسق نفسه الذي تم تسعيرها فيه. المسألة زمنية فقط، وقد باشر الإعلامان القطري والسعودي أولى الخطوات نحو ذلك. لا يخرج هذا الأمر عن إطار صورة الأمير وولي العهد، أي إنّه لا يعني تماهي سياسات دول مجلس التعاون بسحر ساحر، كما أوحت كلمات المشاركين وتصريحاتهم في قمة العُلا.


خلاصة المشهد الخليجي الجديد ظاهرها إصلاح ذات البين بين دول مجلس التعاون. وباطنها، معايير جديدة ناظمة للعلاقات الخليجية لحفظ مصالح متقاطعة تفرضها الجغرافيا. اعتراف قطري بالتأثير السعودي الذي لا يمكن تجاوزه، واعتراف سعودي بالدور القطري الإقليمي، وضرورة الاستثمار فيه بدلًا من استنزاف الموارد، عبثًا، في محاولات إقصائه. ترجمة ما سلف لن تكون بالأمر السهل هضمه خصوصا بالنسبة للسعودية. الأشهر المقبلة، بما تحمله من مساراتٍ جديدة يُرتقب تبلورها بدفعٍ من سياسات إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، كفيلة بتظهير المفاعيل السياسية للمصالحة الخليجية.

إيران من ضمن هذه المفاعيل، بل في أولاها. وخلافًا لاستسهال القول بأن المصالحة الخليجية تربك طهران، يبدو المشهد بالعين الإيرانية غير ذلك كليًا. يدرك وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أنّ قطر خرجت رابحة بالنقاط من الأزمة. ويدرك، كما يبدو من تغريدته تعليقًا على ما جرى، أنّه متأكد عدم تأثر العلاقات القطرية الإيرانية سلبًا بمصالحة الدوحة مع الرياض. لأسبابٍ عديدة تدعمها الوقائع الصلبة، تبدو طهران في أجواء حل الأزمة، مستثمرًا بارد الأعصاب، كما كان حالها حين اندلاع الأزمة. رأس دبلوماسيتها هنّأ قطر بـ”نجاح مقاومتها الشجاعة للضغوط والتهديدات”. ليس ذلك من باب التشويش على الجو الإيجابي بين قطر والسعودية، بل من إدراك إيراني للقناعة القطرية بأن دور الدوحة المتنامي سياسيا، يبقى كذلك، طالما بقيت الدوحة على علاقاتها المعززة مع جيرانها الإقليميين. فالعلاقات القطرية – التركية والعلاقات القطرية – الإيرانية، كانت من أبرز الرافعات السياسية لصمود قطر في وجه ما تعرضت له من الدول الأربع المقاطِعة. وليس مبالغة القول، إن الدوحة تعي جيدًا كيف شكّل تحالفها مع تركيا وحسن جوارها مع إيران، شعاع الحماية الذي ردع الرياض وأبو ظبي عمّا يتجاوز السياسة، معطوفا على العلاقات الأميركية القطرية الاستراتيجية. وإذا كانت طهران والدوحة تدركان أن المصالحة الخليجية لن تؤذي علاقاتهما، فإن ولي العهد السعودي، بدوره، لا بد وأنه اكتسب خبرة بفعل أزماته المتراكمة، تتيح له فهم ذلك أيضًا.

ربما يساعده في ذلك الشق الثاني من تغريدة ظريف، الموجّه ضمنًا إلى المملكة: “لجيراننا العرب الآخرين، إيران ليست تهديدا ولا عدوا. كفى إلقاء للوم على الآخرين، خصوصا وأن ولي نعمتكم المستهتر والخارج عن القانون، في طريقه للخروج من السلطة. آن الأوان لتقبلوا عرضنا لكم بمنطقةٍ قوية”. قد يكون الرد السعودي سلبيًا، وقد تلتزم الرياض الصمت. الأمر مرهون بحسابات الأسبوعين الأخيرين من ولاية دونالد ترامب، وماذا سيفعل فيهما إقليميًا. لا تبدو السعودية في وارد مصالحةٍ مع إيران، شبيهة بمصالحة قمة العلا في المدى المنظور. فمن دون حسم مسألة التطبيع مع إسرائيل من عدمها، من المستبعد الجزم بمستقبل العلاقات السعودية الإيرانية. وهنا يبرز الدور القطري المحتمل في لعب دور الوساطة بين الطرفين، لضبط إيقاع الصراع إن لم يكن ممكنا تسويته. قد يكون من المبكر طرح هذا التصوّر، لكنّه ليس مستبعدًا، لسبب مستجد، هو عودة قطر تدريجيًا، إلى لعب دورها كوسيط في الاقليم، بعدما برزت طرفًا في أزمات أخرى. تبدو لحظة تفعيل دور الوساطة من جديد وإن ببطء، وما يعزّز هذا الطرح، تحوّل قطر في الأشهر الأخيرة إلى قناة التواصل غير المباشر بين واشنطن وطهران، في ظلّ انكفاء عماني عن ذلك، منذ تولي السلطان هيثم بن طارق منصبه. لا يزعج ذلك طهران، إذ أنّ الوقائع الجديدة لا تحمل لها ضررًا سياسيًا مباشرًا. وفي الفترة المتبقية لترامب، تركّز طهران جهودها على تجاوز ولايته بالقدر الأقل من الضرر، تمهيدا لمرحلة لا تبدو سهلة مع إدارة بايدن، رغم المنحى الإيجابي الحذر بين الطرفين. هكذا، لن تجد طهران بدًّا من التعامل ببراغماتية مع المصالحة الخليجية، قوامها الاستمرار في حفظ العلاقات المفيدة مع قطر وتعزيزها من الجانبين، وتاليًا، استثمار تحسن العلاقات القطرية السعودية إن تهيأت الظروف الملائمة لذلك.

من المستبعد أن تكون المصالحة موجّهة ضد إيران، إذ تغلب عليها التوازنات الخليجية الخليجية، وهذا ما يعكسه الامتعاض الإماراتي والبحريني غير المعلن، وقبول المصالحة على مضض، في مقابل الارتياح الكويتي البارز. سوف تكثر الأسئلة بعد قمة العلا، ولعلّ أبرزها: هل إن ما جرى يمهد لمصالحة إقليمية بين إيران وخصومها الخليجيين؟ من المبكر الإجابة على ذلك، ودونه حل أزمات إقليمية ما زالت في دائرة الاشتعال: اليمن والبحرين وسوريا ولبنان والعراق، وفي دائرة الخطر بالنسبة لطهران: اقتراب الخطر الإسرائيلي من حدودها المباشرة عبر نتائج التطبيع، مع ما يمكن للسعودية أن تقوم به في هذا السياق تجاه إيران، وهو مفصلي في مستقبل الخليج بضفّتيه.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: