الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة1 يناير 2021 16:58
للمشاركة:

مصباح يزدي…مؤسس الأصولية الجديدة في إيران

اقترن اسمه بالمؤسسات الثقافية والتعليمية، وبرز كمعلم وقدوة ضمن أقطاب التيار المحافظ المتشدد في إيران، عارض الثقافة الغربية والتعايش معها، وتصدى للعديد من المهام الثقافية خلال الثورة الإسلامية وهي ذات المهمة التي صبغت مسيرته بعد انتصار الثورة عام 1979. رئاسته لمؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي في مدينة قم، لم تقطعه عن مواصلة شغفه بالرحلات التبليغية للطلبة الإيرانيين في أوروبا وأفريقيا والتي كان محورها الدعوة لضرورة قيام الحكومة الإسلامية، ولم تعفه كذلك من مجهود رفد المكتبة الإسلامية بعشرات الكتب في الفلسفة الإسلامية وتفسير القرآن الكريم.

فمن هو آية الله محمد تقي مصباح يزدي الذي وافته المنية الجمعة 1 كانون الثاني/ يناير 2020، بعد تدهور طرأ على صحته خلال الأسابيع الماضية؟، ولماذا قال فيه العلامة الطبطبائي “مصباح يزدي الأفضل لكم دراسة ومناقشة”؟.

النشأة وما قبل الثورة 

في مدينة يزد وسط إيران، ولد محمد تقي مصباح يزدي عام 1934، وأتمّ دراسته الابتدائية فيها، ثم هاجر إلى مدينة النجف العراقية مع عائلته عام 1951 ملتحقًا بحوزتها العلمية، إلا أنه ما لبث أن انتقل إلى مدينة قم بسبب ظروفه المادية والعائلية، فحضر دروس كبار المعممين آنذاك، أمثال الإمام الخميني، العلامة طبطبائي، محمد تقي بهجت والبروجردي.

إبان حكم الشاه، كان ليزدي دور فعّال في الثقافة والسياسة، إلى جانب رفاقه الثوريين من العلماء أمثال بهشتي ومطهري. حيث أقاموا محاضرات حول أهمية الحكومة قيام الحكومة الإسلامية. وتعاون يزدي مع مجلة “بعثت” السرية آنذاك وذكر السيد هادي خسرو شاهي أن مصباح يزدي أسس مجلة “انتقام” الثورية في نفس الفترة و التي توصف بتوجهها الحاد والمنهض للشاه. كذلك أسهم في صياغة النظام الأساسي لأول لمنظمة لرجال الدين المعروفة باسم منظمة “أحد عشر عضو”، فضلًا عن  طباعة خطب الإمام  الخميني سرًا وتوزيعها.

قبل عام من  اندلاع الثورة الإسلامية، ساهم يزدي في تطوير الحوزة العلمية وتقريبها إلى الجامعة، وبمعاونة رفاقه جنتي وبهشتي وقدوسي، قام بإدارة مدرسة “المنتظرية” للعلوم الدينية في مدينة قم وألقى فيها دروسًا في الفلسفة، والأخلاق، والقرآن لعددٍ من السنوات. كذلك تصدى مصباح يزدي بعد نفي الإمام الخميني، لإجراء دراسات متعددة في المباحث الاجتماعية، كالجهاد والقضاء والحكومة الإسلامية.

وكان من اللافت أنه سافر إلى لندن عام 1978 وأمضى فيها شهرين لتعريف الخريجين الإيرانيين بالفلسفة الإسلامية والقضايا المتعلقة بالحكومة الإسلامية.

المسيرة الثقافية والسياسية

لا يخفى على أحد أن يزدي من أنصار الطيف الأصولي الإسلامي ومن المعارضين الجادّين للتيار الإصلاحي، إذ اختير بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، كعضوٍ فعّال في اللجنة الثورية الثقافية كما أسس مكتب التعاون والتنسيق يسن الجامعات الإيرانية والحوزة الدينية، وقام بتشجيع من الإمام الخميني بتأسيس العديد من المؤسسات العلمية والثقافية أهمها مؤسسة “باقر العلوم العلمية التحقيقية” التي أصبح اسمها لاحقا مؤسسة الإمام الخميني، كما أسس وافتتح قسم التعليم في مؤسسة “في طريق الحقّ” العلمية الثقافية (مؤسسة طريق الحق أفتتحت عام 1973م في حين أفتتح قسم التعليم فيها سنة 1979م)، فضلًا عن مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي التي بقي يرأسها حتى وفاته. وعلى الرغم من توليه عدة مهام إلا أنه حافظ على نشاطه في “الحملات التبليغية”، فسافر إلى أوروبا عام 1989 زائرًا ألمانيا وبلجيكا وهولندا والنمسا وسويسرا حيث التقى عدة شخصيات وحضر الكثير من فعاليات واللقاءات، كذلك زار كندا وأميركا للقاء الطلبة الإيرانيين هناك وبعض المؤسسات الأكاديمية والجمعية العامة للأمم المتحدة، كما حل زائرًا في عدة دول أفريقية وآسيوية.

عام 1996، وبالتعاون مع منظمة “بسيج” أطلق مصباح يزدي برنامج “نموذج الولاية” الذي كان غرضه تعريف الأساتذة والطلاب بأساسيات الفكر الإسلامي، وهو ملخص لأفكاره وأفكار تلامذته. انتخب مصباح يزدي عام 1990 نائبًا عن محافظة خوزستان في مجلس خبراء القيادة في دورته الثانية، كما أنتخب فيما بعد نائبًا عن أهالي طهران بالمجلس ذاته في دورتيه الثالثة والرابعة، ليتم إعادة انتخابه عام 2020 نائبًا عن أهالي خوزستان في دورة المجلس الخامسة التكميلية.

مصباح يزدي...مؤسس الأصولية الجديدة في إيران 1

آراءه ومواقفه 

يعرف مصباح يزدي بأحد أشرس المدافعين عن نظرية ولاية الفقيه، ويرى أن “سلطة الولي الفقيه هي الشكل الوحيد الممكن للحكومة الإسلامية، وتتمتع حكومة ولاية الفقيه بكل الصلاحيات المعصومة، فالولي معين من الله، وليس للشعب دورً في إضفاء الشرعية على ولايته”.

وللرجل العديد من الآراء المثيرة للجدل في السياسة كما في الدين والثقافة، فعلى الرغم من اعتقاده بأن الإصلاحية متجذرة في “نظام القيم الإسلامية”، إلا أنه أحد المعارضين الجادّين للحركة الإصلاحية الحالية في إيران، حيث أطلق على الحركة الاصلاحية “إحياء التقليد الكافر لإيران قبل 2500 عام”. ورحب بالإصلاح وفقًا لمعايير القائد الأعلى لإيران قائلًا “نريد هذا الإصلاح”.

وكونه أحد أبرز أنصار الطيف الأصولي المتشدد، يرى على سبيل المثال أن الاختلاف بين أتباع الديانات المختلفة لا ينبغي إنكاره بحجة الحقوق المدنية، قائلًا “لا ينبغي أن نقول بحجة الحقوق المدنية أن البهائيين واليهود والمسلمين لا يختلفون لأن أحكام الذمة منصوص عليها في الإسلام في مثل هذه الحالات”. كما انتقد صياغة الرئيس حسن روحاني لميثاق الحقوق المدنية، الذي وصفه بأنه “مساوٍ للبهائيين والمسلمين الثوريين والمعادين للثورة”.

تأكيدًا على مركزية المكانة التي يمثلها القائد الأعلى بالنسبة لمصباح يزدي، قام بحجب ثقته عن أحمدي نجاد عام2011، إثر مقاطعة هذا الأخير لكافة الأنشطة العامة لمدة ثمانية أيام بعد اعتراض القائد الأعلى علي خامنئي على قرار الرئيس إقالة وزير الاستخبارات حيدر مصلحي المقرّب من بيت القائد.

عام 2009، وبعد انتخاب محمود احمدي نجاد لدورة رئاسية جديدة، قدم مصباح يزدي دعمًا كبيرًا للرئيس المنتخب بصفته المعلم والقدوة لنجاد، مدافعًا عنه ضد التيارات السياسية الأخرى، ومنددًا بتدخل القوى الأجنبية، حيث دعا الرئيس إلى “تغيير علاقة إيران بهذه القوى تبعًا لمواقفها من البلاد”. وحذّر من “التحركات التي يشارك فيها بعض الإيرانيين في الداخل بقصد أو دون قصد لتقويض أو إضعاف النظام الإسلامي في البلاد، لأن طاعة الرئيس -بعد مصادقة القائد الأعلى على انتخابه- تندرج في إطار طاعة الله“.، وتأكيدًا على مركزية المكانة التي يمثلها القائد الأعلى بالنسبة لمصباح يزدي، قام بحجب ثقته عن أحمدي نجاد عام2011، إثر مقاطعة هذا الأخير لكافة الأنشطة العامة لمدة ثمانية أيام بعد اعتراض القائد الأعلى علي خامنئي على قرار الرئيس إقالة وزير الاستخبارات حيدر مصلحي المقرّب من بيت القائد. وقال مصباح يزدي موجهًا حديثه لأحمدي نجاد “الطاعة والخضوع للقائد الأعلى واجب ديني لا علاقة له بالسياسة”، مذكرًا إياه بأنه يستمد شرعيته من رضا القائد الأعلى وليس من التصويت شعبي.

في حزيران/ يونيو 2014 وتزامنًا مع ذكرى وفاة الإمام الخميني، رد مصباح يزدي على تصريحات رجال الدين المتعلقة بقضية الحجاب وفصل الدين عن الدولة بتصريح ، فقال “البعض يتوهمون ويحزنون باستمرار على دين الناس وهم لا يعرفون لا الدين ولا الآخرة”، ليعلق مصباح يزدي “حتى أن بعض المسؤولين المعممين ردًا على عدم ارتداء الحجاب وقلق العلماء من حالة الدين والثقافة، يعرّفون العلماء على أنهم لا يعرفون الإسلام ويتهمونهم بالتوهم.. إن فصل الدين عن السياسة والتأكيد على أن الدين واجب رجال الدين وليس الحكومة هو شعار الجبهة الوطنية الذي يرفعه اليوم للأسف بعض مسؤولي العمامة”، متسائلا عن شرعية رجال الدين الذين خاطبهم في كلامه قائلا: من أين تعلمت دينك؟ من المدرسة الفيضية أم من إنجلترا؟” هذا الكلام لمصباح يزدي فسره البعض على أنه ردا على تصريحات الرئيس حسن روحاني وأنصاره حول هذه القضية.

مصباح يزدي...مؤسس الأصولية الجديدة في إيران 2

الأعمال والمؤلفات

رفد مصباح يزدي المكتبة الإسلامية، بعشرات الكتب في تفسير القرآن والفلسفة والأخلاق وبلغ عددها 150 مجلداً وتم ترجمة بعضها إلى عدّة لغات، منها النبوة في القرآن، دروس في العقيدة، السير إلى الله، أصول المعارف الإنسانية، المنهج الجديد في تعليم الفلسفة وبارقة من سماء كربلاء.

كما اشتهر مصباح يزدي بحواراته ومناقشاته العرفانية مع المرحوم أية الله بهجت ويعرف بأنه من أوائل الشخصيات الدينية التي كانت تحرص على المشاركة في دروس العرفان والأخلاق لمحمد تقي بهجت.

مصباح يزدي...مؤسس الأصولية الجديدة في إيران 3
جاده ايران تلغرام
للمشاركة: