الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة31 ديسمبر 2020 08:38
للمشاركة:

“إيران والإخوان المسلمين: حديث غير منشور سابقا لقاسم سليماني”

نشرت وكالة "تسنيم" المقربة من الحرس الثوري، خطاباً للقائد السابق لقوة القدس قاسم سليماني كان قد ألقاه في 11 حزيران/ يونيو 2011 ضمن اجتماع حضره "قدامى المجاهدين" وبعض قادة سنوات "الدفاع المقدس" في مسجد وليعصر بطهران ولم ينشر حينها. حيث تحدّث سليماني عن قضايا مختلفة ومن ضمنها سنوات الدفاع المقدس وتطرّق إلى أوضاع محور المقاومة وحرب تموز في لبنان، ومسألة الصحوة الإسلامية والعلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين.

“جاده إيران” ترجمت ما قاله سليماني آنذاك وتنشره أدناه.

بطبيعة الحال عندما نلقى بعضنا نحن أبناء الحرب، علينا أن نمضي في مزاج مختلف وإن لم يحدث ذلك، فهذا يدل على أنه ليس لدينا تأثير على بعضنا البعض.

سواء أحببنا ذلك أم لا، نحن في طريق رحيلنا. لقد رحل الكثير من أصدقائنا. الذين استشهدوا غادروا بفخر، والذين استطاعوا أن يحافظوا على روح الاستشهاد في أنفسهم عاشوا شهداء أحياء، ثم غادروا بفخر أيضاً. وكلّ منا سيمضي أيضاً بشكل ما وهذا الطريق لا رجعة فيه وسنكون جميعاً على هذا الطريق.

والسؤال الآن هو أنه إذا سُئلنا عما نريد أن نراه في بداية دخولنا لهذا العالم، فبالتأكيد إذا كان الشخص يريد الإجابة بإخلاص، فإنه يودُّ أن يرى أصدقاءه الشهداء. حسن باقري، همت، خرازي، كاظمي!

كل واحد منا لديه العديد من الرفاق الذين نودّ أن نراهم. ويجب أن يكون أعظم ما لدينا هو حزن أصدقائنا. إذا كان لدى المرء إخلاص بالمعنى الحقيقي للكلمة، مثل الشخص الحزين دائماً، فيجب على المرء أن يُبقي على هذا الحزن داخل نفسه.

يُطرح موضوع الحرب اليوم على مستويات مختلفة وبعبارات مختلفة. حيث يتم تقديم جزء من الحرب في إطار الكوميديا والضحك، وجزء منها يستخدم كأداة سياسية، لكن حقيقة الحرب وما هي حقيقة الحرب لا يتم تفسيرهما بشكل جيد. أو أننا لم نشعر جيداً بحقيقتها، لنعكسها بشكل جيد، أو أنه لم نأخذها على محمل الجد.

إذا كان بإمكان حدث ما أن يحول المجتمع في وقت قصير مثل ثورة في أبعاد ثقافية، وهذا التغيير عميق حيث يجب أن نقول أنه لا شيء يمكن أن يغير مجتمعنا بقدر الدفاع المقدس. حيث كانت الحرب هي الجانب الذي انتشر من التعاليم الشيعية الأساسية على نطاق واسع في مجتمعنا.

حيث قال الإمام روح الله الخميني بعد قبول القرار 598 (المتعلق بوقف اطلاق النار بين العراق وايران) “لقد صدرنا ثورتنا”. جيد، عندما يقول الإمام مثل ذلك، هذا يعني أن شيئاً خاصاً قد حصل.

الحرب هي الأساس الرئيسي لإعلان ثورتنا. ربما لا شيء قد لعب دوراً في التحوّل الثقافي لبلدنا (حتى أكثر من الثورة نفسها) مثل الحرب. تأثيره أساسي وركائزي. إن تحرير خرمشهر في 24 أيار/ مايو 1982 ولّد الثورة.

وبالفعل، فإن أحد الأوسمة في حياتنا هو أننا واكبنا الإمام حيث أنه هو أعلى وسام شرف في حياتنا ولا أعتقد أنه في مجتمعنا كله هنالك شخص أكثر معرفة وأكثر إصراراً على اتباع مسار ونهج الإمام من القائد الأعلى علي خامنئي.

ولدى القائد جملة نادرة تقول: “الإمام الخميني هو شخص قلَّ نظيره من بعد المعصومين”. حسناً، كان لدينا الكثير من الأشخاص العظماء بعد المعصومين. أناس مثل مالك أشتر، والحقيقة أنه يجب القول إن إحدى غصصنا الرئيسية هو أن قادة حربنا لم يكونوا معروفين ولم نتمكن من التعرف عليهم. أشخاص مثل حسين خرازي حيث أنه قائد لفرقة لكنه كان ينبوعاً من العطاء.

وعندما أطاح الإمام الخميني ببني صدر، أسس عدّة أركان أساسية لحربنا، والأسباب الرئيسية لنقاء الحرب وبراءتها ونزاهتها هي هذه الركائز.

وقد أعطى الإمام الأصالة للدين في الحرب. وخلال الحرب، لم يدّعِ أحد أو ينتظر التشجيع أو الترقية. وقد أخذ الإمام هذا من مجتمع الحرب لإبقاء الحرب نظيفة. لذلك، وبعد تحرير خرمشهر لم يعط الإمام رتبة لأحد وقال إن الله حرر خرمشهر. أي أنه أعطى الأصالة للدين.

وقد أرسى الإمام محورية الله في الحرب. وعندما وقعنا في المشاكل ضمن عملية بدر وتجمعنا في الجزيرة الشمالية وعندما ذهب السيد رضائي والسيد صياد إلى الإمام وأحضرا تلك الرسالة، وقبل ذلك كان هناك أزمة في الخندق لتطويق المُقصر بسبب حادثة بدر. حيث قال الإمام “بلغني أن هنالك بعض الأشخاص منزعجون. أردّت أن أقول إنه لا يوجد ما يدعو للقلق. نحن لسنا أعلى درجة من الأئمة. الأساس هي مشيئة الله وما يريده الله هو حلو مثل العسل. يجب أن نقبل مشيئته بصدر رحب. لا تقلقوا على أي شيء. كونوا متماسكين. ومن الآن فصاعداً فكروا في العملية التالية. كونوا مطمئنين أنكم المنتصرون. أنتم اليوم منتصرون أيضاً. إن كنتم في سبيل الله فلن تُهزموا.”

الروح التي سادت على خطاب الإمام كانت “الله” وهذا ما تسبب في تكوين فضاء روحي موحد أعلى من الطواف حول بيت الله. كانت روح التوكل والوحدة والثقة بالنفس هي الركائز التي أدّت إلى خلود الحرب.

يتساءل البعض اليوم هل تأثرت هذه الأحداث في العالم بثورتنا؟ هل هي إسلامية أم لا، ام مسألة أخرى؟. يعتقد الكثيرون أن المظاهرات في المنطقة هي ظواهر اجتماعية نشأت بسبب الفساد في الدول، وأن الولايات المتحدة هي فقط من يأخذ زمام المبادرة ويقود هذه الاحتجاجات. تأخذ واحدة، وتُحضر أخرى. وكما أن لديهم حُجّة ومنطق لذلك. ولكنني لا أعتقد بذلك. لا أنا ولا الكثير والأكثر أهمية القائد الأعلى الذي قال مراراً وتكراراً “إن رغب المرء أم لا، فإن هذه الأحداث مُتأثرة بالثورة الإسلامية.”

الثورة الإسلامية وحزب الله

حسناً، لقد كان لدينا أحداث بعد حربنا وقد كانت غير عادية في العالم الإسلامي ومذهلة بطريقتها الخاصة. كانت هذه الأحداث مستحيلة في ملخصاتها الملموسة.

هل يستطيع أحد أن ينكر أن حزب الله في لبنان قد تأثر بثورتنا؟ أم أن قاعدة حزب الله الأساسية قد تأثرت بحربنا؟ استذكرنا أعظم شهيد أو ذكرى حية للحاج أحمد متوسليان في طريق تأسيس حزب الله.

إذا قبلنا أن حزب الله قد تأثر بالثورة والدفاع المقدس، فيجب أن نرى كيف تصرّف حزب الله في العالم العربي كمنظمة عربية وكيف كان تأثيره؟

حيث أن حزب الله قد هزم إسرائيل عام 2000. وفي ذات الوقت، شكك الكثيرون فيما إذا كانت إسرائيل قد هربت أم لا؟ وقد أتت هذه الشكوك حول ما إذا كان هذا الانتصار ناتجاً عن عمل حزب الله أم أن إسرائيل قد تعبت وأراحت نفسها وذهبت؟ ولكن حرب الـ33 يوماً في العام 2006 لم تترك مجالاً للشك.

وفي حرب الأيام الستة هزمت إسرائيل جيوش ثلاث دول عربية مهمة وغنية في ستة أيام. وفي حرب الـ33 يوماً مع إسرائيل، قُرعت طبول وسائل الإعلام لمدة 33 يوماً في العالم. ووسائل الإعلام التي لديها الكثير من القوة اليوم حيث أن إرادة الله كانت أن يحدث مثل هذا القرع للطبول هذه في العالم.

لم تكن هذه الحرب (حرب 33 يوماً) مثل حرب الأيام الستة التي يبقى فيها شيء ما مخفي. حيث أن دور وسائل الإعلام في هذه الحروب عظيم لدرجة أنه كان أعظم من دور الحكومات. العالم كله حشد موارده للاحتفال بانتصار إسرائيل والتخلص من حزب الله، ولكن حزب الله انتصر وفاز عسكرياً بنسبة 100%. وقد اعترف القادة الإسرائيليون أنفسهم بأن حزب الله هز إسرائيل مثل زلزال قوته 9 درجات ريختر في هذه الحرب.

حيث كان هذا تصريحاً تاريخياً وفريداً عندما أعلن أولمرت، رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي آنذاك، أنه ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، دعمت كل أو معظم الدول العربية إسرائيل في الحرب ضد منظمة عربية.

نمو المقاومة اليوم ليس كما كان بالأمس. واليوم بات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يعلن بشكل واضح امتلاكه للصواريخ وأنه يمكنه ضرب الأهداف بدقة. وهذا الأمر يتطلب ثقة كبيرة بالنفس لمنظمة ما لتقول ذلك. لماذا لدى حزب الله مثل هذه الثقة بالنفس؟ ذلك لأنها مرّت من مرحلة التهديد ولم تصل إلى مرحلة الردع فحسب بل وصلت أيضاً إلى مرحلة تهديد العدو.

تأثير الثورة الإسلامية على المنطقة

ألا يمكن أن تؤثر هذه الأحداث وكل هذه الانتصارات التي حققتها منظمة عربية برئاسة رجل دين على مصر والأردن ودول عربية أخرى؟

خلال الحرب التي الـ22 يوماً، انسحب الحاخامات اليهود من غزة وهم يبكون. أو ما حدث في فلسطين. فإن هذه الأحداث تؤثر على بعضها البعض بالتتابع. وفي عام 2000 عندما هربت إسرائيل من جنوب لبنان، كان الحادث التالي هو الانسحاب من غزة. حيث انسحب الحاخامات اليهود من غزة باكين. وقد وقعت هذه الأحداث على طول الحدود المصرية.

حيث قال الشباب التونسي شيئاً غريباً وقالوا عندما سمعنا السيد حسن نصر الله يقول إننا سندفن الفيالق الإسرائيلية الست، قلنا إننا نستطيع هزيمة شرطة زين العابدين بن علي. ونشأ هذا الاعتقاد. لقد أثر الدفاع المقدس والثورة الإسلامية باسم الإسلام على هذه الصحوة الإسلامية، ولا أعتقد أن حدثاً مهماً في العالم اليوم قد حدث أو وقع ما قد وقع ولم يتأثر بأي شكل من الأشكال بحربنا. لماذا نريد أن ننكر هذا؟ هذه ثروة الثورة الإسلامية.

هل يمكن التصوّر بالأصل أن يحدث شيء في العالم في اتجاه الصحوة بدون الثورة الإسلامية؟ لم يكن الأمر يتعلق فقط بتأسيس الجمهورية الإسلامية، بل إن الإمام هو من قام بالرحلة الأولى واليوم كل ما يقال في العالم، مثل حقوق الإنسان، والإرهاب وما إلى ذلك، ليس له تطبيق في أوروبا. كل استخدامه هو للسيطرة على العالم الإسلامي.

إن هزيمة الهيمنة الإسرائيلية أو هزيمة عظمة الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان هي من التأثر بالثورة الإسلامية. حيث يزعم الأميركيون أن إيران ابتلعت العراق وطبعاً يقولون ذلك بهدف إثارة الفتنة بين الدول الأخرى. حسناً، أمريكا لم تذهب إلى هناك بيد عرجاء. لقد جلبت معها 160 ألف جندي.

إيران والإخوان المسلمين

نعتقد أن ما يحدث في المنطقة هو من طبيعة الثورة الإسلامية ومُتأثرٌ بالدفاع المقدس. ولكن من وجهة نظر أخرى، إذا أردنا أن نرى على سبيل المثال علاقة مصر بالثورة الإسلامية، فإن هذا هو السبب الرئيسي لإصرار الرئيس المصري السابق حسني مبارك على وجود هذه الفجوة بين إيران ومصر. حيث أن هنالك معايير تُمكن إيران ومصر من أن يكون لهما قدر كبير من التفاعل مع بعضهما البعض، وأحد هذه المعايير هو الدين.

صحيح أننا شيعة وهم سُنّة، لكن المذهب في مصر هو المذهب الشافعي والذي يُحب أهل البيت عليهم السلام. وثانياً هناك حوالي 9 ملايين متصوّف حيث يُكنون مكانة خاصة لأهل البيت عليهم السلام. وثالثاً الهيكل مثل جماعة الإخوان المسلمين، وهي هيكل سياسي مهم وأحد المحركات الرئيسية والمحاور الرئيسية لهذه الثورة.

جزء مهم مما حدث في العالم العربي تأثر بمصر. سواء كانت القومية العربية أم الإخوان المسلمين والذين انتشروا من مصر إلى الوطن العربي. يتمتع مؤسسو الإخوان المسلمين بقدسية في الجمهورية الإسلامية ولدى الشيعة وفي عيون وعظماء الشيعة.

حيث أن أحد شوارعنا الرئيسية مسمى باسم “حسن البنا” والذي هو المؤسس الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين. ومن أكثر الشخصيات احتراماً بين علماء الدين لدينا “سيد قطب” الذي كان من أهم أعمال القائد الأعلى ترجمة شرح كتب سيد قطب. وهؤلاء هم مؤسسو الإخوان المسلمين.

وكما أن حركة حماس التي تهمتها الرئيسية اليوم هي التضامن مع الجمهورية الإسلامية وتعتبر الفرع الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين. الأصدقاء الرئيسيون للثورة الإسلامية مثل إردوغان وغول في تركيا، وأحمد شاه مسعود ورباني في أفغانستان، ومهاتير محمد في ماليزيا.. إلخ هم الشخصيات الرئيسية في جماعة الإخوان المسلمين.

هناك أوجه تشابه على مستويات أخرى وقد كتب العديد من المفكرين والكتاب المصريين عن الثورة الإسلامية في إيران.

لكن إذا جئنا لمناقشة سبب تصرّف المجلس العسكري المصري بهذه الطريقة، فلا يمكن أن يكون هذا معياراً جيداً للتقييم. وينطبق الشيء ذاته على اليمن والبحرين وليبيا. لذلك اليوم وبفضل الله ظهر هذا التصدير للثورة بطريقة ما على المسرح الحقيقي، وعلينا أن نشكر الله على أن دماء شهدائنا وجهود الإمام الخميني أظهرت نتائجها.

يتساءل الكثير عن سبب إصرارنا على الوقوف في وجه الولايات المتحدة؟ ألا تستطيع الجمهورية الإسلامية أن تبتسم للولايات المتحدة وتحل الكثير من المشاكل؟ إذا لم تكن مقاومة الجمهورية الإسلامية هذه ووضعنا أيدينا بيد الولايات المتحدة، فمن يستطيع أن يقول إن مثل هذه الأشياء التي نشهدها اليوم ستحدث في العالم؟

كلنا راحلون. ولكننا نسأل الله أن يوفقنا أولاً أن يخرجنا من هذه الدنيا بالاستشهاد، وثانياً أن يحشرنا مع أصدقائنا الشهداء.

المصدر/ وكالة “تسنيم”

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: