الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة29 ديسمبر 2020 08:50
للمشاركة:

صحيفة “شرق” الإصلاحية – العسكريون وإشكالية الدخول إلى الساحة الانتخابية

تناولت صحيفة "شرق" الإصلاحية، في مقال للدبلوماسي السابق "جاويد قربان أوغلي"، الإشكاليات المطروحة داخل إيران حول خوض العسكريين غمار الانتخابات الرئاسية. حيث لفت قربان أوغلي إلى أن مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني أوضح في حالات مختلفة وبشكل متكرر معارضته الشديدة لدخول الجيش في السياسة بكل أشكالها المختلفة.

إن الجو السياسي في هذه الأيام داخل البلاد مشتعل ومنشغل في المناقشات والبحث في الكثير من القضايا لوضع كل شيء في مكانه الصحيح وخصوصا فيما يتعلق بمستقبل هذا النظام. ومن تلك القضايا التي تشغل بال الرأي العام هي التطورات الداخلية الأميركية وتوقع حدوث تغيير في سياسات ترامب المناهضة بشدة لإيران في الإدارة المقبلة والتي عليها إما التفاوض أو رفض إحياء الاتفاق النووي. وأيضا يوجد قضية تكليف مجمع تشخيص مصلحة النظام بإعادة النظر ببنود مجموعة العمل المالي بعد موافقة المرشد الأعلى بناءً على طلب رئيس الجمهورية. ومن أهم تلك القضايا المطروحة هو دخول البرلمان في لعبة تغيير قواعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ولكن ردة الفعل المتناقضة تمامًا للأحزاب والشخصيات في التيارات السياسية المختلفة على عمل مجلس النواب في إطار قانون الانتخابات، يظهر حساسية وأهمية الموضوع. إذا انتهت مناقشة التغييرات المطروحة ووافق عليها مجلس صيانة الدستور ستصبح قانونًا مثيرًا للجدل، حيث أن النقطة المحورية لهذا القانون هوا السماح للجيش في الدخول إلى الساحة الانتخابية.

من القضايا المهمة في مجال علم الاجتماع السياسي، هي تدخل الجيش في الساحة السياسية للدول، حيث أن دائماً ما كان للجيوش رغبة في الدخول في الساحة السياسية بصفتها مجموعة مؤثرة في هيكل الدولة، وأيضاً لأن مسؤوليتها الحفاظ على الأمن وحماية الحدود الوطنية للبلاد.

هناك آراء مختلفة بين علماء الاجتماع وعلماء السياسة حول دوافع وهدف الجيش للدخول إلى الساحة السياسية، ولكن باختصار فإن الإحساس بالواجب الوطني للتأثير على النخبة السياسية وتحقيق الأهداف التنظيمية وإشباع الطموحات الشخصية تعد من أهم العوامل والدوافع للتدخل السياسي.

في إيران هناك جزء من الجيش الإيراني، استنادًا إلى تاريخ الأنشطة السياسية قبل حرب الثماني سنوات المفروضة، كان وجوده في مختلف المجالات كمنظمة عقائدية  سياسية وعسكرية. بناء على ذلك، لعب الجيش دوراً يتجاوز واجباته العسكرية في الدفاع عن وحدة الأراضي والسيادة الوطنية. وبالتالي يريد العسكريون أن يكون لديهم مكانة عالية في نظام صنع القرار الكلي في البلاد.

في الثقافة السياسية تشير الدولة المدنية إلى الدولة التي يلعب فيها السياسيون دورًا رئيسيًا في صنع القرار داخل البلاد ورجل الدولة هو الشخص الذي خاض عملية معينة على مستويات مختلفة من حكم البلاد ولديه معرفة وخبرة في السياسة. مثلما يزيد العسكري من عدد نجومه بالتدريب على فنون الدفاع عن النفس والحرب والدورات المختلفة، يمارس السياسيون بعد الانتهاء من دراساتهم الأكاديمية الإدارة السياسية في مختلف المؤسسات والوزارات لاكتساب الخبرة والكفاءة لتولي المناصب.

في دول العالم الثالث، حيث المؤسسات المدنية إما غير موجودة أو ليس لديها اتساق قوي، يكون القانون بطبيعة الحال أداة في أيدي من هم في السلطة فقط. ففي مثل هذه المجتمعات يعتبر الجيش تنظيمًا متماسكًا ومنضبطًا أعمق من القانون. وعلى الرغم من أنه لا يمكن تعداده في شكل أحزاب وجماعات سياسية، إلا أن الخصائص التنظيمية مثل النظام والانضباط والتسلسل الهرمي والتواصل والتدريب والقدرة على امتلاك مشاعر وطنية يضعهم في موقع ليكونوا من أكثر المجموعات تأثيراً على الساحة السياسية مقارنة بالمؤسسات الرسمية الأخرى.

ولكن في البلدان المتقدمة يتم تداول السلطة بطريقة تتمكن فيه الأحزاب من إقناع الرأي العام من خلال تقديم برامج تلبي مطالب الشعب. حيث إن ضمان قواعد واضحة وآلية تنافسية للحصول على حصة من السلطة إلى جانب النشاط الحر للأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، أجبر الأحزاب والمجموعات الاجتماعية على قبول دورها وموقعها في المشاركة السياسية وتقاسم السلطة.

وفي ما يتعلق بدوافع الجيش لدخول السياسة، هذه الظاهرة خاصة بالمجتمعات التي لا توجد فيها آلية التغيير الاجتماعي وتداول السلطة من خلال الوسائل الديمقراطية، أو إذا كانت لديها مؤسسات قوة مهيمنة. في ما يتعلق بتقسيم نوع المشاركة العسكرية ولعب الأدوار في السياسة، يمكن ذكر مستويات مختلفة بدءًا من الحكومة الوطنية في أشكال مختلفة إلى الحكومة العسكرية المتحضرة. ويسمي علماء الاجتماع هذه الدول التي يرأسها الجيش بأشكال مختلفة نوعًا من الأنظمة الاستبدادية من حيث مصدر الشرعية وكيفية الوصول إلى السلطة ومجال النفوذ والسيطرة على مؤسسات المجتمع المختلفة بما في ذلك الاقتصاد والسياسة.

أرسى روح الله الخميني كمنظّر ومؤسس وقائد للثورة، مع فهم واضح لهذه المشكلة، أساسًا متينًا في مجال السياسة والنزعة العسكرية. فبعد انتصار الثورة وتأسيس بنية النظام الجديد أوضح في حالات مختلفة وبشكل متكرر معارضته الشديدة لدخول الجيش في السياسة بكل أشكالها المختلفة.

أقول في نهاية كلامي، لدينا تجارب الدول التي تقدمت من خلال تقسيم المسؤوليات الاجتماعية وتمكنت من تحقيق الأمن والازدهار لشعوبها. أي أن تأسيسهم لا يعد انحرافا عن التعاليم القومية والدينية والهدف هو الاستفادة من نجاحهم الذي قدموه في هذا المجال لتحقيق التقدم للبلاد.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ صحيفة “شرق” الإصلاحية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: