الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة26 ديسمبر 2020 05:05
للمشاركة:

طلقة ترامب الأخيرة: ضربة إيران

يعيش الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرحلة اضطراب ما بعد صدمة هزيمته في الانتخابات الرئاسية أمام جوزيف بايدن. لا شيء يشغل باله فيما تبقى من أيام ولايته سوى صناعة الألغام المناسبة لعرقلة دخول خصمه البيت الأبيض بسلام، حتى وإن كان ذلك يعني محاولة زعزعة الحد الأدنى من الاستقرار المتبقي في عالم مهتز أصلا.

قبل أيام فقط غرّد الرئيس الأميركي محملاً إيران مسؤولية الهجوم على محيط السفارة الأميركية في العراق، كتب على تويتر فوق صورة لثلاثة صواريخ: “سفارتنا في بغداد تعرضت الأحد لعدة صواريخ (…)احزروا من أين جاءت؟ من إيران”.

وتابع “الآن نسمع حديثا عن هجمات أخرى ضد أميركيين في العراق (…) نصيحة ودّيّة لإيران: إذا قُتل أميركي واحد فسأحمّل إيران المسؤولية، فكّروا في الأمر جيدا”.

بعد ساعات من الهجوم، اجتمع في البيت الأبيض كل من وزير الدفاع الأميركي بالوكالة كريس ميلر، ووزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي روبيرت أوبراين، لتجهيز مجموعة من الخيارات لترامب حسبما نقل مسؤول أميركي لرويتر. المسؤول الذي لم يكشف عن هويته أضاف أن كل الخيارات التي على الطاولة مصممة بشكل لا يؤدي إلى تصعيد وتؤمن في الوقت نفسه الردع من وقوع هجمات أخرى.

في المقابل كانت طهران تعلن عن زيارة قام بها قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء إسماعيل قاآني إلى بغداد للقاء المسؤولين وإبلاغهم بشكل واضح أن إيران لا علاقة لها بالهجوم الأخير على السفارة الأميركية، وهو ما ظهر وكأنه سحب للذرائع وتأكيد على ما جرى تسريبه من زيارة قاآني السابقة في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر إلى العاصمة العراقية وتأكيده على استمرار الهدنة.

اللافت هنا أن القائد العسكري الإيراني بدا وكأنه يرتدي بذة دبلوماسية، فيما ظهر رأس الدبلوماسية الإيرانية، محمد جواد ظريف، وكأنه في المقابل يرتدي اللباس العسكري بتوجيهه تحذيرا واضحا للرئيس ترامب من خلال حسابه على تويتر حيث كتب “هذه المرة النتائج ستكون أسوأ (…) ترامب سيكون مسؤولا عن تبعات أية مغامرة يقدم عيها في الأيام الأخيرة من ولايته.”

تبادل الأدوار بين قآاني وظريف يستدعي التوقف مليا، إذ أنه بشكل عملي يرسل رسالتين جديتين إلى بغداد وواشنطن، الأولى مفادها أن قرار التهدئة في العراق ليس مناورة كلامية بل يرعاه الشخص المعني بالملف العسكري الإقليمي لإيران، بالتالي حتى ولو وقعت خروقات فهي ليست استراتيجية متبناة. هنا لا بد من الإشارة إلى مسألة أخرى بالغة الحساسية وهي أن اغتيال قاسم سليماني بداية العام ترك ندوبه الواضحة على علاقة طهران بالفصائل العراقية التي باتت اقل انصياعاً وأكثر ميلا للارتجال. اما عن تهديد ظريف، فالصوت الدبلوماسي ووجه العلاقات العامة الأول لإيران يهدف للتأكيد أن الموقف سياسة دولة وقرار المواجهة في حال التصعيد يحظى بإجماع عابر للتيارات وهو بالتالي سياسة مؤسسة الحكم مجتمعة.

مصدر إيراني شديد الإطلاع قال لـ “جاده إيران”إن طهران لديها قرار بتبني سياسة ضبط النفس خلال ما تبقى من أيام حكم ترامب طالما أن الولايات المتحدة تحافظ بدورها على ضبط النفس والتهدئة، ويضيف المصدر “التصعيد بدوره سيعني تصعيدا مقابلا بحجم أي حركة تقدم عليها واشنطن”.

وكانت الصواريخ التي أطلقت على المنطقة الخضراء قد أصابت مبان سكنية محيطة بالسفارة الأميركية في بغداد، بالتوازي مع كشف تقرير لصحيفة التايمز البريطانية أن الغواصة الأمريكية يو إس إس جورجيا، من طراز أوهايو، والمحملة بـ 154 صاروخا من طراز توماهوك، تلقت أوامر بالطفو في مياه الخليج.

لم تكن هذه القطعة البحرية الأميركية الأولى التي تدخل الخليج مؤخرا، فقد جرى الإعلان في نهاية شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي عن دخول حاملة الطائرات الأميركية USS Nimitz إلى المياه الخليجية قبل أيام فقط من اغتيال رئيس منظمة التطوير الدفاعي والابتكار في وزارة الدفاع الإيرانية، محسن فخري زاده، والذي كان أيضا عالما نوويا بارزا ومتهما من قبل إسرائيل والولايات المتحدة بكونه العقل المدبر خلف مشروع عسكرة البرنامج النووي الإيراني، والذي تنفيه طهران جملة وتفصيلا.

وتزامنا مع التحركات البحرية الأميركية، كشف هيئة البث الإسرائيلي “كان”، عن عبور غواصة إسرائيلية قناة السويس بشكل علني فيما وصفه برسالة إلى إيران. الغواصة، بحسب “كان” في طريقها إلى الخليج وستكون مكشوفة فوق الماء في رسالة تحذيرية إلى طهران.

كل ما سبق لا يمكن فصله عن بعضه البعض، لا سيما في ظل التنسيق المستمر بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وتحديدا القلق المتزايد الذي أعرب عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو من إمكانية اتخاذ الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن قرارا رئاسية، فور بدء ولايته، بالعودة إلى الاتفاق النووي، حيث قال “يتعين ألا تكون هناك عودة للاتفاق النووي السابق. يجب أن نتمسك بسياسة لا تلين للتأكد من أن إيران لا تطور أسلحة نووية”.


خيارات ترامب

لكن الحديث عن الضربة الأميركية لإيران والخيارات المتاحة أمام إدارة ترامب تعيدنا إلى بداية العام حيث أقر الكونغرس تشريعا يحد من قدرة الرئيس الأميركي على شن حرب دون موافقة الكونغرس. هذا يعني، في حال وجود قرار، الذهاب باتجاه ضربات موضعية من قبيل قصف منشأة نووية، أو مراكز عسكرية، أو مؤسسات تصنفها واشنطن إرهابية أو تشكل خطرا عليها، أو مواقع لقوات إيرانية في سورية أو العراق، والخيار الاخير قد يكون الأسهل في ظل الظروف الموضوعية.

في حال حصول أي من الخيارات أعلاه، فهذا سيعني أن طهران ستكون أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الرد أو الصمت. الرد سيعني تصعيدا مقابلا والمزيد من التدحرج نحو اصطدام غير مسبوق في على مستوى المنطقة وربما أوسع. هكذا سيدخل خليفة الرئيس الأميركي مقره على وقع الرصاص والقذائف المشتعلة من بعيد، لكن الرد أيضا مرتبط بمكان الضربة وشكلها.

وكما أن الرد مرتبط بمكان الضربة وشكلها، فالصمت كذلك. ضربة أميركية داخل إيران، من المستبعد أن تمضي دون رد فعل إيراني، بغض النظر عن حجمه ومكانه، وحادثة الطائرة الأميركية المسيرة صيف عام 2019 مؤشر على ما قد يحصل. أما في حال وقوع الهجوم خارج الأراضي الإيرانية فسيناريو التجاهل الإيراني أو ترك الرد للزمان والمكان المناسبين قد يكون عندها قويا، إذا لم نقل مرجحا. بالتالي تكون طلقة ترامب الأخير قد ذهبت بلا ارتدادات ضخمة على جميع الأطراف.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: