الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة23 ديسمبر 2020 11:40
للمشاركة:

السجاد الفارسي.. قصة حياكة وسياسة

من مطار مهرآباد غربي العاصمة الإيرانية إلى قصر نياوران شمالها مسافة تمتد إلى حوالي ال 26 كيلومترا، كانت معظمها مغطاة بالسجاد الفارسي اليدوي الحياكة لاستقبال الرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور لدى زيارته البلاد أواخر العام 1959. بالنسبة لملك إيران حينها، الشاه محمد رضا بهلوي، كانت هذه الطريقة المثلى لاستقبال الضيف الكبير. فالسجاد في الثقافة الإيرانية قيمة كبيرة وجزء من هوية تمتد لآلاف السنين.

المشهد لم يكن عاديا على الإطلاق، إذا فقد حفر في الذاكرة طويلا، في إيران وأميركا، وهو ما أراد الشاه حينها أن يجعل منه علامة فارقة في الاستقبال الكبير للحليف الأول للمملكة الإيرانية بعد تراجع النفوذ البريطاني.

قصص السجاد كثيرة في إيران، بعض العائلات تتوارث حياكة سجادة واحدة قد تحمل لجيل لاحق أو حتى لمن سيأتي بعد قرن من الزمن من ذرية عائلة ما ثروة لا تقدر بثمن، ومستقبلا شبه مضمون يغني عن العمل والشقاء.

من قصص السجاد الشهيرة طلب رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري لدى زيارته طهران في العام 2001 من مساعديه الذهاب إلى البازار وشراء سجادا بمئات آلاف الدولارات. تعجب رجال الحريري من الطلب الغريب، كما يروي احد مستشاريه، لكنه عاجله بإجابة غير متوقعة، شرائي هذه الكمية من السجاد من هنا هو أمر سيجعل من زيارتي هذا حاضرة في وجدان تجار البازار، الذين لن ينسوا يوما وسيتناقلون أبا عن جد أن رئيس حكومة لبنان اشترى بهذه القيمة الكبيرة سجادا إيرانيا.

لا شيء يوازي هذه الصناعة تاريخا في بلاد فارس، ولا شيءٍ ينافسها على الشهرة، ولعلنا في قصة سندباد نجد بساط الريح محوريا في القصة، والبساط هذا في مخيلة الكاتب لم يكن سوى سجادة أعجمية حيكت في فارس قبل أن تكتسب صفاتها العجيبة.

السجاد الفارسي.. قصة حياكة وسياسة 1

السجاد المفروش في زيارة ايزنهاور لإيران

تاريخ السجاد الإيراني

يشكل السجاد العجمي دلالة على تاريخ ممتد من الفن والحضارة لبلاد فارس، وتعود أصول هذا السجاد إلى أكثر من 2500عام. كان الإيرانيون روادًا في صناعة السجاد الشرقي العتيق اليدوي، والذي كان يهدى للأمراء والملوك حول العالم دلالة على قيمته العالية والهيبة والثروة.

أقدم سجادة من هذا النوع، وهي “سجادة بازيريك”، يعود تاريخها إلى الفترة الأخمينية (500ق.م)، وخلال حفر أثري فريد من نوعه عام 1949، تم اكتشافها بين الثلوج من وادي بازيريك، في جبال التاي في سيبيريا، ولونها أحمر غامق أحمر تحتوي رسوماتها على شخص يصور الغزلان وغيرها من الفرسان الفارسية.  

وكان أول دليل موثق على السجاد الفارسي في النصوص الصينية في الفترة الساسانية خلال 641-224 م، أيضًا يوجد أدلة في التاريخ اليوناني على وجود وقيمة السجاد الفارسي.

تاريخ صناعة السجاد العجمي 

بدأت صناعة السجاد في بلاد فارس على يد البدو الذين صنعوه من الحرير والقطن لاستخداماتهم اليومية في ترحالهم. مع تولي قوروش العظيم الحكم عام 539 قبل الميلاد، بدأت صناعة السجاد في إيران، وعلمه الملك العظيم للناس، وعند وفاته غطي قبره في مدينة باسارغاد التاريخية الإيرانية بأفخم السجادات الإيرانية وأجودها.

كما وشهد العصر الساساني ازدهار صناعة السجاد خاصة في مدينة بهارستان التي صدرت أفضل القطع التي اشتهرت عالميا. وقتها كان ينسج السجاد من خيوط الذهب والفضة ويضاف إليها الأحجار الكريمة ورسوم جميلة ذات دلالات فنية من الحضارة الفارسية. 

ومع الفتح الإسلامي لفارس تطورت صناعة السجاد وأدخلت رسومات النمط الإسلامي والصيني في النقوشات. الذروة كانت في العصر الصفوي بعد إنشاء العديد من الورش في كبرى المدن الإيرانية كتبريز وأصفهان وأردبيل وكاشان.

وأمر شاه عباس الصفوي خلال فترة 1571-1629 ميلادي بإنشاء معمل كبير للسجاد بأصفهان ليضم داخله أمهر الحائكين والفنانين في هذه الصناعة، كما انشأت متاحف تاريخية له، واتسمت هذه الفترة بإدخال رسومات الطيور والحيوانات والزهور مع إضافة الحاشية إلى السجاد، واستخدام خيوط الحرير إلى جانب الخيوط الذهبية والفضية.

وجرى تصدير السجاد الإيراني إلى الخارج لأول مرة في العصر القاجاري، حيث تم تصديره إلى أوروبا، وكانت مدينة اسطنبول من أهم أسواق السجاد الشرقي في ذلك الحين.

هذه الفترة شهدت تحولًا غير مسبوق في التصميم والنقوش وحياكته، مثل صناعته في مقياس صغير وإبراز الألوان والرسومات ذات الطابع الإسلامي والصيني. ولحمايته من التحايل أو السرقات وصيانة هذا الفن العريق تم تأسيس شركة السجاد الإيراني المساهمة آنذاك.

السجاد الفارسي.. قصة حياكة وسياسة 2

سجاد اسلامي

المدن الإيرانية والسجاد 

يمكن تصنيف السجاد الإيراني إلى نوعين رئيسين، سجاد قبلي ويمكن تمييّزه من خلال بساطة رسوماته ومخملية الصوف وطول الوبرة، والنوع الثاني ومصدره المدن أي بحسب المدينة المصنوع فيها، وأبرز المدن الإيرانية التي تميّزت بصناعة السجاد العجمي، هي أصفهان، نائين، كاشان، تبريز، قم، كرمان وآراك .

فمثلاً السجاد التبريزي له صفاته، فألوانه تتدرج من الأحمر الداكن حتى الأزرق البحري مع بعض الإضافات من اللونين البني والأصفر، وتكون السجادة الواحدة متعددة الألوان ونقوشها صغيرة معقدة، وتصميمها العام على شكل مقرنصات زخرفية في الوسط محاطة بزخارف إسلامية أو فارسية من الحقبة الصفوية، ويمكن أن يكون التصميم على شكل لوحة فنية مثل نماذج لآثار فارسية، او تجسيد لحالة الفلاح الفارسي، وقد تزين جوانبها برسومات لشعراء فرس أمثال عمر الخيام وحافظ الشيرازي.

كما يمكن تصنيف السجاد من خلال عقدته، فمثلاً يوجد سجاد محاك بالعقدة التركية وموجود شمال غربي إيران وهي مناطق يسكنها الأتراك ويمتاز السجاد هناك بتناظر العقد وقوة صوفه. أو العقدة الفارسية وموجود في وسط وجنوب البلاد مثل قم وأصفهان ويمتاز بمتانته بسبب كثرة العقد المربوطة يدويًا باستخدام جهاز الحياكة البسيط.

إلى جانب عدد العقد في كل سجادة، والعقدة  تعني “عدد العقد في السنتيمتر الواحد خلال حياكتها يدويًاً”، فمثلاً يوجد سجادة بها 12 عقدة أو 24 عقدة أو 64 عقدة في السنتيمتر. وكلما زاد عدد العقد ارتفعت قيمة السجادة، لأنها تستغرق فترة أطول في الصنع تصل لعشرات السنوات.

إلا أن هوية كل سجادة لا تعتمد فقط على مدينة صناعتها ونوع وعدد عقدها، ولكن نوع الصوف والحرير والقطن المستخدم في صناعتها يلعب دوراً مهماً، فنوعية الصوف ومكانه من الخروف ونوعية المرعى تختلف من سجادة لأخرى وتحديد قيمتها وسعرها. بناء على ذلك يمكن تصنيف السجاد إلى ثلاثة أصناف وهي، المصنوع من الحرير الطبيعي وفي الوقت الحالي يعد نادر جدًا  وتكلفته عالية، ونوع محاك من غزل الصوف ويعرض في السوق التجاري بشكل قليل ومرتفع الثمن، والنوع الثالث المصنوع من مخلوط النايلون والأكرليك والبوربلين، ويمكن تسمية أفضل أنواع السجاد العجمي وهي، “النائيني، الكاشان، الاردبيل، الارمني باف”.

السجاد الفارسي.. قصة حياكة وسياسة 3

سجاد ملك شاه عباسي

تصاميم السجاد الإيراني

يوجد أكثر من 40 نوع لتصاميم السجاد الإيراني منها، “الصياد”،  وفيها يكون التصميم على شكل رجل على ظهر الخيل معه القوس والسهم. أيضًا الملك (شاه) عباس، ويحتوي هذا النوع من التصميم على الزهور الخاصة المعروفة باسم شاه عباس، وتصميمات الأغصان والبتلات على الهوامش. كذلك التصميم الإسلامي والأثار، واعتمد هذا التصميم في المباني الفاخرة والبلاط وبعض المساجد من أشهرها، مسجد لطف الله في أصفهان، ومسجد كابود، ومسجد الشاه في أصفهان.

صادرات السجاد الإيراني والعقوبات الأميركية

تلبي إيران حوالي 30% من السوق العالمي للسجاد، كأكبر مصدر له حول العالم، لكنه كانت قبل اندلاع الثورة الإسلامية تسيطر على 55% من السوق العالمي للسجاد.

 وكانت قيمة الصادرات الإيرانية من السجاد العجمي تبلغ 1.2 مليار دولار، ومع الإعلان عن الاتفاق النووي عام 2015، شهد هذا القطاع انتعاشًا ملحوظًا حيث وصلت قيمة صادراته إلى 426 مليون دولار، 30% منها لأميركا وحدها. ومع الانسحاب الأميركي من الاتفاق وبدء تطبيق العقوبات الأميركية انخفضت قيمة الصادرات عام 2018 إلى 238 مليون دولار، واستمرت في الانخفاض حتى الربع الأول من عام 2020 حيث لم تتجاوز قيمة الصادرات 6 ملايين دولار، كان نصفها لأميركا. ويعمل داخل هذا القطاع أكثر من مليون ونصف المليون شخص بإنتاج أكثر حوالي 5 ملايين متر مربع من السجاد سنويًا، كان يصدّر 80% منها للخارج.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: