الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة20 ديسمبر 2020 07:28
للمشاركة:

صحيفة “شرق” الإصلاحية – لماذا تهتم إيران للنقاش التركي- العراقي حول ملف المياه؟

تناولت صحيفة "شرق" الإصلاحية، في مقال لـ"محمد علي دستمالي"، موضوع زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى تركيا ولقائه الرئيس رجب طيب إردوغان. حيث رأى دستمالي أن أزمة المياه هي السبب الرئيسي لزيارة الكاظمي لأنقرة بغض النظر عن ما أعلن عن التعاون في المجال الأمني والاقتصادي، حسب تعبيره.

كانت العلاقات بين أنقرة وبغداد أهم الأحداث الدبلوماسية خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى تركيا ولقائه بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان. وخلال هذه الفترة أدّى تفشي فيروس كورونا إلى صعوبة السفر الدبلوماسي والاجتماعات وجهاً لوجه حيث قام العديد من المسؤولين في العالم بمن فيهم رئيس بلادنا بتقييد الاجتماعات الداخلية. ومع ذلك لا يزال إردوغان والكاظمي يرجحان الاجتماعات وجهاً لوجه على الاتصالات عن بُعد. وعلى الرغم من مشاكل العراق الداخلية والغموض الذي يكتنف إجراء انتخابات مبكرة سافر الكاظمي إلى تركيا ليبين أن البلدين الجارين لديهما مجالات متعددة للتعاون وعُقداً بعضها يتطلب الكثير من التفاعل لحلها. وقد سلّط الاجتماع بين إردوغان والكاظمي الضوء على قضيتين تتعلقان بالتعاون الاقتصادي والأمني، ووصف إردوغان في المؤتمر الصحفي المشترك أن داعش وحزب العمال الكردستاني هما عدوان مشتركان للعراق وتركيا. وكما أشار الكاظمي إلى التعاون الأمني الأخير، وشدد على أهمية الاتفاق الأخير بين بغداد وأربيل للسيطرة على منطقة سنجار ومنع قوات حزب العمال الكردستاني من دخول الأراضي العراقية من سوريا.

وعلى الرغم من إبراز هذه النقاط في خطابات الطرفين فليس من المبالغة القول إن قضية المياه كانت أهم بكثير للطرفين من جميع القضايا الأخرى، وذلك لأنه ضمن الوضع الحالي وبسبب منافسة إيران، فقد استحوذت تركيا على جزء كبير من السوق العراقية حيث قارب حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا مبلغ الـ17 مليار دولار في عام 2020. ووفقاً لإردوغان فإن هذين البلدين لا يشاهدان أي عقبات خاصة في طريقهما للوصول إلى رقم الـ20 مليار دولار. وكما يوجد تعاون في مجال المخابرات والأمن فقد انتزعت العائلات العراقية الثرية التي ربما يكون بعضها قد استفاد من الثروات المفاجئة والفساد ضمن البلاد وأخذ زمام المبادرة من شعوب الدول الأخرى في شراء المنازل والفيلات ضمن تركيا.

وتبقى مسألة المياه والتي أصبحت مصدر القلق المهم لبغداد وفي ذات الوقت لدمشق. حيث لم يوضّح الرئيس التركي تفاصيل التعاون بين أنقرة وبغداد في مجال المياه واكتفى بالقول: “تحدثنا عن قضية المياه وتم اقتراح خطة عمل مشتركة في هذا المجال. ولن تكون المياه مسألة توتر وصراع بل أداة للتعاون والدعم”. ومن الواضح أن الأجندة الرئيسية للتعاون في مجال المياه لم يتم ذكرها ويجب فهم أهمية هذه القضية فقط من خلال الاعتماد على الأدلة الجغرافية والسياسية.

ولفهم أهمية هذا العنصر المسمى بـ”الماء” ضمن العلاقات الحالية والمستقبلية بين العراق وتركيا يجب أن نشير إلى نقطتين جغرافيتين وسياسيتين مهمتين:

نهري دجلة والفرات والمعروفان بالشريانين الحيويين والحضاريين للمنطقة يدخلان العراق وسوريا من تركيا ويعتبران مصدرا المياه السطحية الرئيسية لهذين البلدين.

الماء مهم جداً في العلاقات بين أنقرة وبغداد لدرجة أن إردوغان عيّن مبعوثاً خاصاً وذو صلاحيات كاملة للعراق حيث أن تخصصه الرئيسي ليس في المخابرات ولا في الأمن أو الاقتصاد. حيث أن معرفة وخبرة هذا المبعوث الخاص البروفيسور فيصل أوغلو هي في المياه. وقد شغل منصب وزير البيئة والمياه لسنوات عديدة ضمن حكومات إردوغان وداوود أوغلو وهو شخصية أكاديمية بارزة جمع حوله وبشكل دائم فريقاً فعالاً من الخبراء والعلماء ضمن مجال إدارة المياه. وخلال العامين الماضيين سافر فيصل أوغلو إلى العراق عدّة مرات وشدد في اجتماعاته مع المسؤولين والخبراء العراقيين على أن إدارة المياه في العراق تواجه مشاكل خطيرة وأن تركيا تساعد العراق على منع هدر المياه.

بعبارة أخرى يريد مبعوث إردوغان الخاص إلى العراق إقناع العراقيين بأن السدود التركية والسياسات التركية في المياه لا تشكل تهديداً لموارد المياه السطحية في العراق وأن عليهم متابعة إدارة المياه بجدية بدلاً من الشكوى والقلق ويمكنهم أن يستفيدوا ويستخدموا القدرة والمعرفة الفنية للخبراء والمقاولين الأتراك في هذا الصدد.

وبالطبع ليس العراق وسوريا وحدهما من يشعر بالقلق إزاء حالة سحب مياه نهري دجلة والفرات في تركيا وتخزينها خلف جدران السدود. حيث تواجه إيران أيضاً مشاكل في هذا الصدد حيث أن انخفاض حجم المياه التي تدخل البصرة وأرفاند يثير قلق إيران أيضاً.

وفيما يتعلق بسياسات تركيا في المياه يمكن عرض المواقف والأساليب المختلفة، ويمكن للمرء إطلاق حملة إعلامية عالمية تتهم تركيا بالبلطجة في مسألة المياه وكما يمكن للمرء أن يدعو إلى تدخل الأمم المتحدة أو يمكن للمرء أن يسعى إلى شكل من أشكال التفاعل العلمي والتقني لفحص حقائق مواجهة الدول الأربع المذكورة مع المفهوم المهم لإدارة المياه.

في حالة الاعتراف بالعراق وسوريا كدولتين في محور المقاومة ويقاومان أي شيء وأي شخص فهل يستسلمان للماء؟ قد لا يكون البقاء على قيد الحياة خلال التعرض لخطر من قبل هجوم للعدو أكثر خطورة من الجفاف وانعدام المياه. باختصار المياه لا تعترف بلونٍ وقبيلة وفي الأساس يُعد الدور المهم للمياه في مسألة بقاء البلدان والأمن الغذائي للمجتمعات البشرية أكثر أهمية بكثير مما يمكن تحليله على المدى القصير. وفي حال كان العراق اليوم إلى جانب تركيا وكانت العلاقات الجيدة مستمرة في جميع المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية وسوف يتعاملون مع مشاكل المياه فليس من المستبعد أن يحدث ذات الشيء في سوريا وهو أمر بعيد كل البعد عن الواقعية بالاعتقاد بأن سماء العلاقات بين أنقرة ودمشق ستبقى غائمة للسنوات العديدة القادمة.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ صحيفة “شرق” الإصلاحية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: