الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة19 ديسمبر 2020 05:59
للمشاركة:

صحيفة “شرق” الإصلاحية – الإصلاحيون وطريق العودة للحياة السياسية

شرح الناشط في الشؤون السياسية الوطنية - الدينية والباحث الاجتماعي سعيد مدني، في مقابلة مع صحيفة "شرق" الإصلاحية، التغيّرات التي طرأت على طبقات المجتمع الإيراني بسبب الأوضاع الاقتصادية، وتأثير ذلك على التوجهات السياسية في البلاد، مشدداً على ضرورة تغيير السياسة المتبعة من قبل الإصلاحيين من أجل العودة للحياة السياسية في البلاد.

أثارت تجربة العام الماضي في الانتخابات وعلو صوت الطبقات المحرومة في المجتمع تساؤلات جوهرية للتيارات السياسية ولا سيما الإصلاحيين. لذلك في ظل الظروف السابقة والظهور الجاد لهذه الأصوات في الانتخابات، ما هي خطة الإصلاحيين لإدارة هذه الانتخابات؟ هناك أيضاً تصور بين الطبقات الدنيا في المجتمع أن الإصلاحيين قد نسوهم وأن الأصل الطبقي هو الطبقة الوسطى في المجتمع الإيراني. ولكن الوضع تطور بحيث انتقلت الطبقة الوسطى في المجتمع نحو الطبقة الدنيا وذلك بالنظر للظروف الاقتصادية الصعبة ولم يبق منها إلا المظهر الثقافي والسياسي حيث تجاوز قلقها الاقتصادي قلقها السياسي. للبحث في هذه القضية، أجرت الصحيفة مقابلة مع الناشط في الشؤون السياسية الوطنية – الدينية والباحث الاجتماعي سعيد مدني.

  • لماذا لم تعد الانتخابات أولوية لدى المجتمع الإيراني؟

إنه ليس سؤالاً صعباً وكلنا نعلم الإجابة، حيث أظهرت التجربة السابقة في خوض الانتخابات في أوقات مختلفة أن الرئيس المنتخب مثل العديد من المرشحين للرئاسة لا يفي بوعوده أو أن جهود الرئيس المنتخب لتحسين الوضع قوبلت بالمقاومة. لهذا السبب عندما تحاول شخصية منتخبة مثل السيد محمد خاتمي إحداث إصلاح في العملية السياسية فإنه يواجه عقبات خطيرة ومنذ ذاك الحين ظهر أن رئيس الجمهورية له اليد الدنيا في السلطة، لذلك لا يفلح بتنفيذ وتحقيق وعوده الانتخابية.

  • لقد انسحب رأس المال الاجتماعي للإصلاحيين بطريقة ما من الانتخابات البرلمانية الحالية. فهل هذا الجفاء السياسي ناتج عن إحباط سياسي أم أن الإصلاحيين فقدوا قاعدتهم بين الطبقة الوسطى؟

برأيي أن غياب الإصلاحيين عن مشهد الانتخابات الرئاسية يشير إلى حالة من الجمود في استراتيجية الإصلاح التي وصلت لطريق مسدود بمعناها التقليدي. وهذا يعني أن القوى الإصلاحية توصلت إلى نتيجة مفادها أن الانتخابات لا يمكن أن تكون فعالة أو مؤثرة على الساحة السياسية وأن الأشخاص الذين فازوا في الانتخابات لن يكون لهم تأثير جاد على التطورات والسياسات والبرامج وبالتالي تخلوا بنهاية المطاف عن الانتخابات كاستراتيجية. وبالطبع ربما في المستقبل ستجبر الروح البراغماتية وبعض نقاط الضعف أقساماً من الإصلاحيين على إعادة النظر في الانتخابات المُقبلة والمشاركة فيها، ولكن ليس من الصواب التكرار والالتزام باستراتيجية تمت تجربتها لأكثر من 20 عاماً.

  • في الآونة الأخيرة وبسبب الضغوط الاقتصادية المتزايدة على عامة الناس يبدو أن جزءاً من الطبقة الوسطى أصبح أيضاً ضمن الطبقة الدنيا. فهل يستطيع الإصلاحيون إقامة خطاب مشترك مع الطبقة الدنيا؟ وفي الأساس ما مقدار الحاجة لهذا الخطاب؟

يجب أن أؤكد أولاً أنه ليس لدينا طبقة وسطى ولكن لدينا عدّة طبقات وسطى. حيث كانت لدينا طبقة وسطى تقليدية ذات دخل متوسط اقتصادياً، ولكنها كانت تقليدية ثقافياً. وهذا الجزء من الطبقة الوسطى يضعف ويتقلص بسرعة تحت تأثير التغيير الاجتماعي ولا نرى الكثير منه. وعلى سبيل المثال كان السوق جزءاً من الطبقة الوسطى التقليدية، إضافة لموظفي القطاعين العام والخاص. ولكن كما تم ذكره وبسبب تزايد عدم المساواة في إيران وتفعيل الفجوات الاجتماعية وصلنا إلى سقوط جزء من الطبقة الوسطى وانتقلت اقتصادياً إلى الطبقات الدنيا بسبب الضغوط الاقتصادية المعيشية. وقد شهدنا في احتجاجات تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، أحد أبرز مظاهر التقارب بين الطبقتين الوسطى والدنيا.

والجزء الثاني من سؤالك يتعلق بالخطاب الإصلاحي. النقطة الأولى هي أنه لم يكن لديهم خطاب موحد في المعسكر الإصلاحي. وكما أن فشل إنشاء المجلس الأعلى للإصلاحيين أو محاولة صياغة بيان إصلاحي ينبع من هذه التعددية والتشرذم. وبالإضافة إلى ذلك أصبح خطاب الإصلاحيين اليوم أكثر غموضاً وتناقضاً وانسداداً. ولم يكن لخطاب الإصلاحيين إطار واضح أبداً وكان الإصلاحيون من الناحية النظرية يفتقرون إلى القوة الكافية لشرح إطارهم النظري. وللأسف يبدو أن سلطة السيد خاتمي بين الإصلاحيين والمجتمع الإيراني قد تضاءلت إلى حد ما وبالطبع فإن المسؤولية عن هذا الوضع تقع إلى حد كبير على أفعالهم وأعمال مستشاريهم. لذلك نرى اليوم انقساماً أكثر من أي وقت مضى في خطابهم. لهذا السبب وبرأيي، فإن الفجوة بين الإصلاحيين ستتسع أكثر من ذي قبل في الانتخابات المُقبلة، ما لم تتمكن قوة جديدة ضمن الإصلاحيين من تحديث الخطاب الإصلاحي وإعادة تعريفه بما يتماشى مع ظروف إيران الحالية. ومشروع الإصلاحيين هو القضية الأكثر إلحاحاً بالنسبة للمواطنين اليوم، حيث تختلف الظروف في انتخابات عام 1997 اختلافاً كبيراً عن ظروف انتخابات العام المقبل 2021، وفي حال أرادت أي قوة أن تدخل الانتخابات بذات الفكرة الذي كان في عام 1997، فلا بد من القول إنها ستحظى بذات مصير أهل الكهف ويجب أن تعود إلى الكهف وتخلد لنوم أبدي. فقد حدثت تغييرات جوهرية في القوى الاجتماعية ونظام الحكم والتي جميعها بحاجة إلى مراجعة من قبل الإصلاحيين.

  • يقال أنه بسبب الظروف الاقتصادية للبلاد هذه الأيام تم تكوّن طبقة جديدة، فالطبقة الوسطى لا تزال متمسكة بهويتها الثقافية ولكنها من حيث نمط الحياة تعيش ظروف الطبقة الدنيا. بعبارة أخرى مثلنا نحن الصحفيين ما زلنا مهتمين بالتطور السياسي والثقافي ولكن أسلوب حياتنا يشبه أسلوب الطبقات الدنيا. بدايةً هل تعتقد أن هذه العبارة صحيحة؟ وما العمل لمواجهة ذلك؟

في رأيي هذا القول صحيح. اعتبرت الطبقة الوسطى في الماضي أن مسير الإصلاحيين بالمعنى الدقيق للكلمة هو مسيرها ونهجها. فهل كان قلقهم في السنوات الأخيرة هو نفسه الذي كان في الماضي؟ وهل استطاع الإصلاحيون التكيّف مع مطالب الطبقة الوسطى اليوم؟

في الافتراض المسبق لهذا السؤال هناك خطأ تحليلي خطير وغموض. حيث هناك اتجاهات مختلفة داخل الطبقة الوسطى. ولم يسع الإصلاحيون قط بالمعنى الحقيقي للكلمة نحو قاعدة اجتماعية ليكونوا المتحدثين باسم الطبقة الوسطى، وذلك لأن أساس تطوير استراتيجيتهم كان الحوار مع القوى المتفوقة في نظام الحكم والنهوض بمطالب الإصلاحيين من خلال المفاوضات مع النظام القائم. وعلى الرغم من أن الإصلاحيين شددوا على تعبئة الطبقة الوسطى خلال فترة الانتخابات فإن هذه الجهود ليست سبباً للبحث عن تمثيل لقاعدة طبقية معينة. حيث كان القاسم المشترك بين الإصلاحيين مع معظم الطبقات الاجتماعية بما في ذلك الطبقة الوسطى هو الرغبة في التغيير من وجهات نظر مختلفة.

  • ماذا يجب أن يفعل الإصلاحيون للطبقة الوسطى؟

يجب على الإصلاحيين أولاً تحديد مهمتهم مع أنفسهم. وعندما نتحدث عن الإصلاحيين فإننا نتحدث عن مجموعة من القوى بعضها يستغل السلطة داخل الهيكل. ومن الناحية التنظيمية فإن الإصلاحيين مجزؤون لدرجة أنهم لا يمتلكون حتى التماسك اللازم للتحدث مع بعضهم البعض، كما أنهم حتى غير قادرين على إنشاء آلية ديمقراطية فيما بينهم. ومع كل ذلك لماذا تتوقع أن يفعل الإصلاحيون شيئاً من أجل الطبقة الوسطى؟ حتى القوى مثل كاركزاران الذين يدعون تمثيل التيار الليبرالي هم مجرد رسوم كاريكاتورية لهذا التيار.

  • في السنوات الأخيرة واجهنا احتجاجات كبيرة في الشوارع بما في ذلك احتجاجات كانون الأول/ ديسمبر 2017 واحتجاجات تشرين الثاني/ نوفمبر2019. وقد لوحظ أن هذه الاحتجاجات تحولت إلى أعمال عنف في هاتين الفترتين. هل نواجه حركة للفقراء؟ ماذا سيحدث إذا استمرت هذه العملية؟

لقد تحدثت بالتفصيل عن أعمال الاحتجاج هذه. والحقيقة هي أنه في كل من هذه الاحتجاجات كان المتظاهرون يتمتعون بأقصى درجات ضبط النفس وتجنبوا العنف. ولدى الطبقات الوسطى والدنيا مطالب واضحة وجادة وهم يريدون الديمقراطية والعدالة وقد سعوا وراء مطالبهم في إطار سلمي بعيداً عن العنف. ولكن لأننا نواجه حركة للفقراء فقد قلت مرة أخرى أن الطبقة الدنيا غير راضية بتاتاً ويخضعون للضغط. وعندما نتحدث عن المحرومين يجب أن نتذكر أننا نتحدث عن نصف المجتمع الإيراني على الأقل، وعددهم كبير جداً. وعلى الرغم من أن هذه القوى كان لها العديد من الإجراءات إلا أنها لم تتمكن بعد من الظهور ضمن إطار حركة اجتماعية. ولكن على أي حال سوف يلعبون دوراً جاداً في التطورات المستقبلية للطبقات الدنيا.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ صحيفة “شرق” الإصلاحية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: