الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة12 ديسمبر 2020 07:48
للمشاركة:

صحيفة “ايران” الحكومية – موازنة 2021 وواقع الاقتصاد الإيراني

أوردت صحيفة "ايران" الحكومية، مقالًا للمتحدث باسم الحكومة علي ربيعي، تحدث فيه مشروع موازنة العام المقبل الذي قدمته الحكومة. مؤكدًا أنه برغم الانتقادات الموجهة إلى الموازنة، إلا أن الحكومة حاولت أن تُنظم موازنة العام المقبل على أساس واقع البلاد اليوم مع نظرة للمستقبل القريب.

شهدنا خلال هذه السنوات أن مشروع قانون الموازنة ينتقده اقتصاديون مع اختلاف وجهات نظرهم عند عرضه على مجلس النواب.  فعلى سبيل المثال هناك رأيان متعارضان تمامًا حول رواتب الموظفين في موازنة 2021. من وجهة النظر الاولى، فإن رقم الزيادة في الرواتب أقل من الواقع المطلوب، ومن وجهة نظر أخرى يعتبر بعض الاقتصاديين أي زيادة في الرواتب أعلى من سعر الفائدة البنكية  يعتبرونها سلبية وهي علامة على التضخم المستقبلي.

نظرًا لأنني لست خبيرًا اقتصاديًا إلا أن الشيء الصحيح الذي يجب القيام به قد لا يكون إيجابياً، وقد تكون حججي مفتوحة للنقد. ولكن بالنظر إلى سنوات مشاركتي العديدة في إعداد الميزانية أدركت أنه لا يمكن الحكم على هذه الميزانية بدون ثلاثة متغيرات مؤثرة: المرض المزمن الذي يصيب الاقتصاد الإيراني وإخفاقاته الهيكلية، ومتغيرات السياسة الاجتماعية والمحلية، ومتغيرات الاقتصاد الدولي والعالمي. مع ذلك يبدو أن الموازنة الناجحة يجب أن تتخذ أيضًا خطوة نحو الإصلاحات الهيكلية من خلال النظر إلى واقع اليوم والقضايا الاجتماعية، ويجب ألا تؤدي هذه الميزانية إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية المزمنة وفي نفس السياق يجب أن يكون لها اتجاه للإصلاح هيكلها الداخلي.

مشاكل النظم الهيكلية في البلاد لا علاقة لها بهذا العام وهذه الفترة بالذات فمنذ زمن محمد حسن خان صنيع الدولة وبعد ذلك حضور الأميركيين مورجان شوستر وآرثر ميليسبو اللذين شكلا أولى تجارب الموازنة في بلادنا، ولأول مرة تم تسجيل الإيرادات والنفقات الحكومية في وثيقة واحدة، فقد واجهت الميزانيات السنوية لبلدنا العديد من المشاكل بسبب المناخ العام للاقتصاد والإدارة ونظام صنع القرار في البلاد.

أصبح النفط بأسعاره خاصة في الخمسينيات عاملاً مؤثرًا في تعقيد وعدم كفاءة الاقتصاد الإيراني. لطالما أثرت ميزانيات النفط في العقود الأخيرة على الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الإيراني في مختلف المجالات بما في ذلك الركود والتضخم والبطالة والإنتاجية وانخفاض النمو الاقتصادي والتهرب الضريبي وتراجع الإنتاج.

إن الظل الثقيل لهذه العلل الاقتصادية التي ترسخت في اقتصاد البلاد لعقود من الزمان لم تسمح بإصلاح الهيكل الاقتصادي وأيضًا حولت وثيقة الميزانية إلى محتوى معلوماتي غامض وغير مفهوم وغير فعال، وهو ما كان يطالب به دائمًا الاقتصاديون والأساتذة من الحكومات.

لكن على الرغم من هذه الحقائق فإن الحكومة 12 فقط هي التي واجهت حقيقة أخرى. إن توقف عقود من عائدات النفط التقليدية، وكذلك فصل الاقتصاد الإيراني عن بقية العالم ومحاولة وقف الإنتاج المحلي تحت ضغط أكبر قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية حقيقة لم تشهدها أي حكومة قبل الثورة أو بعدها.

تسببت الحرب الاقتصادية والعقوبات الشديدة في معاناة الحكومة الثانية عشرة من الآثار السلبية للعقوبات بل إنها تنذر بالأحداث السلبية في الاقتصاد الإيراني في السنوات المقبلة. لكن رغم الانتقادات حاولت أن تُنظم موازنة 2021 على أساس واقع البلاد اليوم وفي داخلها نظرة للمستقبل القريب. تحاول الحكومة الاهتمام بالإصلاحات الهيكلية منذ موازنة 2019 على الرغم من أن الإصلاحات الهيكلية المذكورة أعلاه لا يمكن حلها بالكامل لكن تم اتخاذ خطوات لتنفيذها.

كما بُذلت جهود لضمان أن تكون الموارد والإيرادات المتوقعة واقعية تمامًا، وأن التكاليف التي لا مفر منها مغطاة بالكامل وأن التكاليف غير الضرورية لا تزداد فيما يتعلق بالسياسات المالية، فقد تم وضع الميزانية بهدف تحفيز جانب الطلب والتغلب على الركود والتحرك نحو النمو الاقتصادي والازدهار. من ناحية أخرى في مجتمع عانى 3 سنوات من العقوبات الشديدة  يجب الحفاظ على القوة الشرائية للشعب ومن ناحية أخرى تم النظر في الحد من النفقات الحكومية غير الضرورية وتحديد أولويات النفقات.

من الانتقادات المتكررة للميزانية أنها توسعية لكن وفقًا لتقديرات خبراء محليين ومؤسسات أجنبية مثل صندوق النقد الدولي فإن الاقتصاد الإيراني سيحقق نمو اقتصادي يزيد عن 3٪ العام المقبل؛ يجب أن تتناسب الميزانية السنوية للدولة مع هذا النمو ونحن بحاجة للسيطرة على التضخم وخلق النمو في نفس الوقت.

هدف آخر لميزانية 2021 هو دعم العاملين بأجر والحكومة تحاول رفع رواتب الموظفين أكثر من التضخم حتى مع ارتفاع العقوبات. هذه إحدى الحالات التي لا يمكن وضعها في الميزانية بنظريات اقتصادية بحتة ولكن يجب أيضًا الانتباه إلى الاقتصاد الاجتماعي ودعم المجتمع هو جزء لا مفر منه من الميزانية.

العلاقة بين الميزانية والنفط من أهم قضايا الإصلاح الهيكلي ومن المتوقع أن يكون أدنى مستوى من الاعتماد على النفط في جميع فترات الميزانية. مثل هذا التقدير لمبيعات النفط ليس فقط غير متوقع ولكنه يعتمد أيضًا على تأمين مصالحنا الاقتصادية والحفاظ على أمننا القومي. فإن أمن أي بلد يساوي اعتماد البلدان الأخرى على الإنتاج المحلي لذلك البلد. الغاز أو النفط هو مصلحتنا ويجب أن نكون أكثر اعتمادًا على أنفسنا سواءً في النفط والغاز أو بزيادة الإنتاج الصناعي والزراعي بالإضافة إلى ذلك  فإن أي انسحاب من حصتنا من الإنتاج في أوبك سيجعل من الصعب استعادتها في المستقبل.

والأهم من عائدات مبيعات النفط هو كيفية إنفاقها. توجه موازنة 2021 واضح: أي عائد من بيع النفط حسب قرار الحكومة يخصص لأمرين: تطوير البنية التحتية وتطوير الدعم الاجتماعي.

لكن كل هذا لم يحول ميزانية 2021 إلى ميزانية دعم شاملة بل إلى دعم حكومي مستدام. على سبيل المثال بدلاً من سياسات الرعاية الخيرية انتقلنا إلى سياسات رعاية التمكين. تقربنا ميزانية 2021 خطوة واحدة من تلك الإصلاحات الهيكلية وتتطلب فعاليتها الاستمرار في النظر في الميزانيات السنوية المستقبلية والإيمان بعناصر صنع القرار والتخطيط للميزانيات الثابتة. أعتقد أن أحد الإنجازات العظيمة في نقاش الموازنة هو أخذ الميزانية إلى منظور الرأي العام ونقد الخبراء. الميزانية دخلت غرف اللجان المغلقة، واليوم يمكن لأي شخص الاطلاع على كل الموارد والمصروفات وانتقادها.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ صحيفة “ايران” الحكومية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: