الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة7 ديسمبر 2020 11:18
للمشاركة:

“دوامات الموت” الإعلامية تلتف حول خامنئي: معضلة الحقيقة في عالم اليوم

مات... لم يمت. هي دوامة من "الحرب الإعلامية" نعيشها بشكل يومي في عالمنا. حربٌ، قد تكون في معظم أوقاتها، تمتلك أهدافاً ومشغّلين، وتُلعب بطرق علمية ومنهجية. آخر "دوامات الموت" هذه، دارت في الساعات الماضية حول حياة المرشد الإيراني علي خامنئي. فما هي تفاصيلها؟.

انتشرت في 5 كانون الأول/ ديسمبر، معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي، مفادها أن “مصادر إيرانية تحدثت عن تدهور صحة خامنئي، وأكدت بأن المقربين من خامنئي خائفون جداً على وضعه الصحي هذه المرة”، مضيفة “أكدت المصادر الإيرانية بأن مهام وصلاحيات مكتب المرشد انتقلت إلى نجله مجتبى خامنئي الذي يشرف على عدة دوائر أمنية واستخباراتية في إيران”.

بداية، لا بدّ من التنويه إلى أن مصادر “جاده إيران”، نفت بشكل قطعي هذه المعلومات المتعلّقة بصحة خامنئي، مؤكدة أنه يمارس عمله بشكل معتاد ضمن شروط الوقاية من فيروس كورونا.

سردية موت خامنئي

بدأ خبر وفاة المرشد الأعلى في إيران بالانتشار بعد أن نشر أحد روّاد مواقع التواصل الاجتماعي هذا الخبر. استندت العديد من وسائل الإعلام الأجنبية والإسرائيلية عليه، ناسبة له صفة “الصحافي الإيراني”. بعد ساعات من نشر الخبر وانتشاره، بدأت الحقيقة تتكشف حول كذب هذه المعطيات، خصوصاً أن لا مصدر رسمي لها.

الصحافي الإسرائيلي روعي كايس، رد على الخبر الذي نشرته مجلة نيوزويك الأميركية، معتبراً أن هذه الرواية تفتقد للدقة، مضيفاً “تستند هذه الرواية إلى صحافي يدّعي تواجده في إيران إلا أنه غير موجود هناك، وهو نفسه من نشر أكثر من مرة أخباراً كاذبة ووقع الإعلام معه في فخ تلك الأخبار”.

بالعودة إلى حساب ناشر الخبر الأساسي، “محمد مجيد الأحوازي”، يتضح أن هذا الشخص كثيراً ما نشر أخباراً تبيّن لاحقاً أنها غير صحيحة، وكان دائماً ما يقود حملات على مواقع التواصل الاجتماعي ضد إيران ونظامها.

نشر الإعلامي اللبناني علي مراد، عبر حسابه على تويتر، مجموعة من التغريدات للأهوازي، وهو يدعي فيها أن خامنئي قد مات. في أيار/ مايو 2020، نيسان/ أبريل 2017، أيلول/ سبتمبر 2017، وأيار/ مايو 2013، نشر “الأحوازي” نفسه معلومات عن وفاة خامنئي.

الجدير ذكره هنا، أن هكذا معلومات، إن صحّت، لا يمكن إخفاءها. في أيلول/ سبتمبر من العام 2014، أجرى خامنئي عملية جراحية، يومها أعلن الإعلام الإيراني ذلك، دون إخفاء الحالة الصحية للمرشد. وبالتالي، إن أي أزمة صحية قد يتعرّض لها خامنئي، لن تكون بعيدة عن الإعلام في داخل إيران.

الدستور والمرشد

لا يمكن اعتبار شائعات وفاة المرشد جديدة. بل هي حملة دائماً ما كانت تمارس كنوع من الحرب الإعلامية على إيران، منذ انتصار الثورة الإسلامية. وفي تلك الفترة، دائماً ما كان يُحكى عن وفاة مؤسس الثورة روح الله الخميني، وتسلّم نجله أحمد مهام المرشد الأعلى. واليوم، تتكرر مع خامنئي نفس الحكاية: وفاة المرشد وتسلّم ابنه مجتبى مهامه.

بحثٌ في الدستور الإيراني، يثبت كذب هذه الأخبار. تخضع السلطات في إيران، وفق الدستور الذي أطلق في العام 1979، إلى تراتبية معينة. ووفق هذا الدستور، في حال وفاة او عجز القائد عن القيام بمهامه، هناك إجراءات يجب اتباعها.

نصّت المادة 111 من الدستور على أنه “عند عجز القائد عن أداء وظائفه الدستورية أو فقدانه لأحد الشروط المذكورة في المادتين 5 و109 أو علم أنه لا يمتلك بعضها بالأساس، فإنه يعزل من منصبه، وتعود صلاحية القرار بهذا الأمر إلى مجلس الخبراء المذكور في المادة 108”.

وأضافت المادة عينها أنه “في حالة وفاة القائد أو استقالته أو عزله، يتولى مجلس الخبراء بأسرع وقت مهمة تعيين القائد الجديد وإعلان ذلك. وحتى يتم إعلان القائد، يتولى مجلس شورى مؤلف من رئيس الجمهورية، ورئيس السلطة القضائية، وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور، ويكون منتخب من قبل مجمع تشخيص مصلحة النظام، جميع مسؤوليات القيادة بشكل مؤقت. وإذا لم يتمكن أحد المذكورين من القيام بواجباته في هذه الفترة (لأي سبب كان) يعين شخص آخر في مكانه، بقرار يتخذه مجمع تشخيص مصلحة النظام بأكثرية الفقهاء فيه”، مشيرة إلى أن “المجلس المشكّل يتولى تنفيذ الوظائف المذكورة في البنود 1 و3 و5 و10 والفقرات (د، هـ، و) من البند السادس من المادة 110 بعد موافقة ثلاثة أرباع أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام”.

ولفتت المادة إلى أنه “عند عجز القائد، إثر مرض أو أية حادثة أخرى، عن القيام بواجبات القيادة مؤقتاً يقوم المجلس المذكور في هذه المادة بأداء مسؤوليات القائد طوال مدة العجز”.

هذا الموضوع حصل مع الخميني عند وفاته، ولم يتسلّم حينها نجله أحمد القيادة أو مهام والده، بل سارع مجلس خبراء القيادة إلى تعيين علي خامنئي في هذا المنصب.

من هنا، يمكن القول أن الخبر الذي انتشر، والذي ادعى فيه صاحبه أن صلاحيات خامنئي قد نقلت لابنه مجتبى، هي معلومات غير صحيحة. وهذه الواقعة، تفتح هامشاً كبيراً لإعادة النظر في الأخبار التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى في بعض وسائل الإعلام، للتنبه من دقة المعلومات.

كيف أصبح خامنئي مرشدا للجمهورية الإسلامية؟


معضلة الحقيقة والـfake news

على المقلب الآخر، هذه الحملات الإعلامية على إيران، مارستها وسائل الإعلام في طهران أيضاً بحق خصومها. في آذار/ مارس من العام الحالي، نشرت بعض وسائل الإعلام الإيرانية خبراً حول وفاة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ناشرة بعض التحليلات والأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تدعم هذه الرواية. إضافة إلى ذلك، وبعد اغتيال قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بأيام، تناقلت وسائل الإعلام الإيرانية خبراً حول مقتل مايكل داندريا، المعروف بآية الله مايك، وهو المسؤول عن ملف إيران في الـ CIA.

هذه الأحداث التي تم ذكرها، تطرح علامات استفهام كبيرة حول واقع الحقيقة في عالم اليوم، وكيفية التمييز بين صحة ما ينشر من عدمها. كثيراً ما صبّت إيران اهتماماتها على مواجهة الحرب الإعلامية عليها، مطلقة عليها مصطلح “الحرب الناعمة”. وفي الكثير من خطاباته، خصوصاً بعد أحداث عام 2009 في البلاد، لجأ خامنئي لتفصيل هذه الحرب التي تتعرض لها طهران، ومعه راحت مراكز الأبحاث في البلاد لدرس هذه الظاهرة للتمكن من مواجهتها.

بعيدا عن إيران، تعتبر الـ”fake news”، آفة عالمية، تحاول الكثير من الحكومات مواجهتها. هذا الموضوع، دفع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى الطلب من الحكومة الفرنسية إصدار قوانين خاصة لمواجهة هذه الأخبار. وقبل ماكرون، كثيراً ما تناولها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطاباته.

عربياً، تتنوع ترجمات هذه العبارة، بين الأخبار الكاذبة، والأخبار المغلوطة والأخبار الخاطئة. ولعلّ مصطلح الأخبار الملفّقة هو الأكثر دقة في وصف هذه الظاهرة الحديثة. فهذا النوع من الأخبار، ليس كاذباً لمجرّد كونه كذبا، ولا خطأ لمجرد ابتعاده عن الحقيقة. هذا النوع من الأخبار، دائماً ما كان يقف خلفه الكثير من المراكز التي تعمل بشكل مكثّف على نشها.

في التعريف، الـfake news هي معلومات خاطئة يتم بثّها بهدف التلاعب أو خداع الجمهور. تأخذ هذه الظاهرة أهمية خاصة في عصر الإنترنت، ويمكن أن تنطلق من فرد واحد أو أكثر (من خلال وسائل الإعلام، المدونات أو مواقع التواصل الاجتماعي). ازدهر هذا المصطلح في وسائل الإعلام بعد حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، حيث استخدمها دونالد ترامب أربعين مرة في غضون عشرين أسبوعًا. (1)

الباحث الفرنسي ميرسييه آرنوه، اعتبر أن انتشار هذه الأخبار الملفّقة بات سهلاً في أيامنا هذه بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، وبات يمكن بسهولة نشر تلك الأخبار عبر صحافيين أو وسائل إعلام معينة، لتأخذ مصداقية معينة.

تصعب مواجهة هذه الأخبار، وهذا النوع من الحروب. تحاول بعض وسائل الإعلام تخصيص أقسام في مؤسساتها للتدقيق في هذه المعلومات. كما أن مواقع التواصل الاجتماعي، المصدر الأساسي لهذه الظاهرة، تحاول الوصول إلى حل لهذه المعضلة، وهذا ما رأيناه في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة.

لكن مهما حاولت المؤسسات الإعلامية العمل لمواجهة هذه الظاهرة، يبقى القضاء عليها صعباً، نظراً للأهداف السياسية خلفها، وتفاعل الجمهور معها. وتبقى مسؤولية الأفراد، أن يعملوا على مواجهة تلك الأخبار التي قد تفقد الحقيقة بريقها، عبر منع تسللها بينهم، حتى التثبت من صحتها.

“عندما تتكرر الكذبة ألف مرة تصبح حقيقة”. هي عبارة قالها أشهر من مارس الحروب النفسية في العالم، وزير الدعاية في عهد أدولف هتلر جوزف بول غوبلز. هذا ما يحاول الكثيرون فعله اليوم، تكرار الكذبة لتصبح حقيقة. في اليوم، عشرات الأخبار الكاذبة يتم تناقلها على مواقع التواصل، وتتصاعد وتيرتها مع الأحداث الأساسية. أمام هذا الواقع، قد لا يكون أمام الباحثين عن الحقيقة سوى مهمة واحدة، هي مواجهة عالم من الأكاذيب. ليس دفاعاً عن من تستهدفهم الحملات الإعلامية، بل دفاعاً عن الحقيقة.

(1)

Arnaud, Mercier; Fake news et post-vérité : 20 textes pour comprendre la menace; The Conversation France; 2018

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: