الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة1 ديسمبر 2020 08:26
للمشاركة:

مجلة “فورين بوليسي” الأميركية – إسرائيل هي مفتاح الربط في سياسة بايدن تجاه إيران

تناولت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، في مقال لـ "نيري زيلبر"، موضوع العلاقة بين أميركا وإيران بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، حيث تطرقت لهذه العلاقة من منطلق الحرص الإسرائيلي على عدم دخول واشنطن مجدداً في الاتفاق النووي السابق. كما أجرت المجلة عدداً من المقابلة مع خبراء إسرائيليين، للاطلاع على وجهة نظرهم في مستقبل العلاقة بين أميركا وإسرائيل في ما يتعلق بالملف الإيراني.

إذا كان من الممكن تعلم شيء واحد من اغتيال العالم النووي الإيراني الكبير محسن فخري زاده، فهو أن إسرائيل وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن القادمة على مسار تصادمي بشأن سياسة إيران.

عزا المحللون في إسرائيل توقيت العملية، المنسوبة على نطاق واسع للموساد الإسرائيلي، إلى التغيير المقبل للإدارات في واشنطن وخطة بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي الموقع مع إيران في عام 2015. انسحب الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب من الاتفاقية في عام 2018، بدعم من الحكومة الإسرائيلية، مشيرة إلى وجود عيوب في الصفقة.

في أعقاب الانتخابات الأميركية الأخيرة، أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أنه يعارض أي إعادة للانخراط في اتفاق مع إيران. في حين أن هناك شبه إجماع في الدوائر السياسية الإسرائيلية على سياسة نتنياهو المتشددة تجاه إيران، فإن بعض المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين يتخذون موقفًا أكثر شدّة.

لا يمكن العودة إلى الاتفاق النووي السابق. قال نتنياهو في وقت سابق من هذا الشهر: “يجب أن نتمسك بسياسة لا هوادة فيها لضمان عدم تطوير إيران أسلحة نووية”.

في ظهور مشترك مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في القدس في وقت سابق من هذا الشهر، ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أبعد من ذلك، معربًا عن امتنانه لحملة “الضغط الأقصى” لواشنطن لزيادة العقوبات على إيران والدفاع عن قائمة بومبيو المؤلفة من 12 مطلبًا لطهران من أجل رفع العقوبات. قال نتانياهو يومها “نقاطك الـ 12 تحدد المعيار لما تحتاج إيران أن تفعله إذا أرادت أن تعامل كدولة عادية. أولئك الذين يزعمون أن نقاطك الـ 12 إما غير ضرورية أو غير واقعية يريدون ببساطة منح إيران تصريح دخول مجاني إلى المنطقة. إن طغاة طهران لا يستحقون تصاريح مرور مجانية”.

أشار بايدن وفريقه المفترض في السياسة الخارجية إلى أن “الضغط الأقصى” والنقاط الـ 12 لبومبيو تجاه إيران (بما في ذلك وقف برامجها النووية، وبرامج تطوير الصواريخ، ودعم الميليشيات الإقليمية) لن يكون جزءًا من الدفعة الدبلوماسية الجديدة. ووصف بايدن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي بأنه “كارثة” وقال إنه بمجرد توليه المنصب “سيقدم لطهران طريقًا موثوقًا به للعودة إلى الدبلوماسية”. أشار كل من بايدن ووزير خارجيته الجديد أنتوني بلينكين إلى أن الولايات المتحدة ستنضم مجددًا إلى الاتفاقية (ومن المؤكد تقريبًا توفير بعض تخفيف العقوبات) إذا استأنفت إيران الالتزام بالقيود المنصوص عليها في الاتفاقات. سيكون هذا الترتيب بمثابة أساس لمحادثات متابعة تهدف إلى “تعزيز وتمديد” بنود الاتفاق النووي وغيرها من المجالات المثيرة للقلق.

ينظر نتنياهو ومسؤولون إسرائيليون آخرون إلى هذه الخطوة على أنها تنصل من كل النفوذ في المنطقة والذي اكتسبه خلال العامين الماضيين في عهد ترامب. لم يكن اغتيال محسن فخري زاده الأسبوع الماضي، الذي يعتبر والد البرنامج النووي العسكري الإيراني، مصادفة على الأرجح.

“التوقيت يتعلق بالوضع الذي نشأ نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية وحقيقة أن بايدن كان جزءًا من الفريق الذي وضع الصفقة مع إيران، وقد قال خلال الحملة إنه ينوي العودة إلى الصفقة”، هذا ما قاله الضابط السابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية الجنرال يوسي كوبرفاسر يوم الأحد الماضي.

ذهب مسؤول استخباراتي غربي لم يذكر اسمه إلى أبعد من ذلك، حيث قال للقناة 12 الإسرائيلية، يوم السبت، إن الاغتيال يمثل “الفرصة الأخيرة لإسرائيل لتوجيه ضربة لإيران قبل دخول بايدن البيت الأبيض والعودة إلى الاتفاق النووي الذي سيمنح الإيرانيين الحصانة”. هنا تجدر الإشارة إلى أنه من المعروف أن مسؤولي المخابرات الإسرائيلية يستخدمون غطاء “مسؤولي استخبارات غربيين” عند مناقشة مسائل حساسة في وسائل الإعلام.

لم تكن عملية فخري زادة سوى أحدث مظهر ملموس لاستياء إسرائيل من خطة بايدن الدبلوماسية، إن لم تكن محاولة صريحة لتخريبها. انسجاما مع تحذيرات نتانياهو العلنية، لا تريد إسرائيل أن ترى أي تنازلات تُمنح لإيران.

في هذا السياق، قال مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو الجنرال جاكوب ناجل، في حديث مع “فورين بوليسي”، إن “رسالتي إلى إدارة بايدن هي: لا تسرعوا إلى طاولة المفاوضات مع الإيرانيين”، مضيفاً أن “الإيرانيين تحت الضغط. إذا كانوا يريدون إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن الصفقة، فلا يمكنك القول، منذ البداية، أن إدارة بايدن يجب أن تكفّر عما فعله ترامب. بل يجب أن يحصل العكس أي أن تعتذر إيران عن أخطائها”.

يشير منتقدو هذا النهج إلى أن الضغط الذي تتعرض له إيران لم يترجم إلى تغييرات سلوكية ملموسة، بل على العكس تمامًا. منذ عام 2018، تضاعف مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بمقدار اثني عشر ضعفًا، واستمرت أعمال تطوير الصواريخ، ودعمها للوكلاء الإقليميين في لبنان وسوريا واليمن والعراق وأماكن أخرى في الشرق الأوسط.

قال رئيس قسم الأبحاث في المخابرات العسكرية الإسرائيلية المنتهية ولايته الجنرال درور شالوم، في حديث لصحيفة يديعوت أحرونوت في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إن “إيران بعيدة عن الركوع، فهي لم تنثني أمام الضغوط”، مبرراً “استراتيجية الضغط الأقصى” على إيران، وسلط الضوء على الثغرات الموجودة في الاتفاق النووي الأصلي. لكنه شدد على أن طهران اختصرت نقطة انطلاقها نحو القنبلة منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق. وأضاف شالوم “الاتفاق النووي ، على الرغم من عيوبه ، كان لديه مساحة للتأثير على قضايا أخرى. ولم يثبت بعد أن الخروج من الاتفاق النووي خدم إسرائيل”.

لقد رفض المسؤولون في الحكومة الإسرائيلية ظاهريًا هذا التحليل الأكثر دقة الذي أجراه مقيِّم الاستخبارات الوطنية الخاص بهم. وقال مصدر في الحكومة الإسرائيلية، تحدث لفورين بوليسي شرط عدم الكشف عن هويته، إنه لا يوجد تناقضات بين نتانياهو ومنافسه السياسي وزير الدفاع بيني غانتس بشأن مسألة “الضغط الأقصى” على إيران.

في سياق آخر، أشار محللون أمنيون إسرائيليون آخرون إلى وجود عناصر إيجابية في الاتفاق النووي لعام 2015، رغم اعترافهم بعيوبه.

قال اللواء المتقاعد عاموس يادلين، رئيس المخابرات العسكرية السابق ورئيس معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، لمجلة فورين بوليسي، أنه رفض التحليلين الأساسيين المحيطين بالاتفاق النووي لعام 2015، فهو ليس أفضل اتفاقية لمنع انتشار الأسلحة النووية تم التوصل إليها، كما انه ليس محرقة ثانية للإسرائيليين.

رأى يادلين أن أفضل ما في الاتفاق أنه مدّد زمن صنع إيران لسلاح نووي من شهرين إلى عام واحد، وربما عقد من الزمن، وأضاف “إن الوضع بعد الاتفاق كان أفضل مما كان عليه الوضع في عام 2015، وهذا شيء لا يمكنك التقليل من شأنه على أنه إنجاز”.

ومع ذلك ، سيكون من الخطأ أن تعود إدارة بايدن إلى الاتفاقية النووية الأصلية لعام 2015، كما قال يادلين، موضحًا مجموعة من المخاوف التي يجب معالجتها في أي مفاوضات جديدة: تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية وأبحاث الأسلحة النووية، إلى جانب نظام تفتيش دولي أكثر صرامة وتمديدًا لمدة 20 عامًا لشروط إنهاء الصفقة.

السؤال المطروح على إدارة بايدن هو ما إذا كانت مثل هذه الصفقة مع إيران، على غرار ما تطالب به إسرائيل، ممكنة حتى. قال راز زيمت، مراقب إيران السابق في الجيش الإسرائيلي، لمجلة فورين بوليسي “أجد صعوبة في حل المواقف الإسرائيلية والأميركية والإيرانية التي يكاد يكون من المستحيل تجاوزها”، مضيفاً “يريد بايدن العودة إلى الاتفاق النووي بطريقة ما، ولن يوافق الإيرانيون على ذلك دون تخفيف العقوبات، لذا فإن القرار الاستراتيجي في واشنطن هو ما إذا كانت ستقبل بالشرط الإيراني وتدفع ثمناً مقابل إعادة إيران إلى الامتثال”.

ورأى زيمت أن “نتنياهو على الأرجح “يؤمن حقًا” بأن الضغط الأقصى سيؤدي، على المدى الطويل، إلى استسلام إيران، وقد لا يكون المقصود بالاستسلام هو القبول بالنقاط الـ12، ولكن ربما جزءاً مهماً منها، لكن من شبه المؤكد أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي لن يلين أبدًا”، مشيراً إلى أن “خامنئي قد يعتقد أن التخلي عن كل هذه الأشياء (برنامج نووي وصواريخ ووكلاء إقليميين) هو تهديد للنظام وآثارها أكبر من الانهيار الاقتصادي”.

إدارة بايدن، عند توليها الحكم في أواخر كانون الثاني/ يناير، سترث هذه المعضلة السياسية المتصاعدة، وفي الحالات القصوى، كما قال زيمت، “سيتعين عليها الاختيار بين إسرائيل وإيران”.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ مجلة “فورين بوليسي” الأميركية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: