الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة30 نوفمبر 2020 13:41
للمشاركة:

المفاوضات الأميركية الإيرانية المحتملة.. هل ينسفها اغتيال فخري زاده؟

رغم سياسة الضغط الأقصى الأميركية على إيران، لا يفوت الرئيس حسن روحاني فرصة لإظهار استعداده الخوض في المساعي الدبلوماسية لإنهاء العقوبات، وذلك تحت سقف العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي.

هذا الاستعداد  للتفاوض يجر على روحاني موجة انتقادات، تزيد حدتها مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل. منتقدو روحاني يتهمونه بإشاعة أجواء تفاؤلية لأسباب انتخابية.

المشهد السياسي في طهران يعكس وجود تباين في وجهات النظر. يعتبر أصحاب الرأي الأول أن “خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض وفوز جو بايدن قد يشكل فرصة دبلوماسية أخرى لفريقي التفاوض في واشنطن وطهران”. أما أصحاب الرأي الثاني فيرون أن “السياسة الأميركية تجاه إيران لن تتغير بمجيء رئيس ديمقراطي إلى البيت الأبيض، ما يستدعي عدم اتخاذ نهج مغاير في السياسة الخارجية”. وتحت سقف هذا الاختلاف مثلا، يتهم “المتفائلون” ببايدن خصومهم  بأنهم يهدفون لقطع الطريق على حكومة روحاني ومنعها من “أن تتنفس الصعداء في الوقت المتبقي قبل الانتخابات الرئاسية”.

المتخصص في القضايا السياسة الخارجية حسين بهشتي بور يرى أن “المفاوضات ليست هدفا بحد ذاتها،  بل وسيلة، ولا ينبغي أن تكون قضايا السياسة الخارجية خاضعة للمنافسة والنزاع في الداخل، فقضية إيران ليست المفاوضات من عدمها بقدر ماهي بحاجة لإجراءات عملية ومفاوضات ناجحة لحل مشاكلها، وبذلك يمكن أن تقود المفاوضات البلاد إلى الأمام”. هكذا يرى بهشتي بور أن “من يرون  في التفاوض تجاوزا  للخطوط الحمراء، يبدو أنهم لم يتضرروا من العقوبات ويتحركون لزيادة التوتر، في حين أن الواقع يفرض اتخاذ خطوة لتخفيض العقوبات لما في ذلك من مصلحة للبلاد”.

أسئلة عديدة يطرحها متابعون للمشهد السياسي، حول مالات الأمور في حال استمرار عدم التفاوض. مثلا، كيف يمكن للبنك المركزي تأمين حاجات الميزانية في دولة يعتمد اقتصادها على النفط؟، وكيف يمكن توفير موارد النقد الأجنبي المطلوبة إذا لم تتم المصادقة على انضمام إيران لمعاهدة “FATF” في ظلّ الخلاف الداخلي على بعض بنودها؟.

وما يعزز هذه الأسئلة وفق من يتبناها، هو أن مسؤولي البلاد يصرون على الاعتماد على الداخل، وهم يعلمون جيدا أن بعض قضايا البلاد تعتمد 40% على آلية عمل الحكومة بينما يتأثر 60% منها بالعقوبات، ما يحتّم وفق رأيهم، تعزيز علاقات إيران الخارجية بما يسهل رفع العقوبات.

أصوات داخلية ومواقفها من المفاوضات

الأمين العام لحزب “ايران زمين” الإصلاحي ابو القاسم رئوفيان يرى أنه بقدر ما شكّل انسحاب ترامب من الاتفاق النووي توترا، فإن عودة بايدن إليه ستؤدي إلى وقف التصعيد، وفي هذا السياق، يدعو إلى ما يصفها بالخطوة الحكيمة لإعادة العلاقات التجارية الإيرانية مع العالم  كنتيجة لرفع العقوبات. أما المتحدث باسم حزب “العمال البناء” المحافظ حسين مرعشي، فيبدي استغرابه مما يقوله بعض الأصوليين من أنه “لا فرق بين ترامب وبايدن بالنسبة لإيران”، ويقول: أما أنها مزحة أو أنهم يخدعون أنفسهم وعليهم أن يلاحظوا أن معارضتهم ليست متوازنة، وليست في المستوى الذي يؤثر على المسار الطبيعي لتعاون إيران الدولي، وإنما هي حجر عثرة أمام الحكومة، وأن غالبية الجماعات السياسية في البلاد سواء تدعم هذه العملية المنطقية، وعلى المتطرفين أن يدركوا أن القرارات السياسة الخارجية الكلية هي موقف وملخص موحد لمسؤولي البلاد في أعلى الهرم.

هل سيتفاوض بايدن مع الحكومة الحالية أم مع اللاحقة؟

منذ إعلان فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية، انتهج المسؤولون الإيرانيون خطابا يتمحور حول أمرين: الأول هو إبداء اللين تجاه التفاوض مع واشنطن بشروط معينة، والثاني هو التأكيد على عدم التنازل عن حقوق الشعب الإيراني.

عضو الهيئة العلمية في جامعة شهيد بهشتي زهرا كريمي ترى أن حكومة روحاني تحاول الوصول إلى اتفاق مع أميركا، وذلك في المدة المتبقية لها، لأسباب عديدة أبرزها: احتساب انجازات في سجل الحكومة، إعادة نوع من الثقة الشعبية للتيار الإصلاحي، بما يعزز فرصة خوض هذا التيار الانتخابات الرئاسية. غير أن ناشطين إصلاحيين يرون ضرورة تقوية العناصر الداخلية، لأنها أساس حل مشاكل البلاد، وليس فقط  المفاوضات مع الخارج. عضو الجبهة التابعة لخط الإمام، حسين سبحان نيا، استبعد أن يحصل التفاوض في الأشهر الأخيرة من إدارة روحاني والأشهر الأولى لإدارة بايدن. يرى نيا أن إدارة بايدن لن تتفاوض  مع حكومة  روحاني المنتهية ولايتها، ولكن ستتفاوض مع حكومة تحظى بدعم المرشد الإيراني والشعب ولديها الوقت الكافي لإنهاء المناقشات.

ومن غیر الواضح أيضا كم ستؤثر ورقة عودة دبلوماسيي الاتفاق النووي إلى فريق بايدن، وأهمهم نائب وزير الخارجية في عهد باراك أوباما، الذي كان من أكثر الشخصيات تأثيرا في مفاوضات 2015 خلف الكواليس، والذي دافع في في آب/ أغسطس الماضي عن الاتفاق النووي خلال خطاب في مجلس الأمن، كما أنه رد قائلا على سؤال عم سيفعل مع  إيران إذا أصبح بايدن رئيساً: “إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم لالتزاماتها ، فستُبذل الجهود لمواصلة الاتفاق النووي وتقويته وإطالة أمده”. 

هل اقفل اغتيال فخري زاده باب المفاوضات أم مازال مواربا؟

تشير أصابع الاتهام الإيرانية إلى إسرائيل في اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده. ولا ينفصل ذلك وفق محللين إيرانيين، عن مساعٍ إسرائيلية سعودية لمنع عودة أميركا إلى الاتفاق النووي، ولتقويض إيران إقليميا ودوليا.

ليس واضحا حتى الآن مدى تأثير اغتيال فخري زاده مسار التفاوض المحتمل بين أميركا وإيران في عهد بايدن. إيران أكدت على لسان روحاني تعليقا على عملية الاغتيال أن الإيرانيين أذكى من أن يقعوا في في فخ إسرائيل التي تسعى لخلق أزمات في المنطقة.  ليس واضحا تفسير كلمة “أذكى” وما يقصده روحاني: هل سيكون ردا دبلوماسيا من خلال مفاوضات مع أميركا لقلب المعادلات على أعدائها في المنطقة، أم شأن آخر، مع ضرورة عدم تجاهل أن المسؤولين الحكوميين الإيرانيين أبدوا إيجابية حذرة تجاه التفاوض مع واشنطن مع استلام بايدن للرئاسة في كانون الثاني/ يناير المقبل.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: