الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة30 نوفمبر 2020 09:55
للمشاركة:

مركز البحوث البرلمانية الإيراني – قراءة في اغتيال فخري زاده ورد الفعل الإيراني المطلوب

شدد مركز البحوث البرلمانية على ضرورة تقديم رد فوري ومتناسب وحاسم ورادع على اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، مؤكدًا كذلك على أهمية تحديد الفجوات في حصول مثل هذا الحدث والقضاء عليها حتى لا تتكرر مثل هذه الهجمات في البلاد من الآن فصاعدًا.

مقدمة

استمرت وتزايدت الأعمال العدائية للولايات المتحدة والنظام الصهيوني وأنشطتهما الإرهابية وهجماتهما ضد جمهورية إيران الإسلامية، لا سيما في اغتيال القادة العسكريين والعلماء النوويين والصوارخيين في السنوات الأخيرة وبهذه الطريقة يحاول الأعداء السيطرة على إيران وإضعاف مكونات دفاعها وأمنها وقوتها. واستمرارا لهذه الأعمال الإرهابية استشهد مساء يوم الجمعة الماضي الدكتور “محسن فخري زاده” رئيس هيئة البحوث والابتكار بوزارة الدفاع ودعم القوات المسلحة  في هجوم إرهابي. وفي هذا الصدد بينما يجب تقديم رد فوري ومتناسب وحاسم ورادع  يجب تحديد نقاط تشكيل مثل هذا الحدث والقضاء عليها حتى لا نشهد مثل هذا الهجوم في البلاد من الآن فصاعدًا.

1- العوامل المؤثرة في الأعمال العسكرية والتخريبية ضد إيران

إن تصميم وتنفيذ الاستراتيجية العدائية للولايات المتحدة والنظام الصهيوني ضد جمهورية إيران الإسلامية يتأثران بسوء فهمهما لنمط السلوك الإيراني حيث، إن طبيعة تصرفات إيران ورد فعلها في مواجهة الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وفرض أقصى قدر من الضغط في عملية تدريجية أدت إلى تشكيل هذا التقييم الوهمي بأن إيران في موقف هش بسبب فعالية العقوبات وعدم استعدادها للرد على عمل خارجي. وعلى الرغم من عدم إجراء مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة خلال العامين الماضيين، حاولت إيران متابعة حقوقها في شكل خطوات لتقليص التزاماتها النووية وإجراءاتها القمعية.

لكن كان هناك عيبان رئيسيان لاستراتيجية الرد الإيرانية:

  • أولاً/ تناقض استراتيجية إيران ضد التهديدات الخارجية

رافقت تصرفات إيران المقاومة ردًا على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، صورة داخلية أظهرت ضرورة التفاوض مع الولايات المتحدة من قبل بعض العناصر الداخلية. فبالمقاومة الاستباقية والسعي وراء حقوق الشعب الإيراني، تراجعت أميركا تدريجياً من حدة هجومها على البلاد. ولكن التصرفات المتناقضة والرغبة في التفاوض من قبل بعض العناصر الداخلية كانت عقبة خطيرة أمام عدم تحقيق هذه المقاومة لأهدافها.

إن اختيار المفاوضات كحل رئيسي لرفع العقوبات سيرسل رسالة إلى الطرف الآخر مفادها أن العقوبات فعالة. سيظن الأعداء أن إعادة فرض العقوبات وزيادتها هي أفضل طريقة لإجبار إيران على سحب قدراتها الرادعة في القضايا الإقليمية. وبعبارة أخرى فإن التركيز على التفاوض لن يوقف أو يقلل من ضغط العقوبات، كما أنه سيصبح أيضًا جزءًا من استراتيجية العقوبات ويكمل حملة الضغط الأقصى ويكون علامة على فعاليتها. في المقابل  سيكون لدى الولايات المتحدة الإرادة لرفع العقوبات عندما ترى عدم فعاليتها.

  • ثانياً/ الافتقار إلى الاستمرارية وعدم كفاية الإجراءات الإيرانية المضادة

كان لنهج المقاومة النشطة وبداية خطوات خفض الالتزام النووي عام 2019 التوجه الصحيح من حيث الحاجة إلى الاستجابة للضغوط الخارجية. ولكن من أجل التأثير على استراتيجية الولايات المتحدة والنظام الصهيوني، كان عليها أن تستمر في عملية تدريجية بشكل متزايد.

بينما تآكل الردع الأميركي بفعل نشاطات إيران وأفعالها، إلا أن نوع رد فعل إيران على اغتيال الشهيد سليماني لم يكن كافياً. على الرغم من حقيقة أن إيران هاجمت قاعدة عين السد فإن التقدير الأميركي كان أن طهران لم تهاجم الخط الأحمر للبيت الأبيض في المقام الأول، وبذلك أعلنت أن الهجوم لم يسفر عن أي إصابات، كما أنه يمكن ترميم بعض المرافق التي دمرت وتعويض الخسائر المادية في قلب القاعدة. ويقول الأميركيون إن واشنطن أخرجت المبادرة من أيدي إيران. ففي الوقت الحاضر، من وجهة نظر الولايات المتحدة والنظام الصهيوني إيران في وضع سلبي وغير قادرة على الرد بجدية وفرض تكاليف على الجانب الآخر.

وبناءً على هذا التقييم لـ “حاجة إيران للتفاوض وفشلها في الرد على التهديدات”، وضعت الولايات المتحدة والنظام الصهيوني في إجراء منسق، العمليات السرية على جدول أعمالهما، ويأتي اغتيال الشهيد فخري زاده على يد النظام الصهيوني تكملة للعقوبات الأميركية الأخيرة التي تفرض بشكل أسبوعي ضد إيران.

ولكن  في الواقع  لم يؤد نهج إيران المتمثل في الصبر الاستراتيجي ورد الفعل غير الملائم للتهديدات العسكرية والأمنية والاقتصادية إلى تقليل التوترات والضغوط فحسب، بل أدى أيضًا إلى التقييم المضلل من قبل واشنطن وتل أبيب. لذلك، ما يمثل أولوية بالنسبة لجمهورية إيران الإسلامية ليس العودة إلى الاتفاق النووي بل هي تغيير في الفهم الاستراتيجي للولايات المتحدة والنظام الصهيوني.

2- أهداف اغتيال فخري زاده

في الشهرين المقبلين قد يؤدي الشعور بسلبية إيران من جانب الخصوم والجرأة المحتملة للولايات المتحدة والنظام الصهيوني في ضرب إيران، إلى تكثيف هذه العمليات العدوانية، وإحداث المزيد من الضرر في إيران. تجدر الإشارة إلى أن العقوبات القاسية ضد إيران والاختراق الإلكتروني لمنشأة نووية، واغتيال العلماء النوويين الإيرانيين الأربعة حدثت أثناء رئاسة أوباما وعندما كان بايدن نائبه لذلك فإن هذا الاتجاه ضد إيران سيستمر في عهد بايدن.

يقوم النظام الصهيوني بأعماله المعادية لإيران في شكل حملة تسمى “مواجهة إيران في المنطقة الرمادية”. تركز هذه الحملة على برنامج إيران النووي والصاروخي عبر استخدام جميع قدراته الاستخباراتية والعسكرية والدبلوماسية والإعلامية لضرب إيران في خضم الحرب والسلام. وبمعنى آخر يتجنب النظام الصهيوني حربًا شاملة بسبب ضعف دفاعه وهشاشته ضد إيران، كما أن الولايات المتحدة مترددة في دخول الصراع الكلاسيكي الجديد بسبب تورطها في الصراع مع القوى العظمى والتجربة المريرة للحرب الأفغانية والعراقية. لذلك لا يمكن اعتبار العمل الإسرائيلي في اغتيال فخري زاده محاولة لتحريض إيران على الدخول في حرب شاملة.

كان الهدف الأساسي للنظام الصهيوني في اغتيال فخري زاده يتمثل في تعطيل المساعي الإيرانية في مجال الدفاع، عن طريق بث الخوف لدى الأفراد والباحثين النشطاء ومنع تطوير برامج نووية ودفاعية متقدمة. كما هدفت إسرائيل لتسليط الضوء على قضية “أرشيف البرنامج النووي المزعوم” والعلاقة بين الصناعات الدفاعية والنووية الإيرانية، والمواد والأنشطة غير المعلنة، وإقناع حكومة بايدن والدول الأوروبية بأن تكون أكثر صرامة في طريق عودتها إلى الاتفاق النووي.

3- مكونات حاسمة في تصميم رد إيران

إن الأولوية القصوى لإيران الآن هي إحياء الردع وتغيير التصورات الأميركية والإسرائيلية لإرادة إيران وقدرتها. لذلك يجب أن يكون رد إيران “حاسمًا وفوريًا ومتناسبًا ورادعًا”، بالإضافة إلى ذلك ينبغي منح القوات المسلحة مستوى من السلطة لصد التهديد إذا لزم الأمر وبمبادرة منها، لأن المبادرة بيد رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي ولا يستخدم هذه الصلاحية، لذا من الضروري طرح قانون مستقل في هذا الشأن في البرلمان. كما أنه يجب منع عمليات الاغتيال من خلال تعزيز القدرات الاستخباراتية و العملياتية ضد الولايات المتحدة والنظام الصهيوني وعملائه في المنطقة وداخل البلاد.

بالإضافة إلى هذا، من الضروري أن يضع مجلس الشورى الإسلامي عقوبات شديدة على هذه القضية في القوانين القضائية وكما يجب على الأجهزة القضائية والأمنية اتخاذ الإجراءات اللازمة للقضاء على تسلل الجواسيس وغيرهم من المجرمين الأمنيين وأن تتعامل المحاكم مع هؤلاء المجرمين بصرامة وحزم.

النقطة المهمة هي أن الوقت المتبقي لإدارة ترامب يمثل فرصة لإعادة التوازن ضد الولايات المتحدة والنظام الصهيوني أكثر من كونه تهديدًا لجمهورية إيران الإسلامية. ولأن الولايات المتحدة تواجه تحدٍ في تغيير النظام في الداخل وفي البنتاغون، مع إقالة وزير الدفاع واستقالة كبار مسؤولي البنتاغون، وبالتالي فإن الجيش الأميركي الآن في حالة ارتباك وغير قادر على اتخاذ القرارات واتخاذ الإجراءات. ومع تشكيل حكومة بايدن ستزيد الظروف الاجتماعية والدولية من صعوبة أي رد فعل ضد الولايات المتحدة والنظام الصهيوني، وبالنظر إلى اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية هنا، يمكن تفويض مسؤولية دفع القضية النووية إلى الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي كهيئة مستقلة من أجل تجنب تقويض التماسك الاجتماعي وخلق انقسام بين النخب.

الخلاصة

لقد أتاح اغتيال الشهيد فخري زاده فرصة مهمة للجمهورية الإسلامية الإيرانية لكي تغير بشكل حاسم سوء الفهم الاستراتيجي والخطير للولايات المتحدة والنظام الصهيوني لإرادة إيران وقدراتها. في الواقع ستختفي التهديدات ضد إيران في السنوات المقبلة وليس أمام الولايات المتحدة خيار سوى تغيير مسارها. لذلك فإن المطلوب الآن أكثر من أي شيء آخر هو استئناف الردع ضد التهديدات العسكرية والتخريب من قبل واشنطن وتل أبيب.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ مركز البحوث البرلمانية الإيراني

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: