الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة19 نوفمبر 2020 08:40
للمشاركة:

صحيفة “جهان صنعت” الاقتصادية – السياسة في مأزق اقتصادي

تناولت صحيفة "جهان صنعت" الاقتصادية، في تقرير لها، الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ناشرة إحصائيات عن منظمة التخطيط والميزانية تظهر واقع البطالة والتضخم، الأمر الذي استندت عليها لتقول إن "تدهور الأوضاع الاقتصادية يسلب من إيران قوة المساومة السياسية أمام دول الجوار والمنطقة ويؤدي لتلاشي آمال المواطنين".

مما لا شك فيه، أن الاقتصاد هو “الرابح” هذه المرة في المواجهة ما بين السياسة والاقتصاد عشية عام 2021 و ذلك ضمن ظروف إيران المعقّدة جداً. حيث تُظهر الحقائق المعيشية الإيرانية أن السياسيين الإيرانيين وقادة الأحزاب والتجمعات السياسية لجأوا جميعاً إلى الاقتصاد في المعركة وقدموا الوعود من وجهة نظرهم لإنقاذ الشعب من البؤس وذلك من أجل كسب أصوات المواطنين. والآن يبدو أن السياسيين الإيرانيين أدركوا تدريجياً أو سيدركون أن الاقتصاد لا يمكن التلاعب والمزاح معه بأي قوة أو بأي فكر مهيمن وأن تجاهل الاقتصاد ومتغيراته ستكون عواقبه في نهاية المطاف مريرة ومثيرة للاشمئزاز وسيحرق الأخضر واليابس معاً.

أقدار مريرة

تُظهر تجربة هذه العقود الأخيرة وطبيعة ومصير بعض البلدان في هذه الأيام أن السياسيين الذين كانوا عنيدين مع الاقتصاد ويريدون أن تبقى المتغيرات الاقتصادية أسيرة لرغباتهم وأهوائهم إلى الأبد سيجلبون أقداراً حزينة للشعب. وعندما يتجاهل السياسيون الاقتصاد لفترة طويلة سيقع الضغط على المواطنين ولأمد بعيد والمواطنون إما يعيشون مثل العبيد كشعب كوريا الشمالية ويقنعون بحفنة من الأرز وبعض الخبز أو يلجؤون إلى بلد إلى آخر ويتركون بلدهم. ودعونا نتذكر أن الحزب الشيوعي السوفيتي والذي هو القوة المالية والتنظيمية الأعظم التي أسسها المجتمع البشري لم يستطع التغلب على أزمة الاقتصاد وبعد 70 عاماً رفع راية الاستسلام وجعل قادة الحزب يستسلمون للحقائق. ومن الأمثلة عن البلدان ذات الأقدار المريرة لدينا فنزويلا وكوبا….الخ.

60 مليون محتاج

يجب أن نكون شاكرين لله أن التنافس على السلطة وتوسعها وحماية السلطة بين الأحزاب والجماعات السياسية في إيران قد أدى إلى كشف الحقائق. وبينما الفصائل السياسية الأكثر راديكالية والتي تتبع لجبهة المحافظين ضد الأجانب تتحدث عن تقدم إيران ولكنها تعترف بأن هنالك 60 مليون إيراني يحتاجون من 60 إلى 120 ألف تومان شهرياً كمساعدات شهرية. وقد وصلت المعركة حول ما إذا كان ينبغي على البرلمان أن يفعل شيئاً للفقراء إلى نقطة اتضح فيها أنه لم يتبق أموال ومن أجل تأمين 30 ألف مليار تومان (أكثر بقليل من مليار دولار بحيث أن كل دولار يعادل 25 ألف تومان) يجب بيع الممتلكات التاريخية أو إضافة التعريفات الجمركية للواردات والتي هي بحد ذاتها أزمة تضخّم.

بعض الحقائق

يُظهر أحدث تقرير صادر عن منظمة التخطيط والميزانية والذي يحمل عنوان “دراسة تطبيقية لموقعية إيران ضمن مؤشرات التنمية الدولية: استناداً إلى بيانات المؤسسات والوكالات العالمية  أن “إيران شهدت نمواً سلبياً في مؤشر نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال عدد من السنوات منذ عام 1979 إلى 2018. حيث أنه في الأعوام 1979 وحتى 1981 كان النمو سلبي بنسبة 10.5% و 27.5% و 17.5% على التوالي. وبعد عامين من النمو الإيجابي خلال عامي 1982 و 1983 شهدنا مرة أخرى نمواً سلبياً بنسبة 8.7% في عام 1984. وخلال عامي 1986 و 1988 شهد الاقتصاد الإيراني نمواً سلبياً أيضاً بنسبة 10.2% و 4.5% توالياً. ومن ثم مرة أخرى في عام 1994 كان لدينا نمو سلبي بنسبة 1.5%”.

وكما تُظهر ذات الإحصائيات أنه منذ عام 1979 وحتى عام 2018 باستثناء عام 1990 حيث بلغ التضخم 7.6% وباستثناء عامي 2016 و 2017 حيث بلغ معدل التضخم  8.6% و 9.9% على التوالي، كان معدل التضخم في إيران مكوّن من رقمين (أي ثنائي الخانة) وقد شهدنا في بعض السنوات تضخماً وصل حتى الـ50% في عام 1995. وبالنظر إلى هذا التضخم المتسارع والتضخم المؤلف من رقمين ومعدلات النمو المنخفضة خلال هذه السنوات فقد أدّت لأن تكون إيران في مواجهة وضع لا تحسد عليه وغير مناسب في مؤشرات دخل الفرد.

وكما يُوضّح مؤشر معدل البطالة في إيران أنه خلال السنوات من 1991 وحتى 2018 باستثناء عامي 1995 و 1996 واجهنا وبشكل دائم معدل بطالة من رقمين.

نحن في طريق مسدود

من الصعب والمحزن أن نقول ان الاقتصاد الإيراني الآن في طريق مسدود ولكن الحصار الاقتصادي المفروض على إيران خلال السنوات الثلاث الماضية تسبب في انخفاض بقيمة العملة الوطنية بشكل حاد وكما جرح عزّة الإيرانيين وكرامتهم وكما تسبب في ارتفاع معدل التضخم إلى أعلى المستويات أيضاً. حيث أن إيران واجهت أحد أسوأ العقود في التاريخ المعاصر من حيث متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي ونمو الاستثمار. ونحن نقرأ ونسمع هذه الأيام أن أسعار الدجاج واللحوم الحمراء والبيض …الخ ترتفع بسرعة كبيرة وإيران لا تستطيع زيادة إنتاجها بنفس المقدار. وقد تراجعت قيمة صادرات النفط الخام إلى أدنى حد وقد لجأت الحكومة إلى أسوأ الأساليب لتغطية عجز الموازنة وأفقرت المواطنين.

السياسة غير فعالة

يجب قبول الواقع والقبول بأن المواطنين لم يعد لديهم ثقة لا بالأحزاب ولا الجماعات السياسية ولا حتى وعودهم وكما أن الثقة ستبقى بانخفاض مادام الوضع كما هو عليه الآن من دخل المواطنين ونفقاتهم. ولقد وصلنا إلى نقطة حيث يجب على أركان الحكومة أن تنتشل الوضع المادي الحالي للمواطنين وترقى به إلى مستوى مقبول. ولا يهم الناس ما إذا كان سبب بؤسهم هو الولايات المتحدة أو الإدارة الفاشلة للحكومة وكما لا يهمهم من سيصبح رئيساً في عام 2021 ومن أي تيار سياسي هو. الناس يريدون الابتعاد عن الفقر. هل من الممكن إيجاد موارد كافية بالداخل لتحسين أوضاع الناس؟ وهل من غير المهم فيما إذا كان ينبغي الدخول في حوار وتسوية مع العالم لتجنب تدهور الوضع ويجب أن نقبل ضمن أي ظرف وأنه يجب علينا تعديل ميولنا وتطلعاتنا السياسية على الأقل حتى يتحسن الوضع؟ إن تدهور الأوضاع الاقتصادية يسلب من إيران قوة المساومة السياسية أمام دول الجوار والمنطقة ويؤدي لتلاشي آمالنا. والآن لم يتبق طريق للسياسة لأخذ المزيد من هذا الاقتصاد كرهينة.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ صحيفة “جهان صنعت” الإقتصادية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: