الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة15 نوفمبر 2020 03:21
للمشاركة:

مجلة “تجارت” – السياسة المثلى للتغلب على أزمة “كوفيد 19”

نشرت مجلة "تجارت"، دراسة يوم السبت 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، لعدد من الباحثين حول السياسة المثلى للتغلب على أزمة "كوفيد-19". وبعد مناقشة تجارب عدة دول في مواجهة الوباء ومقارنة معدل انتشار المرض وأعداد الوفيات، خلصت الدراسة إلى أن السياسة المثلى تتمثل في تطبيق مرحلتين، الأولى هي الإغلاق الشامل قصير المدى لثلاثة أو أربعة أسابيع، لخفض عدد المرضى الجدد يوميًا، أمّا المرحلة الثانية فتتم العودة بحذر للأنشطة الاجتماعية، وذلك للسيطرة على معدل تكاثر المرض قرب الواحد. كما ورد في الدراسة التي ترجمتها "جاده إيران".

التصدي لكورونا والحاجة لإغلاق شامل قصير المدى

في هذه الأيام يواجه سياسيو العالم من الصين إلى الهند ومن الهند إلى شيلي لغزًا شديد الغموض والأهمية وضع الافتراض الأولى للاقتصاد مقابل السلامة في زمن جائحة “كوفيد- 19” أمام تحدٍ. 

من الواضح أن الدول على اختلافها ستواجه القيود والتكلفة الاقتصادية ذاتها على المدى البعيد، رغم أن تأثير انتشار المرض وعدد الوفيات الناتج عنه يزداد كبرًا وقسوة  في دول دون أخرى. فبشكل عام لم يختلف مسار الحياة الاجتماعية كثيرا بين مدن العالم في طهران أو بكين أو نيودلهي أو سنتياغو وذلك بعد مرور فترة الحجر الشديدة التي شهدتها دول العالم خلال الأشهر الأولى من انتشار جائحة “كوفيد-19″، فقد عاد النشاط الاجتماعي اليومي بشكل متوسط، وعادت الأعمال التجارية بشكل متقطع، ورغم ذلك لا زال هناك غياب لبعض الفعاليات كدور السينما والمسابقات الرياضية، وتقلصت المناسبات الاجتماعية لأدنى مستوى رغم الانتشار الواسع لاستخدام الكمامات ومراعاة الاجراءات الوقائية، إلا أن الحياة بشكل عام تسير بنشاط اقتصادي واجتماعي أقل. ورغم هذه الأخطاء فالأمر شديد الاختلاف بين الدول هو معدل انتشار المرض والوفيات بين الدول المختلفة، إذ بينما وصل معدل الوفاة في دول كالصين وكوريا الجنوبية على مدار شهور لما يقرب من الصفر نجده في أميركا يزيد عن 1000 حالة يوميًا. وبالتأمل في هذه الإحصائية نجد الفارق بين أعلى معدل وأقل معدل للوفيات في العالم يزيد عن 100 ضعف.

 خلاصة وعلى عكس البديهيات السائدة لصانعي السياسيات، رغم أن اقتصاد الشعوب المختلفة قد تضرر بنسب متشابهة بسبب كورونا، إلا أن معدل انتشار المرض يختلف بشكل ملحوظ بين دول وأخرى ولعل إدراك أسباب هذه الظاهرة يمكنه أن يقدم نتيجة مفيدة للسياسيين في شكل استراتيجية “السيطرة على التأثير قصير المدى”، والتي يمكنها أن توضح بعض أسباب نجاح دول كالصين وكوريا الجنوبية ونيوزيلاندا والنرويج في السيطرة على المرض. وسنحاول فيما يلي شرح هذه الظاهرة وطرح الخلاصة المستفادة منها.

تعد دراسة “معدل تكاثر المرض” في المجتمعات المختلفة سبيلًا مفيدًا لتوضيح هذه الظاهرة، وهذا المعدل هو معدل متوسط المرضى الجدد الذين ينقل إليهم مريض “كوفيد-19” الفايروس خلال فترة مرضه. فإذا افترضنا أن معدل تكاثر المرض يعادل 2 لكل مريض، أي أن كل مريض ينقل العدوة قبل شفاءه أو موته لفردين آخرين وهؤلاء الفردين ينقلونه لأربع فثمانية، وهكذا تستمر حلقة انتشار المرض في التوسع إلى أن تغطي المجتمع كاملًا وبسرعة. وبشكل عام إذا كان معدل إعادة إنتاج المرض أكثر من واحد فسيزداد تعداد المرضى بشكل ملحوظ. ولكن إن كان العدد أقل من واحد فسينخفض التعداد العام للمرضى بمرور الوقت. جدير بالذكر أن معدل الانتشار مرتبط بحجم التعاملات الاجتماعية ومعدل اتباع الاجراءات الوقائية من قبل المواطنين. أي انه كلما زادت المعاملات كلما ارتفع معدل انتشار الفايروس، إذ أنه قبل الوعي العالمي بشيوع فيروس كورونا كان هذا العدد مختلف بين الدول وكان يقدر من 2 إلى 4 أفراد، ولكن مع إدراك الخطر وتقليل التعاملات، وكذلك مع مراعاة الإجراءات الاحترازية كاستخدام الكمامات، انخفض هذا العدد. الملفت هنا أنه وبشكل مستقل عن الظروف الأولية والحالية فقد تقارب معدل تكاثر المرض في معظم المجتمعات إلى قيمة واحدة، وتقارب معامل التكاثر هذا يشير إلى تقارب مستوى التعاملات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات المختلفة وتؤكّد البيانات الجديدة على التأثير الشامل على اقتصادات الدول المختلفة صحة هذه الملاحظات. النقطة المفصلية لفهم تقارب المجتمعات لمعدل تكاثر متشابه هي أنه ما دام هذا العدد أعلى من واحد، فسيستمر معدل الإصابات والوفيات في الارتفاع بينما سينخفض معدل الخطر والزيادة في معدلات الإصابة والوفيات بزيادة الحذر وتقليل المعاملات بين المواطنين. بناء عليه فقد أدى حجم التعاملات الاجتماعية في المجتمعات المختلفة إلى تعادل معدل تكاثر الإصابة بالمرض في المجتمعات بنسبة فرد واحد. وبهذا الشكل فلا مفر للحيلولة دون انفجار التفشي سوى من خلال دفع التكلفة الاقتصادية والاجتماعية المنظورة لحفاظ على معدل التكاثر في حدود الرقم واحد ولا فرق هنا بين شيلي وأميركا أو إيران والسعودية.

ورغم وجود هذا التقارب بين المجتمعات في معدلات تكاثر المرض بين المواطنين إلا أن هناك اختلافًا في معدلات الوفيات بين هذه المجتمعات فما هو السبب في ذلك؟ يرجع جزء من هذا الاختلاف لطبيعة النظام الصحي والعلاجي ونسبة تعداد المسنين من التشكيلة السكانية للمجتمعات المختلفة، ولكن تشير البيانات إلى أن العامل الأهم هو استجابة المجتمعات المختلفة لخطر المرض، أي أنه تحت أي ظروف سيكون كل مجتمع مستعد لبذل الجهود اللازمة للوصول بمعدل تكاثر المرض لفرد واحد. فالبعض سيقوم (المجموعة الأولى) فقط في حالة تحمل تكلفة الوفيات المرتفعة (مثلًا وفاة اثنين من كل مليون شخص يوميًا) سيقوم بتخفيض التعاملات بحيث يصل معدل التكاثر إلى واحد، والبعض الآخر (المجموعة الثانية) سيصل بمعدل التكاثر لواحد وذلك مع إبداء الحساسية والاستجابة الكافية تجاه الوضع. في النهاية فإن كلا المجموعتين لديهما معدل تعاملات اجتماعية متشابهة وكذلك معدل تكاثر للمرض يعادل واحد ولهذا فإنهما تتكبدان تكلفة اقتصادية متشابهة. ولكن المجموعة الثانية بسبب الاستجابة المناسبة قصيرة المدى تمكنتا من السيطرة على معدل الوفيات الناتج عن المرض ضمن نطاق محدود. جدير بالذكر أن استجابة المجموعة الثانية للأمر هي ناتجة عن طريقة استجابة السياسيين والمواطنين للأمر. والجدير بالذكر هنا أيضًا هو أن المواطنين لهم دور أساسي في تقديم إحصاءات دقيقة وواقعية لمعدل الخطر في المجتمع وأنهم لا بد وأن يشاركوا في طريقة الاستجابة المناسبة.

وبهذا الشكل نصل إلى نتيجة جديدة وهامة لواضعي السياسات وهي أن الازدواجية الموجودة في ذهن واضعي السياسات والقائمة على الاختيار بين مواجهة المرض أو إنقاذ الاقتصاد لا يجب أن تنطبق على الظروف الحالية. لماذا؟  لأنه كما تم التوضيح،  فإن هذان العاملان مستقلان عن بعضهما على المدى البعيد، بطريقة أخرى هناك خياران أمام واضع السياسات، فإما أن يتحمل تكلفة ملحوظة لمواجهة كورونا ويصل بمعدل الموت لأدنى حد، أو أن يتكبد نفس التكلفة الاقتصادية تقريبًا ومعها تكلفة ملحوظة لمعدل الوفيات أيضًا، وهو الخيار الذي لا يقبله أي عقل سليم بالطبع. إضافة إلى ذلك توضح الأدلة أن بعض الدول بخفضها لمعدلات الإحصاء الرسمي لعدد الوفيات الناتجة عن المرض تدفع إلى خفض معدل حساسية المجتمع تجاه الخطر وبالتالي إلى ارتفاع معدل الوفيات في المعادلة السابقة، وهذه الدول إلى جانب تحملها تكلفة عالية للوفيات فهي أيضًا تتحمل تكلفة اقتصادية عالية.

وردًا على سؤال حول ما ينبغي فعله لاسيما بالنسبة للمجتمع الإيراني، تؤكّد الدراسة إلى أن الدراسات المختلفة على أساس بيانات انتشار المرض وبيانات السلوك الاجتماعي للناس تشير إلى أنه مع أخذ الظروف الحالية بعين الاعتبار فإن السياسة المناسبة للمجتمع الإيراني هي سياسة ذات مرحلتين، الأولى إغلاق شامل قصير المدى، أي من ثلاثة لأربعة أسابيع بحيث ينخفض بشدّة تعداد المرضى على مستوى المجتمع (وفقًا لفترة حضانة أسبوعين) وبناءً عليه يتم الوصول للمعدل الجديد المرجو لعدد الوفيات المحدود. والثانية، عودة الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية مع السيطرة على معدل التكاثر قرب الواحد. ويعتمد نجاح هذه السياسة على الوصول بالتعاملات الاجتماعية للحد الأدنى خلال المرحلة الأولى، بحيث يصل أفراد العائلات المختلفة بتعاملاتهم في الفضاءات المغلقة إلى ما يقرب من الصفر وأن تتم التعاملات الضرورية مع استخدام الكمامة. بالطبع لابد من التواصل المستمر مع المواطنين، والشفافية في إعلان الاحصاءات الحقيقية والكاملة لأعداد المصابين والوفيات، وبتفصيل مختلف المناطق. وفي الحقيقة فإن نجاح هذه السياسة مرتبط بالمتابعة الكاملة من المواطنين وهو أمر مرتبط أيضًا بوعيهم الدقيق بخطورة المرض في النقاط المختلفة وفي الأوقات المختلفة. بعد انقضاء المرحلة الأولى يستطيع واضعو السياسات رصد معدل التكاثر والسيطرة عليه قرب أو أقل من واحد بدقة.

السياسات المقترحة

تقدم الدراسة، خلال هذا الجزء أهم النتائج المستفادة من تجارب مختلف الدول، وتشير هذه النتائج إلى أن التنفيذ الجاد لعدة آليات بسيطة سيسمح للدولة أن تقلل بشدة من معدل الوفيات الناتجة عن كورونا إلى جانب الحفاظ على النشاط الاقتصادي في أعلى معدل ممكن. تبدأ هذه السياسات بفترة إغلاق شامل قصيرة بهدف خفض مستوى معدل الوفيات، يلي هذا التركيز على توسيع النشاط الاقتصادي دون انفجار في انتشار المرض مع الاستفادة العامة من الكمامات، وتحديد سعة استيعاب الأفراد في الأماكن المغلقة، وتحسين نظام التهوية والعمل عن بعد في الوظائف القابلة لذلك. وإلى جانب هذه السياسات فإن الشفافية في الإعلان، بإعلان الحد الأقصى والمفصل للإحصاء على مستوى المدن، بالطريقة التي تسمح بتغيير الأنشطة الاقتصادية في كل مدينة بشكل أسبوعي وعلى أساس معدل انتشار المرض، ما يساعد في تقليل الأضرار الاقتصادية. وتشير تجارب دول كنيوزيلاندا، كوريا الجنوبية، الصين والنرويج إلى أن إجراء هذه السياسات فعالٌ جدًا ويمكنه إلى جانب الحفاظ على، وحتى تحسين حجم الأنشطة الاقتصادية يمكنه خفض معدل الوفيات الناتج عن كورونا في البلاد لأقل من عشر الأعداد الموجودة الآن.

ومع التأكيد على تقارب الدول المختلفة في معدل انتشار وتكاثر المرض إلا أنهم مختلفين بشدة في معدلات الوفيات ويخلص التقرير إلى أن التجارب الناجحة والدراسات تشير إلى أنه بالنسبة للظروف الحالية في إيران (وغيرها العديد من دول العالم التي تواجه هذه المشكلة) فإن الخيار الأفضل هو اعتماد سياسة واحدة ذات مرحلتين.

المرحلة الأولى، هي الإغلاق الشامل قصير المدى لثلاثة أو أربعة أسابيع، بحيث يتم القيام بالمعاملات الضرورية فقط، حيث سينخفض عدد المرضى الجدد يوميًا بشدة. أمّا المرحلة الثانية تتم العودة بحذر للأنشطة الاجتماعية، مصحوبة بالملاحظات التي سنطرحها تباعًا، مع السيطرة على معدل تكاثر المرض قرب الواحد.

والسؤال هنا هو كيف يمكن التوسع في الأنشطة الاقتصادية المهمة مع الحفاظ على معدل التكاثر في حدود الواحد أو أقل؟ بشكل عام ثمّة سبيلين فقط لخفض معدل انتشار الوباء، الأول خفض احتمال انتقاله في حال حدوث التقارب الاجتماعي. والثاني خفض التقارب الاجتماعي، إذ تشير الدراسات المختلفة إلى أن هناك إمكانية للسيطرة على توسع انتشار كورونا بتكلفة اقتصادية منخفضة نسبيًا ولكن يلزم هذا الأمر إجراء حزمة من السياسات الضابطة والتي سيتم شرحها فيما يلي.

  • السيطرة على انتشار كرونا بخفض احتمال انتقاله في حالة التواصل الاجتماعي.

تؤثر سياسات خفض معدل الانتقال في كلا مرحلتي الإغلاق قصير المدى والعودة الحذرة للأنشطة وتشمل الأمور التالية:

1- الاستخدام الاجباري للكمامات: تشير الدراسات المختلفة إلى أن الاستخدام الجماعي للكمامات في المجتمع يقلل احتمال انتقال المرض إلى النصف أو أقل، بناءً عليه إذا كان معدل تكاثر الفايروس في منطقة ثلاثة مثلًا، فإن استخدام الكمامة وحده يمكنه أن يخفض هذا لعدد لواحد ونصف أو أقل، ونظرًا للتكلفة الضئيلة لاستخدامها، فإن هذا يجعلها الوسيلة الأكثر استهلاكًا للسيطرة على كورونا من ناحية، ومن ناحية أخرى، يخرجها من دائرة القرار الفردي الصرف، وذلك بالنظر إلى التكاليف العامة لعدم استخدامها. من هنا يبدو الفرض الإجباري للكمامات في كافة المراكز الإدارية، والأماكن المزدحمة، والمحال التجارية ووسائل النقل العامة أمرًا منطقيًا. من ناحية أخرى فإن إجراء هذه السياسة البسيطة فعال للغاية، إذ نجد على سبيل المثال أنه رغم التأكيد الشديد على المساحة الشخصية في أميركا، إلا أن العديد من ولايات هذه الدولة فرضت الاستخدام الاجباري للكمامة في الأماكن العامة كافة (حتى في الأماكن المفتوحة)، لهذا فإن توزيع الكمامات، بصورة مجانية للطبقات محدودة الدخل يعد خطوة بسيطة وهامة في تنفيذ هذه السياسة.

2- الامتناع عن التجمع لفترات طويلة في أماكن مغلقة حتى مع مراعاة التباعد الاجتماعي: واحدة من أهم قناعاتنا عن فايروس كورونا هو أن المسيرة الأساسية لانتشار الفايروس تكون عن طريق الهواء، وتؤثر هذه المسألة المرتبطة بالخصائص الفيزيائية للفيروس على معدل انتشاره، بناءً عليه فإن التباعد الاجتماعي الصرف أيضًا لا يمكنه منع انتقال المرض في الأماكن المغلقة، ففي حال وجود فرد حامل للفايروس، تزداد سرعة تراكم الفايروس في كافة أرجاء المكان المغلق بسرعة. لهذا فإن إقامة التجمعات في الأماكن المغلقة حتى مع مراعاة شروط التباعد الاجتماعي يوفر معدل عالٍ من المخاطرة بانتقال الفايروس بين الحضور. من ناحية أخرى فإن الفرصة لا تكون سانحة بنفس الدرجة للفايروس للتراكم في الأماكن المفتوحة، لهذا فإن الفعاليات التي تقام في مناطق مفتوحة ومع مراعاة التباعد الاجتماعي تكون أقل خطورة من نظيرتها التي تقام في الأماكن المغلقة كالمنازل والمقاهي والصالونات، بناءً عليه فإن منع إقامة الأنشطة في الأماكن المفتوحة ليس بالسياسة المفيدة بل إنه يزيد دوافع الأفراد للتجمع في الأماكن المغلقة.

3- تحسين نظام التهوية في الأماكن المغلقة وتدريب العامة عليه: رغم الأولوية والأهمية الكبيرة لتقليل التجمع في أماكن مغلقة وكونه سهل في العديد من المواضع مع اتباع السياسات الصحيحة إلا أنه في بعض المواضع كالمراكز التجارية والمعارض لا يكون حصر الأنشطة المختلفة في فضاءات مفتوحة ممكنًا دائمًا. وفي مثل هذه الظروف ينبغي أن، يتم تحديد السعة الاستيعابية المسموح بها لتقديم الخدمات في هذه الأماكن بالطريقة التي تسمح بمراعاة ضوابط التباعد الاجتماعي، وتحسين مستوى التهوية في هذه الأماكن بحيث يتم طرد الفايروسات إن وجدت من خلال التهوية، فأنظمة التهوية الجيدة تقوم بتغيير هواء الغرفة بالكامل ل6 مرات أو أكثر في الساعة ويمر الهواء عبر فلاتر يمكنها جذب أو حجب الفايروسات. أيضًا التهوية المناسبة في وسائل النقل العام تلعب دورًا رئيسًا في تقليل خطورة انتقال المرض، وفي حال عدم وجود هذه الأنظمة فلا بد أن يتم التدريب ووضع الشروط اللازمة لاستخدام أنظمة التهوية وتنقية الهواء التقليدية، مثل فتح النوافذ وتشغيل المراوح في الأماكن العامة أو التجمعات الخاصة.

  • تقليل التقارب الاجتماعي

وتتمثل السياسات التي تؤدي إلى خفض التقارب الاجتماعي وتقليل سرعة انتشار المرض كنتيجة لذلك مع الحد الأدنى من التكلفة الاقتصادية في:

1- العمل الإجباري عن بعد بالنسبة للوظائف الأقل تضررًا: من الناحية الاقتصادي، إذ أن هناك إمكانية بالنسبة للكثيرين من أصحاب الأعمال بإتمام وظائف أعمالهم من خلال العمل عن بعد من المنازل. فمثلًا الكثير من المهندسين، المدرسين، الجامعيين، موظفي الإدارات الحكومية، الطلاب، المصورين والصحفيين يتمتعون بإمكانية العمل عن بعد. وعمل هؤلاء عن بعد لا يؤدى فقط إلى تقليل فرصة إصابتهم بالمرض بل إنه بتقليل استخدامهم لوسائل النقل العامة يتيح الفرصة لمن لا تتوافر لهم هذه الإمكانية لتوفير مساحة للتباعد الاجتماعي، فالتشجيع والإلزام بالعمل عن بعد هو من أكثر سياسات تقليل انتشار المرض تأثيرًا وأقلها تكلفة، وتعتمد فعالية هذه السياسة على تفهم وثقة المدراء وواضعي السياسات من ناحية وتقوية البنية التحتية لشبكات الإنترنت في البلاد من ناحية أخرى. إضافة إلى ذلك ينبغي أن يرحب المدراء بغياب الموظفين الذين كانوا مخالطين لأفراد مصابين ويحتاجون للحجر الاحترازي، وأن يهيئون لهم الظروف للعمل عن بعد ضمن حفظهم لحقوقهم.

2- التحكم في سعة الاستيعاب في الأماكن المغلقة كالمطاعم والمحلات: كما قيل من قبل فإن تجمع الأفراد في الأماكن المغلقة لفترات طويلة هو العامل الأساسي لشيوع مرض “كوفيد-19″، لهذا فلا بد من تحديد عدد الأفراد ومدة تواجدهم في هذه الأماكن قدر الإمكان. وانطلاقًا من أن خطورة انتقال المرض تكون عالية في المطاعم والمقاهي نظرًا لمحدودية استخدام الكمامات أثناء تناول الطعام، فلابد من الاستفادة من المساحات المفتوحة في هذه الأماكن قدر المستطاع ووضع الطاولات متباعدة لمترين على الأقل واستخدام العاملين الدائم للكمامات ما يقلل من احتمال انتشار المرض. إضافة إلى أن  تشجيع وتوصية الناس على طلب الطعام خارج المطاعم يمكنه أن يساعد في دوران عجلة الاقتصاد إلى جانب تقليل خطر انتقال المرض.

3- حظر كافة الفعاليات الاجتماعية الجماعية في الأماكن المغلقة كالمساجد وقاعات الأفراح: أشارت العديد من الأدلة إلى أن الأنشطة شديدة الازدحام في الأماكن المغلقة من قبيل حفلات الزفاف في القاعات وإقامة صلاة الجماعة داخل الأبنية، هي من أخطر الفعاليات في فترة الجائحة، فمن الضروري ألا يسمح بإقامة هذه الفعاليات إلا في الأماكن المفتوحة حتى نهاية فترة الجائحة (أو اكتشاف لقاح مناسب).

4- أهمية إعلان إحصائية كل منطقة ووضع السياسات بناء على الإحصاءات المحلية: تشير الأبحاث إلى أن تفاصيل السياسة المثلى للمدن والمناطق المختلفة تختلف حسب معدل شيوع المرض، والسكان والبناء الاقتصادي، إذ تختلف السياسة المناسبة للسيطرة على المرض في مدينة كبيرة كطهران، بازدحامها السكاني الشديد عن السياسة المناسبة لمناطق أقل ازدحامًا. إضافة إلى ذلك، فإن النجاح في السيطرة على المرض يحدث عندما يتم رصد وضعية انتشار الفايروس في كل منطقة بشكل متواصل، كي يمكن خفض مستوى المعاملات مع تطبيق السياسة من ناحية وتطبيق معدل حذر الأفراد بعد إعلان الإحصائية العامة من ناحية أخرى. بناءً عليه ينبغي أن يعلن واضعوا السياسات إحصائية كل منطقة بصورة مستمرة ودقيقة. وفي حال زيادة سريان المرض عن المعدل المحدد يتم سريعًا تنفيذ السياسات الضابطة مع مراعاة الإجراءات من قبيل خفض سعة الاستيعاب المسموح بها في الماكن المغلقة أو زيادة معدل العمل عن بعد وفي حال انخفاض معدل انتشار المرض يتم خفض السياسات الضابطة بالشكل المناسب، وهذه السياسة القائمة على الإحصائية المنطقية إضافة إلى تقليلها من شدة انتشار الفايروس، فهي تساعد أيضًا في خفض الإضرار بالأنشطة الاقتصادية على المستوى القومي.

ختامًا تؤكّد الدراسة أنه على الرغم مما قد تتكبده الدول من تكلفة مرتفعة لمواجهة كورونا تجعل البعض يرى أن تكلفة التعايش مع المرض نفسه قد تكون أقل منها، إلا أن تكلفة الوفيات التي تدفعها المجتمعات المختلفة مع هذه النظرة السلبية تجعل من المهم أن تتضافر جهود الجميع داخل المجتمع شعبًا وحكومة لمواجهة هذا الفايروس للعبور بالبلاد من هذه الأزمة والتغلب عليها.

تحرير/ عريب أبو صليح

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: