الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة14 نوفمبر 2020 07:48
للمشاركة:

صحيفة “ايران” الحكومية – الأمن والمصالح الوطنية والفرص العالمية

تناولت صحيفة "ايران" الحكومية، في مقال للمتحدث باسم الحكومة علي ربيعي، موضوع العلاقة بين الانفتاح الاقتصادي والسياسي على دول العالم وحل المشاكل الداخلية في البلاد، منتقدة الصراع القائم حالياً داخل إيران بين المؤيدين والمعارضين للانفتاح على النظام العالمي.

رداً على سؤال في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء من أحد منتقدي الحكومة، قلت إن للشعب الإيراني حق في مصالح الاقتصاد العالمي أكبر مما يتم تحقيقه اليوم. ولقد منعت الولايات المتحدة الشعب الإيراني من تحقيق هذا الحق. وكذلك قال الرئيس في خطابه يوم الأربعاء إنه لا يحق لأحد أن يحرق الفرص.

تعد المصالح الوطنية والأمن القومي من أكثر القضايا تحدّياً وتناقضاً. وتعد هذه المفاهيم نسبية وذاتية وواسعة النطاق بل وتعتبر أحياناً جوفاء خالية. وهذان المفهومان هما بطريقة ما يمكنان كل فرد ومؤسسة من وضع تصوراتهم ضمن هذه المفاهيم. ولكن لا يمكننا أن نجد أي حكومة قطعت طريق التنمية متزامناً مع الأمن بدون صورة واضحة لمصلحتها الوطنية وأمنها. وكما يكمن الاختلاف بين الدول القوية والضعيفة في هذا التفسير والطريقة التي ينظرون بها إلى هذين المفهومين.

إن سوء فهم هذه المفاهيم أو الاختلافات في الإدراك ولو إلى حد ضئيل سيؤدي لجلب قضايا خطيرة للأنظمة السياسية والأمم. وفي الأيام المعاصر فإن صنع السياسات والتخطيط والعمل مع المفاهيم مثل التغلب على التخلف وعدم السير قدماً باتجاه التنمية وكذلك نوعية الانتقال من المسار المضطرب المليء بالتوتر للبلاد النامية هي من بين الموضوعات التي تقع في صلب مناقشات المصلحة والأمن الوطنيين وصلب الخطاب الوطني.

أحد الأضرار الجسيمة لهذين المفهومين هو ارتباطهما بالاختلافات السياسية داخل الدولة. ولسوء الحظ في بلدنا فإن كيفية التواجد في المجتمع الدولي والتواصل مع دول العالم وضمان المصالح الوطنية والأمن فيما بينها قد أصبح مرتبطاً بالصراعات السياسية الداخلية وهذا الاختلاف أضر بالأطر الإدراكية والتخطيط التنموي التنفيذي في بلادنا وكما أنه في بعض الحالات تبدّل لتحدي على صعيد تآكل السياسة الداخلية. وفي هذه الأيام ومع الأحداث التي جرت في الانتخابات الأميركية تم تسليط الضوء على مسألة كيفية التفاعل مع العالم ضمن مشهد السياسة الداخلية ومرة أخرى عادت العلاقة بين المصالح الوطنية والسياسة الخارجية إلى الساحة مجدداً.

وقد أصبحت هذه المسألة أحياناً متطرِّفة في بلدنا وباتت تستخدم من الجانبين للإطاحة بالخصم من الساحة والمشهد. ومن ناحية يتهمون أولئك الذين يتحدثون عن استغلال الفرص العالمية لتنمية البلد بالخيانة والتبعية ومن جهة أخرى أيضاً يتهمون المجموعة الأخرى بعدم فهم المتطلبات الدولية وعزل الدولة. وفي خضم هذا التجاذب والصراع فإن الإجابة على هذا السؤال ضرورية، هل يمكن لأي دولة ضمن المحافل الدولية أن تحقق تنمية فعالة في العالم وبدون أي عوائق من القوى الأخرى أو حتى في السلسلة الأمنية للقوى العالمية؟  ومن ناحية أخرى يمكن للمرء أن يتساءل عما إذا كان المجتمع والذي هو قابع في حالة توتر دائم مع المجتمع الدولي وحكوماته التنفيذية، هل يمكن أن يأمل في تحقيق التنمية مع دور فعال في العالم؟ وهل يمكن للحكومة أن تتطور وتمضي بالتنمية بدون هياكل جاهزة ونشيطة وبدون وجود النخب والإصلاحات الاقتصادية الأساسية ورائدي الأعمال في القطاع الصناعي المحلي القوي  حتى ضمن إطار الأمن العالمي؟ وكذلك ضمن سؤال آخر، هل يمكن لحكومة أن تتطور بدون شرعية مدنية وموافقة عامة ورأس مال اجتماعي مناسب؟

يقول مارك غازيوروفسكي في دراسته للثورة الإسلامية الإيرانية إن الأساليب التقليدية للأمن القومي في دول العالم الثالث مثل انتشار قوات الأمن وزيادة التنمية الاقتصادية والعلاقات الوثيقة مع إحدى القوى العظمى لن يؤدي بالضرورة إلى الأمن. إن مجرد التماسك والوجود في إطار النظام الذي يُرغب فيه “الفائزون العالميون” لن يكون بدون مراعاة عوامل التنمية الأخرى.

لكن في الوقت ذاته يجب أن يكون كل بلد قادراً على جعل حصته من الثروة والاقتصاد العالميين ضمن عالم من التفاعلات المتداخلة. وإذا لم يستطع بسبب نقص التفاعل النشط مع الاقتصاد العالمي أن يجد مكانه في سلسلة الإنتاج العالمية بناءً على ميزاته النسبية فلن يكون لديه فرصة كبيرة للتنمية المستمرة والدائمة. وعليه فإن العلاقة بين القدرة الإنتاجية المحلية والتكيف مع الترتيب الاقتصادي المتغير في العالم هو في الواقع فرص يمكن للدول أن تبحث عنها عالمياً.

وفي كتابي “لغز الدولة المدنية في العالم الثالث” (2005) قمت بتطوير هذه القضية من الناحية النظرية. فمن أجل التنمية بالتزامن مع الأمن نحن بحاجة إلى هيكل حكومي سليم وكذلك لاستخدام القدرات الداخلية وكذلك الشرعية المدنية والديمقراطية التي تضمن الاستقرار والأمن الداخليين. وستكون التنمية ممكنة من خلال التواجد المناسب على الساحة الدولية والتفاعل المناسب ضمن العالم. وهذا لا يعني حل جميع الإخفاقات الداخلية ولا يعني الاستسلام للقوى الخارجية والتمسك بها بل يعني من جهة تحقيق الفرص العالمية من خلال القضاء على المقاومة الخارجية للتنمية الوطنية ومن جهة أخرى محاولة أخرى من أجل الحصول على حصة أكبر من الثروة العالمية وذلك من خلال الكفاءة الداخلية وبالتالي إضفاء الشرعية على المسار الذي يضمن كفاءة المجتمعات.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ صحيفة “ايران” الحكومية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: