الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة12 نوفمبر 2020 03:06
للمشاركة:

صحيفة “فرهيختغان” الأصولية- حسن طهراني مقدم.. الكابوس الأبدي للكيان الصهيوني

تستعرض صحيفة "فرهيختغان" في هذا القسم الدور الذي لعبه حسن طهراني مقدم في تطوير البنية الصاروخية الإيرانية منذ الحرب العراقية الإيرانية وحتى وفاته، كما تشير إلى دور هذه المنظومة في تعزيز قدرات حزب الله اللبناني والفصائل الفلسطينية الحليفة لإيران.

لقد مرَّ على استشهاد  اللواء حسن طهراني مقدم تسعة أعوام، المشهور ب “عرّاب” صناعة الصواريخ الإيرانية. الشهيد الذي كان يحلم بالقضاء على ظلم واستبداد الكيان الصهيوني. بعد عمل دؤوب دام نحو ثلاثة عقود على تطوير برنامج إيران الصاروخي، حَصَّنَ طهراني مقدم بلاده بشكل أكبر أمنياً وقلب موازين القوى العسكرية في المنطقة، التي أصبحت مرتعاً لأميركا وأعوانها. اليوم في عشية ذكرى استشهاد عالمنا البارز، وخلال كتابتنا هذه السطور، أصبحت القوة الصاروخية الإيرانية، أحد العوامل الرئيسية لأمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

في السنوات الأخيرة، كنا نقصف مواقع التنظيم الإرهابي “داعش” في دير الزور واستهداف مواقع الحزب الديمقراطي الكردي وبالطبع قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق، كلما أردنا إعطاء رد حاسم ورادع لإعدائنا، استخدمنا هذه القدرة الاستراتيجية، فعلياً نحن مدينون لكفاح الشهيد حسن مقدم ورفاقه. حدث ذلك في بداية وجوده في وحدة الصواريخ التابعة للحرس الثوري الإيراني في أوائل سبعينيات القرن الماضي، خلال الحرب العراقية- الإيرانية، وقتها لم يكن باستطاعتنا إطلاق الصواريخ، أما المدفعية الإيرانية لم يكن باستطاعتها تجاوز أكثر من 50 كيلومتر، داخل الأراضي العراقية.

استغل الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين هذه الظروف، فقام بقصف المدن والمناطق السكنية، لهزيمة إيران وإجبارها على الاستسلام، عندها فكر القادة العسكريون الإيرانيون في إيجاد وسيلة لردع صدام حسين عن قصف المناطق السكنية، ورفع وقتها مصلي صلاة الجمعة شعار”صاروخ مقابل صاروخ”، لكن البلاد لم تكن تمتلك صواريخاً للرد بالمثل، ولم تكن هناك دولة مستعدة لبيع إيران أسلحة، بسبب العقوبات المفروضة علينا، لكن بعد محاولات عدة استطعنا شراء عدد محدود من الصواريخ وبشكل سري من ليبيا، شريطة أن يكون مدى الإطلاق من صفر حتى مائة، إضافة لإشراف مستشارين ليبيين على إطلاق الصواريخ.

في خريف عام 1984 اتجه طهراني مقدم وثلة من نخبة قوات المدفعية في الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا، للتدريب على صاروخ “سكود” و “فروغ 7” لمدة 6 أشهر، لكنهم أتموها خلال ثلاثة أشهر. مع ارتفاع حدة إطلاق الصواريخ العراقية على المدن الإيرانية، هدد قائد الثورة الإيرانية روح الله الخميني بالرد بالمثل على هذه التجاوزات، وعلى الفور نُفِذَ تهديده، بإطلاق صاروخ تم شراءه من ليبيا على مدينة كركوك.

تفاجئ العراقيون آنذاك، لأنهم كانوا على ثقة بعدم بيع أي دولة السلاح لطهران، عندها أعلنوا أنه حدث انفجار في مصفاة نفط كركوك من خلال عملية تفجير قام بها الأكراد المؤيدين للجمهورية الإسلامية الإيرانية. ورداً على هذا الادعاء، أطلق الإيرانيون صاروخا آخر على قلب بغداد، أصاب مبنى بنك الرافدين، المكون من 18 طابقاً، الأمر الذي غير معادلة الحرب على أرص الواقع، مما أجبر العراقيون على إعادة حساباتهم مرة أخرى.

في غضون ذلك أعلنت ليبيا عن عدم استعدادها للتعاون العسكري مع إيران ومع مغادرة مستشاريها العسكريين إيران، حان الوقت لطهراني مقدم وقواته العائدين من سوريا حديثاً، أن يدخلوا مضمار العمل الصاروخي وحدهم. ذهبوا إلى مدينة كرمانشاه لإطلاق الصاروخ الثالث. كانت المحاولة الأولى لهم، محفوفة بالمخاطر بشكل كبير، لأنه في حال فشل إطلاق الصاروخ أو أصاب هدفاً آخر، فسيكون له تبعات سلبية على إيران. لكن طهران مقدم كان يعتقد أنهم ليسوا من سيطلقون الصاروخ بل الله من سيفعل ذلك وكان يردد “وَما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَ لکِنَّ اللهَ رَمى”. في نهاية المطاف نجحت القوات الإيرانية بإطلاق أول صاروخ لهم، وبعدها أفادت راديو “بي بي سي” البريطانية أن صاروخاً إيرانياً أصاب نادي الضباط العراقي، مما أسفر عن مقتل 200 شخص. منذ ذلك الحين، استمرت الضربات الصاروخية الإيرانية على العراق حتى انتهاء الحرب، ما أجبر الجيش العراقي على الخضوع لمنصة الصواريخ الإيرانية وتجنبهم استهداف بعض المناطق المدنية الإيرانية.

انتهت الحرب الإيرانية العراقية في عام 1988، لكن سعي طهراني مقدم للقضاء على الكيان الصهيوني لم ينتهي، وأثبتت الحرب لإيران، أنه يتحتم عليها أن تصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في الصناعات الصاروخية والعسكرية، لزيادة قدرة البلاد على ردع أي عدوان ضدها. لهذا أصبحت وحدة الصواريخ التابعة للحرس الثوري الإيراني على الفور قيادة الصواريخ في عام 1989 وأجرى طهراني مقدم ورفاقه أبحاثًا حول بناء صواريخ تعمل بالوقود الصلب والسائل بالتوازي.

بدأ جهادهم العلمي لأول مرة في عام 1991 ببناء صاروخ “شهاب1″، نسخة طبق الأصل من صاروخ “سكود بي”. كان “شهاب1” هي الخطوة الأولى، لكنها كانت لا تزال بعيدة جدًا عن تحقيق حلم بناء صواريخ بعيدة المدى لتجنب خطر الكيان الصهيوني، لكن هذا الحلم لم يستغرق وقتًا طويلاً. أدت الجهود اليومية التي بذلها اللواء مقدم وأصدقائه إلى تقليص وقت تحقيق المُثُل.

 مع خريف عام 1998 أثمرت جهود اللواء طهراني التي استمرت لأكثر من عقد من الزمن لبناء صاروخ طويل المدى من طراز “شهاب 3” ، وقد مكن إيران آنذلك من استهداف الكيان الصهيوني من الحدود الغربية للبلاد إذا لزم الأمر. لكنها لم تكن النهاية، فتلقى اللواء طهراني مقدم أمراً، بتطوير دقة ومدى الصواريخ وقد عمل على تنفيذها. وبعد ستة أشهر من المحاولات العديدة لتقليل مدى الإصابة، استطاع أن يقلل المدى من ألف متر حتى وصل إلى أقل من عشرة أمتار، الأمر الذي لم يصدقه أحد وكان ذلك بمثابة معجزة، حتى جاء موعد التجريب، عندها تفاجئ الجميع بهذه الدقة بالإصابة، خلال مدة قصيرة.

بعد فترة توصل اللواء مقدم إلى تفاصيل أكثر دقة، و بذل كل طاقته وجهده على نوع الوقود ومركباته، في نهاية المطاف استطاع وضع إيران ضمن الدول التي وصلت للاكتفاء الذاتي بصناعة الصواريخ، بسلسلة من الإنجازات الصناعية التي كانت جميعها ضمن الحدود العلمية للعالم.

عندما تم الكشف عن صاروخ “سجيل” في عام 2008، كتبت صحيفة “شروق”: عندما أعلنت السلطات الإيرانية عن نجاح اختبار صاروخ  عاشوراء “سجيل”، دب الذعر في واشنطن وتل أبيب، لأن إيران من خلال التكنولوجيا الصاروخية الجديدة، أصبحت قادرة على استهداف المصالح الأميركية في شرق أوروبا، إضافة لاستهداف إسرائيل والتسبب بخسائر فادحة لهم”.

لم تكن ثمرة هذا النضال الذي قاده طهراني مقدم عائداً بالخير على إيران وحدها، بل قطف منها محور المقاومة نصيبه، فكان للصواريخ الإيرانية دوراً حاسماً في انتصار محور المقاومة في مواجهته المثلث (العبري ـ العربي ـ الغربي)، كيف لا وقد كان طهراني يركز على تحقيق أهداف الثورة الإسلامية الإيرانية العابرة للحدود التي تدعم المقاومة ضد الظلم في العالم.


في الوقت الذي احتل فيه الجيش الصهيوني جزءًا من جنوب لبنان وكان مقاتلو حزب الله يقاومون الاحتلال الخفيفة، قال طهراني مقدم “من المؤسف أن حزب الله لا يملك الأسلحة الصاروخية”. كان يعلم جيداً، إذا حصل حزب الله على أسلحة صاروخية، فسيكون الفرار من نصيب الكيان الصهيوني بالتأكيد. المصير ذاته حل بالكيان الصهيوني في حرب الـ33 يوم، بعدما تم تجهيز محور المقاومة بصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى.

وتصريح الأمين العام لحزب الله اللبناني بعد انتهاء الحرب خير دليل على دور اللواء مقدم في دعم محور المقاومة عندما قال: “إذا انتصرنا في حرب الـ33 يوماً، فهذا يعود إلى الدعم الصاروخي الذي أعده حسن طهراني مقدم، كل امرأة شيعية تمشي في شوارع لبنان بأمان، هي مدينة للحاج حسن طهراني وبركة أمثاله”.

استمر تأثير جهود طهراني مقدم  على المقاومة في المنطقة حتى بعد استشهاده. في حرب الأيام الثمانية على غزة، كان صاروخ “فجر 5” الذي تم نقل تقنيته إلى المقاومة الفلسطينية في السنوات السابقة، عاملاً مهماً في هزيمة الكيان الصهيوني.  واعترافًا بهذا الدور المؤثر للشهيد مقدم كتب عبد الباري عطوان، وهو صحفي عربي معروف على موقع “رأي اليوم” الإخباري: “إيران هي البلد الذي رافق المقاومة الفلسطينية بتجربتها الصاروخية، مما مكنها من الحصول على صواريخ تمكنها استهداف تل أبيب، نتانيا، إيلات وديمونا، وأجبرت 4 ملايين إسرائيلي بالنزول إلى الملاجئ”.

ويطول الحديث عن اللواء حسن طهراني مقدم، لقد مرَّت تسعة أعوام على استشهاده وفي هذه الأيام تتمتع إيران بمستوى أمنٍ عالٍ، ويتم الرد على أي تهديد أو اعتداء، بوابل من الصواريخ الدقيقة، التي شيدت بأيدي الحاج حسن مقدم ورفاقه.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

ملف – النظام الصاروخي الإيراني/ صحيفة “فرهيختغان” الإيرانية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: