الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة11 نوفمبر 2020 15:22
للمشاركة:

لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، فكروا على مستوى أكبر

نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية مقالًا لرئيس المجلس الوطني للإيرانيين في أميركا سابقًا تريتا بارسي، أكد فيها على ضرورة استغلال الرئيس المنتخب جو بايدن الفرصة للتفكير بتطوير العلاقة مع إيران بشكل أكبر مما كانت تطرحه إدارة أوباما، مشيرًا إلى أن العلاقات الدبلوماسية المباشرة بين إيران وأميركا قد تجعل الأخيرة ذات تأثير أكبر على السياسات الإيرانية.


يجب على بايدن أن يرفض السماح لترامب بتحديد خياراته

سيواجه الرئيس المنتخب جو بايدن مهمة شاقة بعد فترة وجيزة من توليه مهام عمله تتمثل في العودة للاتفاق النووي الموقع عام 2015، واستعادة ظروف التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران. تعتزم الإدارة المنتهية ولايتها للرئيس دونالد ترامب جعل هذه الوظيفة شبه مستحيلة من خلال قضاء أسابيعها العشرة الأخيرة في هندسة فيض هائل من العقوبات لزيادة الضغط على إيران. ويبدو أن فريق ترامب يأمل في ألا يرغب بايدن في تحمل التكلفة السياسية للتراجع عن هذه العقوبات، والتي ستكون مرتبطة بمخاوف غير نووية مثل الصواريخ الباليستية وحقوق الإنسان.

في الواقع، ذلك التخريب المتعمد يزيد مِن حدة خيارات بايدن، وقد يجبره على المضي قدمًا أكبر من مجرد استعادة الاتفاقية. وعلى عكس حسابات إدارة ترامب وحلفائها في إسرائيل، قد يسعى بايدن ليس فقط للعودة إلى الصفقة النووية ولكن أيضًا لتحسين العلاقات مع إيران من أجل تحصين الاتفاقية مِن الجهود السعودية والإماراتية والإسرائيلية الساعية لإفشالها.

رفض الاختيار

لقد قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بهذه المقامرة من قبل وخسر. في منتصف التسعينيات، ضغطت إسرائيل لجعل برنامج إيران النووي مصدر تهديد للسلم الدولي، ما دفع الأمر إلى قمة جدول الأعمال الأميركي. وعندما تولى نتنياهو منصبه صور برنامج طهران النووي باعتباره تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، والحكومة الإيرانية على أنها غير عقلانية وانتحارية. وكانت استراتيجيته تتمثل في تقليص خيارات الرئيس باراك أوباما آنذاك: وجعل الاحتواء غير مُجدي، ووضع معايير عالية للدبلوماسية بحيث لا يمكن للمحادثات أن تنجح أبدًا (على سبيل المثال، من خلال الإصرار على عدم التخصيب)، وبالتالي ترك أوباما ليختار بين الحرب والرضوخ للسلاح النووي الإيراني. كان رهان نتنياهو، بالطبع، أن أوباما ببساطة لا يمكنه السماح لإيران بأن تصبح نووية في عهده.

لكن نتنياهو أخطأ في التقدير. فدق ناقوس الخطر، جعل خيار الوضع الراهن – الاحتواء – يبدو غير مستدام، وعلى إدارة أوباما أن تتصرف. لكن عندما فعلت ذلك، رفضت ثنائية نتنياهو وذهبت بدلاً من ذلك إلى خيار اعتقد نتنياهو أنه ألغاه وهو: دبلوماسية حقيقية مع طهران، قائمة على التنازلات المتبادلة والتسويات. وبدأت إدارة أوباما مفاوضات سرية مع إيران في عُمان، وعرضت قبول قيام إيران بتخصيب اليورانيوم على أراضيها (وهو أمر عارضته إسرائيل بشدة) طالما وافقت طهران على الشفافية، والقيود التي من شأنها أن تغلق كل الطرق لصنع قنبلة.

لو لم يضغط نتنياهو لتغيير خيارات الوضع الراهن (منع سياسة الاحتواء) ولم يسع لإجبار أوباما على التصرف، فمن المحتمل أن الرئيس الأميركي كان سيفعل ما قد فعله العديد من أسلافه عندما واجهوا مشكلة ليس لها خيارات جيدة، وهو تعليق التعامل مع المشكلة ترك الرئيس المقبل يتعامل معها. في الواقع، فعل أوباما ذلك بالضبط مع البرنامج النووي لكوريا الشمالية.

يجب أن يرفض بايدن أن يكون محاصرًا بخيارات مفروضة سلفًا للتعامل مع إيران، وبنفس الطريقة التي فعلها أوباما يجب عليه الإصرار على التفكير بشكل أكبر من مجرد الاتفاق النووي والنظر بدلاً من ذلك إلى العلاقة الأوسع، لأن تجربة السنوات القليلة الماضية أظهرت أنه لا يمكن استمرار أي اتفاقية للحد من الأسلحة بينما تستمر العلاقات بين البلدين في التدهور.


فكر ما بعد الاتفاق النووي

في عام 2015، كانت المسألة النووية هي الأكثر إلحاحًا، وحساسية، والدافع الأكبر للتفاوض مع طهران. ولم يشمل التفاوض والصفقة الناتجة عنه أي حوار حول مخاوف أخرى. ولم تكن الصفقة مُصممة بشكل أساسي لإحداث نقلة جديدة في العلاقات بين البلدين. وبينما كان فريق أوباما يأمل أن يؤدي نجاح الاتفاق إلى ذوبان الجليد في العلاقات وتخفيف كبير لحدة السياسة الخارجية الإيرانية، إلا أنه لم يرغب في أن يُقاس نجاح الصفقة بأي أهداف غير نووية.

أنتج هذا النهج صفقة مع إيران يمكن أن تقبلها واشنطن، لكن ليست صفقة يمكن أن تتحمل النقد الذي أعقب ذلك. ويفضل العديد من شركاء الولايات المتحدة التقليديين في الشرق الأوسط – ولا سيما إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – الصراع على التفاهم بين الولايات المتحدة وإيران، ولديهم مصلحة راسخة في رؤية الولايات المتحدة تستخدم قوتها العسكرية والاقتصادية الساحقة لمنع الميزان الإقليمي من التحول لصالح طهران. ولا تتردد هذه الدول في تخريب الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران حتى عندما يعني ذلك الانخراط في السياسات الحزبية الأميركية والضغط من أجل سياسات تقوض الأمن الأميركي. وذلك لأن الولايات المتحدة قد صنعت كما يمكن القول قيمة مبالغ فيها لشراكاتها في الشرق الأوسط. وغالبًا ما تكون واشنطن غير مستعدة لمقاومة مثل هذه الجهود، ومن المرجح بدلاً من ذلك أن تستمع إليها.

أظهرت الولايات المتحدة ولائها لحلفائها في الشرق الأوسط من خلال إقناع إيران أولاً بتقييد خياراتها العسكرية، ثم المساعدة في بناء جيوش حلفائها بصفقات أسلحة ومساعدات. بين عامي 2014 و 2019، زادت واشنطن مبيعاتها من الأسلحة إلى الرياض بنسبة 220٪، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وبعد مرور عام على توقيع الاتفاق النووي ، وقعت إدارة أوباما صفقة تمنح إسرائيل 38 مليار دولار من المساعدات العسكرية على مدى العقد القادم، وهي أكبر حزمة مساعدات في تاريخ الولايات المتحدة.

حتى مع غياب تجاوزات ترامب، فإن نهج واشنطن المراعي لشركائها الاستراتيجيين بالتزامن مع الميل للنظر إلى إيران على أنها مصدر جميع التوترات في المنطقة، خلق ضغوطًا على الاتفاق النووي تعيق بقاءه على المدى الطويل. والآن ترغب إدارة ترامب في إنهاء مصير الاتفاقية بجهد مُضني لتقييد الخيارات السياسية لخليفتها.

يجب على الرئيس المنتخب بايدن اغتنام الفرصة للتفكير بشكل أكبر بدلاً من السماح لترامب بفرض خياراته، على بايدن التفكير في خيارات أكبر حتى مما كانت إدارة أوباما قادرة على طرحها. وبدلاً من أن يسأل بايدن نفسه عن درجة تخفيف العقوبات التي يرغب في الكفاح من أجلها في الكونجرس لإحياء الاتفاقية النووية، عليه أن يسأل نفسه عن نوع العلاقة التي تود الولايات المتحدة إقامتها مع إيران في هذا القرن. إذا لم يعد الوقوع في فخ العداء الذي لا ينتهي يخدم المصالح الأميركية، ولكنه بدلاً من ذلك يجعل البلاد أقل أمانًا في وقت يريد فيه المواطنين إنهاء الحروب وانسحاب القوات من الشرق الأوسط، لذا يجب على بايدن أن يتفوق على ترامب تمامًا مثلما تغلب أوباما على نتنياهو. والتفكير فيما بعد الاتفاق النووي. على سبيل المثال، يمكن أن تساعد العلاقات الدبلوماسية المباشرة مع إيران الولايات المتحدة على تجنب الصراع في المنطقة وتسمح لها بالتأثير بشكل أكثر فاعلية على السياسات الإيرانية التي تجدها إشكالية. ويمكن أن يشير بايدن بوضوح إلى أنه بعد الاتفاق النووي، سيكون منفتح على خيار تطبيع العلاقات مع طهران.

قد يقاوم الكثيرون في طهران مثل هذه المناورة، وذلك بعد أن أثبتوا في كثير من الأحيان أنهم مرتاحون للوضع الراهن أكثر من صنع السلام. وهذا ما يزيد الطين بلة، بالإضافة إلى أن انتهاك ترامب للاتفاق النووي أضر بشدة بفكرة التفاوض مع الولايات المتحدة، ناهيك عن احتمال ذوبان الجليد على نطاق واسع. سيكون إعادة تجميع أحجية الدبلوماسية الأميركية/الإيرانية معًا أمرًا صعبًا للغاية. لكن السنوات القليلة الماضية أظهرت أن عدم المحاولة لن تخلصك من الصعوبات.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ مجلة “فورين أفيرز” الأميركية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: