الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة7 نوفمبر 2020 05:53
للمشاركة:

أتلانتيك كاونسل – النفوذ والوجود الإيراني في سوريا

نشر مركز "أتلانتيك كاونسل" البحثي، ومقره واشنطن، "فاكت بوكس" عن الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا على كافة المستويات العسكرية والاجتماعية والاقتصادية، مستخلصًا منه أن إيران باقية في سوريا على المدى الطويل وستستغرق الوقت الذي تحتاجه لتحقيق النتائج المرجوة من هذا الوجود.

منذ بداية الحرب الأهلية السورية في عام 2011، وجدت إيران مقاربات مختلفة لزيادة نفوذها العسكري والأمني في سوريا. كانت المقاربة الأولى ترتكز على العمل المباشر مع الميليشيات الأجنبية وتجنيد الميليشيات المحلية. تم وضع المقاربة الثانية من جوهر الأولى، وكان هدفها الأساسي دمج الميليشيات الإيرانية المحلية في جيش بشار الأسد وفروعه الأمنية لمنحهم مكانة قانونية في سوريا ومظلة حماية من الضربات الجوية الإسرائيلية أو الأميركية المحتملة.

لكن مع تراجع العمليات العسكرية في سوريا، بدأت إيران في البحث عن طرق جديدة لتعزيز سيطرتها ونفوذها في مختلف المحافظات، خاصة بعد نجاحها في اختراق جيش النظام وأجهزته الأمنية. منذ بداية عام 2017، حولت إيران بعض تركيزها على التسلل إلى المجتمع السوري وتعزيز علاقاتها مع رجال الأعمال السوريين. يقدم هذا الـ”فاكت بوكس” ملخصًا محدودًا لقوة إيران العسكرية والأمنية في سوريا، ويكشف عن مدى تأثيرها على المجتمع السوري واقتصاده.

أتلانتيك كاونسل - النفوذ والوجود الإيراني في سوريا 1

النفوذ الإيراني المباشر وغير المباشر في سوريا عام 2013

النفوذ والوجود العسكري الإيراني في سوريا

خلال السنوات العديدة الماضية، نما التدخل العسكري الإيراني في سوريا وأصبح أكثر وضوحًا، ما جعل استهدافهم مهمة سهلة لسلاح الجو الإسرائيلي. نتيجة لذلك، بين عامي 2017 و2018، كان على إيران أن تجد نهجًا مختلفًا لمشاركتها العسكرية من أجل حماية ميليشياتها. بدأت إيران خطة طموحة لإعادة هيكلة وجودها في سوريا من خلال إنشاء اللجان الشعبية المحلية، ودعم ألوية محددة داخل الجيش السوري، ومؤخراً، إنشاء شركات أمنية خاصة محلية.

تجنيد الميليشيات الإيرانية

  • الميليشيات المحلية:

شجعت إيران الأقلية الشيعية في سوريا على تشكيل ميليشيات خاصة وجندت السنة – وخاصة العشائر – في محافظات حلب والرقة ودير الزور. بالإضافة إلى ذلك، تم ولا يزال، تجنيد بعض الميليشيات الشيعية في سوريا على أساس طائفي بذريعة الدفاع عن الأماكن التي يعتبرها المجتمع الشيعي مقدسة. على سبيل المثال، جرت هذه الحملات في المناطق التي تضم الأضرحة الشيعية المقدسة في دمشق في حي السيدة زينب.

بعد تجنيد الأفراد، يتم تدريبهم لمدة واحد وعشرين إلى خمسة وأربعين يومًا على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وأحيانًا لمدة ستة أشهر للتدريب على الأسلحة الثقيلة. تنقسم الميليشيات السورية المدعومة من إيران أو التي شكلتها إلى عدة مجموعات.

  1. قوات الدفاع الوطني: بدأ تشكيل قوات الدفاع الوطني عام 2012 بتوجيه ودعم إيراني في مدينة حمص. وقد ضمت أعضاء من جميع الطوائف – سنة وعلوية ودروز- ولها مقرات في كل محافظة. وتعتبر قوات الدفاع الوطني أكبر ميليشيا سورية من حيث العدد والتواصل، حيث يقدر عدد مقاتليها بأربعين ألف مقاتل. وطالبت إيران النظام السوري بإضفاء الشرعية على هذه القوات مثل الحشد الشعبي الشيعي في العراق ودمجها في جيش نظام الأسد. في عام 2016، فك النظام قوات الدفاع الوطني، ما أجبر إيران على إهمال الميليشيا بشكل كامل والتركيز أكثر على اللجان الشعبية المحلية. جدير بالذكر أن الروس بدأوا التواصل مع قوات الدفاع الوطني أواخر عام 2018 من أجل دمجهم مع الفيلق الخامس، وذلك لجلب الميليشيات والجيش السوري الحر السابق إلى جيش الأسد للقتال على جبهات القتال في حماة ودرعا وحمص.
  2. اللجان الشعبية المحلية: جندت إيران مقاتلين من محافظات حلب ودير الزور والرقة تحت مسمى اللجان الشعبية. وتعتبر هذه اللجان جزءاً من الجيش السوري ولديها أكثر من خمسين ألف مقاتل. وأبرز الميليشيات التي تضمها: كتائب النيرب (العمليات الخاصة)، وفيلق السفيرة، ولواء الباقر، ولواء نبل والزهراء، وقوات القطرجي.
  3. الميليشيات الشيعية السورية: جندت إيران عناصرها من الأقلية الشيعية في سوريا، بشكل رئيسي من شمال حلب وشمال حمص وأجزاء من الرقة. الميليشيات الشيعية السورية لديها ما يقدر بخمسة آلاف إلى ثمانية آلاف مقاتل. ومن أبرز هذه الميليشيات: فرع حلب للإمام الحجة، وجنود المهدي، وجيش المهدي في نبل والزهراء، وفرع دمشق للواء رقية، وفرع إدلب من فيلق الوعد الصادق، فرع حمص لقوات الإمام الرضا، لواء زين العابدين، فرع دير الزور من اللواء 313 بصرى الشام في درعا، ولواء المختار الثقفي في اللاذقية وحماة، وغيرها من الميليشيات.
  • الميليشيات الأجنبية:

تستخدم إيران عدة آليات لتجنيد مقاتلين أجانب. وهي توظف العامل الأيديولوجي من خلال “الحسينيات” لتجنيد متطوعين شيعة تحت شعار “حماية الأضرحة الشيعية”. كما تجذب إيران المقاتلين إلى سوريا بالأموال عبر مرتّباتهم. على سبيل المثال، يُمنح كل مقاتل في لواء فاطميون (الذي يتشكّل من الأفغان) ما بين 450 دولارًا و 700 دولار شهريًا، وهذا ما جعلها الميليشيا الأعلى أجراً بين الميليشيات التي تدفع لها إيران. بالنسبة للميليشيات الأخرى، تدفع إيران رواتب تتراوح بين 200 دولار و300 دولار. بالنسبة للميليشيات المحلية، مثل كتائب نبل والزهراء، فإنها تعطي أقل من 100 دولار في الشهر لعناصرها. يتم تمويل رواتب الميليشيات من ميزانية الحرس الثوري الإيراني التي تبلغ حوالي 7.6 مليار دولار.

يقوم الحرس الثوري الإيراني وحزب الله عادةً بتدريب أعضاء هذه الميليشيات في معسكرات في مشهد، شمال شرق إيران، ثم ينقلونهم إلى سوريا إما عن طريق البر عبر العراق أو عن طريق الجو. عندما لا يتم إرسالهم إلى إيران، يمكن للحرس الثوري الإيراني الاعتماد على العديد من القواعد العسكرية والمعسكرات داخل سوريا لتدريبهم، مثل مطار دمشق الدولي، ومطار التيفور (T4)، وقاعدة أزرع، وقاعدة السيدة زينب، ومعسكر الكسوة، ومعسكر الزبداني، ومعسكر القصير.

  1. الميليشيات العراقية: بدأت الميليشيات الشيعية العراقية بالظهور في سوريا نهاية عام 2012، بعد أن وجهتها إيران لدعم نظام الأسد. أبرز تشكيلاتها هي: كتيبة ذو الفقار، لواء أبو الفضل عباس، ولواء أسد الله الغالب، ولواء الإمام علي، ولواء عصائب أهل الحق. ومع ذلك، اضطر عدد من هذه الميليشيات إلى العودة إلى العراق منتصف عام 2014 لمواجهة تمدد تنظيم داعش، بعد سيطرته على مدينة الموصل.
  2. الميليشيات الأفغانية: قام الحرس الثوري الإيراني بتجنيد أفغان شيعة في إيران وأفغانستان وشكل لواء فاطميون الذي بدأ بالظهور في سوريا في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2012. واللواء يقدر بثلاثة آلاف إلى أربعة عشر ألف مقاتل منتشرين بين ثلاث كتائب في دمشق وحلب وحماة. قاتل بعض قادة لواء فاطميون في لواء أبو ذر خلال الحرب العراقية الإيرانية وجيش “محمد” خلال الحرب السوفيتية الأفغانية.
  3. الميليشيات الباكستانية: قام الحرس الثوري الإيراني بتجنيد شيعة باكستانيين وشكل لواء زينبيون، الذي بدأ بالظهور علناً في سوريا مطلع عام 2013. يضم اللواء ما بين ألف وخمسة آلاف مقاتل في محافظات دمشق وحلب ودرعا وحماة.
  4. الميليشيات اللبنانية: تدخل حزب الله في وقت مبكر من الأزمة السورية في أيار/ مايو من العام 2011. وقدمت الجماعة اللبنانية المسلحة التدريب والدعم الفني لقوات الأمن والجيش السوري. كما شن حزب الله مهام قتالية ميدانية منذ عام 2013 ولديه ما يقدر بخمسة آلاف إلى ثمانية آلاف مقاتل في سوريا.
أتلانتيك كاونسل - النفوذ والوجود الإيراني في سوريا 2

القوة العسكرية الفعلية ومشاركة إيران وحلفائها في سوريا عام 2020

شركات أمنية سورية خاصة تابعة لإيران

قبل أيار/ مايو 2013، اقتصرت أنشطة الشركات الأمنية الخاصة في سوريا على تأمين مراكز التسوق والبنوك والحفلات الموسيقية. أدت الحاجة المتزايدة لقوات مسلحة قانونية غير ملزمة بالأنظمة الحكومية إلى إصدار المرسوم التشريعي رقم 55: عقد قانوني يسمح للميليشيات بالعمل في سوريا واستخدام القوة العسكرية – وفقًا لعقدها – وبالتالي السماح لهذه الكيانات بالعمل بحرية دون الحاجة إلى إبلاغ جيش الأسد أو الفروع الأمنية.

استخدمت إيران شركات أمنية خاصة لإدخال النفوذ الإيراني في مناطق سورية حساسة، مثل العاصمة دمشق، دون مخاوف من استمرار هذا الوجود في المستقبل، خصوصاً وان هذه الشركات تعمل تحت ستار شركة سورية مسجلة. وجدت إيران هذه الوسيلة أنها مثالية للحفاظ على وجودها في المواقع الاستراتيجية، مثل الطريق السريع بين بغداد ودمشق في الصحراء الشرقية لسوريا.

أتلانتيك كاونسل - النفوذ والوجود الإيراني في سوريا 3

النفوذ الإيراني المباشر وغير المباشر في سوريا عام 2020

النفوذ والوجود الإيراني خارج الجيش والأمن

كانت انتصارات قوات المعارضة السورية بين عامي 2014 و 2015 من أهم المحفزات الإيرانية لتعزيز وجودها العسكري ومشاركتها المباشرة في سوريا. أما بالنسبة للميليشيات الأجنبية المدعومة من إيران، فقد استخدم الحرس الثوري الإيراني تكتيكًا مختلفًا تمامًا في عام 2018 للتخفيف من مخاطر الضربات الجوية الإسرائيلية. أولاً، قلل من نشاط هذه الميليشيات واستخدم الوسطاء المحليين للعمل نيابة عنها. مثلاً، فيلق بدر العراقي، لا يزال يحتفظ بثلاث قواعد في جنوب حلب وبالقرب من مطار حلب الدولي، إلا أن جميع حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي توقفت عن نشر نشاطهم في المنطقة وعملت منذ ذلك الحين تحت مظلة قوات الدفاع السوري.

لم تعد السيطرة الإيرانية المذكورة مقتصرة على الوجود العسكري والأمني. يستمر تركيز إيران على اختراق المجتمع السوري وتعزيز وجودها في النظام الاقتصادي السوري من أجل ضمان بقائها في البلاد، خاصة في حال التوصل إلى اتفاق دولي لتحييد وجودها العسكري. على سبيل المثال، أعادت إيران تنشيط منتدى الأعمال السوري الإيراني في عام 2018، والذي لعب دورًا أساسيًا في انتشار المشاريع الإيرانية في مناطق مختلفة في سوريا، مع التركيز في الغالب على مشاريع توليد الطاقة.

تعمل إيران أيضًا مع المنظمات الخيرية للاندماج بشكل أفضل في المجتمع السوري. من أهم المنظمات المدعومة من إيران منظمة جهاد البناء، والتي تركز في الغالب على موضوع ترميم المدارس والمراكز الصحية. تنشط المنظمة حاليًا في محافظتي دير الزور وحلب.

إن انتشار النفوذ الإيراني في سوريا يسير على هذا النحو المذكور، وليس بطريقة سريعة أو واضحة. إيران باقية في سوريا على المدى الطويل وستستغرق الوقت الذي تحتاجه لتحقيق النتائج المرجوة من هذا الوجود.

أتلانتيك كاونسل - النفوذ والوجود الإيراني في سوريا 4

نفوذ إيران ومدى سيطرتها العسكرية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية في مختلف المحافظات السورية

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ أتلانتيك كاونسل

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: