الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة5 نوفمبر 2020 08:18
للمشاركة:

أحمد خاتمي: المتشدد المرح

متى ما ذكر لقب خاتمي في إيران وخارجها يتبادر للذهن مباشرة الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، رمز التيار الإصلاحي والسياسي الجانح نحو الحوارات والفلسفة وصاحب تقاسيم الوجه الهادئة. لكن خاتمي الشهير ليس الوحيد بين مشاهير السياسة والدين في إيران، فعلى الضفة السياسية المقابلة له، بل المناقضة تماما معمم آخر أعلى صوتا، أقل ميلا للحوار، وأكثر ايماناً بأن الصوت المرتفع يفرض المعادلات السياسية.

ظهر اسم أحمد خاتمي إلى العلن للمرة الأولى في العام 1997، كانت المناسبة حينها الانتخابات الرئاسية التي تواجه فيها ابن عائلته الأشهر والقادم من مدينة يزد محمد خاتمي مع منافسه الأصولي علي أكبر ناطق نوري. أحمد خاتمي القادم من سمنان شمالي شرق طهران، دعم ناطق نوري بشكل علني، وهو وإن لم يكن حينها قد تجاوز السابعة والثلاثين من عمره، إلا أنه صنع جدلا كونه يحمل ذات لقب خاتمي المرشح. بل وخلال فترة حكم خاتمي كان رجل الدين الشاب أحد اشد منتقديه قبل أن ينتهي به المطاف في العام 2005 أصغر إمام جمعة مؤقت لطهران إلى جانب شخصيات كبيرة كهاشمي رفسنجاني وأحمد جنتي وإمامي كاشاني.

قبل إمامة الجمعة المؤقتة أخذ دور أحمد خاتمي في هرمية الجمهورية الإسلامية دفعة كبيرة حينما انتخب عضواً في مجلس خبراء القيادة في العام 1998 والذي يتولى انتخاب المرشد، حينها لم يكن قد بلغ الأربعين بعد. صغيرا وكبيرا أثار أحمد خاتمي الجدل، كانت تصريحاته النارية محل اهتمام الصحافة العالمية لأنها كانت مضمنة مواقف مثيرة ومن النوع الذي يمكن أن يرفع عاليا على سلم الاهتمام في غرف الأخبار.

هذه المواقف بحد ذاتها جعلت منه شخصية محل نقد من قبل الكثير من المعتدلين في إيران وفي المقابل طرحت بعض وسائل الإعلام ‪  اسمه ضمن لوائح الأسماء التي تضعها بين وقت وآخر لخلافة القائد الأعلى الإيراني الحالي علي خامنئي.

تعابير وجه خاتمي ساهمت في صياغة صورته الإعلامية، فرغم كونه من جيل أكثر شبابا من رجال الدين الإيرانيين، إلا أنه ارتدى لبوسا غاضبا بشكل دائم ويصنّف بين رجال الدين المتشددين المناهضين للغرب بشكل كبير، وتصريحاته ساعدت في تأكيد هذا التصنيف إذ أنه في مناسبات عديدة هاجم الدول الغربية مؤكدا أن بلادهم يجب ألا تثق بأوروبا، كما طالب في إحدى خطاباته البابا بنيدكتوس بالاعتذار من المسلمين بعد وصفه الدين الإسلامي بأنه دين لا يقوم على المنطق متهما إياه بأنه أداة بيد الصهيونية. في مناسبات أخرى هدد خاتمي إسرائيل بالدمار الشامل ودول الخليج بأن زوالهم سيكون قبل أميركا في حال وقوع أي حرب في المنطقة. كذلك فهو دافع عن اعدامات العام 1988 الشهيرة والتي استهدفت آلاف السجناء من أعضاء منظمة خلق التي تصنفها إيران بالإرهابية. بحسب خاتمي فإن قرار الإمام الخميني كان قرآني وثوري وخدمة كبيرة للأمة الإسلامية.

وبرز خاتمي بشكل واضح في المرحلة التي تلت التظاهرات التي شهدتها إيران عام 2009 في أعقاب الانتخابات الرئاسية، حيث شن هجوما شرسا على قادة الحركة الخضراء، كما أنه رد بشكل قاس على دعوة الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني لتشديد الرقابة على عمل المرشد بالقول “لدينا قائد واحد وعلى الجميع أن يكون مطيعا له وعلى الجميع الابتعاد عن إيجاد أقطاب وتعدد قيادات“.

واشتهر خاتمي برده على كلام الرئيس حسن روحاني الذي دعا فيه لترك الناس تختار طريقها الى الجنة بنفسها، حيث قال إن “وظيفة الدولة أن تعبد طريق نحو الجنة.” موقف خاتمي من مسألة الحجاب يذهب إلى أنه ليس بمسألة فرعية، إنما قضية رئيسية في الدين تمام كالصلاة والصوم ولذلك فهو في مناسبات عديدة كرر موقفه المتشدد من هذه القضية إلى درجة ساوى بينها وبين ارتكاب الجريمة، فقال في واحدة من تصريحاته “في النظام الإسلامي عدم ارتداء الحجاب وارتداء الحجاب بشكل سيء هو جرم مشهود وعلى القوى الأمنية مواجهة هذا الأمر. كما أنه في مناسبة أخرى اعتبر خلع الحجاب مرحلة ثانية لشرب الخمر عندما أشار إلى أن هناك من يطالب “بالسماح بتعاطي المشروبات الكحولية، وغدًا سيقولون نريد حرية خلع الحجاب، وبعد غد سيطالبون باستفتاء حول إسلامية النظام، ولكن اعلموا أنكم ستأخذون أمنياتكم إلى القبر”.

خاتمي الصغير

هو حفيد السيد هاشم خاتمي، وابن السيد مهدي والسيدة طيبة السادات خاتمي التي يصفها في صفحته على موقع مجلس الخبراء بالسيدة المؤمنة المطلعة على القرآن. نشأ أحمد في عائلة متوسطة الحال، صحيح أن والده لم يتعلم في المدارس لكنه كان يقرأ القرآن ويعرف عنه التدين في محيطه. اقتصرت الحياة العلمية لأحمد خاتمي على دراسته الابتدائية بداية، ومن ثم اتخاذه طريق الدراسة الدينية التي بدأها من مسجد مدينة سمنان في سن الثانية عشر قبل أن ينتقل في العام 1977 الى مدينة قم لدراسة العلوم الدينية في إحدى حوزات المدينة.

في قم درس خاتمي الشاب العلوم الدينية لدى مجموعة من رجال الدين المعروفين ولعل أبرزهم مرتضى مطهري الذي بحسب شهادة إمام الجمعة المؤقت صقل له شخصيته السياسية في تلك المرحلة شديدة الحساسية من النضال في مواجهة النظام الملكي. وتزامنت دراسته في قم مع اقتحام قوات الأمن الإيرانية للمدرسة الفيضية، وهي حوزة تاريخية درّس فيها كبار علماء الدين الشيعة، لتترسخ توجهاته السياسية وتصبح موازية بشكل كبير لدراسته الدينية.

ويتحدث خاتمي عن مراحل نضاله خلال الأشهر القليلة التي سبقت انتصار الثورة الإيرانية، إذا يروي عن تنقله بين مدن عديدة لإلقاء المحاضرات وكيف أصبح هدفا لجهاز السافاك على خلفية خطبة صلاة الجمعة في مسجد الشاه في مسقط رأسه سمنان حيث أطلق اسم الإمام الخميني على المسجد ويقول في هذا الإطار إن شقيق الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني، حسين فريدون ساعده على الهرب.

أبو البنات

في العام ١٩٨٢ تزوج أحمد خاتمي من ابنة رجل الدين آية الله محمد رضا سعيدي الذي كان قد توفي خلال وجوده في سجن قزل قلعه في فترة الحكم الملكي. شقيق زوجته هو آية الله محمد سعيدي ممثل القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية في قم وسادن ضريح المعصومة في قم وهو بدوره أيضا شخصية مثيرة للجدل. لدى خاتمي من الأولاد ست بنات، ولذلك فهو يطلق على نفسه اسم أبو البنات وقد استخدمه في مقابلة تلفزيونية مع برنامج “دست خط” على التلفزيون الإيراني حين ظهرت معه إحدى بناته التي جرى التعريف عنها باسم دكتورة خاتمي. خمسة من بنات خاتمي متزوجات وأزواجهن من رجال الدين، أما ابنته الطبيبة فهي متخصصة بالإذن والحلق والحنجرة ووصفت والدها بأنه بخلاف صورته المتشددة في الخارج فهو في المنزل شخصية مرحة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: