الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة2 نوفمبر 2020 07:29
للمشاركة:

هل سيعود الإتفاق النووي الإيراني إلى الحياة في حال فاز بايدن؟

أصدرت مؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية، بحثاً من إعداد دويد جليلواند، آشيم فوغت، وسيغمار غابريال، وبعنوان " عودة إلى الدبلوماسية.. صفقة إيران النووية وبيت أبيض ديمقراطي" تناولوا فيه موضوع الإتفاق النووي الإيراني وطرق إحيائه من جديد في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الإنتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. وفي البحث الذي شارك فيه حسن أحمديان، إيلي جيرانمايه، إيلان غولدنبيرغ وكورنيليوس أديبر، والذي ترجمته "جادة إيران"، أوضح الباحثون أنه "من المرجح أن تقوم إدارة جو بايدن، في حال فوزه، بدفع دبلوماسي مبكر لتخفيف التوترات مع إيران"، مشيرين إلى أن "طهران تطالب بتخفيف موثوق للعقوبات وتعويضات عن التداعيات الاقتصادية للعقوبات الأميركية"، معتبرين أنه "لتخفيف حدة التوترات على الفور، يمكن لإيران والولايات المتحدة اتباع نهج تدريجي، ودفع القضايا الأكثر تعقيدًا إلى موعد لاحق".

يسعى هذا التقرير إلى معالجة التحديات المطروحة إذا أدى التغيير في الإدارات الأميركية إلى خلق مجال للدبلوماسية وإحياء احتمالات نجاح خطة العمل الشاملة المشتركة من جديد. يقدم التقرير هنا مجموعة من وجهات النظر ذات الصلة من قبل خبراء من أوروبا وإيران والولايات المتحدة: يبحث إيلان غولدنبرغ وحسن أحمديان في الأوضاع السياسية في واشنطن وطهران على التوالي. تحدد إيلي جيرانمايه الخطوط العريضة لخريطة الطريق لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، وينظر كورنيليوس أديبر إلى الصورة الاستراتيجية الأوسع لأوروبا. توضح تحليلاتهم التحديات العديدة التي تنتظر صانعي السياسات في جميع أنحاء العالم في وضع يسمح لهم باستخدام الفرصة التي ستوفرها رئاسة بايدن للاتفاق النووي وتقديم أفكار حول كيفية التعامل مع هذه العقبات بطريقة بناءة.

مقدمة – سيغمار غابريال

تسببت بعض قضايا السياسة الخارجية لنا نحن الأوروبيين في الكثير من المتاعب خلال السنوات الأخيرة مثل ضمان استمرار خطة العمل الشاملة المشتركة أي الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه في عام 2015 بعد مفاوضات شاقة وطويلة الأمد. إذا لم يكن من الممكن منع إيران من امتلاك قدرة أسلحة نووية، فسيكون من المستحيل فعليًا إيقاف سباق تسلح نووي في جوارنا.

في عام 2018، سحب الرئيس دونالد ترامب من جانب واحد الولايات المتحدة من الاتفاقية مع إيران، ومنذ ذلك الحين انتهج سياسة “الضغط الأقصى” تجاه البلاد. في موازاة ذلك، نفّذ انسحابًا عسكريًا من الشرق الأوسط بسرعة متزايدة، وفاءً بوعد الحملة المركزية بـ”إنهاء حروب أميركا التي لا نهاية لها”. على عكس ترامب، كان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مدركًا أن الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة يجب ملؤه، على سبيل المثال، من خلال المعاهدة مع إيران، والتي لم تكن تهدف فقط إلى وقف البرنامج النووي لذلك البلد، ولكن قبل كل شيء كانت مهمة الخطوة الأولى نحو التمكن من إطلاق مفاوضات حول العديد من الصراعات الأخرى المتعلقة بسياسات التدخل الإيرانية حول الخليج العربي وفي بلاد الشام. في هذا الصدد، مثلت الاتفاقية النووية خطوة وسيطة نحو هدف استراتيجي أوسع يتمثل في عدم السماح بحدوث فراغ في السلطة في المنطقة مع تقليص الولايات المتحدة لوجودها. وبالتالي، فإن إنهاء ترامب للاتفاق لم يترتب عليه فقط خطر استئناف البرنامج النووي الإيراني وتعزيز تلك الفصائل السياسية المحلية المعارضة لأي نوع من الانفتاح على الغرب، بل أدى أيضًا إلى خلق نوع من الفراغ بالتحديد. لطالما حلمت القوى، مثل روسيا، باستغلال هذا الوضع.

تواصل الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي الالتزام بالاتفاق ككل، لكنها لم تتمكن من منع إيران من انتهاك بعض التزاماتها بموجب الاتفاقية. تنبع تصرفات إيران من سياسة الضغط القصوى التي تنتهجها إدارة ترامب، والتي هددت أيضًا الشركات الأوروبية بفرض عقوبات خارج الحدود الإقليمية في حال التعامل مع إيران. وهكذا، وضعت السياسة الأميركية الاتحاد الأوروبي في موقف جديد يجعله غير قادر على الوفاء بوعده بتقديم مساعدة اقتصادية فعالة لإيران مقابل تخليها عن تطوير أسلحة نووية.

بغض النظر عما إذا كان الاتحاد الأوروبي يعتبر العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران مخالفة للقانون الدولي، فإن الشركات والبنوك الأوروبية قلقة للغاية بشأن العواقب المحتملة للعقوبات في حال ممارسة الأعمال التجارية مع إيران.

وهكذا، أصبحت اتفاقية إيران على نحو متزايد بمثابة عدسة مكبرة تلوح في الأفق من خلالها التوترات في العلاقة عبر الأطلسي وافتقار منطقة أوربا للسيادة الاقتصادية مقابل الدولار. ما بدأ كمبادرة مدعومة بشكل مشترك أصبح، في عهد ترامب، خلافًا بين الولايات المتحدة وأوروبا، وهو اتجاه سيستمر إذا أعيد انتخاب ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر.

لا يزال من غير الواضح كيف ستتطور سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران وأوروبا إذا فاز جو بايدن، المنافس الديمقراطي لترامب، بالانتخابات، ولكن يبدو أن هناك شيئًا واحدًا مؤكدًا: حتى البيت الأبيض الديمقراطي لن يرغب ولن يكون قادرًا على العودة إلى سياسات ما قبل ترامب.

حتى في ظل وجود رئيس ديمقراطي، فإن الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط سوف يتقلص بشكل كبير. تتماشى مثل هذه السياسة مع روح العصر الانعزالي للولايات المتحدة، فضلاً عن الحاجة إلى استقرار البلاد اقتصاديًا واجتماعيًا.

والسؤال المطروح علينا نحن الأوروبيين هو ما إذا كان من الممكن العودة إلى نهج مشترك في حالة فوز بايدن وكيف. سيكون العنصر الأكثر أهمية هو أن تطور أوروبا مفهومًا ذا مصداقية خاصة بها ومستعدة لتطبيقه في الشرق الأوسط، بما في ذلك ما يتعلق بإيران ودول الخليج بالإضافة إلى الحكومة الأميركية تاجديدة. يجب أن تتعلم أوروبا أن تقف بمفردها، دون أن تتأرجح بشأن شريان الحياة الذي يعبر المحيط الأطلسي.

بالنظر إلى أن هذه تبدو أهم انتخابات رئاسية أميركية على الإطلاق، فإن هذا البحث له أهمية كبيرة. فهو لا يأخذ فقط نظرة واضحة للوقائع التي تواجه رئيس ديمقراطي محتمل، بل إنه يوفر أيضًا نقاطًا مرجعية لكيفية صياغة أوروبا وألمانيا للسياسة في ظل هذه الظروف لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران وبالتالي منع سباق التسلح النووي في جوار أوروبا. هناك شيء واحد مؤكد: التشدق بالكلام لن يكون وحده كافياً.

مدخل – دويد جليلواند وآشيم فوغت

يصادف 16 كانون الثاني/يناير 2021 موعد الذكرى الخامسة لتطبيق الاتفاق النووي الإيراني. ومع ذلك، لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت خطة العمل الشاملة المشتركة، كما تُعرف الصفقة رسميًا، ستظل قائمة بحلول ذلك الوقت. حتى قبل توليه منصبه في عام 2017، رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصفقة التي أبرمتها إدارة باراك أوباما باعتبارها “الأسوأ على الإطلاق”.

وشنت حكومة ترامب بعد ذلك حملة شاملة ضد الاتفاقية. بعد الانسحاب أحادي الجانب من خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018، أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات السابقة وفرضت عقوبات جديدة. في خريف عام 2020، سعت الولايات المتحدة إلى تفكيك الصفقة تمامًا في مجلس الأمن الدولي من خلال خطوة غير قانونية مثيرة للجدل تم رفضها بالإجماع تقريبًا.

لم تترك أربع سنوات من رئاسة ترامب خطة العمل الشاملة المشتركة في حالة يرثى لها فحسب، بل ألحقت أضرارًا بالغة أيضًا بمبادئ وأسس التعددية والقانون الدولي. إن مناورات إدارته الصارخة ضد خطة العمل المشتركة الشاملة قوضت بشكل خاص نزاهة مجلس الأمن. أثارت أفعالها قلق الأوروبيين إلى الحد الذي شعرت فيه فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة بضرورة التأكيد في بيان رسمي على أنهم ما زالوا “ملتزمين بالحفاظ على العمليات والمؤسسات التي تشكل أساس التعددية”.

تمتد التداعيات الجيوسياسية لإدارة ترامب، كما يُرى من أوروبا، إلى العلاقات مع الصين وروسيا، الأطراف الأخرى في خطة العمل الشاملة المشتركة. وبدلاً من اتخاذ خطوات هادفة لحماية الخطة، يبدو أن كلا البلدين قد اتبعا إلى حد كبير عقيدة نابليون بونابرت لعدم مقاطعة أي عدو يرتكب خطأً. لقد آتت استراتيجيتهم ثمارها، حيث دُفعت إيران إلى أحضان بكين وموسكو سياسيًا واقتصاديًا. بحلول خريف 2020، كانت الولايات المتحدة قد عزلت نفسها إلى نقطة انحازت فيها أوروبا بشكل فعال نحو موسكو وبكين في معارضة تحركات واشنطن ضد خطة العمل الشاملة المشتركة في مجلس الأمن.

على الأرض، أصبحت أنشطة إيران النووية والسياسات الإقليمية أكثر حزماً بشكل ملحوظ بعد أن تراجعت الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي.أما في عام 2019، بقيت إيران في حالة امتثال كامل لخطة العمل الشاملة المشتركة، آملة أن تتخذ أوروبا خطوات للتخفيف من الضرر الاقتصادي الناجم عن عقوبات واشنطن، حينها رفعت إيران الرهان جزئيًا لكسب النفوذ ضد الغرب.

بدأت طهران تنتهك تدريجياً الأحكام الرئيسية لخطة العمل المشتركة الشاملة. داخلياً، عززت الفصائل الأكثر تشددًا في الجمهورية الإسلامية موقفها على حساب مؤيدي الدبلوماسية في الخارج. بالإضافة إلى ذلك ، أدى ذلك إلى مزيد من التدهور في سجل حقوق الإنسان في إيران، حيث قامت السلطات بقمع المتظاهرين الذين احتجوا على الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة وتزايد عدد السجناء السياسيين وعمليات الإعدام.

العودة إلى الامتثال الكامل أمر معقد

في ضوء هجوم إدارة ترامب على خطة العمل الشاملة المشتركة، علق مؤيدو الصفقة آمالهم على تغيير في البيت الأبيض بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر. كان جو بايدن، عندما كان نائبًا للرئيس في عهد باراك أوباما، من أشد المؤيدين لخطة العمل الشاملة المشتركة، حيث قاد دفاع الإدارة عن الاتفاقية في عام 2015 في مواجهة الكونغرس. الآن ، بصفته المرشح الديمقراطي للرئاسة، تعهد بايدن بإعادة الولايات المتحدة إلى الصفقة، بشرط أن تلتزم إيران من جانبها بالتزاماتها.

في أوروبا، يترافق احتمال رئاسة بايدن مع رغبة في إحياء الشراكة عبر الأطلسي. على الرغم من الاختلافات الموجودة، فإن الأوروبيين مقتنعون إلى حد كبير بأن السياسة تجاه إيران لا يمكن أن تكون فعالة إلا عندما تعمل أوروبا والولايات المتحدة جنبًا إلى جنب، كما اتضح من عملهما معًا لإبرام خطة العمل الشاملة المشتركة.

هناك عدد كبير من التحديات التي تقف في طريق إحياء الاتفاق النووي، مما يجعل عودة إدارة بايدن إلى خطة العمل الشاملة المشتركة بعيدة كل البعد عن تحول بسيط ومباشر في السياسة. قبل العودة إلى الامتثال الكامل، تطالب طهران بالفعل بتعويضات عن الأضرار الاقتصادية التي لحقت بها بسبب عقوبات واشنطن. كما تتوقع تقديم ضمانات لتخفيف العقوبات بشكل فعال. وفي الوقت نفسه ، ليس من الواضح ما إذا كان سيكون هناك زخم سياسي كافٍ في الولايات المتحدة لرفع نظام العقوبات الشامل، حيث ستبدأ العديد من القيود المهمة على البرنامج النووي الإيراني المنصوص عليها في بنود الانقضاء في عام 2023. كل هذا يعني أن إدارة بايدن من المرجح أن تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني بعد فترة وجيزة من توليه الرئاسة.

كما أن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة تعقدت بسبب عوامل خارجة عن أحكام الاتفاقية نفسها، وهي الوضع في الشرق الأوسط الكبير. نظرًا لأن دور إيران في المنطقة يعتبر بالفعل إشكاليًا من قبل أوروبا والولايات المتحدة، أدى تحول إيران نحو استراتيجية أكثر حزماً إلى تفاقم الوضع بشكل كبير. على الرغم من أن الأطراف في خطة العمل الشاملة المشتركة فصلت القضايا النووية عن الشؤون الإقليمية، فمن الواضح أن الملفين مرتبطان. بالنظر إلى هذا، فإن التوترات الجيوسياسية في المنطقة ستؤدي بشدة إلى تعقيد أي جهد لإحياء الاتفاق النووي.

العودة إلى الإتفاق: المشهد من واشنطن – إيلان غولدنبيرغ

خلال الحملة الرئاسية لعام 2020، أعرب نائب الرئيس السابق جو بايدن عن رغبته في إعادة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة إذا عادت إيران أيضًا إلى الامتثال إلى شروط الإتفاق. بالإضافة إلى ذلك، تحدث عن أهمية الدبلوماسية وحاجة الولايات المتحدة إلى إعادة بناء علاقاتها مع أقرب حلفائها وأهمها في أوروبا، حيث يرى الكثير منهم انسحابها من خطة العمل الشاملة المشتركة أحد أكبر نقاط الخلاف مع إدارة دونالد ترامب. صرح بايدن أنه بالإضافة إلى العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، فإنه سيسعى أيضًا إلى استخدام الدبلوماسية القوية لتعزيز الاتفاقية وتوسيعها. وهذا يعني على الأرجح البناء على خطة العمل الشاملة المشتركة باتفاقات إضافية لمواجهة التحديات المعلقة، بما في ذلك برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، ودعمها لمختلف المجموعات الوكيلة في المنطقة، والمخاوف من انتهاء بعض القيود المفروضة على برنامجها النووي بعد عدة سنوات. كما تحدث بايدن عن الانضمام إلى شركاء الشرق الأوسط للرد على أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة. يجب أن يكون تحقيق هذه الأهداف ممكنًا، لكنه لن يكون سهلاً وسيتطلب استراتيجية ماهرة ودبلوماسية بارعة.

التحديات في أوائل عام 2021

يعتمد التزام بايدن بالانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة على شبه إجماع بين خبراء السياسة الخارجية الديمقراطيين وأعضاء الكونغرس على أن الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة كان خطأ. في الواقع، تعد الخطة من نواحٍ عديدة وكيلًا للنقطة الأوسع التي يشير إليها الديمقراطيون حول أهمية وفعالية الدبلوماسية كأداة، في تناقض حاد مع استخدام القوة العسكرية، لمعالجة المشاكل الدولية.

قد تشجع البيئة الأمنية الأوسع أيضًا إدارة بايدن على محاولة العودة فورًا إلى خطة العمل الشاملة المشتركة أو على الأقل السعي إلى طريقة أقل تصادمية مؤقتة مع إيران. ستتمثل الأولويات القصوى للإدارة القادمة في معالجة أزمات الصحة العامة والأزمات الاقتصادية المرتبطة بوباء كورونا. إضافة إلى ذلك، فإن تحديات السياسة الخارجية التي تفرضها المنافسة المتزايدة مع الصين وأهمية إعادة بناء العلاقات مع الحلفاء الرئيسيين في أوروبا وآسيا ستأخذ الأولوية في الشرق الأوسط. مع وجود هذه القضايا المعقدة على الطاولة، من غير المرجح أن ترغب إدارة بايدن في تركيز الكثير من ولايتها أو جهودها المبكرة على إيران. ومع ذلك، إذا تُركت قضية إيران دون معالجة، فمن المحتمل أن تصبح مصدر إلهاء كبير إذا استمرت طهران في بناء البرنامج النووي للبلاد في انتهاك لخطة العمل أو إذا اشتعلت التوترات الإقليمية في العراق أو حول الخليج.

في السياق أعلاه، فإن الصفقة الدبلوماسية التي تقلل بشكل كبير من احتمال اندلاع أزمة مبكرة مع إيران ستبدو جذابة للغاية. يمكن للإدارة الجديدة بعد ذلك التركيز مبدئيًا على معالجة التحديات الأكثر إلحاحًا وتزويد فريقها بالكامل بالموظفين قبل التحول إلى التحديات الأميركية الإيرانية طويلة المدى في النصف الثاني من عام 2021، بعد انتخاب إيران رئيسًا جديدًا في حزيران/يونيو.

سياسة واشنطن

ستلعب البيئة السياسية في واشنطن دورًا مركزيًا في كيفية إدارة إدارة بايدن لخطة العمل الشاملة المشتركة. يجب أن يكون لدى الرئيس بايدن مساحة أكبر للعمل معه أكثر من الرئيس باراك أوباما، على الأقل داخل الحزب الديمقراطي. في أعقاب أربع سنوات من حكم ترامب، من المرجح أن يمنح معظم الديمقراطيين، حتى المحافظين منهم، بايدن عدم معارضة العودة المبكرة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. حتى المعارضين الديمقراطيين للاتفاق الأولي غيّروا رأيهم مع انسحاب ترامب أحادي الجانب. في الواقع، بالنسبة لمعظم المشرعين الديمقراطيين، فإن دعم خطة العمل المشتركة الشاملة يجعل السياسة أفضل. الاتفاق هو حجر الزاوية في إرث السياسة الخارجية لأوباما، ولا يزال أوباما رئيسًا سابقًا يحظى بشعبية كبيرة. ومع ذلك، عودة أحادية الجانب إلى الصفقة من قبل الولايات المتحدة دون إجراءات إيرانية متبادلة للعودة إلى الامتثال الكامل أو الخطوات التي يُنظر إليها على أنها تعويضات لإيران عن انتهاكات أميركية سابقة للاتفاق قد تواجه معارضة ديمقراطية. سيرغب معظم الديمقراطيين في سماع أن إدارة بايدن لديها خطة لاتفاقية متابعة للتعامل مع انتهاء العمل النووي في خطة العمل الشاملة المشتركة، وبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، وسياساتها في الشرق الأوسط التي تتعارض مع المصالح الأميركية.

يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت إدارة بايدن قادرة على جذب الدعم الجمهوري لاستراتيجيتها تجاه إيران. هذا مهم للغاية حيث لعبت المعارضة الجمهورية القوية لخطة العمل الشاملة المشتركة دورًا مهمًا في قرار ترامب الانسحاب من الاتفاقية. قد تحاول إدارة بايدن تأطير أي صفقة مع إيران كخطوة ضرورية تهدف إلى إعادة توجيه السياسة الخارجية الأميركية نحو الحد من الاستثمار العسكري في الشرق الأوسط وبذل مزيد من الطاقة لمواجهة الصين، الأمر الذي قد يجذب بعض الجمهوريين. ومع ذلك، إذا فشلت العودة المشتركة بين الولايات المتحدة وإيران إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، فقد تجد إدارة بايدن المزيد من الدعم المحلي لصفقة مماثلة. في النهاية، هناك احتمال أكبر بكثير أن تظل قضية إيران مستقطبة للغاية وأن لا تحصل إدارة بايدن على أي دعم جمهوري لسياسة إعادة الإتفاق مع إيران.

السياسات الدولية

سيتعين على إدارة بايدن أن تأخذ في الاعتبار وجهات نظر اللاعبين الدوليين الآخرين، بما في ذلك إسرائيل ودول الخليج والدول التي تضم مجموعة 5 + 1 – الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا – وبالطبع إيران. أعضاء مجموعة 5 + 1، وخاصة أقرب الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة، سيشيدون بعودة انضمامها إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. في الواقع، يمكن أيضًا اعتبار عودة الولايات المتحدة عنصرًا مركزيًا في محاولة إعادة بناء الثقة مع أوروبا، وهي بلا شك أولوية رئيسية لإدارة بايدن. لكن في الشرق الأوسط، فإن عودة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة سيواجه اعتراضات قوية.

من المرجح أن يظل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في السلطة في عام 2021. لقد كان معارضًا قويًا للدبلوماسية النووية وكذلك مؤيدًا لحملة “الضغط الأقصى” لإدارة ترامب ضد إيران. من وجهة نظر نتانياهو، يجب أن يؤدي أي اتفاق مع طهران إلى عدم تخصيب اليورانيوم داخل إيران وأيضًا معالجة الدعم الإيراني للجماعات الوكيلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والأهم من ذلك في لبنان وسوريا. قد يختار نتانياهو عدم اختيار معركة علنية مع رئيس جديد. وبدلاً من ذلك يثير مخاوفه بشكل خاص في محاولة للتأثير على سياسة الولايات المتحدة. من شأنه أن يخلق توترات غير مرغوب فيها في العلاقة الأميركية الإسرائيلية ويقلل من احتمالية التعاون بين الحزبين بشأن إيران إذا واجه نتانياهو علانية إدارة بايدن مثلما تحدى أوباما في عام 2015، عندما ذهب مباشرة إلى الكونغرس وألقى خطابًا يدين الاتفاق النووي. على الرغم من أن الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن إيران قد يكون غير مرغوب فيه ، فإنه في النهاية لن يخلق نوع المقاومة القادر على تقويض العودة المبكرة للإتفاق مع إيران.

ستشعر دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، بقلق عميق حيال مبادرة دبلوماسية جديدة مع إيران. خوفهم الأكبر هو أن تتخلى الولايات المتحدة عن العقوبات للحصول على تنازلات بشأن القضية النووية بينما تتجاهل المخاوف الإقليمية، وعلى الأخص دعم إيران لوكلائها. ومع ذلك ، بدأت دول الخليج، وخاصة الإمارات، في العام الماضي في اتخاذ نهج أكثر براغماتية للتفاوض مع إيران في أعقاب التوترات المتزايدة، بما في ذلك الهجمات على مصالح الشحن ومنشآت النفط السعودية، وقد ترحب بمبادرة دبلوماسية جديدة، طالما أنهم يعتقدون أن مصالحهم يتم تناولها أيضًا. من المحتمل أن يفضلوا التعبير عن أي اعتراضات بشكل خاص، مما يخلق مساحة أكبر للحوار.

أثناء مواجهة هذه القيود المختلفة ، سيتعين على إدارة بايدن التوصل إلى اتفاق مقبول لإيران والتعامل مع إرث السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك عدم ثقة طهران العميق في الولايات المتحدة في أعقاب انسحابها من خطة العمل الشاملة المشتركة.

الخطوات المبكرة الممكنة بشأن الدبلوماسية النووية

بالنظر إلى الديناميكيات التي تمت مناقشتها أعلاه، من المرجح أن تتخذ إدارة بايدن خطوة مبكرة لإعادة الانخراط دبلوماسيًا مع إيران. هناك عدد من الخيارات لمثل هذه الخطوة، والتي تستلزم بطبيعة الحال مجموعة متنوعة من الإيجابيات والسلبيات من منظور الولايات المتحدة.

عند توليه منصبه، قد يلتزم الرئيس بايدن بخطوتين مبكرتين. ستكون الخطوة الأولى هي إلغاء حظر السفر التمييزي، الذي أثر على الإيرانيين ربما أكثر من أي مجموعة سكانية أخرى بالنظر إلى المستوى السابق للسفر بين إيران والولايات المتحدة. والخطوة الثانية هي الالتزام بتوفير تخفيف فوري للعقوبات المتعلقة بمكافحة فيروس، لمساعدة الإيرانيين في الوصول إلى العلاج الطبي، إضافة لإصدار توجيهات جديدة بشأن العقوبات على المجموعات ومنظمات الإغاثة الدولية لتوضيح كيف يمكنها الاستجابة الفورية والمباشرة والقانونية للمأساة في إيران دون خوف من التعرض للعقاب؛ وبالنسبة للكيانات التي تجري بالفعل الإهتمام اللازم في هذا الصدد، فيجب إصدار رسائل راحة لطمأنتها بأنها لن تخضع للعقوبات الأميركية إذا شاركت في تجارة إنسانية مع إيران لدعم استجابتها للوباء.

على الرغم من أن التفاصيل الفنية للخطوات التي قد تتخذها إدارة بايدن لا تزال غير واضحة، فإن العامل الأكثر أهمية هو موقفها العام في التشجيع أو على الأقل عدم الوقوف في طريق هذه الأنواع من المعاملات، وجعل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية يقدم أمرًا واضحًا، وهو التوجيه الذي يعطي الثقة للقطاع الخاص للمضي قدما والتعامل مع إيران.

يجب أن تتضمن أي خطوة دبلوماسية أولية ترتيبًا بشأن “التهدئة من أجل الهدوء” في المنطقة لتهدئة التوترات في أعقاب أحداث العام الماضي. لا يلزم توضيح مثل هذا الترتيب بالتفصيل، لكن يتعين على إيران الامتناع عن الهجمات على البنية التحتية النفطية في الخليج والعمليات بالوكالة ضد الأفراد الأميركيين في العراق. في غضون ذلك، ستخفف الولايات المتحدة من حدة خطابها، بما في ذلك التهديدات العلنية بعمل عسكري ضد إيران، وتوافق على عدم القيام بعمليات مثل اغتيال قاسم سليماني، الذي أشرف على العمليات العسكرية الإيرانية في المنطقة كقائد في الحرس الثوري الإسلامي. ستحتاج الولايات المتحدة إلى إبلاغ شركائها الإقليميين بأنه كجزء من هذا الترتيب غير الرسمي، يجب عليهم أيضًا أن يتوقعوا التحلي بضبط النفس، لا سيما فيما يتعلق باتخاذ إجراءات داخل إيران.

بالنسبة للملف النووي، سيكون لدى الإدارة الأميركية الجديدة عدد من الخيارات. الأول هو العودة المتبادلة إلى الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة بين الولايات المتحدة وإيران. ستؤدي هذه الخطوة إلى تراجع كبير في برنامج إيران النووي مقابل تخفيف أكبر قدر من العقوبات. قد يكون هذاهو أسهل اتفاق يتم التوصل إليه بسرعة لأن إطار العمل في كلا الأمرين قد تم تحديده بالفعل في خطة العمل الشاملة المشتركة. من منظور القانون الأميركي، لن يتطلب الأمر مراجعة من الكونغرس، حيث خضعت خطة العمل الشاملة المشتركة لمراجعة من قبل الكونغرس في عام 2015 بموجب قانون مراجعة إيران النووية.

سيكون هذا الخيار أيضًا أكثر تأثيرًا مع مجموعة 5 + 1، وخاصة الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة، الذين لا يقدّرون فقط خطة العمل الشاملة المشتركة، ولكنهم يرون أيضًا نجاحها بمثابة بيان أوسع حول فعالية الدبلوماسية متعددة الأطراف.

وبالنظر إلى العبئ السياسي المرتبط بخطة العمل الشاملة المشتركة، من المرجح أن يعارض الجمهوريون العودة بالقول إن القيام بذلك لا يزال لا يفعل شيئًا لمعالجة سلوك إيران في المنطقة أو برنامجها الصاروخي ويترك بنود إنهاء العمل في خطة العمل الشاملة المشتركة سارية. ومن المرجح أن تجعل هذه الاعتراضات أي ترتيبات أو مفاوضات إقليمية مستقبلية أكثر صعوبة. كما أن هناك مسألة ما إذا كانت إيران مستعدة حتى لقبول عودة متبادلة في ضوء مخاوفها الخاصة.

الخيار الثاني بشأن الملف النووي قد يستلزم اتفاقية أصغر شبيهة بخطة العمل المشتركة، أو الاتفاقية المؤقتة بشأن برنامج إيران النووي التي سبقت خطة العمل الشاملة المشتركة، أو مثل الجهود التي بذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في عام 2019 للتفاوض. قد يتضمن مثل هذا الاتفاق حزمة تخفيف عقوبات أكثر تواضعًا، مما يمنح إيران إعفاءات محدودة من عقوبات النفط لبيع ما يقرب من مليون برميل يوميًا، كما فعلت بموجب الإتفاق المبدئي بين 2013 و 2015، حين صدّرت إيران ما يقارب الـ 2.5 مليون برميل يوميًا. أثناء تنفيذ هذه الخطة، يمكن لإيران أيضًا الحصول على العملة الأجنبية من خلال الإفراج عن بعض حساباتها المجمدة في الخارج. في المقابل، ستجمد إيران برنامجها النووي في مكانه الحالي وتتراجع عن العناصر الأخرى، مثل خفض مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب أو وقف التخصيب في منشأة فوردو.

قد يكون الاتفاق الأصغر هو الخيار الأبسط. سيظل يسمح بخفض التصعيد مبكرًا وقد يكون أكثر جاذبية لشركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط القلقين بشأن تخفيف العقوبات بشكل كبير على إيران دون إحراز تقدم في القضايا الإقليمية. قد يكون له أيضًا احتمال أكبر للحصول على دعم من الحزبين إذا كان من الممكن تأطيره محليًا على أنه استمرار لبعض جهود إدارة ترامب لاستئناف المفاوضات والحصول على صفقة أفضل.

نهج تقليص الإتفاق يأتي بطبيعة الحال مع عيوب. فالاتفاق الأكثر محدودية لن يفعل الكثير لاحتواء البرنامج النووي الإيراني. هناك أيضًا خطر أنه إذا ابتعدت الولايات المتحدة وإيران عن خطة العمل الشاملة المشتركة واتجهت نحو بديل، فقد لا تكتمل المفاوضات الأكثر تعقيدًا قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران/ يونيو. من المحتمل أن يتطلب الاتفاق الجديد فترة مراجعة من الكونغرس لمدة ثلاثين يومًا، وإذا بقيت سيطرة الجمهوريين بمجلس الشيوخ في تشرين الثاني/نوفمبر، فقد يؤدي ذلك إلى معركة سياسية طويلة في وقت مبكر من الإدارة الجديدة.

في نهاية المطاف، لن يكون مجلس الشيوخ قادرًا على منع اتفاق جديد، سيتطلب ذلك سبعة وستين صوتًا للقيام بذلك. بغض النظر، تفضل الإدارة الجديدة تجنب خوض معركة مبكرة حول إيران إذا كان ذلك ممكناً، وذلك ببساطة لأنه من شأنه أن يستنزف الطاقة والاهتمام من الأولويات الرئيسية الأخرى.

الخيار الثالث في الملف النووي هو التفاوض الفوري على اتفاق جديد يبني على خطة العمل الشاملة المشتركة ويؤكز على وقف مشروع إيران النووي والحد من برنامج الصواريخ الإيراني، ومعالجة الخلافات الإقليمية. في المقابل، ستقدم الولايات المتحدة تخفيفًا أكبر للعقوبات مقارنة بخطة العمل الشاملة المشتركة، بما في ذلك ليس فقط عقوبات ثانوية ولكن أيضًا بعض القيود التي تمنع الشركات الأميركية من التعامل مع إيران والسماح لإيران باستخدام المعاملات المقومة بالدولار. قد تتطلب الاختراقات في هذه المجالات أيضًا من الإدارة الجديدة النظر في الحوافز التي تتجاوز المجال الاقتصادي، في الساحة الأمنية الأكثر حساسية. ستسمح هذه الاستراتيجية للولايات المتحدة بمواصلة نشر النفوذ الذي تمارسه من خلال حملة الضغط الأقصى لإدارة ترامب. وسيرحب بها أيضًا إسرائيل والمملكة العربية السعودية والجمهوريون في الكونغرس.

من المرجح جدًا أن يؤدي هذا الخيار إلى خطوات تصعيدية مبكرة من جميع الأطراف، بما في ذلك تسريع البرنامج النووي الإيراني واستمرار التوترات في الشرق الأوسط. من المحتمل أيضًا أن يكون هذا الخيار غير مقبول لإيران. لا يزال من الصعب تخيل العودة إلى مفاوضات جادة دون خطوة أولية لبناء الثقة. لذلك، يجب أن يكون هذا الخيار هو الموقف الاحتياطي للولايات المتحدة إذا فشل الخياران الآخران في تحقيق اتفاق.

ستكون أوروبا أكثر أهمية في العملية في الأشهر التي تسبق تولي إدارة أميركية جديدة السلطة. خلال تلك الفترة، يجب أن تلعب نفس الدور الذي لعبته خلال السنوات الأربع الماضية: الحفاظ على أكبر عدد ممكن من الخيارات من خلال التعامل مع كل من الولايات المتحدة وإيران ومحاولة الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة. قوبلت هذه الجهود بنتائج متباينة، لأن تأثير العقوبات الثانوية الأميركية على القطاع الخاص الأوروبي حال دون تقديم فوائد اقتصادية حقيقية لإيران لتعويض خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية. ومع ذلك، فإن مجموعة الترويكا الأوروبية – فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة – والدعم السياسي من الاتحاد الأوروبي لخطة العمل المشتركة الشاملة قد أحدثت فرقًا مهمًا في إبطاء تدهور الاتفاقية والحفاظ على إمكانية العودة المستقبلية إلى الامتثال من كلا الجانبين.

يجب على الأوروبيين أيضًا أن يأخذوا في الاعتبار أن الإدارة الجديدة لن تتعامل مع إيران قبل 20 كانون الثاني/يناير 2021، نظرًا للمعايير القوية التي تثني الإدارات القادمة عن التدخل في السياسة الخارجية للإدارة في السلطة. انتهك فريق ترامب هذه القاعدة في عام 2016، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات الروسية، وسيكون هناك ميل قوي للغاية لإعادة إرساء القاعدة. لذلك، بين الانتخابات الأميركية و20 كانون الثاني/يناير، يمكن لمجموعة الترويكا وبقية دول الاتحاد الأوروبي أن تختار بدء محادثات أولية مع إيران حول كيفية نجاح العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة وتتبع البيانات العامة من إدارة بايدن القادمة.

نهج طويل الأمد

في أعقاب الخطوة الأولى المحتملة كما نوقش أعلاه، من المرجح أن يتوقف الإتفاق بين الولايات المتحدة وإيران مؤقتًا في الانتخابات الرئاسية لعام 2021 في إيران. ستحتاج الولايات المتحدة أيضًا إلى وقفة قبل أن تنتهج استراتيجية شاملة طويلة المدى، حيث سترغب الإدارة الجديدة في تعيين الوظائف الرئيسية بالكامل وإجراء مراجعة داخلية شاملة والتشاور مع الحلفاء. وهذا يعني على الأرجح أن المشاركة الجادة لن تستأنف حتى أواخر صيف 2021 على أقرب تقدير.

سيبقى برنامج إيران النووي على رأس أولويات الولايات المتحدة من حيث مصالحها العالمية. ومع ذلك، هناك اعتراف متزايد في واشنطن بأن أحد الأسباب المركزية لانهيار خطة العمل الشاملة المشتركة ينطوي على توترات حول قضايا أخرى بين الولايات المتحدة وشركائها في الشرق الأوسط مع إيران. يمكن أن يساعد السياق الإقليمي المتغير في المنطقة، بالنظر إلى أن إيران وبعض جيرانها الخليجيين قد بدأوا في مناقشة خطوات خفض التصعيد بهدوء في أعقاب التوترات التي بدأت في أيار/مايو 2019، مع الهجمات الإيرانية على المصالح النفطية الخليجية.

لكي ينجح حوار إقليمي أوسع، يجب أن يشمل على الأقل دول الخليج، بما في ذلك إيران، مع اضطرار هؤلاء اللاعبين إلى تولي بعض زمام العملية، على الرغم من أن الجهات الخارجية ستظل مركزية. بالنظر إلى التاريخ الطويل من العداء بين الولايات المتحدة وإيران، وفي ظل أن مخاوف إيران الأمنية مدفوعة إلى حد كبير بالتهديد الذي تشكله الولايات المتحدة، فمن المنطقي أن يكون الأميركيون جزءًا من مثل هذا الحوار.

ومع ذلك ، من غير المرجح أن تنخرط إيران في مبادرة تشمل الولايات المتحدة ودول الخليج العربي، لأنها ستكون معزولة في مثل هذه المفاوضات. وبالتالي، قد يكون التنسيق الذي يتضمن الفاعلين الإقليميين الرئيسيين بالإضافة إلى الدول 5+1 مقبولًا لجميع اللاعبين. من الناحية العملية، ستكون معظم المفاوضات الهامة والمشاركة ثنائية وستشمل جهات فاعلة مختلفة حسب القضية.

يمكن لأوروبا أن تلعب دورًا بناء في مثل هذه العملية لأنها منخرطة بالفعل في مناقشة إقليمية مع إيران من خلال حوار الاتحاد الأوروبي بشأن اليمن. ربما يمكن تكييف هذا الشكل وتوسيعه للمفاوضات الإقليمية المقترحة. في الواقع ، يمكن لأوروبا أو الاتحاد الأوروبي أن يعمل كجهة داعية، كما هو الحال مع خطة العمل الشاملة المشتركة. دور روسيا المتزايد في الشرق الأوسط، ولا سيما في سوريا، سيجعلها أيضًا مشاركًا مهمًا في الحوار. ستكون إيران مهتمة بوجود روسيا في النقاشات، لتعويض وجهات النظر الأميركية والأوروبية ، تمامًا كما فعلت أثناء المفاوضات النووية.

يمكن أن يتضمن جدول أعمال الحوار قضايا مثل ما يلي

  • عدم تدخل دول الخليج وإيران في الشؤون الداخلية لبعضهما البعض، بما في ذلك وقف دعم الجماعات الانفصالية وحملات التخريب
  • تخفيف حدة التوترات البحرية والهجمات على البنية التحتية النفطية الحيوية
  • الترتيبات الإقليمية لتحديد الأسلحة التقليدية، بما في ذلك الصواريخ
  • أنظمة التفتيش النووي الإقليمية والتخصيب الدولي المشترك
  • آليات خفض التصعيد لإنهاء الحروب في اليمن وسوريا
  • الحد من التوترات الأميركية الإيرانية في العراق وأفغانستان
  • الاستجابات الإقليمية لمسائل وطنية مثل جائحة كورونا والمخاوف البيئية.

يجب أن يكون الحوار واقعيًا ومؤطرًا بحيث يركز على خطوات معتدلة نحو خفض التصعيد بدلاً من السعي إلى إعادة توجيه المنطقة بشكل أساسي، أو الوصول إلى “صفقة كبرى” مع إيران، أو إنشاء بنية أمنية إقليمية جديدة تمامًا. إذا سارت مثل هذه العملية على ما يرام، فقد تؤدي في النهاية إلى تغييرات جوهرية، لكن تحقيق ذلك سيستغرق سنوات. النهج الأفضل هو البدء بأهداف متواضعة والبناء ببطء.

بمرور الوقت، يمكن توسيع الحوار ليشمل تركيا أو إسرائيل، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا بلاد الشام وسوريا. في الوقت الحالي، من الصعب تخيل انخراط المسؤولين الإيرانيين والإسرائيليين بشكل مباشر في هذه المناقشات، لذلك قد تحتاج الجهود للبدء بمجموعة اتصال من الدول المنخرطة بشكل منفصل مع إيران وإسرائيل بشأن بعض هذه القضايا. قد يكون هذا أسهل في أعقاب اتفاقية التطبيع الأخيرة بين إسرائيل والإمارات والبحرين.

بالتوازي مع هذا الحوار، يمكن لمجموعة 5 + 1 وإيران أن تخلق مسارًا ثانيًا يركز على احتمالية تجديد الاتفاقية النووية وتوسيعها. إذا عادت كل من الولايات المتحدة وإيران إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، يمكن لمثل هذا الحوار أن ينتظر. بدلاً من ذلك، إذا كان الاتفاق النووي الجاري تنفيذه أقل من العودة الكاملة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، فمن المرجح أن يكون المسار الثاني أكثر إلحاحًا ويتطلب فتحًا موازٍ للحوار الإقليمي.

خاتمة

يبدو أن إدارة بايدن ستكون مصممة بصدق على إعادة الدخول إلى خطة العمل الشاملة المشتركة والبناء عليها من خلال المزيد من الدبلوماسية مع إيران ودول الـ5+1 واللاعبين المهمين في الشرق الأوسط. لكن المسار بعيد كل البعد عن الوضوح. ستكون المفاوضات صعبة للغاية، والقيود المفروضة على كل من إيران والولايات المتحدة قد تجعل الصفقة في نهاية المطاف بعيدة المنال. لعبت أوروبا دورًا أساسيًا خلال السنوات القليلة الماضية في العمل كجسر بين الولايات المتحدة وإيران وفعلت ما في وسعها لإبطاء التدهور الحتمي للوضع. يمكنها الاستمرار في لعب هذا الدور الداعم، ولكن الآن بأجندة أكثر إيجابية للمساعدة في إحياء الدبلوماسية الأميركية الإيرانية.

سياسة إيران تجاه خطة العمل الشاملة المشتركة في حال فوز بايدن – حسن أحمديان

بالنسبة للحكومة الإيرانية ، كانت خطة العمل الشاملة المشتركة وسيلة وإطار عمل للتغلب على انعدام الثقة المستمر منذ عقود بين إيران والغرب، ولا سيما الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن مصير الاتفاق النووي عمل على عكس ذلك، حيث ارتفع عدم الثقة إلى مستويات غير مسبوقة. يشير الجدل الدائر في إيران إلى أن مستقبل الصفقة مرهون إلى حد كبير بماضيها وكيف ولماذا تم انتهاكها من قبل الولايات المتحدة وأوروبا. في الوقت نفسه، أدت إمكانية وجود إدارة جديدة في البيت الأبيض إلى إثارة الجدل حول احتمالات تجديد الدبلوماسية.

يلقي الجدل الداخلي بظلال من الشك على العلاقة التي رأتها طهران ذات مرة بين الأمن القومي الإيراني وتعاملها مع الأطراف الغربية في خطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، فإن عودة إيران إلى الصفقة كعمل متبادل هو قرار أكده بالفعل المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني وأعلنه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وكذلك الرئيس حسن روحاني.

 وبالتالي، يبدو أن الإدارة الأميركية التي تنوي العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة ستقود طهران على الأقل إلى إعادة النظر في سياسة التزاماتها المخفضة تجاه خطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، سيكون من المستحيل حتى تخيل العودة الكاملة للامتثال دون معالجة مظالم إيران. فمن ناحية، وبحسب روحاني، فإن تلك الدول التي انتهكت الاتفاق النووي تحتاج إلى تعويض إيران عن الأضرار التي تكبدتها نتيجة لخرقها للاتفاق. ومن ناحية أخرى، يشير الجدل في واشنطن إلى أنه لن تكون هناك عودة غير مشروطة للصفقة حتى في ظل إدارة جو بايدن.

إرث ترامب:انهيار المشاركة البناءة

في عام 2013 خلال الحملة الرئاسية الإيرانية، ركّز روحاني على “المشاركة البناءة” كإطار لحل المواجهة مع الغرب بشأن البرنامج النووي الإيراني، وبالتالي، علاقاتها المضطربة بشكل عام مع الغرب. ووعد الإيرانيين بمكاسب اقتصادية من خلال إعادة دمج بلادهم في الاقتصاد العالمي.

نشأت خطة العمل الشاملة المشتركة نتيجة لمشاركة روحاني البناءة. بالإضافة إلى ذلك، اعتبرت القيادة الإيرانية أن خطة العمل المشتركة الشاملة تعمل كآلية لبناء الثقة يمكن من خلالها التعامل مع القوى الغربية بشأن قضايا أخرى. ووصف خامنئي الصفقة بأنها “اختبار اعتماد”.

أدى انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في أيار/مايو 2018 إلى إفراغ الصفقة وإلغاء المكاسب التي توقعتها إيران، مما قلل من العقلانية والأهمية والفوائد المحتملة للمشاركة البناءة كنهج للسياسة الخارجية.

خطة العمل الشاملة المشتركة، التي أفسدتها الولايات المتحدة، أعطى منتقدي سياسة إدارة روحاني زخمًا في إيران. الأصوات المتضخمة لخصوم روحاني لا تعني أن الانتقاد يقتصر على الأحزاب والشخصيات المعادية. في الواقع ، بدأ العديد من الإصلاحيين والمعتدلين البارزين أيضًا في التعبير عن اعتراضهم على نهج إدارته، مع انتقاداتهم ونقاشاتهم العامة المتجذرة بقوة وتأثرت بأوجه قصور الاتفاق النووي ونتائجه. يشير استطلاع أجرته جامعة ماريلاند بين المواطنين الإيرانيين إلى أن انتقاداتهم كانت تتردد في المجتمع الإيراني الأوسع ، حيث قال حوالي ثلاثة من كل خمسة إن على إيران الانسحاب من الإتفاق النووي.

إيران تعيد النظر في خطة العمل الشاملة المشتركة

يتجاوز الجدل حول خطة العمل الشاملة المشتركة في إيران الانسحاب الأميركي، الذي لعب دورًا محوريًا بوضوح في فشلها، للتركيز على أوجه القصور في الصفقة. الحجة الرئيسية هي أنه لولا أوجه القصور هذه، لكان ترامب واجه المزيد من العقبات في خروجه من الصفقة، ولم يكن من السهل أيضًا أن تتراجع مجموعة الترويكا الأوروبية عن التزاماتها.

ينظر المعارضون إلى الاتفاق النووي من منظور واسع، وينتقدونه في مجمله على أنه يقلل من نفوذ إيران وقوتها ويضر استراتيجيًا بالأمن القومي للبلاد. وبدأت هذه المجموعة تدعو إلى انسحاب إيران الكامل من الصفقة بعد أن تراجعت عنها الولايات المتحدة. واقترح بعض المعارضين أن تنسحب إيران أيضًا من البروتوكول الإضافي لعام 2003 بشأن الضمانات النووية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وكذلك معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. من وجهة نظرهم، فإن الصفقة المتوازنة بين إيران والقوى الغربية هي شبه مستحيلة ولن تعود بالفائدة على إيران. المعارضون ليسوا بالضرورة ضد الانخراط مع الغرب، لكنهم يشكّون في النتائج. تنظر هذه المجموعة إلى نفسها على أنها واقعية، وتدعو إيران إلى كسب النفوذ وتقليل التزاماتها بموجب الصفقة لإجبار المخالفين على احترام التزاماتهم بطريقة متبادلة.

ينظر النقاد إلى الصفقة بشكل أضيق، مع التركيز على أوجه القصور العملية التي حرمت إيران من المكاسب الموعودة. وهم يدعون إلى إيجاد مسارات للتغلب على هذه الإخفاقات ويلاحظون عدم وجود عقوبات مناسبة قد تضمن أن الأطراف الغربية تحترم التزاماتها. في مواجهة سياسة ترامب تجاه إيران، لا يرى الكثير منهم أي فرصة لمشاركة عادلة قادرة على معالجة المظالم الإيرانية الحالية. ومع ذلك، يعتقد الكثير منهم أن هناك طريقة للمضي قدمًا في خطة العمل الشاملة المشتركة إذا فاز بايدن بالإنتخابات الرئاسية. ومن المرجح أن يكون صوت هذه المجموعة فعالًا في تشكيل تعاملات إيران مع إدارة أميركية ديمقراطية.

يركز البعض في إيران على الجوانب الأمنية لخطة العمل المشتركة الشاملة، معتبرين إياها في المقام الأول كإطار لحماية الأمن. وبناءً على هذا الرأي، فإن وقف المواجهة بشأن البرنامج النووي الإيراني دون الحرب كان الإنجاز الرئيسي لطهران في التفاوض على الاتفاقية. على الرغم من اتفاقهم بشكل كبير مع النقاد حول أوجه القصور في الصفقة، إلا أن هؤلاء يجادلون بأن عدم الأمان هو الذي ساعد في كبح نجاح إدارة ترامب في بناء تحالف دولي ضد إيران. كانت أصواتهم مؤثرة في منع إيران من الخروج من الصفقة ، لكن أسهمهم بدأت في الانخفاض مع تنفيذ سياسة تخفيض التزام إيران.

أوجه القصور في خطة العمل المشتركة الشاملة

عبّر عدد كبير من الجماعات السياسية في إيران، عن إجماع حول أربع قضايا يرون أنها أوجه قصور رئيسية في خطة العمل الشاملة المشتركة: التنفيذ غير المتكافئ، والتدابير العقابية من جانب واحد، والإطار القانوني المنقسم، والعقوبات الموازية. ومن المرجح أن يؤدي حل هذه العيوب إلى تشكيل نهج طهران المستقبلي تجاه الدبلوماسية النووية والاتفاق نفسه.

تعد الطبيعة غير المتكافئة للصفقة بأكملها واحدة من النقاط الرئيسية للنقاد، بما في ذلك التزامات التنفيذ غير المتزامنة. في هذه الحالة، كان على إيران الالتزام بإنهاء الصفقة قبل تقديم تخفيف العقوبات. وقد مكّن هذا الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من انتهاك الصفقة ، حتى بعد التنفيذ الكامل لإيران والامتثال الموثق لها.

 كقضية أثارتها جميع الأطراف، بما في ذلك مؤيدو الصفقات، فإن معالجة هذا الخلل ستكون حاسمة لنهج إيران المستقبلي. تم تصميم الإجراءات العقابية المكتوبة في الصفقة للحفاظ على امتثال إيران من خلال رفع تكاليف عدم امتثالها، لكن الحاجة إلى اعتبارات مماثلة في حالة انتهاكات الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي لم تكن متوقعة. يشير الكثير إلى العقوبات على أنها دليل كاف على الطبيعة غير المتكافئة للصفقة: في حين أن عدم الامتثال مكلف بالنسبة لطهران، فإن الانتهاكات من قبل الموقعين الآخرين خالية تقريبًا من أي تكلفة. للمضي قدمًا، ستطالب إيران جميع أطراف الاتفاق بتحمل إجراءات عقابية في حالة عدم الامتثال.

على الرغم من أن إقرار قرار الأمم المتحدة رقم 2231 يوفر الدعم القانوني الدولي لخطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أن ذلك لم يمنع الولايات المتحدة من انتهاكها. وفي هذا الصدد ، تم تعزيز التزام إيران من خلال التصديق البرلماني وموافقة مجلس صيانة الدستور. ومع ذلك، في الولايات المتحدة، تم سن الصفقة بتوقيع الرئيس، لكن مجلس الشيوخ، بحذره من الصفقة، أصدر تشريعات لإعادة التصديق الرئاسية الدورية للامتثال الإيراني، مما أتاح لترامب فرصة لحجب التصديق والتراجع عن الصفقة. من الصعب تصور إطار ملزم قانونًا للسلطة التنفيذية الأميركية ، وبالتالي كيف يمكن وضع إطار قانوني أكثر إلزامًا. في حين أن تصديق مجلس الشيوخ على الصفقة كمعاهدة قد يكون خيارًا، إلا أنه سيكون بعيدًا جدًا.

العيوب المذكورة أعلاه، وفقًا للجدل الإيراني الداخلي، حرمت إيران من أوراق المساومة في مواجهة الولايات المتحدة، بينما احتفظت واشنطن بأداتها الأساسية – العقوبات – والتي استخدمت من خلال سياسة الضغط الأقصى. بالإضافة إلى عيوب الصفقة، فإن إحدى النقاط التي يثيرها المعارضون عادة هي أنه لا توجد ميزة أو مبرر استراتيجي لإيران للموافقة على التزامات إضافية لمعاهدة حظر الانتشار النووي كما فعلت في خطة العمل الشاملة المشتركة. كانت حججهم ضد الصفقة في هذا الصدد شرسة، حيث ذكر البعض ما يصل إلى 100 عيب في خطة العمل الشاملة المشتركة التي تضر بالأمن القومي الإيراني ومصالحها.

بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل المشتركة الشاملة، تحول الجدل في طهران إلى الحاجة إلى تطوير النفوذ في مواجهة الولايات المتحدة. وقد أدى ذلك إلى سياسة تخفيض الالتزام وإعادة تنشيط الأنشطة النووية الإيرانية المتوقفة. هذا إلى جانب تطوير طهران المستمر لبرنامج الصواريخ الباليستية والملف الإقليمي المتزايد يشكلان استراتيجية إيران ثلاثية الأبعاد للمقاومة النشطة في مواجهة سياسة الضغط الأقصى للولايات المتحدة وكذلك جميع انتهاكات الصفقة.

في البحث عن صفقة متوازنة

بالنسبة لطهران، تتطلب المفاوضات المتجددة مع الولايات المتحدة والأطراف الأخرى في الاتفاق النووي علاجات لأوجه القصور المذكورة أعلاه. إن إعادة بناء نفوذ إيران هو جزء من تلك العملية. بدون النفوذ الإيراني، لن تكون الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي على استعداد لمعالجة مظالم طهران. يضاف إلى ذلك، أن نهج إيران المستقبلي يكاد يكون مؤكدًا أن يعتمد على سياسة الولايات المتحدة بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر بالإضافة إلى انتخاباتها الرئاسية. وهناك اعتبار آخر هو النظرة المشتركة التي يتبناها المجتمع الاستراتيجي الإيراني حاليًا تجاه الولايات المتحدة وخطة العمل الشاملة المشتركة، والتي بموجبها لن توافق إيران على التنفيذ الكامل من جانب واحد كما في عام 2015 ، ستطالب بإطار قانوني أكثر إلزامًا، وستصر على تدابير عقابية واضحة لجميع منتهكي الصفقة.

ببساطة، العودة إلى الامتثال الكامل على أساس عودة الولايات المتحدة إلى الصفقة لم يعد ممكنًا. لقد ارتفع عجز الثقة إلى درجة أن تغيير الوجوه في البيت الأبيض لن يغير هذه الحقيقة.

يجب استخدام التدابير المالية والاقتصادية ليس فقط لتأثيرها التحفيزي، ولكن أيضًا لجانبها العقابي لردع الانتهاكات المستقبلية من قبل جميع أطراف الصفقة. لتوضيح هذه النقطة، ستطالب إيران بشدة بالتعويض عن الانتهاكات السابقة فضلاً عن العقوبات المالية والاقتصادية الواضحة المطبقة قانونًا على جميع الانتهاكات المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، ستصر إيران على رفع جميع اللوائح المالية المتعلقة بالعقوبات.

يجادل العديد من الإيرانيين أنه في ضوء انتهاكات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ، يتعين على الأميركيين والأوروبيين أن يأخذوا في الاعتبار منظور إيران بشأن صفقة أكثر توازناً، والتي ستكون أطول أمداً. على الرغم من وجود شكوك جدية حول إمكانية التوصل إلى صفقة متوازنة، إلا أن هناك نوعًا من الإجماع بين المجتمع الاستراتيجي الإيراني على أن العمل لا يمكن أن يستمر كالمعتاد عندما يتعلق الأمر بالقوى الغربية التي تفي بالتزاماتها.

التوقعات الإيرانية من إدارة بايدن

بصفته المرشح الديمقراطي للرئاسة، تعهد جو بايدن بعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي إذا تم انتخابه. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن برنامج الحزب الديمقراطي ينص على أن “خطة العمل الشاملة المشتركة تظل أفضل وسيلة لقطع جميع مسارات إيران نحو قنبلة نووية بشكل يمكن التحقق منه”، يشير النقاش الديمقراطي إلى أن العودة غير المشروطة غير واقعية. فوائد استخدام الرافعة المالية الناتجة عن الضغط الأقصى لتمديد بنود الانقضاء في الصفقة، يشكل انتزاع المزيد من التنازلات من طهران من خلال خطة العمل الشاملة المشتركة.

بالإضافة إلى المطالبة بالتعويض عن الانتهاكات السابقة، في هذا السيناريو، من المرجح أيضًا أن تواصل طهران بناء نفوذها لمواجهة المطالب الأميركية. هذا هو طريقها الأساسي للتغلب على الضغط الأميركي وتعزيز رغبتها في “صفقة متوازنة”. ستؤدي انتهاكات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المستمرة بإيران إلى توسيع أنشطتها النووية، والتي بدورها ستزيد مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب، مما يخلق وقتًا أقصر للاختراق، ويشجعها على تعزيز سياسة خارجية أكثر تركيزًا على “الشرق”.

على الرغم من التطور الهام، فإن انتخاب بايدن لن يكون سوى أحد المتغيرات الرئيسية التي تؤثر على مستقبل خطة العمل الشاملة المشتركة. هناك خياران آخران يجب مراعاتهما وهما خيارات ترامب المفاجئة، بما في ذلك ما إذا كان يمكن أن يتحقق قبل كانون الثاني/يناير 2021 ، ونتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية.

سيتعين على فريق السياسة الخارجية في عهد بايدن التعامل مع تداعيات كليهما عندما يتعلق الأمر بإيران وخطة العمل الشاملة المشتركة. من المرجح أن تستخدم إدارة ترامب المنتهية ولايتها مع حلفائها الإقليميين سلطتها قبل تنصيب بايدن لإجبار إيران على اتخاذ إجراءات تجعل من الصعب على بايدن العودة إلى الصفقة أو البناء عليها. أحد الأمثلة التي تلعب دورًا بالفعل هو قيام إسرائيل بشن ضربات عسكرية ليس فقط ضد أهداف سورية، ولكن أيضًا ضد أهداف عراقية وإيرانية. حاولت إدارة ترامب تمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، ومن المرجح أن تفعل كل ما في وسعها لتنفيذ عقوبات الأمم المتحدة المفاجئة.

في مثل هذه الحالة، قد تفكر إيران، في زيادة نفوذها ضد الولايات المتحدة، وفي زيادة أنشطتها النووية. يكون ذلك عبر خفض أو وقف عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. في ظل هذه الخلفية، سيحتاج بايدن إلى التحضير لسيناريوهين خلال الفترة الانتقالية

  • في السيناريو الأول، تتسبب إدارة ترامب في إعادة فرض العقوبات، ورداً على ذلك، تقرر إيران الرد بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي. خيار آخر قد يكون الانسحاب من البروتوكول الإضافي وإعادة تنشيط الدائرة النووية بأكملها، وهو ما حققته قبل اتفاق 2015. على الرغم من أن الاستجابة المعتدلة ممكنة أيضًا، إلا أن طهران تدرك أن الخطوة الفاترة ستقلل من نفوذها. في أحسن الأحوال، يمكن لبايدن إجراء مفاوضات متجددة بين إيران ومجموعة 5 + 1. على الرغم من أنه من المستبعد جدًا أنه بعد خسارة الانتخابات، وحتى في الوقت المتبقي حتى يوم الانتخابات، سيكون ترامب قادرًا على إجبار الحلفاء والشركاء على إعادة فرض العقوبات على أساس تفسير فريقه للقرار رقم 2231. هنا، لوقف دوامة الصراع ، سيكون رد فعل أوروبا والصين وروسيا على الولايات المتحدة أمرًا محوريًا.
  • في السيناريو الثاني، يترك ترامب القضية لبايدن دون مزيد من التعقيد. ستستمر إيران في نهجها الحالي، مع التركيز من خلال القنوات الدبلوماسية على مظالمها ومطالبها بصفقة متوازنة. إذا اختار فريق بايدن استخدام أقصى قدر من الضغط كوسيلة ضغط لانتزاع المزيد من التنازلات من طهران، فلن يكون لدى الحكومة الإيرانية الحالية الوقت الكافي للتعامل معها بأي طريقة ذات مغزى بسبب الانتخابات الرئاسية المقبلة. فيما يتعلق بالانتخابات الإيرانية كمتغير يجب أخذه في الاعتبار، فقد أثبتت سياسة ترامب تجاه إيران وجهة نظر المحافظين تجاه الولايات المتحدة ، وعززت موقفهم سياسيًا وعززت فرصهم في الفوز في عام 2021.

بعض القضايا، وبالتحديد برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني وسياستها الإقليمية، ستكون غير مطروحة على الطاولة بالنسبة لطهران. يبدو أن مصير خطة العمل الشاملة المشتركة يلعب دورًا مهمًا في إحجام إيران عن الانخراط في مزيد من المفاوضات نحو خطة العمل الشاملة المشتركة. ومن المرجح أن تسقط أي مطالبة من إدارة بايدن بتقديم تنازلات بشأن القضيتين. ومع ذلك، هناك بعض القضايا الإقليمية التي أبدت إيران استعدادها للتعامل مع الدول الغربية بشأنها. اليمن هو أحد الأمثلة، ففي حال نجح النقاش هناك، يمكن أن يمهد الطريق لمزيد من التعاون في الأمور الأخرى.

الخلاصة

من المحتمل تمامًا أن تبدأ مفاوضات جديدة إذا أعاد بايدن الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، لكن فريق سياسته الخارجية سيواجه عملية مرهقة وطويلة. من خلال عدم الخروج من الاتفاق بعد الانسحاب الأميركي وفي ضوء انتهاكات الاتحاد الأوروبي، تعتبر إيران نفسها على أنها تتمتع بمكانة أخلاقية عالية. بالإضافة إلى ذلك، فإن إيران، من خلال إعادة تنشيط برنامجها النووي خارج حدود خطة العمل المشتركة الشاملة، زادت من نفوذها، والذي كان يهدف في المقام الأول إلى مواجهة الضغط الأميركي. من تجارب الماضي القريب، توصلت إيران إلى نتيجة أساسية للغاية:

طالما أنها تحتفظ ببعض النفوذ، ستستمع القوى الغربية وتقدم تنازلات، ولكن بمجرد أن لا تفعل ذلك، يفقد المستمعون سمعهم. لذلك من الصعب تخيل أن تتخذ إيران في المستقبل نهجًا مشابهًا لذلك الذي اتبعته سابقًا. يشير الجدل الدائر في طهران إلى أن إيران لن تتنازل عن مظالمها دون الاعتراف والتعويض المناسبين. إذا كان فريق السياسة الخارجية لبايدن يتطلع إلى أقصى قدر من الضغط كوسيلة لانتزاع المزيد من التنازلات، فمن المرجح أن تضاعف إيران جهودها لخلق المزيد من النفوذ. بينما يؤكد البعض في واشنطن أن العودة إلى الاتفاق النووي هي في حد ذاتها جائزة لطهران، يركز النقاش الإيراني على جدوى استعادة التزامات خطة العمل الشاملة المشتركة.

وبالفعل، فإن عودة طهران إلى نفس الصفقة التي يمكن لواشنطن أن تغض الطرف عنها متى شاءت هي عودة غير مجدية. يجب أن تمتد الحوافز الأميركية إلى ما بعد خطة العمل الشاملة المشتركة إذا كانت الإدارة الجديدة تريد أن تجد آذانًا مفتوحة في طهران.

تصحيح المسار في العلاقات الأميركية الإيرانية: خارطة طريق لإدارة بايدن – إيلي جيرانمايه

بعد ما يقرب الأربع سنوات من إدارة دونالد ترامب وسياسة “الضغط الأقصى” التي لا هوادة فيها ضد إيران، تضررت المصالح الأمنية الغربية بشدة. من الواضح أن الولايات المتحدة بحاجة إلى تصحيح مسار رئيسي فيما يتعلق بسياستها تجاه إيران. إن فوز نائب الرئيس السابق جو بايدن في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر من شأنه أن يوفر فرصة لأجندة دبلوماسية جديدة بين الجانبين يمكن للقوى الأوروبية أن تلعب دورًا مهمًا في دعمها. أوضح بايدن مؤخرًا أن إدارته “ستجعل من أولوياتها تصحيح السياسة الإيرانية”، مشيرًا إلى سلسلة من الأهداف الرئيسية، بما في ذلك العودة إلى الاتفاق النووي “إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق”.

 توضح خريطة الطريق المقترحة أدناه والمكونة من ثلاث مراحل كيف يمكن لإدارة بايدن إعادة الدخول في الاتفاق النووي لعام 2015 وتأخذ في الاعتبار دور الجهات الفاعلة الأوروبية في هذه العملية.

الظروف الراهنة

لن يكون من السهل على بايدن التقاط الأجزاء التي خلفتها إدارة ترامب بشأن سياسة إيران. تم تفريغ الاتفاق النووي بعد أن أوقف الرئيس ترامب بشكل صاخب مشاركة الولايات المتحدة فيه في عام 2018، ورد القادة الإيرانيون على العقوبات المتزايدة بعد عام بتوسيع برنامجهم النووي وإثارة التوترات الإقليمية. شهد الشركاء الأوروبيون والأميركيون في منطقة الخليج العربي سلسلة من الهجمات المعقدة على البنية التحتية النفطية الخاصة بهم، والتي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها من تنفيذ إيران ردًا على محاولة الولايات المتحدة فرض حظر نفطي على البلاد في عام 2019. بعد اغتيال الولايات المتحدة الجنرال الإيراني البارز قاسم سليماني، تعرضت القوات الأميركية في العراق لهجوم بالصواريخ الإيرانية في كانون الثاني/يناير، مما جعل الجانبين أقرب إلى صراع عسكري/ وجعل القوات الأوروبية في المنطقة عالقة وسط تبادل لإطلاق النار. أدت محاولة إدارة ترامب، المتنازع عليها بشدة، للعودة إلى العقوبات الدولية ضد إيران في أيلول/سبتمبر إلى عزل الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي.

على هذه الخلفية، فإن الأولوية الأولى والأكثر إلحاحًا فيما يتعلق بإيران، لكل من الحكومات الأوروبية وإدارة بايدن الجديدة، ستكون احتواء البرنامج النووي الإيراني. في سياق الحملة الرئاسية الأميركية ، تعهد بايدن بأن تعيد إدارته الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، إذا فعلت إيران الشيء نفسه. يدعم برنامج الحزب الديمقراطي العودة الكاملة العاجلة إلى الامتثال للاتفاق من قبل كل من إيران والولايات المتحدة. ليس من الواضح بالضبط كيف سيسعى البيت الأبيض إذا نجح بايدن لإعادة الدخول في الاتفاق الذي بذلت إدارة ترامب جهودًا كبيرة لتخريبه.

إذا فاز بايدن في الانتخابات المقبلة، فإن المساحة السياسية لإدارته لإعادة الدخول في خطة العمل الشاملة المشتركة ستتأثر بالحالة التي ستصل له الاتفاقية النووية في ذلك الوقت، ومدى تصاعد العلاقات الأميركية الإيرانية في الأشهر الأخيرة من إدارة ترامب، و الدرجة العامة للتوترات في الشرق الأوسط. ومع ذلك ، ستوفر حكومة أميركية مختلفة في كانون الثاني/يناير فرصة مهمة لواشنطن لإعادة ضبط أجندتها الدبلوماسية مع إيران وأيضًا لإعادة إشراك الحلفاء الأوروبيين لتنسيق الاستراتيجيات الخاصة بهم بشأن إيران.

سيكون الوقت عاملاً جوهريًا في تثبيت خريطة الطريق الدبلوماسية. مع الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر إجراؤها في حزيران/يونيو 2021، لن يكون لإدارة الرئيس حسن روحاني – التي كانت حاسمة في تعزيز الدعم الداخلي للاتفاق – سوى نافذة ضيقة لإعادة إيران إلى الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة. يمكن للجهود الأوروبية ، بقيادة مجموعة الدول الأوروبية الثلاث – فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة – والاتحاد الأوروبي، أن تلعب دورًا مهمًا في تسهيل المنصة الدبلوماسية لطهران وواشنطن لبدء أي مفاوضات. يمكن للحكومات الأوروبية أن تمهد الطريق لمثل هذا التبادل بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر بوقت قصير. في حين أن معسكر بايدن لن يكون قادرًا على التعامل مع أوروبا أو إيران خلال الفترة الانتقالية، أي من الانتخابات حتى 20 كانون الثاني/يناير 2021، وبالتالي يمكن للأوروبيين العمل مع إيران لتحديد عملية واقعية للتنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة لإطلاقها في أقرب وقت بعد تنصيب بايدن.

لا شك في أن خطة العمل الشاملة المشتركة أبعد ما تكون عما تصوره جميع الأطراف في عام 2015. بالنسبة لإيران، كانت المكاسب الاقتصادية التي وعدت بها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة معدومة تقريبًا بعد عودة العقوبات الثانوية الأميركية. العنصر الأمني ​​في خطة العمل الشاملة المشتركة لإيران قد تبدد إلى حد كبير بسبب النهج المتصاعد لإدارة ترامب. بينما تواصل إيران تزويد المراقبين الدوليين بوصول إلى منشآتها، يشعر الأوروبيون بقلق بالغ من أن إيران قد تجاوزت عددًا من الحدود القصوى المهمة التي وُضعت على أنشطتها النووية خلال العام الماضي والتي يمكن أن يقلل الوقت الذي تستغرقه لإنتاج ما يكفي من يورانيوم عالي التخصيب لصنع سلاح نووي.

ومع ذلك، من الجدير بالذكر أن بنية الاتفاقية قد نجت (في الوقت الحالي) من إدارة ترامب. ليس هناك شك أيضًا في أن جميع الأطراف الحالية في خطة العمل المشتركة الشاملة ترغب في رؤيتها تستمر في البقاء وإعادة التأهيل من خلال عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية.

تحديد التوقعات الواقعية للدبلوماسية الأولية

بالنسبة لإدارة بايدن ومجموعة الترويكا الأوروبية، فإن الطريقة الأكثر واقعية للمضي قدمًا للدبلوماسية بشأن إيران هي تجميد الأنشطة النووية الإيرانية ثم التراجع عنها إلى مستويات خطة العمل الشاملة المشتركة. كجزء من هذا الجهد، يجب على البيت الأبيض اذا وصل بايدن للرئاسة، أن يقوم أولاً بتواصل سريع وواسع النطاق مع حلفائه الأوروبيين. كان الالتزام السياسي لمجموعة الترويكا تجاه خطة العمل الشاملة المشتركة أحد العوامل التي ضمنت بقاءها، وللاتحاد الأوروبي دور رئيسي كمنسق للجنة المشتركة التي تم إنشاؤها بموجب الاتفاقية. سيوفر التعاون الوثيق بين الاتحاد الأوروبي وإدارة بايدن أفضل فرصة لإدخال إيران في الامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة. أظهرت الخلافات بين الولايات المتحدة وأوروبا حول الاتفاق النووي في السنوات الأخيرة حدود المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الإجراءات الأحادية الأميركية في عزل إيران سياسياً. على نطاق أوسع ، يمكن لأعضاء الكونغرس استخدام إعادة تأهيل الاتفاق النووي لمعالجة الضرر الذي لحق بالعلاقات عبر الأطلسي من قبل إدارة ترامب.

سيكون من المهم لإدارة بايدن أن ترتب بدقة خطواتها ورسائلها مع طهران. قد يربط بايدن، بشكل خاص أو علني، عودة الولايات المتحدة إلى الخطة وما يترتب على ذلك من تخفيف للعقوبات على إيران، بمفاوضات موسعة، لكن من غير المرجح أن تقبل إيران محادثات المتابعة هذه، ما لم تنفذ إدارة بايدن بالكامل التزامات رفع العقوبات. نظرًا للفعالية والقوة المثبتة للعقوبات الثانوية الأميركية، فإن إدارة بايدن في وضع يسمح لها بقبول بشكل مريح الامتثال المتبادل لخطة العمل الشاملة المشتركة كخطوة أولى، وبعد ذلك متابعة المفاوضات مع العلم بأنها تحتفظ بالنفوذ إذا لزم الأمر في المستقبل.

من المرجح أن تسعى إدارة بايدن إلى إعطاء الأولوية لتمديد بنود انقضاء الالتزامات النووية الإيرانية، والتي يبدأ بعضها في الانتهاء في عام 2023. ستتطلب هذه التمديدات صيغة “المزيد مقابل المزيد” خلال المرحلة 3 من المفاوضات. سيكون من الصعب مطالبة طهران بذلك قبل أن يقدم بايدن تخفيفًا كاملاً للعقوبات ويعود إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، في المراحل المبكرة من الدبلوماسية، قد تكون إيران أكثر انفتاحًا لتقديم التزامات معينة بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة، مثل التصديق على البروتوكول الإضافي المقرر إجراؤه بحلول عام 2023. وعلى نطاق أوسع، ستحتاج الولايات المتحدة إلى تزويد إيران بمقابل اقتصادي جذاب لجعل مفاوضات المتابعة قابلة للتطبيق.

كما أن درجة معينة من القبول الضمني من قبل الشركاء الإقليميين من شأنه أن يعزز استمرارية ونجاح الدبلوماسية النووية المتجددة بين إيران والولايات المتحدة. يجب على إدارة بايدن والمجموعة الأوروبية العمل على تواصل دبلوماسي قوي لشرح موقفهم تجاه خطة العمل الشاملة المشتركة مع الشركاء الإقليميين بالتوازي مع معالجة المخاوف المعقولة لإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بشأن إيران. ستحتاج الولايات المتحدة أيضًا إلى توضيح أن حملة الضغط الأقصى التي شنها ترامب ساهمت في دفع إيران وجيرانها إلى شفا صراع عسكري. في الواقع، هناك الآن درجة من الشهية بين دول الخليج العربي لتقليل الأعمال العدائية مع طهران وإيجاد طريقة للخروج من الوضع الحالي الذي ينبغي على الدول الأوروبية وبايدن الاستفادة منه.

من المؤكد أن إسرائيل والسعودية ستدفعان الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوروبية الثلاث لفرض قيود صارمة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني كجزء من أي مبادرة دبلوماسية بشأن الملف النووي. ومع ذلك، سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل تقريبًا، الحصول على وعد أو تحرك من طهران في برنامجها الصاروخي نظرًا لانعدام ثقتها في الغرب وأهمية برنامجها الصاروخي وفعاليته المثبتة في تعزيز الموقف العسكري الإيراني. ويرجع هذا بشكل خاص إلى أن الدول الغربية تواصل تسليح أعداء إيران الإقليميين بينما يظل سلاح الجو الإيراني ومخزون الأسلحة التقليدية مستنفدين.

يجب مناقشة مسألة الصواريخ مع إيران كجزء من عملية موازية منفصلة عن المحادثات النووية وستتطلب منظورًا إقليميًا أوسع لميزان القوة العسكري في الشرق الأوسط. بينما يجب متابعة الدبلوماسية الإقليمية، لذا على إدارة بايدن ومجموعة الدول الأوروبية الثلاث وضع القضية النووية على رأس جدول أعمالهم بالنسبة لإيران.

سيناريوهان لشهر كانون/ يناير

بالنظر إلى الحقائق الموضحة أعلاه، فإن أفضل سيناريو هو الحفاظ على إطار العمل المشترك كما هو قائم حاليًا حتى يتولى بايدن منصبه. للمساعدة في الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة  – لا سيما في ضوء التحركات المحتملة من قبل إدارة ترامب لمزيد من حصار إيران – بعد فترة وجيزة من الفوز بالانتخابات، سيكون من المفيد لمعسكر بايدن توضيح إلتزام ومبادئ عالية المستوى تمنح مجموعة الترويكا الأوروبية مجالًا لاستكشاف الخيارات الدبلوماسية مع طهران من دون أن تحاصر الإدارة المستقبلية. يجب أن تؤكد هذه الإدارة مجددًا على الالتزام بالعودة إلى الترتيبات المتعددة الأطراف التي تخلى عنها ترامب، بما في ذلك خطة العمل الشاملة المشتركة وعكس محاولة سناب باك في الأمم المتحدة. يجب أن يكون معسكر بايدن أيضًا مرنًا بشأن نهج التسلسل لعودة خطة العمل المشتركة الشاملة وتجنب تقييد الحيز السياسي في هذه المرحلة من خلال شروط مسبقة.

يمكن لمثل هذه الرسائل والتغيير في الإدارة الأميركية أن يوفرا لمجموعة الترويكا الظروف لتسريع المحادثات الجارية مع إيران بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة. يجب أن تهدف جهود الأوروبيين إلى وضع معايير لاتفاق تجمد فيه إيران الأنشطة النووية التي تتجاوز حدود الصفقة، مما يمهد الطريق لإدارة بايدن للانضمام إلى الخطة. سيكون لمجموعة الترويكا دور مهم في إبلاغ إيران بأن الاستمرار في تكثيف أنشطتها النووية قبل كانون الثاني/يناير سيجعل الأمر أكثر صعوبة من الناحية السياسية على بايدن للدخول في الاتفاقية مرة أخرى. من المهم ملاحظة أن مجموعة الترويكا لديها مخطط لهذه القيادة الدبلوماسية، كان آخرها في عام 2019 كجزء من مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للتوسط في تسوية أولية بين إيران وإدارة ترامب.

بموجب السيناريو الأول من كانون الثاني/يناير، تمتلك الولايات المتحدة وإيران أفضل فرصة للتنفيذ المتبادل لخطة العمل الشاملة المشتركة بالكامل كما هو مقترح هنا. ومع ذلك، قد يواجه الجانبان مشهدًا أكثر صعوبة للتنقل فيه. في السيناريو الثاني ، قد يواجه بايدن انهيار خطة العمل الشاملة المشتركة أو توترات عسكرية أسوأ بكثير مع إيران في الشرق الأوسط عند توليه منصبه في كانون الثاني/يناير.

منذ الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018، سعت إدارة ترامب بنشاط إلى انهيار الصفقة تمامًا. في المناورة الأخيرة – التي أعقبت هزيمة محرجة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في آب/أغسطس بسبب قرار تمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران حاولت الإدارة إعادة العقوبات الدولية ضد إيران التي تم رفعها.عارضت الترويكا الأوروبية والصين وروسيا بشدة هذه الخطوة، التي سعت فيها الولايات المتحدة إلى استخدام بند في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، والذي يكرسه خطة العمل الشاملة المشتركة، مما يسمح لأي “دولة مشاركة” في الاتفاقية بفرض العقوبات الدولية. تؤكد أطراف خطة العمل الشاملة المشتركة صراحةً أن الولايات المتحدة لا يمكنها اللجوء إلى هذا الإجراء، بعد أن انسحبت من الاتفاقية وصرحت باستمرار أنها فعلت ذلك.

في أيلول/ سبتمبر، بعد أن فشلت أميركا في إقناع أعضاء آخرين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالانضمام لبند آلية الزناد، فرضت إدارة ترامب جولة جديدة من العقوبات أحادية الجانب استهدفت تجارة الأسلحة مع إيران. في غضون ذلك، واصل الاتحاد الأوروبي معارضة الجهود الأميركية المفاجئة والحفاظ على مساحة للدبلوماسية مع طهران. ومع ذلك، هناك بعض المخاوف من أن إدارة ترامب قد تتخذ تدابير أكثر تطرفاً، مثل مصادرة السفن والبضائع الإيرانية بناءً على العقوبات الأميركية أحادية الجانب الأخيرة.

يمكن لردود الفعل الإيرانية على مثل هذه التحركات أن تعقد بشدة التطلعات السياسية وإمكانية عودة إدارة بايدن إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات غير مسبوقة على قطاع النفط الإيراني في أيار/ مايو 2019، بدأت إيران عملية عدم الامتثال التدريجي لخطة العمل الشاملة المشتركة إلى جانب نهج أكثر عسكرة تجاه القوات الأمريكية وحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين في الشرق الأوسط. في ظل عدم وجود فوائد اقتصادية ملموسة على العرض من قبل الأطراف المتبقية في خطة العمل المشتركة الشاملة، ولا سيما أوروبا، قامت إيران بتسريع أنشطتها النووية خارج حدود الاتفاق، كما هو مفصل في تقارير متعددة للوكالة الدولية للطاقة الذرية. لقد أعربت مجموعة الدول الثلاث مرارًا عن قلقها فيما يتعلق بالأنشطة النووية الإيرانية.

إذا ردا على التحركات العدوانية من قبل إدارة ترامب، قامت إيران بتطوير برنامجها النووي – على سبيل المثال عن طريق رفع مستويات التخصيب إلى 20 في المائة – أو تقييد وصول المراقبين الدوليين إلى منشآتها النووية، لذا تتطلع المجموعة الأوروبية إلى تطوير المحادثات الجارية مع طهران كجزء من آلية حل النزاعات التابعة لخطة العمل المشتركة الشاملة. ومع ذلك، في هذه المرحلة، طالما استمرت أوروبا في المقاومة السياسية لمحاولات إدارة ترامب لتخريب خطة العمل الشاملة المشتركة، فمن غير المرجح أن تتخذ إيران مثل هذا الإجراء المتطرف. في الواقع، بعد فترة وجيزة من الرفض العلني من قبل الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الأوروبية الثلاثة لمحاولة العودة المفاجئة للولايات المتحدة في آب/ أغسطس إلى بند الإتفاق النووي، توصلت إيران إلى اتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأتاحت الوصول إليها لتفتيش المواقع النووية التي كانت موضوع توترات مستمرة خلال العام الماضي.

هناك خطر آخر على الدبلوماسية المستقبلية يتمثل في مقدار الدمار الذي قد يتبع هزيمة ترامب في الانتخابات. في حال الخسارة في تشرين الثاني/ نوفمبر، يمكن أن يطلق ترامب سياسة الأرض المحروقة تجاه إيران في محاولة أخيرة لتدمير خطة العمل الشاملة المشتركة واستهداف الأصول الإيرانية عسكريا في الشرق الأوسط. قد يستخدم كل من البيت الأبيض والجمهوريين المتشددين في الكونغرس أيضًا الشهرين الأخيرين من ولاية ترامب لفرض سلسلة من العقوبات على إيران والتي تخلق المزيد من العقبات السياسية أمام بايدن للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. لا شك في أن هذه ستقابل برد فعل إيراني يؤدي إلى مزيد من التصعيد العسكري بين الجانبين كما رأينا في وقت سابق من هذا العام.

إذا انهارت خطة العمل الشاملة المشتركة بحلول كانون الثاني/ يناير، أو إذا رفعت إدارة ترامب حملة الضغط الأقصى إلى مستوى جديد، فإن المساحة السياسية لبايدن للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة ستضيق بشكل كبير. هناك أيضًا عوامل خارج السيطرة الإيرانية والأميركية، مثل استهداف إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية (كما يُشتبه في قيامها بهكذا عملية في حزيران/يونيو في منشأة نطنز)، والتي قد تؤدي بدورها إلى تصعيد التوترات الإقليمية . في حين أن مثل هذه السيناريوهات سيصعب على إدارتي بايدن وروحاني اعتماد خريطة الطريق الموضحة أدناه، فمن المرجح أن تظل خطة العمل الشاملة المشتركة الإطار التأسيسي لأي ترتيب جديد.

مراحل خريطة طريق العودة للإتفاق النووي

تتصور خارطة الطريق المقترحة سيناريو تم فيه الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة حتى تنصيب بايدن وعدم حصول تصعيد عسكري أميركا مع إيران في الشرق الأوسط. لا تتضمن خطة العمل المشتركة الشاملة عملية رسمية لإعادة الدخول، لذا فإن القرارات المتعلقة بكيفية قيام الولايات المتحدة بذلك ستكون في النهاية قرارات سياسية، والتي من المحتمل أن تجعلها مرنة وسريعة نسبيًا. يمكن تقسيم خارطة الطريق للدبلوماسية الأميركية الإيرانية في ظل إدارة بايدن إلى ثلاث مراحل رئيسية: اتفاق تجميد مؤقت، التنفيذ الكامل والمتبادل لخطة العمل الشاملة المشتركة، المزيد من المحادثات النووية.

  • المرحلة 1: اتفاقية التجميد المؤقت، بحلول منتصف فبراير 2021

يجب أن تبدأ المرحلة الأولى من خريطة الطريق بشكل مثالي فور فوز بايدن في الانتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر. يمكن لمجموعة الترويكا الأوروبية تكثيف الدبلوماسية النووية مع إيران اعتبارًا من تشرين الثاني/نوفمبر، خلال الفترة الانتقالية في الولايات المتحدة. يجب أن يركز هذا الجهد الأوروبي على استكشاف معايير اتفاق لإيران لتجميد أنشطتها النووية التي تتجاوز حدود خطة العمل الشاملة المشتركة. سيكون الهدف هو إبرام هذه الصفقة المؤقتة بحلول منتصف شباط/فبراير، مما يجعل إدارة بايدن أكثر قابلية على الدخول في خطة العمل الشاملة المشتركة. لن تقبل إيران إلا باتفاق تجميد مؤقت، ولكن مقابل قيام إدارة بايدن في الوقت نفسه بتوفير الإغاثة الاقتصادية لها وشرعت رسميًا في عملية إعادة الدخول إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.

قد يتطلب تجميد النشاط النووي من إيران وقف وإلغاء تخصيب اليورانيوم المنخفض الذي يتجاوز 3.67 في المائة، كما هو موضح في خطة العمل المشتركة الشاملة، وتعليق أنشطة التخصيب في منشأة فوردو  والتوقف عن تركيب أجهزة طرد مركزي متطورة. قد تقبل إيران مثل هذه الإجراءات إذا كان بوسعها الاحتفاظ بمخزونها المتزايد من اليورانيوم منخفض التخصيب، الأمر الذي سيوفر لها بعض النفوذ في المستقبل. يمكن للوكالة الدولية للطاقة الذرية التحقق من هذه العملية.

فور تنصيب بايدن، يجب أن تبدأ مجموعة الترويكا الاوروبية في تنسيق المواقف مع الولايات المتحدة بحلول نهاية هذه المرحلة الأولى، لتقدم الولايات المتحدة رسميًا طلبًا إلى اللجنة المشتركة لإعادة مشاركتها في خطة العمل الشاملة المشتركة. بالتوازي مع ذلك، يجب على إدارة بايدن تعيين مساعد كبير، مثل كبير مفاوضي خطة العمل المشتركة الشاملة السابق، للوصول إلى البعثة الإيرانية في نيويورك لبدء عملية دبلوماسية مباشرة سرية. كما ينبغي أن توفر لإيران حوافز اقتصادية ملموسة بنهاية المرحلة الأولى كجزء من مجموعة متزامنة من الإجراءات. وستكون الحوافز مقابل التوصل إلى اتفاق تجميد مؤقت وإظهار جدية نية الولايات المتحدة في الانضمام إلى الاتفاق النووي، لبناء الثقة مع طهران.

يمكن لبايدن اتخاذ تدابير بناء الثقة التالية في كانون الثاني/يناير، بتكلفة سياسية محلية قليلة

  1. إزالة قيود سفر ترامب التي تؤثر على المواطنين الإيرانيين.
  2. العمل مع الاتحاد الأوروبي لتعزيز حجم التجارة الإنسانية مع إيران من خلال آلية انستكس.
  3. توفير إطار عمل موثوق به للتجارة الإنسانية مع إيران. وعلى وجه الخصوص، يجب على الولايات المتحدة إزالة العوائق التي تحول دون شراء إيران للسلع والمعدات الطبية في ظل ووباء كورونا.
  4. تخفيف بعض العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على كبار المسؤولين الإيرانيين منذ انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة.
  5. إزالة قيود السفر التي فرضتها إدارة ترامب على المسؤولين الإيرانيين الذين يزورون بعثة الأمم المتحدة.

تتضمن الحزمة الاقتصادية الأكثر واقعية التي يمكن تقديمها إلى إيران بنهاية المرحلة الأولى مقابل اتفاقية تجميد مؤقتة ما يلي

  1. إصدار إعفاءات تنفيذية تخفف القيود المفروضة على قدرة إيران على الوصول إلى عائداتها الأجنبية المجمدة في البنوك الخارجية (خاصة في الصين وأوروبا والهند واليابان وكوريا الجنوبية والعراق) لغير الخاضعين للعقوبات التجارة.
  2. إعادة إصدار التنازلات لبلدان معينة لشراء النفط الإيراني المحدود، في الواقع إعادة بيئة العقوبات إلى ما قبل أيار/مايو 2019. هنا ستكون الصين هي المفتاح. سيكون التنازل لكوريا الجنوبية مهمًا أيضًا، حتى تتمكن من شراء المكثفات من إيران. ويعد استخدام المكثفات، وهو منتج ثانوي للغاز الطبيعي، أمرًا أساسيًا للحفاظ على نمو الإنتاج في حقل جنوب بارس، وهو يشكل حاجة ماسة للنشاط الاقتصادي المحلي. في حين يمكن إصدار إعفاءات نفطية للدول الأوروبية التي استوردت النفط الخام الإيراني سابقًا، مثل اليونان وإيطاليا، فمن غير المرجح أن تعود الجهات الفاعلة التجارية من هذه الدول إلى السوق الإيرانية في المستقبل المنظور.
  • المرحلة الثانية: التنفيذ الكامل والمتبادل لخطة العمل الشاملة المشتركة بحلول حزيران/يونيو 2021

بنهاية المرحلة الثانية، يجب على كل من الولايات المتحدة وإيران، في سلسلة متزامنة من الخطوات، الالتزام الكامل بخطة العمل الشاملة المشتركة. بالنظر إلى تجربة تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة – التي استلزمت سلسلة معقدة من الإجراءات بين تموز/يوليو 2015 وكانون الثاني/يناير 2016، ينبغي أن يكون من الممكن لإيران التراجع عن أنشطتها النووية التي تتجاوز الحدود القصوى لخطة العمل الشاملة المشتركة.

ستحتاج إيران إلى خفض مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب، وتفكيك أجهزة الطرد المركزي المتقدمة في نطنز، ووقف خطوات البحث والتطوير التي تتجاوز خطة العمل الشاملة المشتركة.سيكون من المهم تعزيز التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة قبل الانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو في إيران، مما يجعلها أكثر ديمومة بغض النظر عمن سيخلف إدارة روحاني. علاوة على ذلك، فإن عودة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة بحلول حزيران/يونيو، يمكن أن تساعد في تعزيز الزخم السياسي في إيران لصالح استمرار الدبلوماسية مع الغرب.

سيكون هذا هو الوقت المناسب لبناء الثقة. أولاً وقبل كل شيء ، يتعين على الطرفين تهدئة التوترات العسكرية من النوع الذي خلقته إدارة ترامب في الشرق الأوسط. يمكن لمجموعة الترويكا تعزيز التفاهم بين إيران وإدارة بايدن خلال هذه المرحلة الدقيقة بحيث لا يشارك أي من الطرفين في أعمال استفزازية.

في حين أن إحراز تقدم سياسي كبير بشأن الصراعات الإقليمية أمر غير مرجح في هذه المرحلة، لذا يمكن لطهران أن تلطف من خطابها تجاه الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين. إضافة إلى ذلك ، يمكن للولايات المتحدة وإيران الاستمرار في الإفراج المتبادل عن المعتقلين، وهو ما سهّلته الحكومة السويسرية خلال إدارة ترامب.

لاحظت إيران باستمرار أنه كجزء من إعادة الدخول إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، ستحتاج الولايات المتحدة إلى “تعويض” المصاعب الاقتصادية الناتجة عن قرار ترامب بإعادة فرض العقوبات في وقت كانت فيه إيران ملتزمة تمامًا بالاتفاق. في حين أنه من غير المرجح أن توافق إدارة بايدن على حزمة تعويضات صريحة، بالنظر إلى الضغط المحلي الحالي ضد الدبلوماسية مع إيران.

يجب أن تكون الإدارة الجديدة مستعدة أيضًا لممارسة المرونة في تزويد إدارة روحاني بـ"الذخيرة" لتسويق فكرة المحادثات مع الولايات المتحدة من خلال الإجراءات التالية

  1. العمل مع الشركاء الأوروبيين لتوسيع نطاق التجارة التي تتم في إطار آلية انستكس.
  2. إلغاء عقوبات الأمر التنفيذي الصادر في عهد ترامب ضد قطاع المعادن والتعدين في إيران.
  3. إصدار إعفاءات لشركات مثل بوينج وإيرباص لنقل الطائرات المدنية وقطع الغيار والتقنيات ذات الصلة إلى إيران.
  4. يمكن للولايات المتحدة والمملكة المتحدة التنسيق للسماح بتحويل دين بقيمة 400 مليون جنيه إسترليني مستحقة على الحكومة البريطانية لإيران مقابل بيع الدبابات (تم إبرامها قبل عقود ولكن لم يتم تسليمها أبدًا).
  5. تكثيف التواصل من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ووزارة الخارجية مع الجهات الفاعلة التجارية والبنوك الأوروبية فيما يتعلق بتخفيف العقوبات الأميركية. وقد يشمل ذلك تصنيف بنك أو اثنين من البنوك الأوروبية على أنها بنوك مخوّلة للتعامل مع إيران.
  6. الموافقة على إلغاء آلية الزناد (وفقًا للقرار 2231) لأي مشارك في خطة العمل المشتركة الشاملة واستبدالها بشرط تصويت الأغلبية للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن (وبالتالي يتطلب فعليًا أن تحصل الولايات المتحدة على دعم فرنسا والمملكة المتحدة). في المقابل ، يمكن لإدارة بايدن الضغط من أجل سلسلة من الترتيبات مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لتقييد تصدير إيران واستيرادها لأسلحة متطورة معينة بعد انتهاء حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.
  • المرحلة الثالثة: المزيد من المحادثات النووية، أواخر عام 2021 – آب/أغسطس 2023

في حين أن أول المرحلتين تركزان على استقرار خطة العمل الشاملة المشتركة وتجنب أزمة قصيرة الأجل بشأن البرنامج النووي الإيراني، فإن المرحلة الثالثة تتطلع إلى البناء على خطة العمل الشاملة المشتركة كجزء من صيغة “المزيد مقابل المزيد” والتي يمكن من خلالها لجميع الأطراف في خطة العمل الشاملة المشتركة الاستفادة. من غير المرجح أن تسمح الأطر السياسية في إيران لروحاني بالتقدم إلى هذه المرحلة الثالثة، لذلك ستحتاج القوى العالمية إلى الانتظار لدفع هذا الأمر إلى الأمام مع حكومة إيرانية جديدة.

يمكن لإدارة بايدن أن تستغل الأشهر الأخيرة من إدارة روحاني لإثبات أسباب وجوب إعطاء المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، الضوء الأخضر لمزيد من المفاوضات. قد يكون من الأكثر واقعية أن تبدأ هذه المحادثات عبر قناة سرية. لهذه العملية، يمكن لإدارة بايدن تعيين مبعوث خاص للدبلوماسية مع إيران، واختيار شخصية لديها معرفة عميقة بملف إيران وتحظى باحترام كبير بين أعضاء الكونغرس. يمكن أن تكون المشاركة الأكبر بين كبار المسؤولين الإيرانيين والأميركيين في المنتديات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية مفيدة في توسيع الفتحة الدبلوماسية على نطاق أوسع.

بالنسبة لمرحلة أكثر علنية من المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن صفقة “المزيد مقابل المزيد”، من المرجح أن تتطلب طهران إطار عمل متعدد الأطراف، لا سيما في ضوء رد الفعل المحلي تجاه الولايات المتحدة بعد اغتيال إدارة ترامب لسليماني. سيظل إطار عمل مجموعة 5 + 1 واللجنة المشتركة المسرح الأكثر قابلية للتطبيق للمناقشات مع إيران حول القضية النووية.

ستكون إدارة بايدن ومجموعة الدول الثلاث حريصة على تأمين متابعة الالتزامات النووية من إيران فيما يتعلق بالمناطق التي تنتهي صلاحيتها اعتبارًا من تشرين الأأول/أكتوبر 2023. إضافة إلى ذلك، فإن المعرفة التي حصلت عليها إيران من خلال أنشطة البحث والتطوير الموسعة ستخلق اختلالات في خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية التي تريد مجموعة الترويكا معالجتها في هذه المرحلة. ولجعل هذه العملية أكثر فاعلية، يجب على الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية الحصول على درجة من التأييد من روسيا والصين. كمت يمكن أن تساعد المشاورات المبكرة والرسائل إلى الشركاء في الشرق الأوسط، مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية، في تقليل المقاومة الحتمية من قبل هذه الدول للدبلوماسية مع إيران.

لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إيران مستعدة لتمديد التزاماتها النووية إلى ما بعد الشروط المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة، أو في الواقع، ما إذا كان الرئيس الإيراني الجديد قادرًا على الوفاء بهذه الدبلوماسية. ما هو مؤكد أنه مقابل مثل هذه الخطوات، ستحتاج إدارة بايدن إلى الاستعداد لتقديم تخفيف أكبر للعقوبات على طهران، مثل ما يلي

  1. منح إيران بعض الوصول إلى الدولار الأميركي. وقد يستلزم ذلك إعادة إصدار ترخيص عام للمعاملات ذات الاتجاه المعاكس مع إيران (تم إلغاؤه في عام 2008) للسماح للبنوك الدولية بمعالجة وتصفية المعاملات بالدولار الأميركي المتعلقة بأعمال إيران. كجزء من ذلك ، يمكن للولايات المتحدة أيضًا أن تعرض تخفيف الإجراءات التي تقيد التجارة المقومة بالدولار مع إيران.
  2. تخفيف العقوبات الأميركية الأساسية في قطاعات محددة مهمة لإعادة تأهيل الاقتصاد الإيراني، مثل الطاقة والتصنيع.
  3. المصادقة على صفقة “المزيد مقابل المزيد” كمعاهدة أو اتفاقية تشريعية وتنفيذية. بالنظر إلى مصير خطة العمل الشاملة المشتركة، كطريقة لتقليل مخاطر قيام رئيس أميركي مستقبلي بالتراجع عن ترتيبات المتابعة، يمكن لإدارة بايدن محاولة الحصول على دعم من الكونغرس للصفقة.

في حين أنه من المرجح أن تصر إيران طوال الوقت على إزالة الحرس الثوري الإسلامي من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية الأجنبية، وهو التصنيف الذي وضعته عليه إدارة ترامب في عام 2019. يمكن التعامل مع هذه المسألة بشكل أنسب في إطار مسار منفصل ومتوازي للمفاوضات مع إيران حول القضايا الإقليمية.

تحديات تواجه بايدن والروحاني

بافتراض أن بايدن وروحاني يمكنهما البدء بمسار دبلوماسي، فمن المرجح أن يواجه الجانبان تحديات للدبلوماسية تتجاوز تلك التي واجهها بلديهما خلال الاتفاق النووي لعام 2015. يجادل المتشددون في كل من طهران وواشنطن بالفعل بأن خطة العمل الشاملة المشتركة توضح أن الجانب الآخر لا يمكن الوثوق به للوفاء بالتزاماته. وفي الوقت نفسه، فإن إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أكثر تنسيقاً في التصدي لإيران، وهو الوضع الذي سيتطلب موازنة دقيقة من قبل إدارة بايدن.

ستسعى المعارضة الداخلية لروحاني إلى حرمانه من القدرة على تأمين إرث الاتفاق النووي مع اقتراب موعد الانتخابات. سيكون موقف المرشد الأعلى لإيران حاسمًا بشأن ما إذا كان يمكن لمعسكر روحاني وضع مسار دبلوماسي مع الولايات المتحدة يكون مستدامًا بمجرد تولي إدارة جديدة زمام الأمور.

على الرغم من الظروف الاقتصادية المحفوفة بالمخاطر في إيران، قد يجد بايدن صعوبة أكبر في إقناع طهران بتقديم تنازلات في عام 2021 مقارنة بالمحادثات النووية في عام 2013.

ورغم أن العقوبات الأميركية أحادية الجانب يمكن أن يكون لها تأثير مدمر، فقد أثبت الاقتصاد الإيراني أنه مرن ولديه القدرة على المقاومة. ويتوقع كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الآن انتعاشًا للاقتصاد الإيراني في عام 2021 على الرغم من وباء كورونا.

علاوة على ذلك، يبدو الاقتصاد العالمي اليوم مختلفًا تمامًا عما كان عليه في 2012/2013، عندما قررت إيران الدخول في مفاوضات مع إدارة باراك أوباما. إن أسعار النفط المنخفضة اليوم، إلى جانب التباطؤ الاقتصادي العالمي وما يترتب على ذلك من انخفاض الطلب على النفط من المشترين الآسيويين، يعني أن إيران تحصل على أرباح أقل مما كانت عليه في أعقاب تخفيف العقوبات من قبل الولايات المتحدة. في غضون ذلك، تجادل أعداد متزايدة من الأصوات في إيران بأن أفضل علاج لإيران هو أن تصبح محصنة ضد العقوبات الأميركية بدلاً من ربط الاقتصاد الإيراني بما إذا كان سيتم تفعيل العقوبات أو إيقافها.

من الواضح أيضًا من تجربة تخفيف العقوبات في عام 2016 أن القطاع المالي العالمي لا يزال شديد الحذر بشأن دعم المعاملات مع إيران طالما أن العقوبات الأميركية الأولية سارية لتقييد وصول إيران إلى الدولار الأميركي. إن السابقة التي حددتها إدارة ترامب والجمهوريون المتشددون في الكونغرس ستجعل المؤسسات المالية العالمية أكثر ترددًا في التعامل مع إيران في عام 2021. وعلى أي حال، سيتعين على الكثير من القطاع المصرفي الإيراني إحراز تقدم ملحوظ في فريق العمل المالي.

تحتاج إدارة بايدن وأوروبا إلى الانتباه إلى الحقائق السياسية والاقتصادية التي تشكل حسابات صناع القرار الإيرانيين. قبل أن تدخل إيران في مفاوضات متابعة بشأن القضية النووية، من المرجح أن تطلب طهران فترة لبناء الثقة لتقتنع بأن رفع العقوبات الأميركية سيكون أكثر ديمومة وإفادة هذه المرة.

الشعار الدبلوماسي في المقدمة

في ضوء توسع الأنشطة النووية الإيرانية، من الواضح أنه في كانون الثاني/يناير المقبل، يجب أن يكون الانخراط في دبلوماسية عاجلة ومنع تصعيد عسكري في الشرق الأوسط من أولويات واشنطن والعواصم الأوروبية. سيعتمد مقدار ما يمكن أن تحصل عليه إدارة بايدن من إيران على خطوات تتجاوز خطة العمل الشاملة المشتركة إلى حد كبير على مدى قدرة الولايات المتحدة واستعدادها لتزويد إيران بمكاسب اقتصادية ملموسة. سيكون من الأهمية بمكان استخدام الفترة الزمنية الضيقة المتبقية في ظل إدارة روحاني لوضع مسار دبلوماسي يمكن أن يحقق هذه الأهداف ويواصله خليفة روحاني. يمكن لأوروبا أن تبدأ هذه العملية بعد فترة وجيزة من الانتخابات الأميركية لإيجاد معايير لعملية مقبولة للولايات المتحدة وإيران للامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة.

بالنظر إلى التحديات التي ستواجه بايدن وروحاني في كانون الثاني/يناير، فإن النهج التدريجي مطلوب للدبلوماسية. الجدول الزمني المقترح هنا يمكن تحقيقه بوجود إرادة سياسية كافية في واشنطن وطهران. كما أنه يوفر أفضل فرصة لتعزيز خطة العمل الشاملة المشتركة في إطار زمني سريع قبل رحيل الإدارة الإيرانية ومجموعة من المسؤولين الذين دفعوا باستمرار من أجل الدبلوماسية مع الغرب وأظهروا سجلاً مثبتًا في الوفاء بالتزامات خطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، قد تصبح المفاوضات أطول نتيجة للقيود المحلية على كلا الجانبين والسلوك من قبل الأطراف الثالثة المفسدين. سوف تحتاج العواصم الأوروبية إلى مواصلة الضغط الصعب المتمثل في الضغط على إيران والولايات المتحدة نحو سلم دبلوماسي كما فعلت حتى الآن في ظل الحكومات المتعاقبة على الجانبين في العقود السابقة.

موقف أوروبا الاستراتيجي بين إيران والولايات المتحدة – كورنيليوس أديبهر

مع اقتراب انتهاء حكم الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، هناك بعض الأخبار السارة التي يمكن الحصول عليها: لا يزال الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 على قيد الحياة. من المسلم به أن هذا وصف لحالته العامة، وليس حكماً بأن حالته جيدة. في الواقع، من الصعب توقع مصير الاتفاق، في حال وصول ترامب إلى الرئاسة مرة أخرى. من ناحية أخرى، فإن الحقيقة البسيطة المتمثلة في فوز نائب الرئيس السابق جو بايدن بالإنتخابات يمكن أن تمكن الولايات المتحدة من البناء على إطار العمل الحالي للاتفاق النووي لصياغة نوع إتفاق جديد مبني على الإتفاق الأساسي، بدلاً من بناء اتفاقية جديدة تمامًا. بالنسبة للأوروبيين، قد يعني هذا استئناف دورهم كوسيط بناء بين واشنطن وطهران.

انتخابات الولايات المتحدة لعام 2020: فرصة لأوروبا لمراجعة نهجها

لعقود من الزمان، كانت علاقات أوروبا مع إيران تأتي ضمن علاقة ثلاثية أوسع تشمل كلاً من الولايات المتحدة وإيران. لم تكن الروابط عبر الأطلسي أساسًا للأمن الأوروبي فحسب، بل كانت أيضًا الأساس لنظام دولي على مدى العقود السبعة الماضية. في غضون ذلك، كانت العلاقات بين طهران وواشنطن مشحونة بالعداء منذ عام 1979.

في المقابل، كانت التفاعلات بين إيران وأوروبا أقل وضوحًا نسبيًا. في الواقع، هم منفتحون على التأثير من الأطراف الأخرى للمثلث، أي مع إيران وأميركا. كان الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 في قلب هذا المثلث الهش حتى انسحاب الولايات المتحدة في أيار/مايو 2018. ومنذ ذلك الحين، تحولت خطة العمل الشاملة المشتركة من كونها القضية السياسية الموحدة الوحيدة بين الأطراف الثلاثة إلى مسألة متنازع عليها بشدة، بين الأطراف الثلاثة. الأوروبيون والولايات المتحدة، وبعد ذلك، بعد توقف إيران التدريجي عن التزاماتها بالاتفاقية، أيضًا بين الاتحاد الأوروبي وإيران. يأتي هذا على رأس هذه المخاوف المستمرة مثل أعمال التخريب في منطقة الخليج وداخل إيران، والحروب المستمرة بالوكالة في سوريا واليمن، والهجمات الصاروخية المنتظمة في العراق ضد القوات الأميركية، والوضع الاجتماعي والاقتصادي المزري للشعب الإيراني كما يتضح من الإضرابات المتكررة. هناك أيضا مسألة زيادة أخذ الرهائن من مزدوجي الجنسية في إيران بموجب اتهامات ملفقة.

نظرًا لأن السياسة الأميركية الحالية تهدد بتقويض أسس الأمن والازدهار في أوروبا على نطاق واسع، وإيران تساهم في زيادة عدم الاستقرار في جوارها المباشر، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم مقاربته تجاه إيران. من الأهمية بمكان، في حالة فوز بايدن الانتخابي، أن أوروبا ستضطر إلى عكس مسارها بسرعة والتحول من القتال من أجل بقاء خطة العمل الشاملة المشتركة إلى تطوير مقترحات ملموسة، مدعومة بالإرادة السياسية والموارد، لصياغة نهج جديد عبر الأطلسي تجاه إيران. ستكون نافذة الفرصة قصيرة: لا يمكن للأوروبيين التعامل بشكل جوهري مع فريق بايدن القادم خلال الفترة الانتقالية، من الانتخابات إلى تنصيب الرئيس، لأن هذا من شأنه أن يرقى إلى التدخل الأجنبي. من الواضح أن النتيجة الانتخابية غير الواضحة تلعب دورًا في الوقت المناسب. لكن الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أنه لا يوجد أكثر من خمسة أشهر بين تنصيب الرئيس الأميركي الجديد في أواخر كانون الثاني/يناير 2021 والانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر إجراؤها في منتصف حزيران/يونيو 2021.

تقدم العلاقة الثلاثية بين إيران والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على مدى العقدين الماضيين عددًا من الدروس القيمة ذات الصلة بأي مناقشة حول رئاسة ديمقراطية محتملة. بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن التطلع إلى عام 2021 يعني دراسة أفضل السبل التي يمكن أن تتماشى بها المصالح الأوروبية في المنطقة مع النهج الجديد للبيت الأبيض الجديد.

عقدان من العلاقات الثلاثية: الدروس المستفادة

كان الاتفاق عبر الأطلسي لعام 2015 بشأن كيفية التعامل مع إيران هو الاستثناء وليس القاعدة على مدى واحد وأربعين عامًا. في أغلب الأحيان، كان صانعو السياسة في العواصم الأوروبية على خلاف مع نظرائهم في واشنطن حول كيفية التعامل مع النظام في طهران.

مقاربات مختلفة على جانبي الأطلسي تعيق السياسة الفعالة

منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، كانت الولايات المتحدة أكثر تصادمًا مع طهران من حلفائها الأوروبيين. عندما سعت الأخيرة إلى دفع طهران بشكل متزايد نحو مسار أقل أيديولوجية من خلال الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية والاستثمار في التجارة، اتبعت واشنطن، بشكل عام، نهجًا يركز على العزلة والعقوبات الاقتصادية. كان الخلاف الناتج عن هذه المقاربات المختلفة أحد أسباب انهيار المفاوضات الأوروبية الإيرانية المبكرة حول البرنامج النووي للبلاد بين عامي 2003 و 2005.

شكلت أنشطة إيران النووية السرية التي تم الكشف عنها عام 2002 تهديدين خاصين للمصالح الأوروبية. الأول كان لمصلحة أوروبا المعيارية في الحفاظ على نظام حظر الانتشار العالمي للسلاح النووي، المتوقع أن ينهار في مواجهة سباق التسلح النووي في الخليج وما بعده في أعقاب حصول إيران في نهاية المطاف على القنبلة. كان التهديد الثاني هو مصالح أوروبا الأمنية في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، حيث كان من المحتمل أن يؤدي العمل العسكري من قبل خصوم إيران لعرقلة برنامجها النووي إلى صراع كبير.

في حين أن فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، إلى جانب الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، صمموا على نزع فتيل هذين التهديدين من خلال التسوية الدبلوماسية، كانت واشنطن غير مستعدة للتزحزح. وبغض النظر عن ذلك، فقد دعت مجموعة الدول الثلاث والاتحاد الأوروبي طهران إلى مفاوضات تهدف إلى إنتاج ضمانات يمكن التحقق منها بشأن الطبيعة السلمية لبرنامج إيران النووي. على الرغم من أن التهديد بضربة عسكرية أميركية بعد غزو العراق عام 2003 ساعد في دفع طهران للدخول في مثل هذه المحادثات مع أوروبا، فإن إصرار واشنطن على “عدم التخصيب” أضعف اليد الدبلوماسية للأخيرة. بدون جلوس الأميركيين على الطاولة، لا يمكن للأوروبيين تقديم أكثر ما تريده إيران: ضمانات أمنية فعالة واعتراف رسمي بـ “حقوقها النووية”، وهي مشكلة حادة عادت عندما انسحبت الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في 2018.

كان غياب الولايات المتحدة عن المفاوضات أحد الأسباب المهمة التي أدت إلى انهيار تلك المحادثات بشكل فعال. في إيران، اختلفت الفصائل السياسية حول التنازلات التي يجب تقديمها مقابل الاعتراف الدولي. لا يزال من اللافت للنظر أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشكل عام سمحت لمجموعة الترويكا الأوروبية بقيادة السياسة بشأن ملف إيران بالاشتراك مع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، وبالتالي الحفاظ على موقف أوروبي متماسك إلى حد ما على مر السنين.

خطة العمل الشاملة المشتركة: الجمع بين أفضل الصفات

أدى الجمع بين الدبلوماسية والعقوبات في النهاية إلى توفير الأرضية المشتركة التي انضم إليها الأعضاء الدائمون غير الأوروبيين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – الصين وروسيا والولايات المتحدة – لتشكيل جبهة تجمعهم.

بالمقارنة مع “الصفقات” السابقة التي تفاوض عليها الأوروبيون في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، استفادت خطة العمل الشاملة المشتركة من تمثيل جميع الأطراف. من الأهمية بمكان أن استعداد الاتحاد الأوروبي للعمل، بمفرده في البداية، تطور إلى طموح لجلب جميع اللاعبين ذوي الصلة إلى الطاولة وإبقائهم هناك. علاوة على ذلك، فإن إصرار أوروبا على حل متعدد الأطراف يؤكد أهمية التوصل إلى حل وسطي تفاوضي. أخيرًا، اختار المفاوضون “تجزئة” المشكلة، من خلال التركيز على المصالح المشتركة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني وتجاهل الخلافات حول الأمور الأخرى، مثل الحروب المستمرة في سوريا منذ عام 2011 أو ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، يمكن للمفاوضين التوصل إلى حل وسط. ومع ذلك ، فقد ترك هذا النهج عددًا من الدول في الشرق الأوسط غير راضية، لأنها تخشى أن يؤدي الاعتراف والمكافأة المادية التي حصلت عليها إيران من الاتفاق النووي إلى تشجيعها على تكثيف حملتها الإقليمية.

على الرغم من الإجماع شبه العالمي على القيمة الإيجابية لخطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أن ترامب فور وصوله للرئاسة بدأ على الفور في العمل ضد الصفقة. بحلول أيار/مايو 2018، أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة على الرغم من المحادثات الجارية مع مجموعة الترويكا الأوروبية وبعض التدخلات البارزة في اللحظة الأخيرة من قبل القادة الأوروبيين لوقف مثل هذه الخطوة. وبحلول تشرين الثاني/نوفمبر، وفي ظل سياسة “الضغط الأقصى” ، أعادت واشنطن فرض جميع العقوبات الأميركية المعلقة سابقًا بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة. منذ ذلك الحين ، اتبعت المزيد من الإجراءات ، بما في ذلك العقوبات على وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وفيلق الحرس الثوري الإسلامي، وعلى صناعات محددة، مثل التعدين والمنتجات المعدنية والمنسوجات والتصنيع. والنتيجة، كانت إحداث اضطراب حاد في الاقتصاد المحلي لإيران.

أمريكا تؤذي، لكن دون تحقيق النتائج المرجوة

لم تكشف العقوبات الأميركية المتزايدة افتقار أوروبا للدفاعات الاقتصادية فحسب، بل أظهرت أيضًا مدى انتشارها وشدتها حتى بدون دعم دولي واسع. بعد الإعلان عن عزمهم التمسك بالجوانب التجارية للاتفاق النووي في أيار/مايو 2018 ، وإنشاء أداة إنستكس ذات الأغراض الخاصة في كانون الثاني/يناير 2019، تمكن الأوروبيون من إجراء صفقة واحدة فقط بحلول أيلول/سبتمبر 2020. بشكل عام وتجاه إيران بشكل خاص، ولكن مع الحرص على عدم تصعيد حربها التجارية مع واشنطن، التزمت إلى حد كبير الدول الأوروبية بالعقوبات الأميركية. في الوقت نفسه، أدركت طهران أنها لا تستطيع الاعتماد على الدعم النشط من أوروبا، وبالتالي في أيار/مايو 2019، بدأت تدريجياً في تقليص التزاماتها بموجب الاتفاق. وبالتالي، في كانون الثاني/يناير 2020، أطلقت القوى الأوروبية آلية حل النزاعات الخاصة بخطة العمل الشاملة المشتركة بشأن عدم امتثال إيران العلني.

بالنظر إلى الجمود في الاتفاق النووي، فإن مؤيدي خطة العمل الشاملة المشتركة يتطلعون بطبيعة الحال إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية لإحداث تغيير آخر في السياسة. قبل استكشاف كيف يمكن أن يختلف موقف أوروبا بين الولايات المتحدة وإيران في ظل رئاسة بايدن، يجدر بنا مراجعة العوامل التي لعبت دورًا في النجاحات والإخفاقات الماضية لهذه العلاقة الثلاثية.

  • أولاً ، نظرًا لأن الاتحاد الأوروبي هو جهة فاعلة دولية في حد ذاته، فإن الموقف المتماسك لأعضائه شرط لا غنى عنه لأي إجراء في السياسة الخارجية. وبالتالي، فإن التنسيق بين الترويكا الأوروبية والاتحاد الأوروبي أمر بالغ الأهمية، لا سيما بعد أن غادرت المملكة المتحدة الكتلة في أوائل عام 2020. وتجدر الإشارة إلى أنه من خلال التأثير على وضعها كضامن أمني ضد روسيا، فإن الولايات المتحدة لديها نفوذ على العديد من دول الاتحاد الأوروبي الأصغر حجمًا. وبالتالي، قد يكون لأميركا نفوذ أكبر على المملكة المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث إن احتمالية إبرام صفقة تجارية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قد تدفع لندن إلى التخلي عن إجماع الترويكا بشأن سياسة إيران.
  • ثانياً، لم يتقدم الملف النووي إلا بعد تلاقي المصالح والأسباب المفضلة للعمل عبر المحيط الأطلسي. أثبتت جهود أوروبا السابقة لإقناع إيران بتقديم تنازلات بالفشل دون دعم الولايات المتحدة. وبالمثل، حتى الضغط الأقصى من واشنطن لم يجعل طهران تنهار، لأسباب ليس أقلها أن الموقعين على الصفقة يصرون، مع خصوصاً الأوروبيين، على التمسك بالاتفاق.
  • ثالثًا، نفوذ أوروبا في إيران بات ضئيلاً. وعودها بحماية الشركات الأوروبية من آثار العقوبات الأميركية وإنشاء قناة دفع منفصلة أخفقت في الحفاظ على تجارة كبيرة. وبدلاً من ذلك، ينظر بعض الإيرانيين إلى أوروبا على أنها مجرد دور “الشرطي الصالح” للولايات المتحدة بسبب صعوبات اتخاذ موقف مستقل.

بعد خمس سنوات من إبرام اتفاق فيينا وقبل الانتخابات الرئاسية الحاسمة في كل من الولايات المتحدة وإيران، من الواضح أن النفوذ الأوروبي قد تراجع في مواجهة واشنطن وطهران. في حين أن واشنطن تشعر بالضيق والانزعاج من رفض أوروبا الالتزام بخططها، فإن طهران محبطة إلى حد كبير بسبب افتقار أوروبا إلى الإرادة السياسية والنفوذ الاقتصادي الفعلي. إن رئاسة بايدن المحتملة لديها القدرة على تغيير الكثير من هذا الوضع.

التطلع إلى عام 2021: إعادة مواءمة المصالح الأوروبية والأميركية؟

الافتراض هنا هو أنه في كانون الثاني/يناير 2021، سيظل هناك اتفاق نووي معمول به لكل من الولايات المتحدة وإيران للانضمام إليه. هذا لا يعني، مع ذلك، أنه يمكن أن تكون هناك عودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل خروج واشنطن من الصفقة. لم تؤد سنوات العقوبات والتنمر إلى تقوية المواقف في العواصم حول العالم فحسب، بل خلقت أيضًا حقائق على الأرض يجب التغلب عليها من خلال الدبلوماسية المتزايدة. هذا يعني أنه على الرغم من الاتفاق من حيث المبدأ على التوصل إلى اتفاق آخر مع إيران، لا يزال يتعين على الأوروبيين وإدارة بايدن المساومة حول كيفية إنجازها.

تتضمن المصالح الإستراتيجية للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالجمهورية الإسلامية ثلاثة أهداف مترابطة: أولاً، دعم النظام الدولي لعدم انتشار السلاح النووي ومنع إيران، أو أي دولة أخرى، من تطوير سلاح نووي؛ ثانياً، تجنب حرب شاملة بين الدول تشمل إيران والمخاطرة بمزيد من عدم الاستقرار الإقليمي. وثالثًا، إثبات قدرة الاتحاد الأوروبي على العمل على الساحة الدولية .

حقق الاتحاد الأوروبي جميع هذه الأهداف الثلاثة مع خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، وتمسك صانعو السياسة الأوروبيون بالاتفاق منذ ذلك الحين.

من نهج محوره إيران إلى تعامل واسع النطاق مع دول الخليج

من المهم ملاحظة أن الحفاظ على خطة العمل المشتركة الشاملة لا ينبغي أن يكون غاية في حد ذاته. فالملف النووي ما هو إلا مجال واحد للقلق بالنسبة للأوروبيين، حيث أن احتمال زعزعة استقرار إيران الإقليمي، سواء من خلال دعمها لوكلائها أو برنامجها الصاروخي، هو مجال آخر. وتشارك الولايات المتحدة أيضًا قلق أوروبا بشأن السجل السيئ للنظام الإيراني في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك الميل إلى معاداة السامية وكراهية المثليين. في المقابل، مع برامج الطاقة النووية النشطة الآن في الإمارات العربية المتحدة (التي أطلقت مفاعلها الأول على الإنترنت هذا العام) والمملكة العربية السعودية (التي عززت برنامجها الصاروخي) ، ظهر بعد إقليمي واضح للملف النووي. لذلك ينبغي أن تأخذ المحادثات المستأنفة حول خطة العمل الشاملة المشتركة الصورة الإقليمية.

وبقدر ما كان الهدف من الاتفاق النووي “المساهمة بشكل إيجابي في السلام والأمن الإقليميين والدوليين” ، كان الأوروبيون يراهنون أيضًا على التغيير التدريجي داخل إيران. كان الرهان الضمني هو أن الانفتاح الاقتصادي في أعقاب اتفاق 2015 سيعزز القوى المعتدلة التكنوقراطية في الجمهورية الإسلامية.

وسعت أوروبا، لتحقيق هذه الغاية، واستنادًا إلى توجهها الأساسي في سياستها الخارجية، إلى إشراك إيران في جميع المجالات بدلاً من نبذها. ويتضح ذلك من خلال أجندة السياسة الشاملة للاتحاد الأوروبي التي تشمل “العلاقات الاقتصادية والطاقة والبيئة والهجرة والمخدرات والمساعدات الإنسانية والنقل والحماية المدنية والعلوم والتعاون النووي المدني، فضلاً عن الثقافة”.

لا يتعارض أي من هذه الأهداف في حد ذاته مع المصالح المعلنة للولايات المتحدة. بدلاً من ذلك، تكمن المشكلة في كيفية تحقيقها (بشكل مشترك ، إن أمكن). يجب أن يتم تكرار نهج المسار المزدوج في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من قبل الإدارة الأميركية التالية جنبًا إلى جنب مع الأوروبيين، وبشكل مثالي مع الصين وروسيا.

مع رئاسة بايدن، هناك احتمال ليس فقط للمصالح الأوروبية الأميركية المشتركة تجاه إيران، ولكن أيضًا للعمل المشترك لتحقيقها. تعهد المرشح الديمقراطي المفترض بإعادة الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة إذا قامت إيران بذلك أيضاً. لا ينبغي أن يكون هذا مفاجأة بالنظر إلى أن نائب الرئيس نفسه دافع بشدة عن الصفقة أمام الكونغرس.

ما بعد الصفقة هو ما قبل الصفقة: المطلوب دبلوماسية متجددة في المناطق المجهولة

في الواقع، لن تكون العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة إنجازًا بسيطًا. من ناحية، تشددت المواقف في إيران خلال السنوات الأخيرة من العقوبات، وأصبحت المنطقة نفسها أكثر تقلباً. بالإضافة إلى ذلك، مع بدء بنود إنهاء العمل في خطة العمل المشتركة الشاملة  في إنهاء بعض القيود النووية الإيرانية في عام 2023، ستكون هناك حاجة لتمديد بعض قيود الصفقة. كما اقترح جيك سوليفان، مستشار حملة بايدن والذي كان مستشارًا للأمن القومي لنائب الرئيس بايدن، وهو جزء من الفريق الذي أجرى مفاوضات سرية مع إيران، يجب على الرئيس بايدن “البدء فورًا في عملية التفاوض على اتفاقية متابعة لخطة العمل الشاملة المشتركة”.

هذا هو المكان الذي يأتي فيه الأوروبيون – بصفتهم ميسرين محتملين للمحادثات متعددة الأطراف – لأن الرئيس بايدن سيكون على استعداد للتعامل مع نفوذ إيران الإقليمي بالتشاور مع حلفاء الولايات المتحدة. على وجه الخصوص، كانت فرنسا صريحة بشأن الحاجة إلى فحص قدرات إيران الصاروخية، على سبيل المثال من خلال ترتيب إقليمي بشأن الصواريخ. بالإضافة إلى ذلك، فإن المفاوضات لإنهاء الحروب في سوريا واليمن واستقرار الوضع الأمني ​​في العراق يجب أن تعالج قضية وكلاء إيران، من حزب الله والحوثيين إلى الميليشيات الشيعية العديدة.

تعزيز الدور الأوروبي كمصلحة عبر الأطلسي

بدلاً من معاملة حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا مثل التابعين، يمكن لبايدن استخدام هدف أوروبا المتمثل في أن تصبح جهة فاعلة أكثر استقلالية لصالح الولايات المتحدة. يميل صانعو السياسة الأميركية في كثير من الأحيان، وبشكل غير عادل إلى حد ما، إلى تصوير أن واشنطن “المتشددة” تقف ضد “رأس المال الأوروبي الضعيف”. ومع ذلك، لا سيما في المرحلة الأخيرة من المفاوضات النووية 2013-2015، كان الأوروبيون هم من صمدوا عندما كان المفاوضون الأميركيون على استعداد لتقديم تنازلات، على سبيل المثال بشأن إدراج مفاعل الماء الثقيل في أراك في الصفقة وفيما يتعلق بالحد من البحث والتطوير في أجهزة الطرد المركزي الإيرانية. يمكن لرئيس ديمقراطي أن يستأنف تقاسم الأدوار المثمر عبر الأطلسي.

علاوة على ذلك، مع وجود علاقات أفضل، فإن تلك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تفضل الوقوف إلى جانب واشنطن بدلاً من تطوير موقف أوروبي مستقل بشأن إيران يمكن ضمّها بسهولة أكبر. أدى الافتقار إلى نفوذ أوروبا على الشركاء (على سبيل المثال ، الولايات المتحدة) والشركاء الصعبين (أي إيران) على حد سواء إلى زيادة الدعوات لزيادة السيادة الأوروبية بما يتجاوز ملف إيران لتشمل كل شيء. مع تخفيف ضغوط العقوبات الأميركية على الأرجح وعودة الشركات الأوروبية إلى إيران، ستكون هناك حاجة أقل لأوروبا للتحايل على اللوائح الأميركية.

بدلاً من تفسير إنستكس كأداة لتحدي العقوبات الأميركية، سواء ضد إيران أو ضد خطوط أنابيب الغاز الروسية، يمكن تطوير هذه الأداة بتنسيق أكبر مع واشنطن. من وجهة نظر الولايات المتحدة، سيكون لهذا الأمر ميزة إضافية تتمثل في تجنب مخاطر الإفراط في استخدام العقوبات.

إن إحضار الصين وروسيا بشأن مفاوضات متجددة سيكون أصعب مما كان عليه في عام 2006. حتى بدون أخطاء الرئيس الحالي الفادحة المتعلقة ببكين، فإن العلاقات الصينية الأميركية ستكون محفوفة بالمنافسة بين القوى العظمى. أي نقطة اشتعال، من التجارة الثنائية إلى السيطرة على بحر الصين الجنوبي إلى معسكرات اعتقال الأويغور، ستجعل التسوية بشأن القضايا المتعلقة بإيران شاقة. يبدو أن الصين قد انتهزت الفرصة بالفعل من خلال توقيع شراكة إستراتيجية مدتها خمسة وعشرون عامًا مع إيران تهدف إلى منح بكين إمكانية الوصول إلى الطاقة وهيمنة البنية التحتية في منطقة حرجة، مثلما تمتعت واشنطن في عهد الشاه من الخمسينيات إلى السبعينيات. روسيا أيضًا – بعد عودة ظهورها كلاعب في المنطقة بسبب مشاركتها في الحربين السورية والليبية، جزئيًا بالتعاون الوثيق مع طهران – ستكون أقل ميلًا للتنازل عن أي أرضية لواشنطن.

ومع ذلك ، فإن ما تسمح به هذه الاحتكاكات الجيوسياسية هو إعادة ترتيب أوثق بين الشركاء عبر الأطلسي. بدلاً من الانحياز إلى الصين وروسيا ضد الولايات المتحدة فيما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة، كما أصبح الحال في ظل إدارة ترامب، يمكن للأوروبيين صياغة نهج مشترك مع البيت الأبيض الديمقراطي. علاوة على ذلك، يمكن لبايدن، الذي يملك سجلاً طويلاً من الدعم لأمن إسرائيل، أن يسعى إلى تفاهم جديد مع القيادة الإسرائيلية، بما في ذلك كيفية التعامل مع إيران. مع سعي بعض دول الخليج العربي إلى اتباع خط أكثر براغماتية تجاه إيران، يمكن أن يوفر هذا أيضًا مساحة للمناورة للأفكار الأوروبية لتعزيز التعاون الإقليمي.

خلاصة

إن إدارة بايدن ستغير بشكل جذري السياق الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بإيران. بقدر ما تتعارض حملة الضغط الأقصى الأميركية مع المصالح الأمنية لأوروبا، فإن العودة إلى عقد التعاون عبر الأطلسي من عام 2006 إلى عام 2016، من حيث الأسلوب والمضمون، سيكون بمثابة ارتياح كبير للأوروبيين. استعادة الامتثال للإتفاق النووي من جميع الأطراف، والتفاوض على صفقة متابعة محتملة، وبدء المحادثات حول ترتيبات الأمن الإقليمي، كلها قضايا يمكن أن تنطوي عليها أجندة بايدن من 2021 إلى 2024.

ستظل هناك اختلافات عبر المحيط الأطلسي بلا شك. حتى مع وجود اتفاقية جديدة محتملة بشأن الجبهة النووية، ستختلف الولايات المتحدة وأوروبا حول كيفية التعامل بالضبط مع برنامج الصواريخ الإيراني ونفوذها الإقليمي المتزايد. في حين أن هذه التهديدات أكثر صلة بأوروبا بسبب القرب الجغرافي، يبدو أن الأوروبيين يميلون أيضًا إلى الاعتراف بأن لإيران مخاوفها الأمنية المشروعة. بالنظر إلى بنية العقوبات الأميركية الراسخة، فمن المرجح أن تأتي أي فوائد اقتصادية مستقبلية لإيران مرة أخرى من أوروبا، وليس الولايات المتحدة. ومع ذلك ، فإن مواقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ستكون أقرب إلى بعضهما البعض مما كانت عليه خلال السنوات الثلاث والنصف الماضية، وهما معًا يتمتعان بنفوذ أكبر في إقناع أمثال الصين وروسيا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية بدخول أي نقاشات.

أخيرًا، يمكن أن تساعد إعادة الاصطفاف مع الولايات المتحدة الأوروبيين في التغلب على عدم ارتباطهم بإيران. نظرًا لأن أوروبا لا تزال تفتقر إلى الاستقلال السياسي والاقتصادي عن الولايات المتحدة، لم يكن لديها سوى القليل من الأدوات لمحاولة دعم الاتفاق النووي في مواجهة الضغط الأميركي. علاوة على ذلك، أظهر مسار العقدين الماضيين أنه فقط عند العمل جنبًا إلى جنب، يمكن لأوروبا والولايات المتحدة تحقيق أهدافهما المشتركة.

وطالما ظل العداء المتبادل هو السمة المميزة على طول محور طهران وواشنطن، سيتعين على أوروبا أن تلعب دورًا متوازنًا وتقريب مصالحها الخاصة. إذا تغير الوضع في إيران بشكل جذري، فإن أوروبا والولايات المتحدة يمكن أن تصبحا منافسين للشراكة مع القوى الجديدة الموجودة، حتى في ظل رئاسة بايدن.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه الدراسة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ مؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية

ترجمة/ هادي فولادكار

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: