الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة2 نوفمبر 2020 04:15
للمشاركة:

راديو زمانه – كيف يمكن لإيران أن تلتف على الحظر المفروض على السلع ذات الاستخدام المزدوج والبضائع العسكرية ضمن الأراضي الأوروبية؟

نشرت إذاعة "زمانه" الفارسية، والتي تبث من أمستردام والممولة من الاتحاد الأوروبي ووزارة الخارجية الهولندية، تحقيقاً لنسیم روشنایي وفرزاد صیفي ‌کاران، تناولت فيه استيراد إيران للسلع ذات الاستخدام المزدوج، وكيفية حصول طهران عليها من دول الاتحاد الأوروبي.

في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، انتهى حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على إيران منذ 13 عامًا، وقد قامت الحكومة الإيرانية خلال هذه السنوات بالالتفاف على هذا الحظر بالرغم من وجوده وذلك بدلاً من إعطاء الأولوية لسبل معيشة مواطنيها ورفاهيتهم والمساعدة في إحلال السلام في الشرق الأوسط. وقد أجرت منظمتا الصحافة الاستقصائية “دان ووتش”  و”زمانه ميديا” دراسة حول الدول والشركات التي قامت بتصدير الأسلحة الثقيلة والمعدات ذات الاستخدام المزدوج إلى إيران رغم حظر الأسلحة وحظر تصدير الاتحاد الأوروبي على إيران. كما تسعى هذه الدراسة لتقديم لمحة عامة عن حيز ما بعد حظر السلاح، وماذا ستفعل إيران من أجل شراء الأسلحة والمواد ذات الاستخدام المزدوج من الدول الأوروبية.

اعتقلت شرطة مكافحة المافيا الإيطالية في كانون الثاني/ يناير عام 2017 امرأة تُعرف باسم “السيدة ذات الرداء الأسود” بتهمة تهريب البضائع ذات الاستخدام المزدوج وأسلحة عسكرية لإيران. ومن الأمور التي قامت السيدة ذات الرداء الأسود والتي تُدعى آنا ماريا فونتانا بتهريبها لإيران هي معدات ذات استخدام مزدوج وأسلحة روسية الصنع وصواريخ مضادة للدبابات وأرض جو وقطع غيار للحوامات وأنواع من الذخائر. والعديد من هذه المعدات كانت تُصدّر لإيران دون أن تعبر الأراضي الإيطالية حتى.

الأبحاث التي قامت بها “زمانه” تشير إلى أن الحكومة الإيرانية استطاعت خلال الـ 13 عام وبالرغم من الحظر الشديد والعقوبات الصارمة شراء البضائع ذات الاستخدام المزدوج والمعدات العسكرية المختصة بتطوير وتعزيز البرنامج النووي والصاروخي من الأراضي الأوروبية.

المعدات والبضائع والآلات والقطع والمواد التي يطلق عليها مصطلح “مزدوجة الاستخدام” هي التي تمتلك قدرة استخدام ثنائية وتتضمن المنتجات والتقنيات التي يمكن استخدامها لأغراض سلمية (مدنية) وكذلك لأهداف عسكرية. 

إيطاليا و”السيدة ذات الرداء الأسود” هما مجرد مثال من مئات المحاولات التي قامت بها حكومة طهران للوصول سراً والحصول على المعدات العسكرية والبضائع ذات الاستخدام المزدوج ضمن الأراضي الأوروبية. حيث أن ألمانيا وأسبانيا وهولندا وبريطانيا ودولاً أخرى تم فيها اكتشاف وتعقب عدّة محاولات للجهود الإيرانية من أجل شراء البضائع ذات الاستخدام المزدوج والعسكرية والتي تمكنت إيران في كثير من هذه المحاولات من تلبية احتياجاتها.

ولكن بالرغم من وجود عقوبات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي كيف تمكّنت إيران من الحصول على البضائع العسكرية والبضائع ذات الاستخدام المزدوج؟ كيف تم تهريبهم؟. تسعى هذه الدراسة والتي تركز على جهود إيران للحصول على بضائع ذات استخدام مزدوج، في الإجابة على هذا السؤال.

إن قيود الاتحاد الأوروبي على إيران في الرقابة على صادرات الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بتصدير المعدات والبضائع ذات الاستخدام المزدوج هو أمر غامض وهنالك تفسيرات مختلفة لقوانين الاتحاد الأوروبي وكذلك القوانين الوطنية للبلدان. وتستخدم أغلب وسائل الإعلام الدولية الرسمية عند تحدثها عن قيود التصدير لإيران كلمة “مقاطعة”. حيث أن البروفيسور كوينتين ميشل أستاذ العلوم السياسية في جامعة لييج ببلجيكا يعارض استخدام كلمة “مقاطعة” للبضائع ذات الاستخدام المزدوج. حيث أن هنالك اختلافات كبيرة ضمن النظام القانوني في “المقاطعة” و”قيود التصدير”.

ووفقاً لكوينتين ميشل لا يوجد حظر حقيقي فيما يخص البضائع ذات الاستخدام المزدوج، وقد أخبر “زمانه” عن أسباب معارضته، قائلاً “وفقاً لهذا التعريف في حال كان هناك قوانين تقييدية، ستكون بالطبع الصادرات أكثر صعوبة وذلك لأنه يجب عليكم احترام عملية محددة والالتزام بها. وفي حال لم تكن هنالك قوانين سيكون الأمر أسهل. كما أن أي نوع من أنواع الاتفاق بين الدول في هذا المجال أو أي حظر سيؤدي لإبطاء الصادرات. كذلك، يجب على دول الاتحاد الأوروبي تنفيذ القيود في حال تم تبني القيود من قبله. ولكنك ستندهش إذا علمت مدى اختلاف القيود بين الدول وماهي البضائع ذات الاستخدام المزدوج بالنسبة لكل دولة”.

وبحسب لكوينتين ميشل، فإن تنفيذ قوانين مراقبة الصادرات للبضائع ذات الاستخدام المزدوج والمعدات العسكرية في دول الاتحاد الأوروبي أمر معقد جداً وهنالك اختلافات كبيرة وبسبب هذه الاختلافات تنشأ تفسيرات مختلفة للقوانين أيضاً. ولاختلاف القوانين الوطنية لدول الاتحاد الأوروبي يجب إضافة مجموعة واسعة من البضائع ذات الاستخدام المزدوج مما سيزيد من صعوبة تحديد كيفية استخدام البلد المشتري للبلد البائع.

ويتابع كوينتين ميشل موضحاً بأنه لا توجد أي عقوبات مطبقة على النشاط الاقتصادي للشركات الأوروبية، لكن فقط بالنسبة لبيع وتصدير بعض السلع حيث يطلب منهم التقدم بالحصول على ترخيص أو تصريح قانوني من حكومة ذلك البلد، مضيفاً “في حال كانت البضائع ذات الاستخدام المزدوج ذات الصلة مُدرجةً ضمن القائمة المذكورة فسيتعين على الشركة الحصول على ترخيص من السلطات الوطنية من أجل البيع. ولكن بعض الشركات لا تهتم بالحصول على الترخيص”.

من ناحية أخرى من الصعب الحصول على صورة واضحة لما يحدث وذلك بسبب النطاق الواسع للبضائع ذات الاستخدام المزدوج والقوانين المُعقدة التي تراقب تصدير هذه البضائع فضلاً عن أرباح الدول والشركات الأوروبية والتي تمثل جزءاً كبيراً من هذه التجارة المربحة مع إيران.

مارك أكيرمان باحث وصحفي استقصائي في منظمة “أوقفوا تجارة الأسلحة” غير الحكومية في هولندا والتي تسعى لوقف تجارة السلاح العالمية، بالنظر إلى حالة حقوق الإنسان في إيران وعدم الاستقرار في المنطقة يعتقد أن حظر الأسلحة المفروض على إيران يجب أن يستمر، ويقول لـ”زمانه” إن تصدير البضائع ذات الاستخدام المزدوج لا يمثل مشكلة بحد ذاته ولكن من حيث المبدأ فإن تصدير بعض أنواع المعدات ذات الاستخدام المزدوج محظور بموجب عقوبات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ويضيف أكيرمان حول آلية وعملية الصادرات الغير شرعية للدول الأوروبية إن “البضائع التي تم تسليمها ترجع جزئياً لسوء التقدير أو السلوك اللطيف للدول المرخصة في الاتحاد الأوروبي. ومن ناحية أخرى هذا الأمر ممكن مع التسليم غير الشرعي لبعض الشركات حيث قامت الشركات بتسليمها عمداً بشكل غير شرعي أو لم تكن على دراية كافية بالقوانين أو كالحكومات الأوروبية حيث أساءت التقدير أو أهملت الأمر”.

ومن خلال هذا التعقيد في القوانين وجدت إيران أيضاً طرقاً عديدة لتلبية احتياجاتها من خلال تسجيل شركات وهمية في دول مختلفة والتواصل مع الأشخاص ومهربي السلاح. ويقول بيتر دي ويزمان الباحث البارز في برنامج الإنفاق العسكري في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (Sipri) بأن هنالك مخاوف في كافة الأنحاء بشأن هذا الأمر، ويقول “تعتقد العديد من وكالات تنفيذ قوانين الاتحاد الأوروبي بأن منظمات التحكم أو مراقبة الصادرات والتي يتم دعمها من منظماتها المعنية تسعى لمعرفة كيف تطلب المؤسسات الإيرانية في كثير من الأحيان المعدات والمواد أو قطعاً معينة عن طريق الشركات الوهمية في دول أخرى غير إيران والتي يمكن أن تستخدمها مصانع السلاح لهذا البلد لإنتاج الأسلحة. وتتبع هذه الحالات أمر صعب. والحدود الأوروبية مفتوحة. وصناعة الأسلحة الإيرانية ووكالات الشراء الإيرانية طوروا مهاراتهم وشبكاتهم على مر السنين للحصول على مثل هذه الأمور”.

فرض الاتحاد الأوروبي عام 2007 قيوداً على صادرات وتجارة المعدات العسكرية والمعدات ذات الاستخدام المزدوج مع إيران. وبعد ذلك بعامين في عام 2009، قام الاتحاد الأوروبي بمراجعة لوائح المعايير الأدنى لتجارة المعدات ذات الاستخدام المزدوج بما يتماشى مع الموقع المشترك للاتحاد الأوروبي. وهذه المعايير ملزمة من الناحية القانونية ولكن تم وضع أدوات تنفيذ هذه القوانين بعهدة الدول الأعضاء. وعلى وجه التحديد ضمن المادة 24 الخاصة بالمعدات ذات الاستخدام المزدوج في لائحة الاتحاد الأوروبي لعام 2009 حيث يتعين على الدول الأعضاء “اتخاذ التدابير المناسبة لضمان التنفيذ السليم والصحيح”، وكذلك فرض عقوبات “فعالة ومتناسبة ورادعة” على الانتهاكات. ونظراً لأن تنفيذ هذه القوانين وكيفية تنفيذها هو مسؤولية الدول فإن الاختلافات في البنية القانونية وثقافة الدول الأعضاء في الاتحاد تؤثر على كيفية سن القوانين. وتختلف دول الاتحاد الأوروبي في هذا المجال في ستة مواضيع:

  • يتمثل الاختلاف الأول في القوانين وأنواع القوانين التي تستخدمها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في تطبيق المراقبة على صادراتهم. وبعض البلدان مثل هولندا تلاحق مثل هذه الجرائم بموجب القانون الجنائي الاقتصادي العام. والبعض مثل بريطانيا يلاحقها بموجب قانون الجمارك. في الوقت الذي تعتمد فيه بقية البلدان مثل كرواتيا خيار استخدام قوانين خاصة لمراقبة الصادرات.
  • الاختلاف الثاني هو مقدار المعلومات التي تقدمها البلدان في هذه الحالة بالذات. حيث أن بعض الدول مثل ألمانيا وبريطانيا سنّت قوانين في مجال مراقبة الصادرات والتي تنص على المسؤولية الصارمة، مما يعني أنه من الصعب منع الملاحقة القضائية من خلال الادعاء بعدم معرفة القانون.
  • الاختلاف الثالث هو مقدار العقوبة ونوع العقوبة التي تطبقها الدول على اختلافها في الاتحاد الأوروبي على مثل هذه الجرائم. سواءً تم تصنيف الجرم على أنه جنائي أو إداري فله تأثير على مقدار العقوبة. على سبيل المثال فإن أقصى عقوبة للانتهاك المتعمد لقوانين مراقبة الصادرات في قبرص هو السجن لمدة ثلاث سنوات وهو الحد الأدنى في الاتحاد الأوروبي بينما في سلوفاكيا لا توجد عقوبات بالسجن على الجرائم المتعلقة بمراقبة الصادرات. وعلى العكس ففي فرنسا الحد الأقصى للعقوبة هو الحبس لمدة ثلاثين سنة. وفرنسا هي تمتلك أعلى مدة عقوبة لمثل هذه الجرائم في الاتحاد الأوروبي.
  • الاختلاف الرابع هو في الرأي حول من هو المسؤول عن انتهاك قوانين مراقبة الصادرات على البضائع ذات الاستخدام المزدوج الأفراد والمؤسسات والمنظمات. وعلى سبيل المثال في هولندا وسلوفينا وبريطانيا يمكن مقاضاة الشركات والأفراد وملاحقتهم قانونياً. وعلى عكس ذلك لا يمكن مقاضاة شركة ما في ألمانيا.
  • الاختلاف الخامس هو في الإجراءات والأساليب المختلفة التي تستخدمها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في فرض قوانينها الوطنية. ويتضمن القوانين الجنائية وعلى سبيل المثال فيما يتعلق بتحديد كيفية البت في القضية ضمن المحكمة. وكما أن هنالك اختلاف من بلد لآخر فيما يتعلق بالسلطات التي يجب أن تكون مسؤولة عن مقاضاة مثل هذه الجرائم. وبالإضافة لذلك هنالك اختلافات في تعاريف المفاهيم القانونية الأساسية فيما يتعلق بقضايا مراقبة الصادرات في مثل هذه الحالات كالمساعدة والمشاركة والجهد والنية والإهمال والدعم ضمن القانون الجنائي للبلدان المختلفة. وكذلك فإن السلطات المسؤولة عن الكشف والتحقيق وملاحقة العمليات ضمن البلاد المختلفة تختلف أغلبها في الطرق المختلفة بالتنظيم. وفي معظم دول الاتحاد الأوروبي فإن التقييم الجمركي هو الأول. وعليه فقد تقوم إدارة الجمارك في بعض البلدان (وفي الحقيقة غالباً قسم من إدارة الجمارك) بإجراء كل التحقيقات في العمليات بينما في بلدان أخرى قد تقع مسؤولية التحقيق على عاتق هيئة أخرى كالشرطة أو وكالات متخصصة أو أجهزة المخابرات. وفي بعض الحالات قد تتم الملاحقة القضائية بأسلوب ولاية أو من قبل وحدة متخصصة.
  • الاختلاف السادس والأهم بين دول الاتحاد الأوروبي هو أنه ضمن دول الاتحاد الأوروبي المختلفة ووفقاً للأولويات الوطنية يتم تخصيص ميزانيات مختلفة لمتابعة ومراقبة تصدير المعدات ذات الاستخدام المزدوج.

وإحدى الطرق التي نجحت في الحد من برنامج إيران النووي هي خطة العمل المشتركة التي تم توقيعها في عام 2015 بين إيران ومجموعة الدول الخمسة زائد واحد. حيث أن الجهود الإيرانية للحصول على المعدات العسكرية والمعدات ذات الاستخدام المزدوج قد تضاءلت بشكل كبير بعد الاتفاق النووي. ولكن مع الانسحاب أحادي الجانب من الاتفاق النووي من قبل الولايات المتحدة الأميركية في عام 2018 وتقليص الجمهورية الاسلامية الإيرانية لالتزاماتها في الاتفاق النووي أدّى ذلك لتعريض الاتفاق للخطر.

وهذا هو السبب في أن خطر الانهيار الكامل لهذه الاتفاقية أصبح مصدر قلق شديد على الأقل بالنسبة للأطراف الأوروبية. وذلك لأن إيران قد تستأنف من جديد جهودها وبشكل واسع من أجل شراء البضائع ذات الاستخدام المزدوج وقد تعيد البرنامج النووي إلى مرحلة ما قبل الاتفاق النووي.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي كان يدعم الالتزام بالاتفاق النووي ويعارض عودة عقوبات الأمم المتحدة على إيران وتفعيل آلية فض النزاع من قبل الولايات المتحدة الأميركية إلا أنه استمر في فرض القوانين التقييدية على شراء وتصدير المعدات ذات الاستخدام المزدوج والمعدات العسكرية ضد إيران التي وضعها وتنتهي في عام 2023.

ومع ذلك فإن الاختلافات في القوانين وأنواع العقوبات ووكالات تنفيذ القانون في مجال التصدير للدول الأوروبية المختلفة تترك للحكومات والشركات المجال مفتوحاً لتجارة هذه المعدات مع إيران. وعليه ضمن هذه الجهود يمكن رؤية نمط كررته الحكومة الإيرانية والدول الغربية خلال السنوات الماضية.

وأخيراً فالأمر المؤكد أن الحكومة الإيرانية قامت على مر هذه السنين ومنذ عام 2006 ببذل جهود مكثفة على المستوى الدولي وصرفت تكاليف باهظة كي تتمكن من شراء بعض المعدات ذات الاستخدام المزدوج من الدول الغربية بدلاً من إعطاء الأولوية لتحسين سبل معيشة مواطنيها ورفاهيتهم والمساعدة في إحلال السلام في الشرق الأوسط.

وفي الوقت ذاته تمكنت بعض الدول الأوروبية من تعقب وتحديد شبكات معقدة من الأفراد والشركات التي شاركت سراً في هذه الأعمال. وبالإضافة للبضائع ذات الاستخدام المزدوج تسعى إيران إلى الحصول على مجموعة متنوعة من الأسلحة العسكرية والتي يتم شراؤها بشكل أساسي من خلال السوق السوداء ولكن لا يمكن بسهولة تتبع التجارة الإيرانية السرية ضمن السوق السوداء.

وقد خصصت إيران هذا العام مبلغاً وقدره 69 ألف و596 مليار تومان (1 $= 27600 تومان) من إجمالي ميزانية الدولة للقطاع الدفاعي. ولا تشمل هذه الميزانية ما هو مرصود للبرنامج النووي وذلك لأن ميزانية البرنامج النووي سرّية ولم يتم الإعلان عنها حتى الآن. ويأتي تخصيص هكذا ميزانية إلى جانب التكاليف التي تتكبدها الحكومة الإيرانية على المستوى الدولي من أجل الالتفاف على حظر الأسلحة، في الوقت الذي يكافح فيه ما يقارب نصف الشعب الإيراني من أجل تلبية احتياجاته اليومية والأساسية. والميزانيات المجهولة لإثارة الحرب في الشرق الأوسط التي لا توجد أيضاً ضمن الإحصائيات الرسمية للحكومة؛ الميزانيات التي تطيل في أمد سباق التسلح في الشرق الأوسط ويرافقها مزيد من الفقر والقمع لغالبية الشعب الإيراني.

وضمن هذا البحث سوف نقوم باستعراض بعض عمليات تهريب المعدات ذات الاستخدام المزدوج والسلاح لإيران من إيطاليا وألمانيا. وفي سلسلة الدراسات المشتركة التي أجرتها منظمتا “زمانه”، و”دان ووتش” بشأن تصدير البضائع والمعدات ذات الاستخدام المزدوج لإيران قمنا بالتغطية والشرح بالتفصيل ضمن مقالات منفصلة لهذه التجارة عبر دول إيطاليا وألمانيا وأسبانيا وهولندا وبريطانيا وأميركا. وكما قمنا بدراسة أخرى عن تصدير الأسلحة العسكرية الثقيلة أيضاً.

سيدة السواد الإيطالية وحظر السلاح على إيران

أناماريا فونتانا، المرأة التي أطلق عليها الإعلام الإيطالي لقب “السيدة السوداء” بسبب لباسها الإسلامي، كانت إحدى الجهات الفاعلة الرئيسية في تهريب الأسلحة والمعدات ذات الاستخدام المزدوج إلى إيران. أقامت فونتانا وزوجها ماريو دي ليفا علاقات ودية مع كبار المسؤولين السياسيين الإيرانيين مثل محمود أحمدي نجاد.

وبحسب صحيفة إيلماتينو الإيطالية، سافر الزوجان إلى الشرق الأوسط، وتحديداً إلى إيران وليبيا. عاشوا بشكل متقطع في طهران لمدة 17 عامًا، وعندما اعتنقوا الإسلام، غير ماريو دي لوا اسمه إلى “جعفر” تكريما للإمام الشيعي السادس. كما كانت  آنا ماريا فونتانا مع الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في حفل بالسفارة الإيرانية في روما وكان لفونتانا أيضًا علاقات مع الحرس الثوري في السنوات الأخيرة. وانخرطت في قضية تجسس دولية عام 2006 لإنقاذ جنديين إسرائيليين أسرهما حزب الله اللبناني.

وفقًا لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (Sipri) لعام 2019، تم القبض على ثلاثة مواطنين إيطاليين في 13 كانون الثاني/ يناير 2017 من قبل الشرطة المالية الإيطالية في البندقية بناءً على مذكرة صادرة عن إدارة منطقة مكافحة المافيا.

وكذلك اتُهمت آنا ماريا فونتانا وزوجها ماريو دي لوا مع أندريا باردي الرئيس التنفيذي لشركة ” Società Italiana Elicotter” وهي شركة متخصصة في إنتاج طائرات هليكوبتر جديدة ومستعملة وقطع غيار بتهريب الأسلحة، واتهموا بإرسال معدات مزدوجة الغرض إلى إيران وأنصار داعش في ليبيا من خلال شركة مقرها إيران بين عامي 2011 و 2015 ، وكذلك انتهاك عقوبات الأسلحة ضد إيران وليبيا عن عمد.

وشملت التجارة غير المشروعة للمتهمين الإيطاليين الثلاثة في إيران وليبيا بيع أسلحة روسية الصنع، بما في ذلك صواريخ مضادة للدبابات وصواريخ أرض جو، وقطع غيار طائرات هليكوبتر، وذخيرة. وقالت وكالة الأنباء الإيطالية “إل سنترو” إن الشرطة اعتقلتهم قبل أن يتمكنوا من إبرام اتفاقهم التالي. الشخص الليبي الذي تتم مقاضاته هو المتهم الرابع في القضية. أيضًا، ووفقًا للوثائق التي حصل عليها المدعون الإيطاليون، كان ماريو دي لوا ينوي بيع مصنع ذخيرة لإيران.

خلال الاستجوابات، اعترف دي لوا بأنه يجري محادثات مع وزارة الدفاع في الجمهورية الإسلامية لبيع الآلات والتكنولوجيا اللازمة لإنشاء مصنع للذخيرة. ووفقًا للموقع الإخباري الإيطالي Corriere del Mezzogiorno ، حُكم على باردي بالسجن لمدة عامين، وعلى دي لوا بالسجن 3 سنوات و8 أشهر وغرامة 8000 يورو وفونتانا إلى 3 سنوات و6 أشهر في السجن وغرامة 7000 يورو.

بالإضافة إلى هؤلاء الأفراد تم اعتقال ستة أشخاص آخرين على صلة بالقضية نفسها في إيطاليا  في آذار/ مارس 2016 وكان أربعة منهم إيرانيون. إيطاليا هي إحدى الدول الأوروبية التي  كانت لها دائمًا علاقات سياسية واقتصادية وثيقة بالإضافة إلى سجل العلاقات التاريخية مع جمهورية إيران الإسلامية منذ بداية الثورة.

وكانت إيطاليا هي أكبر شريك تجاري لإيران في الاتحاد الأوروبي، وأكد الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال لقاء مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي في نيويورك في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2016 على العلاقات الودية بين إيران وإيطاليا وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، ورافقت التجارة بين إيران وإيطاليا عام 2017 نموًا بنسبة 68٪ وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين هذا العام 2 مليار و 400 مليون يورو.

في الواقع فإن ما يظهر عن تجارة فونتانا والمتهمين الآخرين في هذه القضية هو أنه على الجانب الآخر توجد علاقات سياسية اقتصادية وثيقة ومستقرة بين إيران وإيطاليا وهي مجموعة من العلاقات التجارية السرية للتحايل على عقوبات الأسلحة الدولية ضد إيران، العلاقات التي تحدث أحيانًا عن طريق التهرب من القوانين المختلفة للدول والاتحاد الأوروبي وأحيانًا بسبب تفسيرات مختلفة للوثائق القانونية.

وكما قال “بيتر وايزمان” الباحث الرئيسي في برنامج الإنفاق العسكري في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (Sipri) حول قضايا التجارة غير المشروعة أنه يعتقد أن الدول الأوروبية كانت في كثير من الأحيان على علم بالقضايا وتحاول وكالات تنفيذ القانون والمنظمات التابعة لها تتبع ومنع هذه الحالات، في بعض الأحيان نجحت وكالات تنفيذ القانون المحلية أحيانًا في منع مثل هذه الأعمال أما في القضايا التي انتهى بها المطاف في المحكمة فيمكن ملاحظة أنهم نجحوا حقًا في اعتقال بعض الأشخاص الذين تورطوا في هذه الأعمال غير القانونية. لكن من المؤكد أن إيران ستتعلم أيضًا من أنشطتها السابقة وأن السلطات الإيرانية ستغير شبكتها وستقوم بتغير الأشخاص الذين تلجأ إليهم، وسيحاولون العثور على الدول الأضعف التي تكون فيها وكالات تنفيذ القانون أقل تطوراً ولديها إمكانات أعلى للفساد.

جهود إيران السرية لشراء معدات عسكرية من ألمانيا

سعت إيران إلى الحصول على تقنيات ثنائية الغرض في ألمانيا منذ إبرام اتفاق نووي مع القوى الغربية في 2015. ووفقًا لوكالة المخابرات الداخلية الألمانية سجل عملاء المخابرات الألمانية 141 محاولة في عام 2015 أي ضعف ما كان عليه قبل عام من قبل إيران للحصول على تقنيات “تطوير الأسلحة النووية، ثلثا هذه الحالات أي حوالي 100 حالة  تتعلق بمؤسسات إيرانية.

ووفقًا لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، فإن “إيران تستهدف غالبًا ما يسمى بتكنولوجيا” ثنائية الغرض “يمكن استخدامها لأغراض مدنية وعسكرية على حد سواء”. أيضًا ، وفقًا لرويترز، تم اكتشاف 32 محاولة من جانب إيران لشراء معدات من ألمانيا، والتي قد تكون مرتبطة أو لا تتعلق بتطوير أسلحة نووية ودمار شامل في عام 2016.

بالإضافة إلى محاولات الحكومة الإيرانية شراء مثل هذه المعدات اعتقل المدعي العام الاتحادي الألماني في عام 2012 أربعة مواطنين ألمان يشتبه في قيامهم بتصدير “صمامات صناعية” إلى إيران في انتهاك لعقوبات الاتحاد الأوروبي. ووفقًا لرويترز، تم تسليم البضائع في شحنات من قبل هؤلاء الأشخاص خلال عامي 2010 و 2011  والتي كانت جزءًا من طلب بقيمة عدة ملايين من اليورو ولمنع تعقب الصادرات غير المشروعة إلى إيران تم الإعلان عن الشحنات كصادرات إلى أذربيجان وتركيا.

وبالإضافة أيضاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (Sipri) في عام 2019 كان المستخدم النهائي لهذه المنتجات هوMITEC”” في إيران وهي الشركة المسؤولة عن بناء مفاعل IR-40 الذي يعمل بالماء الثقيل في محطة آراك للطاقة النووية وهذا هو سبب إدراجها في قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي النووية ضد إيران.

 حسين تانيديه وهو أحد الشخصيات الرئيسية في برنامج إيران النووي في الخارج، في عام 2011 بمساعدة شركة ألمانية أخرى تسمى Bekasar Industrietechnik GmbH ، والتي تنتمي إلى شخصين إيرانيين ألمانيين آخرين، اشتروا صمامات صناعية وأرسلوها إلى إيران من خلال شركة مسجلة في تركيا.

عرّف حسين تانيديه عن نفسه للألمان بأنه “مدير مصفاة” ووفقًا لشاهد في المحكمة  فإن المخابرات الألمانية  كانت على علم بأفعال ومشاركات حسين تانيديه منذ عام 2009 في إنتاج صمامات نووية ألمانية الصنع لتصديرها إلى إيران و لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء جاد لمنع هذه الأنشطة حتى عام 2012.

كتبت منظمة ايران ووتش (التي تراقب برامج إيران الصاروخية والنووية والكيميائية ومقرها واشنطن) في شباط/ فبراير 2015 أن المناقشات الأولية حول الشحنات بدأت في عام 2007، عندما كان إيراني بارز يُدعى حسين تانيده يتصل بـ رودولف ماير، صاحب شركة ألمانية تدعى MIT-Weimar. كما هرب حسين تانيدة من ألمانيا إلى تركيا وقامت الولايات المتحدة بأدراج “تانيده” في قائمة الافراد الخاصة (SDN) في 2012، وتم تجميد أصوله من قبل مكتب الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، تانيده معروف بأنه جزء من شبكة مشتريات البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية وأنه أحد الأشخاص الذين عاقبتهم الولايات المتحدة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.

وفقًا لتقرير صادر عن باحثين، دانيال سالزبوري وإيان و ستيوارت اعتقلت السلطات التركية تاينده في 2013 لكن تم رفض طلب تسليمه إلى ألمانيا. وأخيرًا حكم على رودولف ماير بالسجن ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ وغرامة مائة وستة آلاف يور، وعلى غلام علي كاظمي بالسجن أربع سنوات وغرامة قدرها 250 ألف يورو، وعلى كيانزاد كاظمي بالسجن لمدة عامين وتسعة أشهر مع وقف التنفيذ.

على الرغم من العقوبات التي فرضت على إيران من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لتصدير أسلحة وبضائع ذات استخدام مزدوج، فقد خاطرت بعض الشركات الأوروبية في السنوات الأخيرة بتصدير مثل هذه البضائع إلى إيران عبر قنوات مختلفة، يبدو أن فوائد هذه التجارة غير المشروعة تفوق المخاطر المحتملة.

غالبًا ما تفعله الشركات التي تحاول الالتفاف على قانون الاتحاد الأوروبي ذلك من خلال شركات وهمية أو ورقية في بلدان ثالثة لجعل من الصعب على المنظمين ووكالات القانون في بلدانهم الأصلية تعقبهم والحفاظ على سرية التجارة مع إيران.

بيتر د. وايزمان المحقق المتخصص في برنامج الإنفاق العسكري في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، ورداً على سؤال حول كيفية حدوث مثل هذه المعاملات رغم القيود المفروضة  في دول أوروبية مختلفة، قال لـ”زمانه”: “تعتقد العديد من وكالات تطبيق القانون في الاتحاد الأوروبي أن منظمات مراقبة الصادرات تحاول معرفة كيف يمكن للمؤسسات الإيرانية غالبًا من خلال شركات وهمية من دول أخرى غير إيران، الحصول على معدات أو مواد أو أجزاء معينة يمكن أن تستخدمها في صناعة الأسلحة ولكن  تتبع هذه الحالات أمر صعب جداً فحدود أوروبا مفتوحة، وكما طورت صناعة الأسلحة الإيرانية ووكالات الشراء لديها المهارات والشبكات لاكتساب مثل هذه الحالات على مر السنين”.

“رانك سليبر”، رئيس مشروع تجارة الأسلحة في منظمة  PAX للسلام ونزع السلاح في هولندا، أوضح لـ”زمانه” أن الوضع لن يتغير كثيرًا إذا تم رفع حظر الأسلحة، ففي الوقت الحالي لا فرق بالنسبة للشركات الأوروبية في التصدير إلى إيران لكن سيستمر حظر الأسلحة الأوروبي على الأقل حتى عام 2023.

ورغم أن الرئيس الإيراني حسن روحاني قال سابقًا إن صفقة الاتفاق النووي لن تعود بأي فائدة لإيران مع اقتراب انتهاء حظر الأسلحة، إلا أنه وصفها يوم الأربعاء 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2020 بأنها إحدى فوائد هذا الاتفاق. بعد تطبيق الاتفاق النووي واعتماد القرار رقم 2231، تم رفع جميع عقوبات الأمم المتحدة ضد إيران، باستثناء حظر الأسلحة. كما كان من المقرر رفع حظر الأسلحة من خلال حل مشروط لمدة خمس سنوات بعد مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذا أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران ليس لديها نشاط نووي غير معلن، في هذه السنوات الخمس أيضًا كانت الدول قادرة على تجارة الأسلحة مع إيران بإذن من مجلس الأمن ، لكن لم تتاجر أي دولة بشكل قانوني بالأسلحة مع إيران خلال هذه الفترة.

بالإضافة إلى ذلك ، فإن إنهاء حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة لا يعني بالضرورة تسهيل التجارة في المعدات العسكرية ذات الغرض المزدوج لإيران، حيث تستمر قيود التصدير في الاتحاد الأوروبي حتى عام 2023 على الأقل ويمكن تجديدها أيضًا. أخيرًا  نظرًا للعقوبات الأميركية أحادية الجانب ضد إيران، ستستمر الدول في توخي الحذر لعدة أسباب، بما في ذلك الضغط الأميركي ، وستقتصر خيارات إيران على روسيا والصين.

لقد أعطت العقوبات الدولية التي نتجت عن التوسع النووي للحكومة الإيرانية ذريعة سوء الإدارة وعدم الكفاءة والفساد الهيكلي وقمع أي صوت ليبرالي باللجوء إلى تبرير العقوبات الدولية. في الوقت نفسه يجب أن تكون المسؤولية الرئيسية للحكومة تجاه مواطنيها هي إحلال السلام والازدهار والعدالة الاجتماعية والحرية للجميع.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ راديو زمانه– النسخة الفارسية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: