الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة1 نوفمبر 2020 03:47
للمشاركة:

صحيفة “شرق” الإصلاحية – موسم نسيان مشكلة الإسكان

في تقرير بصحيفة "شرق" الاصلاحية بعنوان "موسم نسيان مشكلة الإسكان"، تطرق الخبير الاقتصادي ناصر ذاكري، إلى مشكلة الإسكان الموجودة في البلاد والحلول التي يجب اعتمادها للتخلص من تلك المعضلة.

تقوم وسائل الإعلام بإيصال صوت مشاكل الإسكان للمعنيين وهذا الأمر يجبرهم على البدء في إعداد وتقديم خطط للتعامل مع هذه المشكلة والتحكم فيها، وهذا الأمر يحدث دائماً في منتصف الربع الأول من كل عام عندما يكون موسم الاستئجار في أوجه. ولكن بعد عدّة شهور ينخفض مستوى هذا المد وينسى كل من وسائل الإعلام وكذلك الرأي العام وبالطبع المعنيين بهذه المشكلة وكأنها لم تكن بالأصل. ويمكن إثبات هذا الموضوع من خلال مراجعة أخبار السنوات الماضية. وقد قدّم المسؤولون والمعنيون على مر السنين وعوداً واهية مراراً وتكراراً بأنهم سيحلون مشكلة الإسكان وبأن كافة الناس ستمتلك منزلاً وكذلك وعوداً ببناء مساكن للإيجار والرقابة على سوق الاستئجار وما إلى هنالك. وهذه الوعود كلها لم تساعد المستأجرين الذين هم في تزايد ضمن البلاد.

ومما لاشك أن حل مشكلة معضلة ومتجذرة وخطيرة مثل مشكلة الإسكان تتم بالفهم الصحيح للمشكلة ومن ثم وضع خارطة طريق مناسبة تستند على هذا الفهم.

يجب الانتباه للنقاط التالية جيداً وذلك لفهم المشكلة بشكل أفضل:

  • إن مشكلة الإسكان خلافاً لما يطلقه السياسيون من شعارات لم تكن يوماً من أولويات الحكومة وبعبارة أخرى لا يعتبر من الاهتمامات الرئيسية التي تشغل بال المسؤولين في الدولة. وهم يفكرون بقضايا تبدو أكثر أهمية بكثير من افتقاد عدد كبير من العائلات لمسكن ملائم. والدليل على هذا الموضوع هو أنه من حين لآخر يأتي المسؤولون ويرحلون ويقومون بتقديم وعود ويلقونها للشعب كل عام ولكن المشكلة تبقى قائمة وكأن شيئاً لم يتغير سوى لباس المسؤولين. يجب على السياسيين وكبار المدراء أن يؤمنوا بأن توفير سكن ملائم لكافة المواطنين وحل هذه المشكلة مرة واحدة أو دفعة واحدة هي إرادة الشعب ومطلبه وكما يجب عليهم أن يعتبروا أن الإسكان هو أحد اهتماماتهم الرئيسية ويكون لهم عمل واضح وفاعل في هذا المجال ويساهموا في الحد من هذه العقدة.
  • لا تكمن مشكلة الإسكان في وطننا في أن العرض محدود وعدم القدرة على البناء أو توفير مواد البناء ذات الجودة العالية ولكن المشكلة الرئيسية تكمن في مجال الملكية. فمن ناحية تم دفع جزء كبير من سكان البلاد إلى ما دون خط الفقر وذلك بسبب إهمال المسؤولين الذين لا يقلقون من عدم قدرتهم على توفير المال لشراء منزل فيما بعد ولكنهم قلقون من عدم قدرتهم على تغطية نفقاتهم الشهرية من أجورهم المنخفضة. ومن ناحية ثانية نعود مرة أخرى لإهمال المسؤولين حيث أصبح الإسكان سلعة سهلة وتجذب انتباه أصحاب السيولة. وبالنتيجة أدى النمو المذهل للطلب والمضاربة على ارتفاع أسعار المساكن بشكل كبير. وبالتالي لم يعد بإمكان جزء كبير من الأسر الحصول على مسكن وذلك بسبب انتشار الفقر وتراجع القدرة على الادخار وغلاء أسعار المساكن.
  • إن تسهيل عملية سداد القروض العقارية أو رفع سقف القرض العقاري ما هو إلا علاج لا يحظى بفرصة النجاح سوى في المراحل الأولى للمرض. ومع انتشار الأزمة لم يعد بإمكاننا أن نأمل بفاعلية وكفاءة هذه الأساليب. وخلال العقود القليلة الماضية لم تساعد سياسة رفع سقف القرض العقاري في حل مشكلة الإسكان أو حتى التخفيف منها ويمكن القول بالفم الملآن أن هذه السياسة خدمت السماسرة وتجار العقارات أكثر من المحتاج الحقيقي للمسكن وذلك لأن البائعين نجحوا بهذه الطريقة في البيع وتحويل ما يمتلكونه للأفضل وبسبب الغلاء لم يعد هنالك مشترين أي أنه بقي لهم.

يمكن تحديد دور وواجب المسؤولين الحكوميين والمؤسسات التي يديرونها على مستويان (الأدنى والأقصى). على المستوى الأدنى يجب أن تكون الحكومة مثل أي سوق آخر في الاقتصاد وتكون بمثابة المراقب وتحاول إجبار التجار على العمل بشكل صحيح وكامل من خلال ضبط العلاقات بين عوامل السوق؛ وأما في المستوى الأقصى للحكومة فمن المحتمل أن تدخل الحكومة المجال كمستثمر أو بائع أو حتى مالك. ولا يجب على الحكومة أن تكون راضية أو مقتنعة بالمستوى الأدنى لدورها. وربما كانت النقطة الإيجابية الوحيدة في تجربة مسكن مهر التي كلّفت فيها الحكومتان التاسعة والعاشرة البلاد تكاليف باهظة في الاقتصاد وصعوبات عديدة، هي اهتمامها بالدور الأقصى وعدم قبولها أو اكتفائها بالدور الأدنى.

ان الأحزاب والتيارات السياسية والتي تفكر في أن يكون لها حضور جاد في المنافسة السياسية والانتخابية العام المُقبل يجب عليها أن تمتلك خططاً مدروسة ومتخصصة لحل مشكلة الإسكان مرة واحدة. وضمن هذه الخطة أو هذا البرنامج يجب التوجه والالتفات بجدية لإمكانية وجود مسكن لجميع المواطنين وأبعد من ذلك يجب النظر في الحل التدريجي أيضاً لمشكلة السكن المتداعي وتسهيل الحصول على السكن المناسب لجميع الأسر.

المصدر/ صحيفة “شرق” الإصلاحية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: