الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة31 أكتوبر 2020 04:03
للمشاركة:

صحيفة “اعتماد” الإصلاحية – عودة سعد الحريري

تناولت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية، في مقال لأردفان أمير أصلاني بعنوان "عودة سعد الحريري"، الوضع السياسي في لبنان وإعادة تكليف سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة والصعوبات التي ستواجهه.

باختصار، وضع لبنان المؤسف واقترابه من الحرب الأهلية والدعوات إلى تجديد الأركان السياسية هي كالتالي “سنتخذ ذات المسار ونبدأ من جديد”. وبالطبع من الواضح أن الحال هذه المرة لن يكون كما كان. وبعد مرور عام على إجبار سعد الحريري على الاستقالة بطلب من الشعب، أعادت أغلبية قليلة من نواب البرلمان اللبناني انتخابه مرة أخرى كرئيس للوزراء. حيث أن تشكيل حكومة جديدة ما هو إلا أحد التحديات التي تواجه سعد الحريري واستياء الشعب من تعيينه مرة أخرى هو تحدٍ آخر وذلك لأنه من غير المرجح أن اللبنانيين الذين نجحوا بتنحيته أن يقبلوا انتهاك إرادتهم بصدر رحب. وسعد الحريري من خلال إعادة انتخابه رئيساً للوزراء يواجه تحدياً لبنانياً صعباً جداً. وعليه يمكننا التساؤل عن قدرته في حل الاضطرابات والمشاكل الجادة وأخطرها الأزمة المالية في البلاد والسيطرة على وباء كورونا والغموض الذي بقي دون جواب حول الانفجار الهائل الذي حدث بالرابع من آب. ولكن كيف يمكن للمرء أن يكون قاضياً وطرفاً في الدعوى؟ حيث أن عودة الحريري هي شاهد ودليل آخر على عدم إعادة هيكلية الطبقة الحاكمة في لبنان والتي احتفظت بشكل كبير إلى الآن بشخصياتها أو عوائل شخصياتها منذ الحرب الأهلية. والحقيقة أن استقالته قبل عام لم تكن بداية تجديد للبنان الذي هو بحاجة إلى هذا التجديد. ولم ينجح حسان دياب ومن بعده مصطفى أديب في مواجهة الفساد وعدم المسؤولية في المؤسسات وكما أن بعضهم لم يتمكن من تشكيل فريق ناجح أيضاً. ومن جهة أخرى فإن الجمهورية اللبنانية تطالب بأن تكون الطوائف الدينية الرئيسية هي من يتحكم بزمام الأمور في البلاد أو كما يقال على رأس الهرم.

لذلك يجب أن يكون رئيس الجمهورية مسيحي ماروني ورئيس الوزراء مسلم سني ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي. ومن ناحية أخرى لا يمكن تشكيل الحكومة بدون الأخذ بعين الاعتبار مطالب الأحزاب المختلفة التي تنوب عن الكثير من الأقليات الدينية في البلاد. ومن هذا المنطلق فقد أعلن حزب الله وحركة أمل بوضوح أنهما يريدان تعيين أحد أعضائهما في وزارة المالية والتي تلعب دوراً مهماً بالحكومة في مسألة التحكم بالميزانية.

وعليه يبدو أن انتخاب سعد الحريري رغم كل شيء هو أمر مفروض على الرأي العام ودليل آخر على ارتباط العائلات مع السياسة وهو الأمر الذي دفع باللبنانيين إلى التمرد. وقد جمع والده رفيق الحريري ثروته من السعودية قبل عقد من توليه رئاسة الوزراء وحتى اغتياله عام 2005. وكما أن صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، جبران باسيل كان وزيراً للخارجية حتى العام الماضي.

سعد الحريري وبالنظر إلى خلفيته وخبرته العملية كان له أداء ناجح في تحقيق التوازن بين الأحزاب ويبدو أنه خيار أفضل من حسان دياب ومصطفى أديب من أجل تشكيل حكومة مرغوبة لجميع الطبقات السياسية. ومع ذلك فإن هذا النجاح غير مضمون وذلك لأنه في الوقت الذي يحظى فيه سعد الحريري بدعم من حزبه والأحزاب الشيعية والدرزية وكذلك الحزب السوري القومي الاشتراكي فهو لا يحظى بدعم الأحزاب المسيحية والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.  ومن المرجح أن سير هذه العملية غير الديمقراطية سيستغرق عدة أشهر وفي حال لم تنجح فلبنان هو من سيعاني مرة أخرى من مخاطر الخروج من الأزمة. وجميع الأنظار تتجه إلى القوى الشعبية اللبنانية التي استطاعت لمدة عام من انتخاب الشخصيات السياسية التي تؤثر على استقرار البلد. “كلهم يعني كلهم ” كان الشعار الذي أطلقه المتظاهرون والذين طالبوا بطبقة سياسية جديدة بالكامل وكذلك طالبوا بالإصلاحات المؤسساتية والتي لم تحدث. ويبدو أن النظام السياسي الذي يحكم البلاد منذ توقيع اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية ولكنه حوّل “أمراء الحرب” إلى سياسيين لن يتغير. والأهم من هذا كله لا يعلم أحد ما الذي يجب استبداله إلى الحد الذي بات فيه الكثير من اللبنانيين يعتبرون أن هذا النظام هو الحصن المنيع أمام الانهيار الاقتصادي والصحي.

إن فقدان التنظيم والاستراتيجية طويلة المدى للبنانيين الشجعان ذوي العزم يفسر هذه الحقيقة والتي هي لماذا هم الآن على استعداد لقبول الشروط التي تحرروا منها سابقاً. لا يمكن لومهم وذلك لأن الوضع معقد جداً. وفي الوقت الراهن يرى اللبنانيون المتعبين من الحرب أن مغادرة البلاد هي السبيل الوحيد لتأمين المستقبل.

المهمة التي تنتظر سعد الحريري خطيرة للغاية وذلك لأن الفرص الاقتصادية لإعادة إعمار لبنان تعتمد بشكل كبير على قدرته في البدء بالإصلاحات الهيكلية من أجل الوفاء بالشروط التي تم فرضها من قبل صندوق النقد الدولي وفرنسا وبالتالي الحصول على المساعدات المالية اللازمة من أجل تحسين وضع البلاد. ومع ذلك ونظراً لانخفاض قيمة العملة اللبنانية بنسبة 80% خلال عام فإن التخلص من الاعتماد على الواردات لا يكفي. حيث أن قرابة نصف اللبنانيين يعانون بشكل مباشر من إجراءات التقشف وإلغاء الدعم عن المحروقات والمواد الغذائية ويعيشون تحت خط الفقر. ولا يوجد خيار أمام رئيس الوزراء “الجديد” ، إلا أن يكون هو مصدر معجزة لبنان وليس المجتمع الدولي.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: