الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة28 أكتوبر 2020 03:49
للمشاركة:

صحيفة “ايران” الحكومية – دفاعا عن حرية التعبير وضد إهانة المقدسات

تناولت صحيفة "ايران" الحكومية، في مقال للأستاذ الجامعي عماد افروغ بعنوان "دفاعا عن حرية التعبير وضد إهانة المقدسات"، موضوع حرية التعبير بعد تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، مؤكدة أن الموقف الإسلامي مازال قويا وأن شعارات الحرية لا تعدو عن كونها مبررات لإهانة مقدسات الاخرين

اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن رسوم الكاريكاتير المسيئة المنشورة عن الرسول محمد “حرية تعبير”، ولكن ما هذا التفسير للحرية الذي يسمح بإهانة المقدسات؟.  في الأساس لماذا نريد الحرية؟، لكي نهين الآخرين ومن ثم ندافع عن أخطائنا؟ وإذا عرّفنا حرية الإنسان على أنّها مجموعة الحقوق والواجبات، فما الفرق بين إهانة مقدساتنا وإهانة مقدسات الآخرين، مع أن فهمنا  للإنسان هو من يحدد حقوقه وواجباته؟

كلنا نعلم أنّ للإنسان احتياجات فردية واجتماعية مختلفة من حقوق وواجبات تجاه نفسه والآخرين، ويتم تعريف وتفسير الحرية بناء على  الحقوق والواجبات من ناحية، وعلى الخلفيات التاريخية والاجتماعية للإنسان من ناحية أخرى، فأي حاجة بشرية تبيح إهانة الآخرين؟ ولماذا نُطبق على الآخرين ما لا نقبله على أنفسنا وشعبنا وعرقنا وديننا؟ وأقل ما يقال عن إهانة حرمات الآخرين، أن ما لا ترضاه لنفسك لا تطبقه على الآخرين، ويكفي أن نضع الشخص الذي يبرر الإهانة في نفس الموقف ونشاهد رد فعله.

ان مناقشة حرية التعبير وما يترتب عليها من تبرير أو عدم تبرير لإهانة الآخرين يمكن تفسيرها فقط فيما يتعلق بالقواعد والبنى الاجتماعية، ولا يجب أن يكون لدى الانسان نظرة ازدراء واحتقار للطبيعة، لأنّها مصدر تلبية احتياجاته المعيشيّة.

وفي مختلف هذه المجالات ترتبط الحرية مع المسؤولية تجاه الذات والطبيعة والآخرين والقواعد والبنى الاجتماعية، كذلك فإن الجانب الاجتماعي للإنسان هو دليل على أن الإنسان يعيش في شبكة من الحقائق والصلات والانتماءات والتجمعات، كل منها يجلب له ارتباطًا وسحرًا خاصًا، وبدونه تصبح الحياة الاجتماعية بلا معنى ومستحيلة، لذلك فإن إهانة هذه الارتباطات يعد إهانة للإنسان وحياته الاجتماعية.

من الممكن أن يقال: أين النقد؟ النقد أكثر قيمة من الخلط بين الحقوق والواجبات والمسؤوليات وواقع الحياة الاجتماعية، وللنقد آداب وقواعد خاصة، وإنّ إهانة مقدسات الآخرين تتم تحت مسميات مختلفة، باسم القيمة العالية للحرية والنقد، اللذان يهدفان إلى تحقيق الذات، والنضج والسعادة وتحرير الإنسان، وليس الوقوع في مستنقع من الضغينة والجهل والرذائل الفردية والاجتماعية.

في الحرية، يتم اقتراح مفهوم يسمى “الحرية من أجل ماذا؟” لماذا تريد أن تكون حراً؟ إن الهدف من الحرية هو إدراك الشيء الذي تريد أن تتحرر منه. ولماذا؟ لنحقق الرخاء والتحرر، لا أن نصبح أداة للآخرين ونغرق في أنانيتنا وشرنا.

يصر الفيلسوف الألماني المعروف “كانت”، على أن الحرية للإرادات النقية والمتحضرة ، فيما يصر “مطهري” على الحرية الروحية والتحرر من الجسد.

بعبارة أخرى، الحرية أكثر قداسة من أي شخص أحمق وخداع يستخدمها كأداة لإهانة الآخرين، أي القدسيين والمتسامين والمقبولين من قبل العديد من الأتباع والمؤمنين، ولا يوجد أي مدرسة تسمح بإهانة المقدسات تحت عنوان الحرية. حتى المدرسة  الليبرالية، التي تصر على قاعدة “التحرر” ، تعرف الحرية على أنها التحرر من القيود غير الضرورية والقيود الأساسية، بما في ذلك عدم إيذاء الآخرين.

ونشهد اليوم عودة إلى الله وقيامة “الذات المتعالية” ومشروع الحق الروحي للبشر، ومن المؤكد أن هذه العودة والنهضة قد عرّضت مصالح العديد للخطر، باسم الدفاع عن المصالح الإنسانية، فهم لا يريدون تلبية الاحتياجات الحقيقية للناس، ولا يريدون حياة حرة وآمنة وروحية وعادلة لهم، ومازالوا يرغبون في الاستمرار بحياة السيد والعبد والمستغل، المولود وغير المدرك للملذات الروحية والإيثار والمليء بالتضامن والتضحية بالنفس.

كان هذا التصدي لشخص يسمح بإهانة مقدسات الآخرين تحت مسمى حرية التعبير،  لكن الشخص الذي انتقده أصغر من أن يعالج حجة أساسية وفلسفية وباعتقادي أنه شخص موهوم يتصرف وفقًا لسلاح “الإسلاموفوبيا” الفاسد أو الشعار القديم للسلطة السياسية الفرنسية العلمانية بما يتماشى مع مصالح الصهيونية.

كيف يكون انتقاد الهولوكوست ممنوعاً في فرنسا، ولكن إهانة نبي الإسلام العظيم لا يعاقب عليها؟ من المثير للاهتمام أنهم، بأيديهم قاموا بإنشاء “داعش” لتكون معقلهم للإسلاموفوبيا ويقدمون الدعم المالي وغير المالي ، لكن بأدواتهم المهيمنة ووسائل الإعلام، يحاولون نسيان حقيقة خصوم داعش الرئيسيين، وإذا كان الإسلاموفوبيا مبرراَ لوجود داعش، لما لم يشكل الإسلام الحقيقي المتمثل بشرفاء الأمة مثل الشهيد سليماني قبولاً لديهم؟

خلاصة القول، يتبين أنه لن يكون هناك انتقام من المسلمين بسبب معتقداتهم القرآنية وإيمانهم بالأنبياء العظماء، وإنه عصر الرجوع إلى الله وانتشار الحوار والتفاعل بين الأديان، ومن المتوقع أن يتصاعد تفاعل المسلمين مع الموقف المسيء للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بسبب معتقداتهم الدينية القوية دفاعًا عن قيمهم المقدسة من خلال التظاهرات والإجراءات المختلفة، لإثبات أن الرغبة في الروحانية والحياة الأخلاقية وحب الرجال الطاهرين والأنبياء السماويين، وخاصة الرسول الكريم، لا تزال قوية ومليئة بالعاطفة أكثر من أي وقت مضى.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: