صحيفة “شرق” الإصلاحية – الانتخابات في واشنطن والمنافسة في طهران
اعتبرت صحيفة "شرق" الإصلاحية، في مقال للأستاذ في قسم الفلسفة السياسية بجامعة طهران ساسان كريمي بعنوان "الانتخابات في واشنطن والمنافسة في طهران"، أن "إيران كانت أكثر المتضررين من العقوبات الأميركية ورغم ذلك لم تخضع لسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب"، مشيرة إلى أن الإصلاحيين والمتشددين ينظرون إلى الانتخابات الأميركية من منطلق المصالح في الانتخابات الرئاسية المقبلة في طهران.
يوم بعد آخر، يزداد الوضع سخونة في إيران خلال الفترة التي تسبق الانتخابات المضطربة الأميركية، والتي ستنتهي إما مع رحيل الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، وهو الرئيس الأكثر جدلاً، أو باستمراره لولاية أخرى. وفي خضم ذلك لابد من الإشارة لبعض الحقائق وذلك من أجل استنباط تحليل منه.
حقيقة الأمر أن إيران هي من أكثر الدول التي واجهت الضغط الأميركي بعد وصول ترامب للسلطة، حيث أن العقوبات أصبحت ذات طابع واضح وشديد أكثر مما كانت عليه في عهد أوباما وقد شملت العقوبات تقريباً جميع الجوانب الرئيسية للاقتصاد والمعيشة في إيران. وبدأت مؤشرات هذه الضغوط الكبيرة التي لم يتبق سوى البعض ممن وضعوها في الفريق الحاكم بأميركا أمثال جون بولتون بالظهور بوضوح في الاقتصاد الإيراني. وفي الحقيقة فقد لوحظ تأثير هذا الضغط أيضاً في قضايا أخرى كالصحة.
الحقيقة الثانية هي أن هذا الضغط الشديد لم يقترب بالأصل من “أهدافه المحددة” على الرغم من التطورات التي ذكرناها بإيجاز سابقاً، حيث لم تحدث أزمات كارثية في إيران كتلك التي حدثت في سجل بعض الدول كزيمبابوي وفنزويلا حيث لم يطرأ أي نقص في المواد الغذائية أو الصحية ولم تواجه السلع الأساسية أيّ مشاكل والأهم من هذا كله لم تتراجع إيران عن مواقفها وتستسلم للمطالب الأميركية وتهرع مسرعة للتفاوض مع ترامب.
في حين تنهج الولايات المتحدة الأميركية سياسة القوة لتحقيق أهدافها المتشددة أحادية الجانب، فمن المفروض الاعتراف بأنه خلال هذه السنين كان النصر السياسي والدبلوماسي حليفاً لإيران دائماً، ابتداءً من محكمة لاهاي وصولاً إلى مجلس الأمن وكذلك فشل الاجتماعات المناهضة لإيران في بولندا والبحرين والاستفتاءات المتعددة لمجلس الأمن وكافة القوائم السياسية التي انتهت جميعها بضرر وعلى حساب الولايات المتحدة، وبشكل عام يمكن اعتبارهم من أهم الركائز التي أدّت لعزلة إدارة ترمب على الساحة السياسية والدبلوماسية وكما تشير كل هذه المعطيات أن إيران استطاعت الدفاع عن مصالحها بقوة في عدّة مجالات بما في ذلك الاقتصادية والاستراتيجية على الساحة الدولية القائمة على مبدأ القوة.
والحقيقة الأخرى الهامة هي أساس الانتخابات الأميركية والتي تشير في الوقت الراهن إلى أن ترامب استناداً إلى استطلاعات الرأي الموثوقة هو الخاسر في هذه الانتخابات. وكما أن الانتقادات والتشكيكات الناجمة عن التجارب مثل الانتخابات السابقة قد أفضت إلى تشاؤم الجمهور حول هذا النوع من التحليل، ولكن في حال إذا ما كانت استطلاعات الرأي الوطنية صحيحة فإننا نخلص إلى أنه بدون الاستثمار على أحد النتائج المرجوة من قبل واشنطن فإن كلا الحالتين قابليتين للتحليل من مبدأ الاحتمالية. وبما أن وباء كورونا يسري في أوصال العالم الآن، والذي يستنفذ الموارد المالية بشكل كبير ويعرّض الاقتصادات المتوسطة والكبيرة في العالم لخطر كبير بشكل غير مباشر، الأمر الذي يبدو جلياً في التقرير الأخير الصادر عن صندوق النقد الدولي.
وعلى عكس أغلب التحليلات يمكن التأكّد من أن إيران وضمن أحلك الظروف على المدى القصير أي صعود ترامب مرة أخرى إلى هرم السلطة يمكنها الاستمرار في طريقها، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن والذي لا يستند إلى إمكانية تهديد إيران وإنما إلى الانتخابات الإيرانية والتي ستحدد فيما إذا كانت الحكومة المستقبلية ستجلس إلى طاولة المفاوضات أم ستتشبث بمواقفها الحالية، وهو الأمر الذي يصعب التكهن به بدون امتلاك أو وجود استطلاعات رأي علمية، لأن كل فكر يسعى إلى اعتبار أن سياسته هي الصحيحة منطقياً.
وفي حال رغبنا تجاوز المواقف الرسمية وذهبنا إلى أبعد من الشعارات فيجب الاعتراف بأن جزءاً من قضية السياسة الخارجية الناتجة عن الانتخابات الأميركية سيكون بسبب المنافسات على الصعيد الداخلي والأهم من ذلك على مشهد الانتخابات في العام القادم. وذلك لأن تحليل فوز الديمقراطيين يرافقه عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي بدون قيد أو شرط وفي حال لم يتم ذلك سينتج إرادة على الصعيد الداخلي من أجل الاستفادة من فرص تواجده في السلطة، وعليه فإن أغلب التيارات السياسية وبالأخص المنتقدين التقليديين المتشددين للاتفاق النووي يعتزمون استغلال هذه الفرصة لصالح شهرتهم الخاصة من خلال مهاجمته.
وفي ذات الوقت يبدو أنه من الأفضل أنه بدلاً من التكهن والاستثمار على نتيجة الانتخابات الأميركية وإصدار الأحكام المُسبقة يجب اتخاذ موقف حازم ومرن والتخطيط لعدّة سيناريوهات مختلفة في مجال السياسة الخارجية، لأنه بالنظر إلى الرؤى المحتملة لإمكانية التحرك المتاحة لإيران فإنه حتى في حال فوز الديمقراطيون يمكن السيطرة على سلوكهم لحد ما. وكما أن هذه البرامج والخطط يجب أن تتناسب في المقام الأول مع المواقف الأساسية للأحكام التي تم وضعها خلال السنوات السابقة وأيضاً الهدف المرجو بدلاً من المنافسة على الساحة الداخلية مما يعني الحصول على القدرة والفوز في الانتخابات أملاً في الإصلاح وفي نهاية المطاف حرق الفرص على المدى الطويل وتلافي الأخطاء في تجربة تأمين المصالح الوطنية على صعيد السياسة الخارجية بشكل مستقر والذي لن يكون اقتصادياً بالنسبة للحكومات المُقبلة والتي تضع إيران في مركز التوترات الخارجية. الأمر الذي يستلزم الاستفادة من النخبة في التخطيط والتنفيذ. حيث أنه لن تتمكن الإدارة التقليدية من أن تكون مجدية لتحقيق التقدّم اللازم وأحياناً يقتضي الأمر كما فعل الفريق الأميركي في مفاوضات الاتفاق النووي الاستفادة من الإمكانيات الأكاديمية للدولة من أجل وضع السيناريوهات المرجوة للمؤسسات ذات الصلة.
أفضل ما يمكن أن تقدمه القوى السياسية غير المتخصصة وغير المؤهلة لقيادة البلد أن تنأى بنفسها عن هكذا منافسات شديدة واجتناب تكبّد المزيد من التكاليف وذلك للمصلحة الوطنية. وذلك لأن أي حزب سياسي لن يحقق الفوز والابتعاد عن ظل العقوبات والتهديدات التي تطال البلاد إلا عن طريق الاستعانة بالأشخاص المتخصصين وذوي التجربة الدولية. وحتى إذا ما تقرر أن يتابع السياسيون السابقون الاستمرار في النهج ضمن الهيكل الترميمي الجديد فمن الأفضل لهم أن يكفوا عن الأنانية السياسية بغض النظر عن اختلاف الآراء واجتناب خلق التوترات الغير لازمة.
في حقيقة الأمر أن ترامب هو استثناء أو حالة استثنائية في السياسة الدولية. وهذا لا يعني حسن نية الساسة الأميركيون، لكنه شكل من أشكال الإيذاء والطغيان تجاه المعاهدات الدولية والتي كانت نتيجتها الموقف الصبياني كالخروج من الاتفاق النووي. ونحن أيضاً لا ينبغي أن نسمح لهكذا استثناء في السياسة الأمريكية والدولية أن يغير من معادلاتنا السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي وذلك على المدى المتوسط والطويل وإخراجنا عن إرادتنا ونهجنا المتخذ قبل وصوله للسلطة.
وباختصار فقد نجحت إيران في مواجهة جميع الضغوطات التي خلقها ترامب حتى اللحظة وتبديل هذا النجاح إلى مصالح وطنية طويلة الأمد وتوقع وإعداد خطط جدّية وواقعية وفعالة ومبتكرة ومعدّة مسبقاً في السياسة الخارجية، من أجل جميع الحالات الممكنة وذلك من خلال الاستعانة بإرادة النظام وقدرة نخبة البلاد بشكل واقعي ومستحدث في العالم.