الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة18 أكتوبر 2020 12:12
للمشاركة:

هل تؤدي وساطة إيران لحل في صراع ناغورنو كاراباخ؟

تُناقش هذه الورقة دوافع وتأثير إمكانية أن تلعب إيران دور وسيط بين أرمينيا وأذربيجان.

توطئة

لأكثر من ثلاثة قرون، كان التهديد الرئيسي لاستقرار إيران ووحدة أراضيها يأتي من جهة الشمال، روسيا القيصرية أولاً ثم الاتحاد السوفيتي، لذا كان على إيران قبل وأثناء فترة الحرب الباردة بأكملها، تحديد سياستها الخارجية في إطار التعامل بشكل مرن مع الاتحاد السوفيتي سابقًا/ روسيا حاليًا والغرب. وكان لسقوط الاتحاد السوفيتي عواقب عدة على الأمن القومي الإيراني.[1] ما حث إيران على السعي لحفظ الاستقرار على طول حدودها في ظل وضع ازدادت فيه حدة النزاعات الإقليمية بين الدول بشكل كبير. خصوصًا أن مِن بين الدول الخمس عشرة المستقلة التي تم إنشاؤها على أراضي الاتحاد السوفيتي السابق، هناك ثماني دول لها تاريخ سياسي أو ثقافي مشترك مع إيران، وكان بعضها جزءًا لا يتجزأ من أراضيها لفترات طويلة. وتشترك أرمينيا وأذربيجان وتركمانستان في حدود مشتركة مع إيران، ما يعني أن أي حدث ولو بسيط في هذه الدول يؤثر بشكل مباشر على مصالح إيران.[2]

تُعد إيران مجتمع متعدد الثقافات يتكون من مجموعات عرقية مختلفة[3]، ونظرًا لأن تركمانستان وأذربيجان موطن لبعض الجماعات العرقية التي تعيش أيضًا في إيران، فإن المستقبل السياسي لكلتا الدولتين – ولا سيما أذربيجان – هو أحد الاهتمامات الأساسية لسياسة إيران الخارجية. حيث يشكل الأذريون في إيران ثاني أكبر عرقية في البلاد[4] (يبلغ عددهم نحو 20 مليون نسمة، ما يتعدى 22 % من عدد سكان البلاد – 2018)، وهم حساسون بشكل خاص لمصير أشقائهم في جمهورية أذربيجان. لذلك ليس أمام القيادة السياسية الإيرانية خيار سوى اتخاذ موقف فاعل بشأن أي أزمة كبرى في أذربيجان، وخاصة بشأن الحرب على ناغورنو كاراباخ[5].

لذا يجب فهم السياسة الإيرانية في سياق مفهوم الأمن القومي والإيراني لما بعد الحرب الباردة[6]، وما سببته عواقب انهيار الاتحاد السوفيتي على الجغرافيا السياسية لإيران، وخياراتها وفرصها الأمنية. وأخيرًا ، سيتم تحليل دوافع وتأثير إمكانية أن تلعب إيران دور وسيط بين أرمينيا وأذربيجان.

جيوسياسة شمال غرب آسيا

أدى انهيار الإتحاد السوفيتي إلى تحول جذري في التقسيم الجيوسياسي للشرق. حيث تم إنشاء مناطق جديدة سميت إحداها بـ “الشرق الأوسط الجديد” من قبل البعض و “شمال غرب آسيا” من قبل آخرين[7]. وتمتد هذه المنطقة الجديدة إلى قلب آسيا على مساحة 7 ملايين كيلومتر مربع وتشمل باكستان وأفغانستان وإيران وتركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وكازاخستان وأذربيجان وأرمينيا وتركيا.

نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي جعلا إيران أحد الدول التي تستعد للاستفادة من الفرص التي أوجدها وضعها الجيوسياسي الجديد. حيث تقع إيران في وسط المنطقة الجغرافية التي يحدها باكستان وأفغانستان وتركمانستان وكازاخستان وأذربيجان وأرمينيا وتركيا، وبالنسبة لمعظم البلدان غير الساحلية في المنطقة، فهي تشكل أكثر منافذ لها قابلية للوصول إلى بحار مفتوحة. ومن وجهة نظر لغوية وثقافية، تشترك إيران في لغة مشتركة مع بعض البلدان. لكن ثقافيًا المنطقة غير متجانسة تمامًا، والرابط الثقافي المشترك الوحيد بين الدول – باستثناء أرمينيا – هو الإسلام. وتحديدًا على المستوى الديني، فإيران لديها تقارب كبير مع أذربيجان، حيث أن كلا البلدين شيعي المذهب. وعلى مر التاريخ، كان لبلاد فارس تأثير ثقافي كبير على كل دول هذه المنطقة.

مع هذه الفرص السياسية والاقتصادية لإيران جاءت تحديات كبيرة. حيث تعرضت المصالح الأمنية الإيرانية للتهديد في المقام الأول بسبب عدم الاستقرار السياسي في دول شمال غرب أسيا[8]. خصوصًا أنها غالبًا ما تفتقر إلى النخب السياسية ذات خبرة قادرة على إدارة الصراعات العرقية والإقليمية. وغالبًا ما كانت سياستهم الخارجية غير مدروسة ولا يمكن التنبؤ بها. شهدت التسعينات محاولة إيران تشييد علاقات متزنة متخذة من طاجيكستان تجربة أولى لها عندما أعادت النخب الشيوعية القديمة تأسيس قوتها في العاصمة دوشانبي[9]. لكن سرعان ما تدهورت العلاقات بين إيران وأذربيجان بعد تنصيب حكومة مدعومة مِن تركيا في العاصمة باكو. كان هذا الأمر بمثابة تهديد لوحدة أراضي إيران، حيث كان اتخاذ موقف المغامرة من قبل قيادة سياسية عديمة الخبرة، أدت لسقوط هذه الحكومة نتيجة الهزائم الكبرى في الحرب مع أرمينيا، وجاءت هذه العملية على حساب تركيا ولصالح إيران[10].

إيران لديها تقارب كبير مع أذربيجان، حيث أن كلا البلدين شيعي المذهب. وعلى مر التاريخ، كان لبلاد فارس تأثير ثقافي كبير على كل دول هذه المنطقة.

لكن تواجه إيران الآن خطر انتشار الصراعات العرقية من الدول المجاورة على أراضيها. فقد يصبح الأذريون والتركمان في إيران، الذين يعيشون بشكل أساسي في المناطق الحدودية، هدفًا لسياسات الجماعات الوحدوية – أو حتى هدفًا للإستقطاب مِن قبل حكومتي تركمانستان أو أذربيجان. فالعديد من قادة جمهوريات آسيا الوسطى وما وراء القوقاز هم شيوعيون سابقون، ولديهم خبرة طويلة في السياسات الغير ودودة مع الأنظمة الدينية. والنموذج الإيراني وحكومته الدينية لا يجذبهم. لذا نجد هؤلاء القادة يتطلعون إلى الولايات المتحدة والكيان الصهيوني للحصول على الدعم، وقد يميلون لتكرار القول بأن إيران تمثل تهديدًا للمصالح الغربية في المنطقة. ويجادلون في هذا الاتجاه، بافتراض أن تعميق الأزمة الداخلية في هذه البلدان، جنبًا إلى جنب مع عدم وجود دعم من الغرب، يعزز نفوذ إيران في المنطقة[11].

تتعامل إيران بحذر مع ملف أزربيجان وأرمينيا حيث العلاقات بين الجيران غير مستقرة للغاية ويمكن أن تتدهور بشكل خطير في أي وقت. وفي الصراع القائم الآن قد تُتهم إيران بتفضيل جانب على الآخر ، أو حتى بمحاولة تصدير أيديولوجيتها المتشددة. لذا يريد صانعو السياسة في إيران الحفاظ على الوضع الراهن على حدودها الشمالية. لذا أطلقت السلطات الإيرانية بعض المبادرات الداعمة لهذه السياسة. وتم توسيع منظمة التعاون الاقتصادي (ECO) بمبادرة من إيران وبموافقة كلا العضوين الآخرين، تركيا وباكستان. وذلك في القمة الأولى للمنظمة، في طهران عام 1992 [12]، وتم قبول أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان وطاجيكستان كأعضاء رسميًا. وكان إنشاء “مجموعة دول بحر قزوين” مبادرة إيرانية أخرى لدعم أهداف سياستها الخارجية. تأسست هذه المجموعة في عام 1992 من قبل إيران وروسيا وكازاخستان وتركمانستان وأذربيجان بهدف إقامة تعاون إقليمي قوي في التجارة والشحن. كما أنه يوفر للاقتصاد الإيراني وصولاً أسهل إلى أسواق عدة[13].

يتعين على إيران موازنة نفوذ تركيا والسعودية وروسيا، يعتبر هؤلاءخصومها الرئيسيين في المنطقة، في حين أن خصومها على الساحة العالمية هم الولايات المتحدة وإسرائيل. ويرى المسؤولون الإيرانيون أن هذه المصالح يجب تعزيزها بالوسائل السلمية بهدف زيادة الاستقرار في المنطقة[14]. قد تستفيد إيران من دعم أرمينيا، نسبيًا حيث أن الأرمن معادون تقليديًا لتركيا. والتاريخ، لم يكن لديه أي مشاكل جدية مع الإيرانيين حيث يمكن الحفاظ دائمًا على علاقات طيبة مع أذربيجان عبر الروابط التاريخية والثقافية عديدة. فحتى استقلال أذربيجان، كانت إيران هي الدولة الوحيدة التي تمثل المسلمين الشيعة. الآن، تشترك أذربيجان معها الأغلبية المطلقة من المسلمين الشيعة وفي هذا تعزيز لمكانة إيران في العالم الإسلامي لمركزيتها الدينية والعلمية الشيعية.

حتمية الوساطة الإيرانية

وفي ظل هذه الخلفية العامة للسياسات الإيرانية في المنطقة، ينبغي النظر في دور إيران كوسيط لتسوية سلمية لأزمة ناغورنو كاراباخ.

منذ بدايته في عام 1988، أصبح الصراع حول ناغورنو كاراباخ تحديًا كبيرًا لسياسات إيران الخارجية والداخلية. اكتسب أهمية أكبر بعد استقلال أذربيجان عام 1991. كان على الحكومة الإيرانية أن تواجه ضغوطًا من السكان ككل، ولكن بشكل خاص من المجتمع الأذري. طالب الرأي العام (كما يتضح من إعلانات الفصائل السياسية المختلفة ومقالات الصحف والخطب في البرلمان) بأن تتخذ إيران جانبًا من المسلمين الشيعة ضد الكفر الأرمني. كان هذا الضغط يتضاءل على مر السنين، لكنه يطفو على السطح كلما هزم الأرمن الجيش الأذربيجاني. وتمارس الجماعات القومية الإيرانية أيضًا ضغوطًا على الحكومة. حيث يزعمون أن معظم منطقة القوقاز كانت في يوم من الأيام تابعة لإيران وأن فقدان هذه المنطقة كان بسبب التوسع الإمبريالي الروسي. لذلك يحثون الحكومة على إظهار قدر مِن الاهتمام بالأذريين. يوضح الاقتباس التالي أفكار القوميين في هذا الصدد: “عندما يفهم أرمن القوقاز والجورجيين وأيضًا الأذريين وغيرهم من المسلمين في تلك المنطقة بشكل صحيح أن انفصالهم [عن إيران] هو نتيجة أعمال مُعادية، وأنه بلا شك كما اكتشف العديد من علمائهم بالفعل أنه لا يوجد عامل أو سمة ثقافية أو (داخلية) سياسية أو اقتصادية أو دينية أدت إلى انفصالهم عن إيران. ولا يمكن تفسير هذا الانفصال إلا من خلال الطبيعة الإمبريالية للقيصرية الروسية التي احتلت الأجزاء الشمالية من إيران بعد حروب متواصلة، وتمكنت روسيا من الحفاظ على قوتها بفرض سلسلة من المعاهدات “[15].

الآن، يمارس الأذريون الإيرانيون ضغوطًا أقوى على سياسات الحكومة بشأن الحرب على ناغورنو كاراباخ أكثر مما يمارسه القوميون الإيرانيون. لذا يجب أن يُنظر إلى دور إيران كوسيط في أزمة ناغورنو كاراباخ على أنه جزء من استراتيجيتها في شمال غرب آسيا. وتؤكد إيران حرمة حدودها الدولية المعترف بها. ولا تقبل المطالبات الإقليمية القائمة على الحجج التاريخية باعتبارها شرعية: مثل هذه الادعاءات والحجج من شأنها أن تؤدي إلى صراعات لا نهاية لها في المنطقة.

يمكن أيضًا تفسير تورط إيران في الصراع منذ زوال الاتحاد السوفيتي من خلال عوامل أخرى (إلى جانب العوامل التي تم تحليلها أعلاه)، مثل محاولات إيران لمنع أي نوع من “امتداد” الصراع عبر حدودها – وهذا من شأنه أن يشكل احتمالًا تهديد لأمن الجزء الشمالي من البلاد – أو جهدها لإثبات قدرتها ، كقوة إقليمية، على اتباع سياسة خارجية تتعامل بنجاح مع التهديدات والتحديات الجديدة[16].

يعتبر الدبلوماسيون الإيرانيون على رأسهم الأصولي علي أكبر ولايتي، مستشار الشؤون الدولية للمرشد علي خامنئي أن دور الوساطة لبلدهم في الصراع هو الرد الواضح على طلب “طبيعي” من المتحاربين في دولة مجاورة[17]. حتى المعارضة السياسية في كلتا الجمهوريتين تظهر الثقة في سياسات إيران في المنطقة. يمكن العثور على دوافع إضافية لتخيل وساطة لوقف الصراع في السياسة الواقعية الإيرانية.

يجب أن تسعى إيران إلى حل سريع للصراع لأسباب أمنية واضحة. تمثل العمليات العسكرية على طول حدودها خطراً مباشراً على أمنها القومي. وقد يؤدي التمديد إلى تعزيز دور روسيا[18]، والتي قد تميل إلى تسوية الصراع بشروطها الخاصة وبما يتعارض مع المصالح الأمنية لإيران. لا يبدو أن هذا الخوف بلا أساس، حيث تنص العقيدة العسكرية الروسية الجيوسياسية بشكل لا لبس فيه على أنها تعتبر حدودها الاستراتيجية في آسيا الوسطى متاخمة لإيران وأفغانستان. وفي القوقاز إلى إيران وتركيا[19].

إن إطالة أمد الصراع سيؤدي إلى نزوح أعداد أكبر من اللاجئين من المناطق المجاورة التي مزقتها الحرب. في الوقت الحالي ، تستضيف إيران بالفعل حوالي 4 ملايين لاجئ من أفغانستان والعراق وسوريا[20]. وتخشى إيران أن يتدفق اللاجئين الأذريين إلى أراضيها مثلما حدث في سبتمبر 1993، عندما اندلع القتال في ناخيتشيفان[21]– إقليم بأذربيجان- وبلغ تعداد اللاجئين آنذاك 200000 لاجئ[22]. وأدلى الرئيس الإيراني رفسنجاني آنذاك بالتصريح التالي في مقابلة مع الصحافة الإيرانية: “نحن نعتبر اللاجئين [من جمهورية أذربيجان] مثل لاجئينا [الذين نزحوا نتيجة الغزو العراقي]، لكننا نفضل أن يبقوا على أراضي أذربيجان حتى يتمكنوا من تحقيق أهدافهم عاجلاً”[23].

توازن القوى بين أرمينيا وأذربيجان هو الهدف الثاني الذي يجب أن يكون لسياسة الوساطة الإيرانية. إيران لا تؤيد أي من أرمينيا المسيحية القوية ولا أذربيجان القوية التي قد تعتز بمطالبها الإقليمية على المناطق الأذرية الإيرانية. حيث يجب الحفاظ على توازن كلا البلدين من خلال الضغط على الجانب الأقوى. وهذا يفسر سبب ترحيب إيران دائمًا بأي مبادرة تهدف إلى تسوية الصراع دون أي تغييرات في الحدود الدولية المعترف بها[24].

تحتاج إيران لاحتواء النفوذ التركي في المنطقة. ويعود التنافس بين إيران وتركيا إلى التاريخ القديم ولم يتم التغاضي عنه قط. وتعتبر الإدارة الأميركية تركيا “ممثلًا” لها  وصاحبة “دور قيادي في سياسات المنطقة”، وصراع ناغورنو كاراباخ، يتيح الفرصة للقيادة الإيرانية للاستفادة من “كعب أخيل” التركي. حيث يمنح العداء بين الأتراك والأرمن إيران بالفعل فرصة لمعارضة السياسات التركية والأميركية في المنطقة. ومن خلال الاستفادة من هذا العداء والتناقضات والضعف في السياسات الروسية، فإن إيران هي اللاعب الإقليمي الوحيد الذي لديه الحوافز  والفرصة للعب دور الوسيط من خلال اتخاذ موقف محايد بشكل واضح في الصراع. حتى الحكومة الأذربيجانية الموالية لتركيا وإسرائيل – ما قد ألحق أضرارًا جسيمة بالعلاقات الإيرانية الأذرية وهو ما قد يزيد من من صعوبات سياسات الوساطة الإيرانية – لها ميزة تعزيز حيادية موقف إيران في نظر الأرمن.

عقبات الوساطة الإيرانية

تبقى نسب فشل إيران في جهود الوساطة عالية، نتيجة عدة عوامل: الأول، قد تتهم إيران – من قبل الدول الإقليمية وغير الإقليمية – بأن لديها طموحات استراتيجية. خاصة بها في المنطقة، أو اتهام إيران بتسليم أسلحة للجانب الأرميني[25]. ثانيًا، قد لا تتلقى إيران الدعم اللازم من الدول والمؤسسات الأممية، نتيجة حملة العقوبات القصوى التي تشنها الولايات المتحدة على إيران[26]. كما أن نجاح إيران في التوسط من شأنه أن يضعف موقف تركيا في المنطقة، وهذا خط لا يوافق عليه الغرب عمومًا والولايات المتحدة خصوصًا. ثالثًا، هو عدم قدرة الأطراف المتحاربة على التوصل إلى حل وسط بشأن القضايا التي هي أصل الصراع. حيث مِن الممكن أن يبقى طرفي الصراع واثقين من قوتهم العسكرية، أو يبقى مطلب ضم ناغورنو كاراباخ إلى أرمينيا أو الاعتراف باستقلال جمهورية ناغورنو كاراباخ مُعلنة من جانب واحد، ورفض الجانب الأذربيجاني حتى التفكير في هذه الخيارات[27].

إن عودة روسيا إلى الظهور كحكم في النزاعات فيما تسميه “الخارج القريب”/”نطاق الجيوسياسية الروسية” قد لا يكون كافياً لوضع حد للأزمة في ناغورنو كاراباخ. حيث لا يمكن فرض حل للنزاعات المتعلقة بالهوية بالقوة. كما أن نشر قوات حفظ السلام لا يخدم إلا في جعل النزاعات الإثنية كامنة – فهي تظل دائمًا على وشك اندلاع إشتباكات جديدة وعنيفة. ولا تتطلب التسوية الدائمة للنزاع العرقي عملية تفاوض دولية بين الأطراف المتحاربة فحسب، بل تتطلب أيضًا تغييرات سياسية شاملة داخليًا. لذا يبدو أن الحكومة الإيرانية تدرك القيود المفروضة على قدرتها على التعامل مع الصراع. لذلك فهي تسعى إلى تنسيق جهودها مع اللاعبين الإقليميين أو غير الإقليميين الآخرين. يبدو أن الأولوية الأولى هي التعاون مع روسيا من أجل منع انتشار نفوذ تركيا في المنطقة (وبشكل غير مباشر ، أميركا). لكن قد تختار إيران أيضًا بديلاً آخر: قد تحاول تنسيق جهودها مع تركيا. هذا البديل السياسي لديه بالفعل بعض المدافعين بين النخبة الحاكمة في إيران ، لكن سيكون من الصعب تنفيذه. من المؤكد أن أي تنسيق للسياسات الإيرانية/التركية في المنطقة سيعتمد إلى حد كبير على موقف الولايات المتحدة، وعلى اعتماد تركيا على الحكومة الأميركية. كما تسعى إيران جاهدة لتوثيق التعاون مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين في قضايا القوقاز وآسيا الوسطى.

خاتمة

  • ناغورنو كاراباخ ليس لها حدود مشتركة مع أرمينيا. هذه الخصوصية الجغرافية، التي تجعلها جيبًا داخل أذربيجان، تؤدي إلى تفاقم تدويل الصراع، حيث تجبر الجانب الأرمني على تأمين ممر بين ناغورنو كاراباخ وأرمينيا. مثل هذا الانتهاك للحدود الدولية يرفضه المجتمع الدولي وخاصة القوى المتورطة في المنطقة[28]. وتستند الصراعات العرقية إلى تعاريف متعارضة للمصالح والهويات. التسويات صعبة في حالة تحدد فيها الأطراف المعنية هويتهم من خلال الحرب. يجب أن يحصل الوسطاء على ثقة الطرفين، مما يعني تبني موقف الحياد الصارم في النزاع. معظم الدول لها مصالح مباشرة في الصراع، مما يجعل من الصعب عليها اتخاذ مثل هذا الموقف المحايد. فقط الدول التي تُملي مصالحها موقف محايد قد يكون لديها الحافز الكافي للعب دور الوسيط بفعالية.
  • لدى معظم اللاعبين المتوقعين لتوسط في أزمة ناغورنو كاراباخ عقبات خطيرة منعتهم من القيام بذلك: لم تظهر روسيا سياسة واضحة تجاه المنطقة منذ العام 1993 إلى 2020 ولم تقبلها الدول الأخرى على أنها محايدة[29]. ولم يظهر للاتحاد الأوروبي دور فعال[30]، ولم تنخرط الأمم المتحدة بجدية حتى الآن. وترفض أرمينيا وساطة تركيا لأسباب تاريخية مفهومة. كل ما سبق يطرح إيران وسيط وحيد لديه حافزًا كافيًا لاتخاذ موقف محايد وفرصة لكسب ثقة الجانبين. بالنسبة للحكومة الإيرانية، تقدم الوساطة في الصراع فرصة لتعزيز دورها على الساحة الدولية. بالرغم من أن محاولة إيران للعب دور قوة إقليمية يعد مصدر قلق لكثيرين. خصوصًا بعدما وسعت إيران نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وأظهرت قدرتها على الأداء كلاعب قوي، إلا إنها الآن مُجبرة على التفكير بحكمة لا بقوة لكي تمنع الصراع من الامتداد عبر حدودها.
  • لطالما كانت منطقة القوقاز مسرحًا للتنافس بين روسيا وتركيا وإيران. لكن يمكن للتنسيق بين هذه الدول الثلاث أن يسهل التوصل إلى حل طويل الأمد بشأن ناغورنو كاراباخ. ومن ناحية أخرى، قد يؤدي استبعاد أي من هذه القوى الإقليمية من عملية الوساطة إلى تأخير تسوية النزاع أو حتى جعل أي سلام مستحيلاً. ولا ينبغي لطرفي الحرب التغاضي عن هذه الحقيقة.

المراجع

[1]https://regs.mosuljournals.com/article_29431_dbd62e1a122dbc9119c79be9b8877c82.pdf

[2]Contested Borders in the Caucasus – July 1, 1996

[3] السكان في إيران

[4] المصدر السابق

[5]https://regs.mosuljournals.com/article_29431_dbd62e1a122dbc9119c79be9b8877c82.pdf

[6]https://regs.mosuljournals.com/article_29431_dbd62e1a122dbc9119c79be9b8877c82.pdf

[7]Contested Borders in the Caucasus – July 1, 1996

[8]https://regs.mosuljournals.com/article_29431_dbd62e1a122dbc9119c79be9b8877c82.pdf

[9]Contested Borders in the Caucasus – July 1, 1996

[10]Contested Borders in the Caucasus – July 1, 1996

[11]https://regs.mosuljournals.com/article_29431_dbd62e1a122dbc9119c79be9b8877c82.pdf

[12]Contested Borders in the Caucasus – July 1, 1996

[13]Contested Borders in the Caucasus – July 1, 1996

[14]Opening speech by Ali Akbar Velayati, the Iranian Foreign Minister, at the Conference on The Transformation of the Former Soviet Union: Implications for the Third World, Tehran

[15]Takmil Homayun, op. cit., p. 94

[16]Chapter VII  CONTESTED BORDERS IN THE CAUCASUS

[17]https://regs.mosuljournals.com/article_29431_dbd62e1a122dbc9119c79be9b8877c82.pdf

[18]https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/russian-relations-with-iran-dialogue-without-commitments

[19]Russia wants to keep Bases in Caucasus, The International Herald Tribune

[20]According to UNHCR data, Iran was hosting 4,150,700 refugees at the end of 2017

[21]https://regs.mosuljournals.com/article_29431_dbd62e1a122dbc9119c79be9b8877c82.pdf

[22]The UNHCR estimated that the total number of displaced people was about 900,000: Keyhan Havaii, 31 October 1993

[23]Ettela’at, 31 October 1993

[24]Chapter VII  CONTESTED BORDERS IN THE CAUCASUS

[25]

https://arabic.sputniknews.com/world/202009291046675890-الخارجية-الإيرانية-تعلق-على-اتهامات-نقل-أسلحة-إلى-أرمينيا/

[26]

https://alarab.co.uk/لزيادة-عزلة-إيران-واشنطن-تستعد-لتصنيف-الحوثيين-جماعةإرهابية

[27]https://www.bbc.com/arabic/world-54569176

[28]Chapter VII  CONTESTED BORDERS IN THE CAUCASUS

[29]https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/5852

[30]

https://www.dw.com/ar/كيف-تنظر-أوروبا-الضعيفة-إلى-النزاع-في-ناغورني-كاراباخ/a-55205522

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: