الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة10 أكتوبر 2020 06:43
للمشاركة:

أذربيجان وتهديد المصالح القومية الإيرانية في بحر قزوين

خرج الصراع في إقليم ناغورنو كاراباخ من بعده المحلي بين أرمينيا وأذربيجان، ليتحوّل إلى "عامل عدم استقرار إقليمي ودولي"، إذ أعاد اشتعال النزاع بين البلدين إلى الواجهة خريطة التحالفات الإقليمية والدعم الدولي المقدم لكل منهما، لاسيما أنه يتزامن مع الكثير من الأزمات في المنطقة.

تفاصيل هذه الأزمة، لا تقتصر فقط على المواجهات العسكرية الدائرة في الإقليم، بل تخفي في طيّاتها الكثير من الأبعاد الثقافية والتاريخية. وإذا ما أردنا الحديث عن هذه التفاصيل، لا يمكن إلا أن نذكر العلاقة بين أذربيجان وإيران، التي يشكل العرق الآذري فيها أكثر من 25% من عدد سكانها. فما طبيعة العلاقة بين باكو وطهران؟ وما هي المراحل التي مرّ بها تاريخ البلدين؟

نشر موقع “INDEPENDENT فارسى” مقالة يوم الاثنين 5 تشرين الأول/ اكتوبر 2020، للخبير العسكري بابک تقوایی، قال فيها إن “النزاع الأخير بين أرمينيا وأذربيجان أعاد إلى الواجهة خريطة التحالفات الإقليمية”. وخلص الكاتب في مقالته إلى أن العلاقات الإيرانية الأذربيجانية لا يمكن وضعها إلا في خانة المتزعزعة، مؤكّدًا أن الطرفين يحاولان البحث عن الحلول السياسية، لتحاشي أي مواجهة عسكرية بينهما في كل مرة، كما ورد في المقال الذي ترجمته “جاده إيران”.

مرّت 29 سنة على تشكيل جمهورية أذربيجان، التي كانت تعد جزءًا من الأراضي الإيرانية فيما مضى بناء على معاهدات جلستان وتركمانشاي بين 1813-1827. ورغم أن انهيار الاتحاد السوفيتي وتشكيل دول أرمينيا، وأذربيجان وتركمنستان قد حال دون نشوب صراعات عسكرية بين إيران وروسيا، إلا أنه كان دائمًا سببًا لنشوب أزمات سياسية وأمنية جديدة بالنسبة لطهران.

لعبت إيران دورا مهما خلال سنوات 1988-1994 في دعم المليشيات ومن بعدها القوات العسكرية للجيش الأذربيجاني في الحرب مع أرمينيا، وذلك من خلال إرسالها قوات من جيش القدس التابع للحرس الثوري إلى منطقة كاراباخ. بعد التغيير الذي طرأ على تشكيل السلطة في أذربيجان تحوّل هذا البلد لواحد من أعداء إيران الإقليمين. وقد برز خطر نشوب حرب مع أذربيجان في عام 2001 ومع الصراع العسكري بين البلدين في بحر الخزر ولازال مستمر حتى الآن.، حيث أن إيران وأذربيجان وقفتا خلال السنوات الماضية على أعتاب الصراع العسكري مرة واحدة على الأقل.

في أيامنا هذه، وبعد بدء الهجوم البري والجوي لأذربيجان على منطقة أرتساخ أو كاراباخ في 24 أيلول/ سبتمبر 2020، أقدم هذا البلد مرة أخرى ومعه أهم داعم إقليمي له وهو تركيا على إجراءات وضعت الأمن القومي الإيراني في معرض للخطر. تمثّلت هذه الإجراءات في تحليق طائرات مقاتلة بدون طيار، وتحديد وخرق المجال الجوي الإيراني في محافظات أردبيل وأذربيجان الشرقية والغربية والتي نجحت قوات الحرس الثوري في إسقاطها من خلال الأنظمة الدفاعية أكثر من مرة، وصولًا إلى استقبال آلاف المرتزقة السوريين من أتباع جماعات حمزة والسلطان مراد التابعة للجيش الوطني السوري (الجيش الحر سابقًا) وكان العديد منهم من أعضاء مجموعة أحرار الشام سابقًا للمشاركة في الحرب على أرمينيا.

خطر القوة البحرية لأذربيجان خلال عقد التسعينيات

بعد انهيار اتحاد الجمهوريات السوفيتية واستقلال العديد من جمهوريات الاتحاد السابق المطلة على بحر الخزر/ قزوين، انكمشت حصة إيران في المياه الإقليمية لهذا البحر، وبعد المباحثات التي تمّت بين الدول المحيطة ببحر الخزر خلال عام 1996 تقلّصت حصة إيران من 50%- 20%، وتحولت نسبة ال30 % التي فقدتها إيران إلى دول تركمانستان وأذربيجان وهو الأمر الذي لم يرضِ أذربيجان كونه لم يشمل الحقول النفطية بمناطق ” أراز” و “أراو” الواقعة شرقًا.

وبسبب سياسية عدم المواجهة البحرية المباشرة بين إيران والاتحاد السوفيتي السارية منذ عهد الحكومة الشاهنشاهية (البهلوية)، فقدت البحرية الإيرانية قدرتها الهجومية في بحر الخزر/ قزوين. إذ كانت السفينة الإيرانية الثقيلة الوحيدة في بحر قزوين عبارة عن سفينة سياحية تسمى “شاهسافار” يبلغ وزنها 600 طن، وهي السفينة التي انضمت لأسطول البحرية الإيرانية منذ عام 1937. وكانت هذه السفينة، التي تم استخدامها لتدريب الطلاب في كلية الضباط البحريين في نوشهر، هي قوام تواجد القوات البحرية الوحيد في هذا الجزء من إيران، إلى جانب عدد من سفن التجريف وكاسحات الألغام والقاطرات، بالإضافة إلى عدد من القوارب الصغيرة المتمركزة في ميناء بهلوي (أنزلي حاليًا).

في النهاية وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتقال ميراث السفن الحربية للاتحاد السوفيتي إلى دول بحر قزوين، وانضمام هذه القطع لقوات هذه الدول البحرية، وكذلك بسبب التفوق الحربي للقوة البحرية حديثة التأسيس لأذربيجان على قوة البحرية الإيرانية في بحر الخزر، وبناء على مقترح لقادة القوات البحرية اتخذ المسؤولون في إيران قرارًا بتشكيل قاعدة بحرية للجيش في الشمال.

كان قائد البحرية السابق، الأدميرال الثاني مقصود نيكبايام، مسؤولاً عن تشكيل الأسطول. في العام نفسه ومع نقل القوات البحرية لقوة مشاة بحرية من جنوب البلاد إلى هذه المنطقة، أقامت البحرية مناورة اطلقت عليها “ميرزا كوتشك خان” كمحاولة لاستعراض القوة أمام الدول المطلة على بحر قزوين.

خلال العام ذاته بدأت عملية إعادة بناء سفينة شاهسفار ذات الـ600 طن والمتروكة منذ عام 1978 من قبل شركة “الشهيد تمجيدي” لبناء السفن في ميناء أنزلي. استمر العمل على هذا الأمر مدة ست سنوات وانتهى بتحويل السفينة إلى بارجة قاذفة للصواريخ تزن 580 طن مجهزة بقاذفي صواريخ مضادة للسفن من طراز “سي 802 “في الجزء الخلفي من السفينة و6 أنابيب قاذفات طوربيد في قاذفتين ثلاثيتين وبندقية دوشكا ومدفع عيار 20 ملم. ومُنحت كود 802 وتغير اسمها من شاهسفار إلى “حمزة”.

التعدي على الحدود البحرية الإيرانية عام 2000

في عام 1992 ورثت أذربيجان غواصة صغيرة غير مسلحة و15 بارجة وفرقاط وسفينة وعائمة حربية من البحرية السوفيتية والتي شملت سفينة ركاب واحدة من فئة بيتيا تسمى باكيلي، وقاذفة صواريخ من طراز “عوزا 2″، وقاذفة صواريخ من مشروع “205 ام” مجهزة بصواريخ “بي 15 ام” المضادة للسفن، وسفينة دورية فئة جوك، واثنان من نازعي الألغام الساحلية (مشروع 12650) وكاسحاتي ألغام تعمل في المياه العميقة (مشروع 1258) وأربع عوامات برمائية من طراز” بلنكني” وعوامة استطلاعات تحمل اسم روزنانس.

ورغم تحويل البحرية الإيرانية لبارجة شاهسفار إلى قاذف صواريخ باسم حمزة، إلا أن القوة الحربية للجيش الإيراني في منطقة بحر الخزر كانت أقل بكثير مما كانت عليه قوات أذربيجان البحرية عام 2000، لهذا السبب أزالت القوات البحرية لأذربيجان خلال عملية بحرية بدأت من منطقة “أستارا” العلامات المحددة للحدود البحرية الإيرانية دون خشية من مواجهة عسكرية ووضعت علاماتها على مقربة من السواحل الإيرانية مخفضة بذلك الحدود البحرية الإيرانية في المنطقة لأكثر من النصف.

وردا على هذا الإجراء قامت القوات البحرية بإرسال إحدى وحدات القوات الخاصة من منطقة بندر عباس إلى ميناء أنزلي. وبتغطية من مروحية من طراز “أغوستا بل 212” وباستخدام عدة قوارب قامت القوة بجمع العلامات وإعادتها إلى مكانها السابق.

المعركة البحرية بالقرب من حقل البرز النفطي

بناء على اتفاق عقد بين أذربيجان وإيران عام 1998، تقرر في العام 2000 تولي الشركة البريطانية “بريتيش بتروليم” مهمة استخراج النفط في المياه المتنازع عليها بين البلدين. وفي هذا الصدد قامت سفينة استطلاع تابعة لهذه الشركة تحمل اسم “جيوفيزيك 3” بتاريخ 21 تموز/ يوليو 2001 بدخول المياه الإقليمية لإيران وذلك للتنقيب عن النفط في حقول الشرق والألبرز وأراز، بعد ذلك أرسلت البحرية الإيرانية سفينتها الحربية الوحيدة في المنطقة أي “حمزة” إلى المنطقة والتي وجّهت تحذيرًا ل “جيوفيزيك 3” لترك المنطقة، ليتخذ طاقم السفينة البريطانية القرار بتغيير المسار والعودة إلى باكو.

بعد هذه الواقعة بثلاثة أيام، وأثناء نقل البحرية الإيرانية لطائرة استطلاع بحرية من طراز “بي 3 اف اوريون” من شيراز إلى طهران لتقوم برصد تحركات السفن والقوارب الأذربيجانية في منطقة بحر الخزر بشكل يومي، قامت سفينة البحث البريطانية “جيوفيزيك 3” وبرفقتها سفينة دورية أذربيجانية تحمل اسم “على اف حاجى اف” بدخول المياه الإقليمية لإيران للبدء في عمليات التنقيب عن النفط.

كانت السفينتان تحت حراسة البحرية الأذربيجانية باستخدام قاذفة صواريخ “أواز 2” وفرقاط من طراز بيتيا. وفي وقتٍ لاحق تصدّت البحرية الأذربيجانية لسفينة حمزة التابعة للبحرية الإيرانية وفي السماء أيضًا قامت مقاتلتان اعتراضيتان من طراز “ميج 25 بي دي” تابعة للقوات الجوية لأذربيجان انطلقتا من قاعدة “ناسوسنايا” الجوية غرب باكو باعتراض طائرة استطلاع البحرية الإيرانية مجبرة إياها على العودة إلى قاعدتها.

ردا على هذه التحركات، قامت القوات الجوية مستخدمة مقاتلة اعتراضية من طراز “اف 13 أ تامكت” كانت تحلق في نقطة ثابتة جنوب بحر الخزر بقفل الرادار على طائرتي أذربيجان المعترضتين وأجبرتهما على ترك المنطقة، ولاحقًا نجت طائرة دورية بحرية من طراز “بي 3 اف” تابعة للقوات الجوية الإيرانية من الهبوط الاضطراري في باكو.

ولمواجهة البحرية الأذربيجانية، قامت قاعدة الصيد التكتيكي الثالثة “شاهرخي” الواقعة بالقرب من مدينة همدان بإرسال طارئتين قاذفتين متعددة الأغراض من طراز اف 4 أي “فانتوم 2”. وكانتا مجهزتان بصواريخ مافريك أرض جو للتصدي عند اللزوم لبارجة الحراسة أو فرقاط بيتا وقاذف الصواريخ “واز 2” التابع للبحرية الأذربيجانية. وبعد تحليقهم لمدة ساعتين أعلى القطع الحربية وسفن البحث الأذربيجانية أجبرتهم المقاتلتان على ترك المنطقة.

خلال ساعات بعد هذه الواقعة استدعى رئيس وزراء أذربيجان، أرتور راضي زاده، سفير إيران لدى أذربيجان إلى مكتبه وأبلغه احتجاج حكومته على الحكومة الإيرانية.  وبعد يوم واحد وردًا على اعتراض أذربيجان، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حينها حميد رضا أصفي، “إننا نتعجب لشكوى أذربيجان من الإجراءات القانونية التي قمنا بها لحفظ حقوقنا في بحر الخزر”. وردّا على هذا البيان أعلن وزير خارجية أذربيجان أيضًا، أن بلاده لا تنوي الدخول في حرب مع إيران ولكنها تصرّ على رعاية مصالحها.

تقوية القدرة الدفاعية لأذربيجان بعد الصراع العسكري مع إيران

بعد بروز إيران وتراجع أذربيجان، طلب هذا البلد العون من أهم حليف إقليمي له أي تركيا، ولاحقًا قامت القوات الجوية التركية من خلال إرسالها مقاتلاتها “اف 16 سي و دي” إلى أذربيجان بإجراء مناورة عسكرية لتهديد إيران.

أيضًا في يوم الجمعة 24 آب/أغسطس عام 2001، حلّقت هذه المقاتلات فوق باكو وبعد ذلك بدأ فريق العرض التابع للجوية التركية بإجراء أول عرض جوي له فوق باكو مستخدما طائرات “اف 5 أ وب” المقاتلة لتوجيه رسالة سياسية من أنقرة إلى طهران.

بناءًا على كل ما سبق، لا يمكن القول إن العلاقات بين إيران وأذربيجان هي علاقة طبيعية تجمع بين دولتين جارتين. بل على العكس إن العلاقات الثنائية والمبنية على التناقضات العرقية والتاريخية والجغرافية، لا يمكن وضعها إلا في خانة المتزعزعة. في ضوء ذلك، يحاول الطرفان في أي صراع، البحث عن الحلول السياسية، لتحاشي أي مواجهة عسكرية بينهما.

المصدر/ “INDEPENDENT فارسى”

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: