الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة8 أكتوبر 2020 16:08
للمشاركة:

وَلّي وجهك شرقًا”… استراتيجية إيران الجديدة

نشرت مجلة "The Diplomat" مقالة يوم الاثنين 5 تشرين الأول/ اكتوبر 2020، للدبلوماسي الإيراني سيد حسين موسويان، أكّد خلالها أن إجماع طهران، بكين وموسكو على رفض الهيمنة الأميركية، يجعل العواصم الثلاثة في تقارب أكثر من أي وقت مضى، مستشهدًا على ذلك بالمصالح الاستراتيجية المشتركة طويلة الأمد التي تجمع بينها، ورفضها جميعها للسياسات العسكرية والتدخلات الأميركية في الشرق الأوسط وهيمنة الدولار، كما ورد في المقال الذي ترجمته "جاده إيران".

خلال الأشهر القليلة الماضية، عملت إيران مع الصين على اتفاقية سياسية واقتصادية وأمنية شاملة طويلة الأجل من شأنها تسهيل استثمارات بمئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد الإيراني. كما أنها تسعى إلى شراكة طويلة الأمد مع روسيا. السياسيون في طهران يرون في الاتفاقيات وسيلة ضرورية لمكافحة الهيمنة والعداء الأميركي.

تتضمن سياسة إيران الجديدة المتمثلة في الانفتاح على “محور الشرق” تنمية علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية قوية مع عمالقة القارة الآسيوية، أي الصين وروسيا. واكتسبت هذه السياسة أهمية قصوى لدى المسؤولين الإيرانيين بعد تحرك الولايات المتحدة “الأحمق” للانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، المعروفة  باسم الاتفاق النووي الإيراني، واتباع استراتيجية “الضغوط القصوى”.

كانت خطة العمل الشاملة المشتركة اتفاقية دولية بين إيران والقوى العالمية أقرها مجلس الأمن الدولي بإصدار القرار رقم 2231. ولكن بينما التزم الإيرانيون بالاتفاق بشكل كامل، انسحبت واشنطن منه تحت إدارة ترامب وفشل الاتحاد الأوروبي لاحقًا في الوفاء بمسؤولياته بموجب الاتفاق. كانت نتيجة الانسحاب الأميركي والرضا الأوروبي هو إحياء العقوبات بوتيرة وشدّة غير مسبوقة على مدى السنوات الأربعين الماضية. وقد شجّعت هذا استراتيجية إيران التي لطالما نوقشت بشأن تبني سياسة خارجية مُنفتحة “شرقًا”، حيث أقنعت تجربة خطة العمل الشاملة المشتركة الإيرانيين بأنه بغض النظر عن مدى حسن النية، فإن الغرب غير موثوق به وغير جدير بالثقة.

في غضون ذلك، وجدت إيران شركاء راغبين في الشرق. تُعارض طهران وموسكو وبكين السياسات العسكرية والتدخلات الأميركية في الشرق الأوسط وتسعى للقضاء على هيمنة الدولار الأميركي على الاقتصاد العالمي.  وبالرغم من أنه ليس واضحًا ما إذا كانت العواصم الثلاثة قد توصلت إلى إجماع حول تحالف ثلاثي شامل، إلا أنها تخطو خطوات جادّة في هذا الاتجاه. وقد شاركت العواصم  الثلاثة في مناورة عسكرية مشتركة استمرت أربعة أيام في المحيط الهندي وخليج عمان في عام 2019. وفي تموز/ يوليو، زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف موسكو لتمديد اتفاقية تعاون مدتها 20 عامًا مع روسيا. وفي عام 2016، وافقت الصين على رفع مستوى التجارة الثنائية بين الصين وإيران إلى 600 مليار دولار خلال 10 سنوات، علمًا أن هذا الهدف سيكون من المستحيل تحقيقه الآن.

إيران والصين لديهما مصالح مشتركة في مجال الجيو_ طاقة، إذ يعد تأمين مصادر الطاقة، مثل النفط والغاز بشكل شبه مُستدام أمرًا حيويًا للنمو الاقتصادي للصين ويمكن أن تكون إيران موردًا دائم. فمن ناحية الدول العربية الرئيسية المنتجة للنفط متحالفة مع الولايات المتحدة، أما إيران ليست تحت النفوذ الأميركي. ومن ناحية أخرى، أدى نهج “الضغوط القصوى” الذي تتبعه واشنطن إلى جعل صادرات النفط الإيرانية تقترب من صفر برميل يوميًا. وبالتالي فإن تصدير النفط إلى الصين يخدم مصالح إيران. ومن جانبها، لطالما كانت روسيا المورّد المهيمن للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، لكن صادراتها الآن تتعرض لعوائق مِن قبل الولايات المتحدة. لذلك، فإن الاعتماد المتبادل بين العواصم الثلاثة على الطاقة -حيث يواجهون جميعًا عوائق من واشنطن- حقيقة لا يمكن إنكارها.

إيران قوة إقليمية في الشرق الأوسط وقد أسّست سياستها الخارجية على أساس “مقاومة” الهيمنة الأميركية. وخلال ذلك تعرضت لضغط أميركي قوي، إذ عانى اقتصادها من نقص الفرص التي كانت ستتاح لها لولا ذلك، فرص تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات. لقد دفعت إيران ثمن استراتيجيتها المقاومة. والآن تقدم طهران نفسها على أنها فرصة فريدة لدول مثل الصين وروسيا لبناء تحالفات طويلة الأمد. ستُحسب هزيمة إيران على أنها انتصار للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، وفي المقابل قد يكون نجاح إيران عاملاً حاسمًا في انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط -بشكل نهائي. بالفعل وبعد فشل الولايات المتحدة في حربي أفغانستان والعراق والشراكة مع السعودية في الحرب ضد اليمن، أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة لم تعد “القوة العظمى” المهيمنة في الشرق الأوسط. يمر الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة بأزمات عميقة ومواقفهم ضعيفة بشكل خاص. هناك فراغ في السلطة في الشرق الأوسط يحتاج إلى شَغله.

لدى موسكو وطهران وبكين أيضًا مصالح مشتركة استراتيجية وطويلة الأمد ضد أحادية القطب الأميركية، وهذا أحد العوامل المهمة في تحديد مستقبل الشرق الأوسط. هناك فرصة سانحة هنا، حيث إن السياسة الأحادية لإدارة ترامب وانسحابها من المعاهدات الدولية (بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر خطة العمل الشاملة المشتركة) قد شكّكت بجدية في مشروعية ومصداقية الولايات المتحدة كقوة عالمية.

أدى نهج “الضغوط القصوى” الذي تتبعه واشنطن إلى جعل صادرات النفط الإيرانية تقترب من صفر برميل يوميًا. وبالتالي فإن تصدير النفط إلى الصين يخدم مصالح إيران.

الآن، تنظر العديد من الدول العالم إلى الصين باعتبارها قطب المستقبل التالي للولايات المتحدة في قيادة العالم. على سبيل المثال، حتى وسط توتر العلاقات بين الصين وأوروبا، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن الإبقاء على التعاون بين الاتحاد الأوروبي والصين هو “مصلحة استراتيجية كبيرة”.

خلال كل هذه الاعتبارات، تتواصل الخطوات باتجاه الاصطفاف بين طهران وبكين وموسكو. حيث رفضت كل من روسيا والصين محاولة الولايات المتحدة تمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران والذي من المقرر أن ينتهي في وقت لاحق من أكتوبر 2020 وفقًا لبنود الاتفاق النووي لعام 2015. في حين أنه من غير الواضح إلى أي مدى ستعمل روسيا والصين على دعم الجيش الإيراني، وتظل طهران الخيار الوحيد لكل من موسكو وبكين لموازنة مبيعاتهما من الأسلحة في المنطقة مع مبيعات الغرب. الولايات المتحدة هي أكبر مورّد للأسلحة بالشرق الأوسط، حيث تبيع إلى 13 دولة من أصل 19 في هذه المنطقة، وتزودها بما يقرب من نصف احتياجاتها مِن الأسلحة، وتليها أوروبا بأكثر من 20% بينما تبلغ حصة روسيا والصين مجتمعة حوالي 20 بالمائة.

باختصار، ستظل سياسات الولايات المتحدة المتعسّفة تجاه إيران وروسيا والصين العقبة الرئيسية أمام التحالف الاستراتيجي الثلاثي. ومع ذلك، فإن مصير مثل هذا الاتفاق الاستراتيجي سيكون اعتبارًا مهمًا في العلاقات الدولية المستقبلية. تمتلك إيران ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم ورابع أكبر احتياطي نفطي، مما يجعلها مركز ثقل مهم في المعادلات الاستراتيجية التي تضعها القوى الأوروبية- الآسيوية في سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط. فمن خلال المشاركة الاستراتيجية مع إيران، ستملك بكين وموسكو فرصة فريدة لإعادة توجيه كل من إيران ومنافسيها الإقليميين نحو “الحلف الأوراسي” لكل مِن الصين وروسيا.

المصدر/ “The Diplomat”

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: