الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة5 أكتوبر 2020 17:27
للمشاركة:

المجتمع الإيراني يتجه نحو الشيخوخة: كيف ستواجه السلطات هذا الواقع؟

يتّجه المجتمع الإيراني، حسب تقرير لصحيفة “رسالت” الأصولية، نحو الشيخوخة، حيث يتوقع التقرير الصادر في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، أن يشكّل كبار السن في إيران بحلول العام 2030 حوالي 33% من إجمالي عدد السكان. أمام هذه التوقعات، دقّ المجتمع ناقوس الخطر، مطالباً السلطات بدء التفكير بخطوات فعّالة لمواجهة هذا الواقع واتخاذ الإجراءات المناسبة لمساندة كبار السن.

يحتفل العالم في بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر، باليوم العالمي للشيخوخة، وتطلق كل دولة في هذا اليوم، خططها المستقبلية لمساعدة كبار السن. في إيران، شكّلت الذكرى هذا العام مناسبة لتقييم الوضع العام لكبار السن في البلاد، ومدى فعالية خطط الحكومة لمواجهة هذا الواقع.

يحتاج كبار السن إلى رعاية خاصة ودعم من الدولة، خصوصاً وأن التقديرات في إيران تظهر أن تكلفة العلاج لمن تزيد أعمارهم عن 65 عامًا أعلى بثلاث مرات من تكلفة الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن هذا السن. في دراسة عن رفاهية كبار السن، وضمن 97 دولة شملتهم الدراسة، احتلت إيران المرتبة 64، بينما احتلت سويسرا والنرويج وألمانيا المرتبة الأولى والثانية والثالثة على التوالي.

صحيفة “رسالت” في التقرير المذكور، أوضحت أن “إحصاءات العام 2018 أظهرت أنه يتم تغطية حوالي 9% من كبار السن في البلاد من قبل منظمة الرعاية الاجتماعية و18.4% منهم تدعمهم لجنة الإغاثة”، مشيرة إلى أن “هذا الدعم لا يكفي للأشخاص، وكبار السن باتوا يعانون من فقر حاد إذ أن لجنة الإغاثة تعطي شهرياً 108 آلاف تومان (أي ما يعادل 4 دولارات شهرياً وفق التسعيرة الحالية) للشخص الواحد وحوالي 200 ألف تومان (7 دولارات وفق التسعيرة الحالية) للشخصين، وهذا المبلغ لمجتمع يعيش الركود لا يكفي أبدا”.

وزارة لكبار السن؟

خطة التنمية السادسة التي وضعتها الحكومة، تتوقع أن يتم تغطية 25% من حاجات محدودي الدخل، بمن فيهم كبار السن، بحلول العام المقبل. وفق الصحيفة، منظمة الرعاية الاجتماعية تقدّم الخدمات لـ725 ألف شخص من أصل 9 ملايين شخص دخلوا الشيخوخة، ويستفيد مليون و640 ألف مسن من الخدمات المستمرة للجنة الإغاثة يتوزعون على الشكل التالي: 62% تتراوح أعمارهم بين 60 و74 عامًا و35% من 75 إلى 90 عامًا و3% فوق 90 عامًا”.

تتكرر الوعود في إيران بتشكيل وزارة خاصة بكبار السن، آخرها كان في العام الماضي خلال الاحتفال باليوم العالمي للمسنين، إلا أن هذه الوزارة لم تر النور حتى الآن. لذا تم الاتفاق على وثيقة للعمل تسمى وثيقة الشيخوخة الوطنية. وما يجعل هذه الوثيقة جديرة بالاهتمام هي أهدافها الستة، من تعزيز المستوى الثقافي للمجتمع وتمكين كبار السن من الحفاظ على الصحة البدنية والعقلية وتعزيزها ، فضلاً عن الدعم المالي والاجتماعي، وتطوير البنية التحتية اللازمة للشيخوخة والأمن المالي لنظام الدعم.

رئيس أمانة المجلس الوطني للمسنين حسام الدين علامة، في مقابلة مع صحيفة “رسالت”، اعتبر أن “الشيخوخة قضية مشتركة بين القطاعات وليس لها هيكل إداري، وبالتالي تقرر تشكيل مجموعة عمل متكاملة مع التركيز على تنظيم البرنامج والميزانية، وبناءً على ذلك تم إعداد الوثيقة النهائية”.

قانونياً، لا يوجد سوى مادة واحدة في الدستور تتناول كبار السن، وهي المادة 29، والتي تنص على حق “التمتع بالضمان الاجتماعي للتقاعد والبطالة والشيخوخة والعجز والتشرد والحوادث والحاجة إلى الخدمات الصحية والرعاية الطبية في شكل تأمين”. وبحسب هذا القانون، فإن الحكومة ملزمة بتقديم الخدمات المذكورة أعلاه من الإيرادات العامة.

تشهد هذه الأزمة وجهاً آخراً متعلق بالاختصاص الجامعي المتعلق بطب الشيخوخة. وحسب “رسالت” فإن عدد الخريجين في هذا المجال لا يزال غير متناسب مع عدد المسنين. ففي عام 2012، ولأول مرة، تم افتتاح هذا الاختصاص في جامعة شهيد بهشتي للعلوم الطبية في طهران، وفي العام 2013، قبلت جامعة إيران للعلوم الطبية عددًا محدودًا من المساعدين في طب الشيخوخة، ومن ثم كان الإقبال ضعيفاً على هذا الاختصاص. وفي العام 2018 تم إلغاء هذا الاختصاص من الجامعات. ونقلت الصحيفة عن لسان رئيس جامعة شهيد بهشتي للعلوم الطبية علي رضا زالي قوله إن “إزالة المجال التخصصي لطب الشيخوخة يشكل ضررًا كبيرًا على صحة البلاد بسبب احتياجات المجتمع والتحديات في مجال الشيخوخة”.

تحويل الشيخوخة إلى فرصة؟

على صعيد آخر، أوضحت صحيفة “همشري” التابعة لبلدية طهران في تقرير لها، أن “16 إلى 17 في المائة من سكان جيلان وأكثر من 12 في المائة من سكان مازاندران هم من كبار السن، تليها همدان، وأذربيجان الشرقية، وأصفهان، وطهران”، مشيرة في تقريرها الذي صدر في ذات المناسبة إلى أنه “وفقًا للمسؤولين، يتزايد عدد السكان المسنين في بلدنا بسرعة”.

مدير عام الرعاية في جيلان حسين نحفي نجاد، في حديث لـ”همشري”، أوضح أنه يوجد في المحافظة 290 ألف مسن، مشيراً إلى أنه “إذا فكرنا وخططنا بشكل صحيح لهذه الظروف، فإن الشيخوخة هي فرصة لنا، ولكن إذا لم نخطط فإنها ستصبح تهديدًا”، مضيفاً “كبار السن يحتاجون إلى مزيد من الرعاية والاهتمام بالصحة وعلى المجتمع والحكومة تسهيل هذه الفترة عليهم”.

أمام هذا الواقع، رأت الصحيفتين أن السلطات المعنية يتوجب عليها القيام بالإجراءات الصحية والقانونية اللازمة لحماية هؤلاء المواطنين، خصوصاً أن التقدم في العمر يزيد المشاكل الصحية والنفسية عند هؤلاء.

زواج المسنّين

المتحدّث باسم منظمة التسجيل المدني سيف الله أبو ترابي، في حديث لوكالة “ارنا” الرسمية، كشف بأن 8.1٪ من الزيجات التي تمت في عام 2019 كانت مرتبطة برجال تجاوزوا سنّ الـ 60 أي ما يصل عددهم إلى 9552 حالة، مشيراً إلى أن “الأمر المثير للاهتمام هو تسجيل زواج 1256 رجلاً وامرأة من كبار السن”.
ووفق البيانات عينها، أوضح أبو ترابي أن “متوسط العمر المتوقع في إيران للرجال عند الولادة هو 73.3 عامًا ومتوسط العمر المتوقع للمرأة عند الولادة 76.5 عامًا.

عزوف الشباب عن الزواج

أزمة كبار السن في إيران، تفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول أزمات أخرى في البلاد، بدءاً من الإنجاب وصولاً إلى تأخر الشباب في الزواج. عزوف الشباب عن الزواج لديه عدة أسباب قد يكون أهمها البطالة والمشاكل الاقتصادية.

الأخصائي في علم النفس حسين باهر، اعتبر في حديث مع وكالة “فارس”، أن تأخر سن الزواج لديه أسباب اقتصادية وثقافية واجتماعية وأخلاقية وسياسية مختلفة، مشيراً إلى “أنني أجريت دراسات حول أسباب تأخر زواج الشباب في إيران، وجمعت 40 سببًا لهذه الظاهرة”.

ولفت باهر إلى أن من أهم الأسباب لتأخر زواج الشباب هي المشاكل الاقتصادية، السكن، سبل العيش، المهر الثقيل، البطالة، الميل نحو الرفاهية عند الشباب، وفقر الأسرة، مشيراً إلى أن “بث الأفلام المختلفة عبر الفضائيات دفع الشباب إلى تقليد الثقافة الغربية ما أنشأ عدم الرغبة في الزواج داخل المجتمع.

وعن القضايا الثقافية التي ترفع سن الزواج ، قال باهر إن متابعة التعليم، وخاصة من قبل الفتيات، وزعزعة القيم التقليدية إضافة للخوف من الطلاق والفشل في الحياة المستقبلية هي من أهم الأسباب الثقافية لهذا التراجع، مضيفاً “يرى بعض الشباب أن الزواج هدفه الرغبات فقط لكن يجب توعيتهم أن الهدف الأساسي للزواج ينبغي أن يكون الكمال للرجال والنساء”.

من جهتها، رأت مستشارة الأسرة والزواج فاطمة أزرتاش، في حديث لفارس، أن “تراجع الثقة في المجتمع عامل آخر مؤثر في تأخير الزواج، فعندما لا يتمكن الرجل والمرأة من الثقة ببعضهما البعض، فكيف سيبدآن العيش معًا”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: