الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة1 أكتوبر 2020 08:13
للمشاركة:

العلاقات الإيرانية الكويتية.. التقارب والتباعد “بالتجزئة”

مع قيام الجمهورية الإسلامية، كان الأمير الكويتي الراحل صباح الأحمد الجابر الصباح أول زائر خليجي رسمي في طهران عام 1979، ومن بين آخر الزعماء الخليجيين الذين زاروها، وكانت آخر زياراته إليها عام 2014. في منطقةٍ ملتهبة، حافظت العلاقات بين طهران والكويت على مستوى من التوازن الهادئ، رغم مطبّات إقليمية، لم يكن سهلًا تجاوزها من الطرفين.

العراق المتوتر منذ ثمانينيات القرن الماضي، الصراع السعودي الإيراني، حروب المنطقة وثوراتها، وصولاً إلى خلايا التجسس في الكويت التي تنفي إيران مراراً علاقتها بها… لم يتماهَ البلدان يوماً، لا بل اتخذا مسارات مختلفة في أغلب الأحيان، ومتضادة في بعضها الآخر، لكنهما، رغم ذلك، حافظا على خيطٍ دائمٍ من التواصل والتوسط والتعاون.

ما قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية

باشر البلدان علاقاتهما منذ استقلال الكويت عام 1961 عن الاستعمار البريطاني، إذ اعترفت إيران الشاهنشاهية باستقلال الكويت، وكانت من أولى الدول التي افتتحت سفارتها في الكويت في كانون الثاني يناير 1962.
عام 1973 هاجم العراق مراكز حدودية كويتية، إثر مطالبة الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم بضمّ الكويت، باعتبارها جزءًا من الأراضي العراقيّة. أعلنت إيران يومها الوقوف مع الكويت ضدّ الاعتداءات العراقيّة، وعبرت عن استعدادها لإرسال قوات عسكرية لمساندة الكويت. قال رئيس الوزراء الإيراني يومها: “إن إيران لن تسمح بأيّ تغيير في النظام الجيو – سياسي في المنطقة”.

قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية

بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، كان أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أول مسؤول رفيع المستوى من منطقة الخليج يزور إيران، إذ كان يشغل وقتها منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية. اعترفت الكويت رسميًّا بالنّظام الإيرانيّ الجديد في العام نفسه. الأعوام الثمانية للحرب العراقية الإيرانية شكّلت المرحلة الأسوأ للعلاقة بين إيران والكويت. لم يكن الموقف الكويتي تجاه العراق وحربها مع إيران مماثلاً للموقف الإيراني الداعم للكويت سابقاً. عام 1980 اندلعت الحرب العراقية – الايرانية، بقيت الكويت على الحياد في البداية، وطلبت من الدولتين إنهاء الحرب، قبل أن تغير موقفها وتدعم العراق، وتعطي الحكومة العراقية قروضًا بلا فائدة بلغت قيمتها 4 مليار دولار أميركي. قيل آنذاك إنّ مشروع تصدير الثورة أخاف الكويت التي تضمّ أقليّة شيعية.
ردت إيران يومها باستهداف حقول نفطية. ثمّ اتهمت الكويت إيران بكثير من التوتر الواقع على أراضيها وضمن حدودها المائية والجوية، من محاولة اغتيال أمير البلاد حينها جابر الأحمد الصباح وقصف بواخر سعودية وكويتية في مياهها الإقليمية، إلى خطف الطائرة الجابرية. كادت العلاقة بين البلدين تنزلق إلى الحرب خلال هذه الفترة.

غزو العراق للكويت

عام 1988 انتهت الحرب العراقية الإيرانية، واستمرت العلاقات بين البلدين على توترها حتى احتلال العراق للكويت في أغسطس 1990. عادت إيران لموقفها المبدئي، فرفضت الاحتلال، وأبدت موقفًا مدافعًا عن الكويت، بل دعت لعقوبات اقتصادية على العراق، مؤكدة أنها لن تسمح للعراق باحتلال الكويت. موقفٌ طبع العلاقات بين البلدين بالودية والتعاون فيما بعد، ودفعها في اتجاه إيجابي خلال تسعينيات القرن الماضي.

الحرب الأميركية على العراق

كان واضحاً رغبة طهران والكويت في عدم تكرار الأزمات بسبب العراق. عام 2002 وفي خضمّ التمهيد الإعلامي والديبلوماسي الأميركي لاجتياح العراق، وقّع البلدان اتفاقية دفاعية هي الأولى من نوعها لإيران مع دولة خليجية منذ 1979. ثمّ قبل شهرين من بداية الغزو الأميركي، حطّ الأمير صباح الأحمد الصباح في طهران موقعاً اتفاقياتٍ اقتصادية فنية وتجارية. اتفق الطرفان على الدعوة إلى التوصّل إلى حلٍّ سلميٍّ للأزمة العراقيّة، مطالبين النظام العراقي بتنفيذ قرارات مجلس الأمن. في التوقيت والمضمون أرسى البلَدان علاقة ثنائية مستقرّة في منطقة قادمة على حربٍ في العراق، البلد الذي يفصل ويصل بينهما، وبقيت الأمور كذلك لسنوات.

الحرب السورية والحرب اليمنية

بعد اندلاع الانتفاضات العربية في ما عرف بـ”الربيع العربي”، ترك التوتر الإقليمي أثراً على علاقات البلدين. فالكويت جزءٌ من قرار مجلس التعاون الخليجي، بينما إيران تتزعّم محوراً يسير في اتجاهٍ مختلف. ألقت الأزمتان السورية واليمنية بثقلها على العلاقة. إيران الموجودة عسكرياً في سوريا داعمة الرئيس السوري بشار الأسد. أمّا الكويت الرافضة للتدخّل الإيرانيّ هناك، هي كذلك ترفض كلّ الحلول العسكرية، حتّى أنها لم تنضم إلى الضربات الجوية للتحالف العسكري الذي قادته الولايات المتحدة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2014، فالكويت تدعم التوصل إلى حل سياسي لتسوية الأزمة.
أمّا في اليمن ومنذ بدء عاصفة الحزم في مارس من العام 2015، كانت الكويت مشاركًا رئيسيًا في التحالف العربي إلى جانب الرياض، ومازالت حتى اليوم. وفي المقابل، تقرّ طهران بأنها تدعم حركة أنصار الله (الحوثيون). ظاهرياً ومباشرة لم يؤثر التناقض الكويتي الإيراني في الملفين السوري واليمني على العلاقات بين البلدين. لكنّ الحقيقة أنّ توتر المرحلة الممتدة منذ بدء الأزمة السورية، تركَ أثره لاحقاً وتجلّى في شبه قطيعة دبلوماسية عام 2017.

خلايا التجسس والتوتر الديبلوماسي

عام 2011 أعلنت الكويت عن اكتشافها لخلايا شبكة تجسس للتخابر مع إيران، قالت إنها تتبع للحرس الثوري الإيراني. اكتشاف هذه الخليّة ربُط بالحراك الذي شهدته الكويت ضمن ما يعرف بموجة الاحتجاجات التي اجتاحت دول العالم العربيّ. وقد صرّحَت الخارجيّة الإيرانيّة بأنّ ما نُشر بشأن كشف شبكة إيرانيّة للتجسّس في الكويت لا أساس له. أما محامي الدفاع فقد نفى كلّ الاتهامات الموجهة للمتهمين ال26 وقال إن “الأسلحة فردية للدفاع عن النفس، وهي قديمة وصدئة ومن بقايا الغزو العراقي للكويت”. لاحقاً طردت الكويت ثلاثة دبلوماسيين إيرانيين وردت أسماؤهم في حيثيات الحكم في القضية.
عام 2015 أعلنت وزارة الداخليّة الكويتية ضبط أعضاء في خليّة إرهابيّة، ومصادرة كمّيات كبيرة من الأسلحة في مِنطَقة العبدلي شمال العاصمة الكويت. الخليّة التي سمّيت “بخلية العبدلي” كان من أعضائها 25 كويتياً وإيراني واحد، ووجّهت النيابة العامّة لهم تهماً عدة كـالتخابر مع إيران وحزب الله، وارتكاب أفعال من شأنها المساس بوحدة وسلامة أراضي دولة الكويت.

عام 2016 وصل التوتر السعودي الإيراني لذروته، على خلفية اعتداء متظاهرين على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد، ردّاً على إعدام المملكة للمعارض السعودي الشيعي البارز الشيخ نمر باقر النمر. وزارة الخارجية الكويتية استدعت على إثر ذلك سفير دولتها لدى إيران استنكاراً للاعتداء على “أمن الخليج”.

وفي بداية عام 2017، شرعت الكويت في مساعي التهدئة على الجبهة الإيرانية السعودية، فزار وزير الخارجيّة الكويتيّ إيران محملاً برسالة من أمير الكويت بشأن العلاقات الخليجيّة الإيرانيّة. رسالة تدعو للتعاون والتفاهم والحوار. وقد ردّ الرئيس حسن روحاني الزيارة للكويت في أول زيارة خارجيّة له لدولة خليجيّة في شباط فبراير من العام نفسه.
لكن العلاقات عادت للاصطدام في تموز يوليو، بهروب 14 مُدانًا من خلية العبدلي إلى إيران كما قالت الكويت، وعلمًا أنه كان قد أُخلي سبيلهم وفق الإجراءات القضائيّة بعدما قضت محكمة الاستئناف ببراءتهم، بانتظار صدور حكم التمييز.
وسط حالة من الهيجان الداخلي، خرج البيان الرسميّ الكويتيّ في تموز يوليو 2017 معلناً عن تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسيّ الإيرانيّ في البلاد من 19 شخصًا إلى أربعة أشخاص، وإغلاق المكاتب الفنية التابعة للسفارة، وتجميد أي نشاطات في إطار اللجان المشتركة بين البلدين.
لم تشهد العلاقات، حتى في خضمّ حربي الخليج، مثل هذا التصعيد من جانب الكويت.
الموقف الإيرانيّ الرسمي نفى علاقة طهران بكل هذه القضايا، وكان تصعيديًّا هذه المرّة. فاستدعت طهران السفير الكويتيّ لتحمّله احتجاجًا شديد اللهجة، وهدّدت بخطوة مماثلة تجاه الكويت. واتهمت إيران الكويت “بأنها خضعت لضغوط سعوديّة للإقدام على هذه الخطوة” كما صرّح رئيس مركز الدراسات الاستراتيجيّة في مجمع تشخيص مصلحة النظام علي أكبر ولايتي.

عودة جزئية للعلاقات الديبلوماسية

في أيلول سبتمبر من العام 2018 بدأت العلاقات الدبلوماسية بالعودة إلى مجاريها. اعتمدت إيران سفيراً جديداً لها في الكويت، بينما لم يعد السفير الكويتي إلى إيران حتى اللحظة. فقد كشف مساعد وزير الخارجية الكويتية لشؤون آسيا، علي السعيد، عن عدم موافقة الكويت على إرسال سفير لها إلى طهران “حتى تغير إيران من نهجها بخطوات ملموسة”. وأضاف السعيد أن عودة السفير الكويتي مرهونة أيضا “بالخطوات والمبادرات العملية التي يجب أن تقوم بها إيران تجاه علاقاتها مع دول الخليج”.

الملف النووي الإيراني

عام 2015 وقعت إيران الاتفاقيّة التاريخيّة لمشروعها النوويّ مع مجموعة 5+1. رحبت الكويت بالاتفاق، ليزور ظريف الكويت بعد أسبوعٍ تماماً من إبرام الاتفاقية، مطمئناً وشارحاً أبعاد الاتفاق النوويّ. ثمّ مع اعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو من العام 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، قدّمت الكويت موقفاً من خارج السرب الخليجي المرحّب (السعودية – الامارات – البحرين)، أو المحايد (قطر – عمان).
وعلى لسان نائب وزير خارجيتها خالد الجار الله شددت الكويت على أهمية الاتفاق النووي معتبرة “أن وجوده أفضل من عدمه”. وأوضح المسؤول الكويتي أن بلاده منذ البداية رحبت بالاتفاق “لأنه يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة”.

العلاقات الاقتصادية

تعود العلاقات الاقتصادية بين الكويت وإيران إلى فترة السبعينيات. ففي عام 1971 وقّعت الدولتان مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الاقتصادية، منها اتفاقية الترانزيت والتجارة. بلغ حجم التبادل التجاري بين الكويت وإيران عام 2010 نحو 213 مليون دولار أميركي، وبلغت حصة صادرات إيران للكويت منها 103 ملايين دولار، بينما بلغت وارداتها 110 ملايين دولار، إذ تُعد الفاكهة والخضراوات والمكسرات والسجاد ومواد البناء والأجهزة الكهربائية أهم الأصناف التي تستوردها الكويت من إيران، في حين تصدر إليها الحديد والصلب والأنابيب المعدنية ومادة اليوريا.

الحدود البحرية

لا تجمع بين إيران والكويت حدود برية مشتركة، لكنّهما تطلّان على الخليج، وبينهما حدود بحريّة لم تتوصل الدولتان حتى اليوم إلى اتفاق حول ترسيمها شمال الخليج. عام 2012 توترت العلاقات بين البلدين بعض الشيء، بسبب الأزمة التي تعرف بـالجرف القارّي حول الحقوق المتنازع عليها في حقل الدرّة الغنيّ بالغاز والمعادن، إذ احتجّت الكويت على قيام إيران بالحفر في الحقل بحثًا عن الغاز.

الشيعة في الكويت

يشكّل الشيعة كتلة وازنة ديمغرافياً واقتصادياً واجتماعياً في الكويت. هم يشكلون ما يقارب 20% من إجمالي السكان. وقد كفلت الكويت للشيعة حقوقهم السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والدينية. الرابطة المذهبية بين شيعة الكويت وإيران ساهمت بتقريب العلاقات بين البلدين. إذ يتمّ تحويل أموال الخمس من الكويت إلى المراجع الدينية في قم والنجف، بينما يوجد العديد من العائلات من أصول إيرانيّة في الكويت وعددها يقارب 50 ألفًا. كما تشكل السياحة وبالأخصّ الدينيّة تجاه المقامات في إيران، رابطاً بين البلدين

بدأ عام 2020 ببوادر أزمة دبلوماسية بين البلدين تمّ إجهاضها، إذ استضافت الكويت أعضاء حركة “النضال العربي لتحرير الأحواز”، التي تصنفها إيران كجماعة إرهابية. كرّم رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم رئيس الحركة حكيم الكعبي ومنحه وسام الدرع العسكري. موقفٌ أغضب طهران فاستدعت الخارجية الإيرانية القائم بأعمال السفارة الكويتية، لتوضح الكويت لاحقاً بأنّ الاجتماع أقيم بصفة شخصية من دون موافقة الحكومة.

العلاقة بين الكويت وإيران تبدو أكثر ثباتًا من العلاقة مع السعودية، لكنّها تبدو أضعف من العلاقات الإيرانية القطرية مثلا. يبقى أن الأزمات بين طهران والكويت لم تتجاوز الحدود الديبلوماسية، في ظل وجود مساعٍ دائمة للتلاقي والتوسط. هل ستتغير ملامح هذه العلاقة مع رحيل الأمير صباح الأحمد الصباح؟ الإجابة لا تحتاج وقتًا طويلًا، في منطقةٍ على أبواب استحقاقاتٍ صعبة وتحتاج قرارات واضحة لا مجال فيها للكثير من الدبلوماسية.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: