الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة29 سبتمبر 2020 17:58
للمشاركة:

انتقاد السيستاني في صحيفة إيرانية يثير بلبلة بين طهران وبغداد

أثار المقال الذي كتبه رئيس تحرير صحيفة “كيهان” الأصولية والمقرّب من المرشد الأعلى حسين شريعتمداري، جدلاً واسعاً في العراق وإيران، نتيجة انتقادات أوردها الكاتب بحق المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني. ورغم عبارات الإحترام التي أوردها الكاتب، فإن المقال لم يخلُ من انتقادات له ولمكتبه على خلفية لقائه الممثلة الأممية لدى العراق جينين بلاسخارت في 13 أيلول/سبتمبر. هذا المقال، خلق أزمة بين البلدين أضيفت إلى الأزمات التي تعصف بينهما في الأشهر الماضية.

تحاول طهران وبغداد ترميم العلاقات الثنائية بينهما، بعد الأزمات التي ألقت بظلالها عليها مؤخراً والتي أدت إلى توتر الأجواء بين الجارتين، بدءاً من اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وصولاً إلى استهداف البعثات الأميركية في بغداد من قبل بعض المجموعات العراقية المدعومة من إيران. وفي سياق رأب الصدع بين الدولتين، أتت زيارة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى إيران، والتي هدفت إلى إخراج العراق من الصراع الأميركي-الإيراني، وتحسين العلاقات بين الدولتين.

هجوم شريعتمداري على المرجعية العراقية، سببه، حسب تعبير رئيس تحرير صحيفة “كيهان” دعوة السيستاني “الأمم المتحدة للإشراف على الانتخابات، المزمع عقدها يوم 6 يونيو/حزيران 2021، لضمان نزاهتها وهو ما يعتبر إفلاس سياسي”، متوجهاً إلى السيستاني بالقول “لقد أخطأتم في طلبكم، لكن لا بأس في ذلك، الآن عُدْ وصحّح ذلك وقل إنك لم تقل ذلك”. إلا أن حجم ردود الفعل على ما كتبه، أجبره على الإعتذار، معتبراً أنه “أساء فهم المرجعية”.

انتقاد السيستاني في صحيفة إيرانية يثير بلبلة بين طهران وبغداد 1

ردود الفعل الرسمية

سهام شريعتمدار أصابت صميم العلاقة بين طهران وبغداد، خصوصاً أنه المستهدَف هو المرجعية الدينية الأعلى في العراق، والمستهدِف هو أحد المقرّبين من المرشد علي خامنئي، ما أضفى طابعاً دينياً على هذا الموضوع. إذ نتج عنه الكثير من أصوات التنديد في البلدين.

الرئيس الإيراني حسن روحاني، أكد خلال استقباله السفير العراقي الجديد في طهران نصير عبد المحسن عبدالله، على “مكانة المرجع الديني الأعلى في العراق السيد علي السيستاني المرموقة، لدى الشعب والحكومة في إيران”، قائلاً إنّه “يضطلع بدور منقطع النظير في استقرار وأمن العراق”.

ورفض كل من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والمتحدث باسم الوزارة سعيد خطيب زادة، هجوم شريعتمداري على السيستاني. واعتبر ظريف أن “السيستاني هو الحصن الحصين للعراق وصمام الأمن للمنطقة وذخراً للعالم الإسلامي أجمع”، مشيراً إلى أن “إيران تقدر دوره في استتباب الأمن في العراق واستقراره والحفاظ على سيادته ووحدة أراضيه، والتخلص من قوى الاحتلال وبناء العراق الجديد وفق متطلبات شعبه الشقيق”. فيما اعتبر خطيب زاده، موقف صحيفة “كيهان” من السيستاني “لا تعبر عن موقف إيران الرسمي”، مشدداً على “أننا لا نتسامح مع التجاوز على مقام المرجعية”.

بدوره، اعتبر قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآني، خلال لقاء مع قدامى المحاربين في الدفاع المقدس في 29 أيلول/سبتمبر، أن “وحدة الشعب العراقي وتوحدهم ضمن قوة شعبية لمواجهة خطر داعش يعود إلى حكمة آية الله علي السيستاني ودوره المحوري الذي يعتبر رمزاً للشرف في العراق”، مؤكداً أن “دور السيستاني في الدعم المستمر للقوات المسلحة والمقاومة في العراق ومواجهة مخطط أعداء الأمة الإسلامية، له آثار استراتيجية وتاريخية”.

هذا الموضوع، وصل إلى الرئاسات الثلاث في العراق، حيث شددوا خلال اجتماع بينهم، على “احترام التوصيات الهامة التي تضمّنها بيان السيستاني خلال استقباله لممثلة الأمم المتحدة في العراق، كونها تُعدُّ خارطة طريق كفيلة بنزع فتيل الأزمات والمضي إلى انتخابات مبكرة حرة ونزيهة وتوفير مقوماتها”، معتبرين أن “التطاول على مقام المرجعية مرفوض ومدان، وأن مكانة المرجعية الروحية لدى الشعب العراقي ولدى المسلمين والإنسانية محفوظة ومعتبرة”.

من جهته، استنكر زعيم تحالف “دولة القانون” نوري المالكي ما ورد فيه، معتبراً أن “فيه إساءة للمرجع على خلفية استقباله لممثلة الأمم المتحدة بلاسخارت، وهي كذلك إساءة لكل العراقيين”، مشدداً على أن “السيستاني كان ولا يزال صمام الأمان في العراق، لحماية العملية السياسية، وتصدى لها في أشد الظروف، ويحظى باحترام الشعب العراقي بكل مكوناته”.

رفض إعلامي للمقال

مقال شريعتمداري، أثار الرأي العام العراقي والإيراني أيضاً، فراح الكتّاب يحاولون ترميم ما نتج عن هذه الكتابات. الكاتب العراقي محمد عبد الجبار شبوط، اعتبر في مقال له في 28 أيلول/سبتمبر، أن “الجملة الأخيرة من بيان المرجعية بما يخص الإنتخابات واضحة بشكل حاسم، فهي تدعو الدولة إلى الإشراف والرقابة عليها بصورة جادة، وذلك بالتنسيق مع الدائرة المختصة بذلك في بعثة الأمم المتحدة”، مشيراً إلى أن “هذا أمر ليس جديدا، فكل الإنتخابات السابقة كانت تتم بالتنسيق مع هذه البعثة، كونها مكلفة بذلك من قبل الأمم المتحدة، وكون أن العراق قبل بهذه الدور منذ البداية، ولم يكن في ذلك انتقاص من سيادة الدولة العراقية، لا من قريب ولا من بعيد، بل إن الأمم المتحدة تقوم بهذا الدور في كل الدول المستقلة وصاحبة السيادة حينما تكون هذه الدول بحاجة إلى خبرة ومعونة الأمم المتحدة”.

وأوضح شبوط أن “البعض تصوّر أن مقال شريعتمداري يعبر عن رأي السيد على خامنئي، وهذا غير صحيح، لأن خامنئي لا يحتاج إلى مقال، يُكتب بالنيابة عنه، للتعبير عن آرائه ومواقفه، وهو الذي يعبر عنها بكل قوة وشجاعة وصراحة في خطبه المباشرة الحية”.

كذلك، تصدّر هذا الموضوع معظم الصحف الإيرانية، حيث عُد مقال شريعتمداري ضرباً للعلاقة بين العراق وإيران. رئيس تحرير جريدة “جمهوري إسلامي” المعتدلة مسيح مهاجري اعتبر أن “العدو الأكبر لحرية الرأي والتعبير هم الأنانيون والاستبداديون والمتعجرفون والاحتكاريون، والأشخاص الذين لديهم هذه الخصائص الأربعة يريدون أن يخضع كل الناس لهم دون تقبّل أي رأي آخر”، لافتاً إلى أن “الأمر الأكثر بشاعة هو أن هؤلاء لا يكتفون بالبيئة التي يعيشون فيها بل يريدون توسيع هيمنتهم الفكرية إلى خارج الحدود”.

وأشار مهاجري إلى أن “آية الله السيستاني، بأسلوبه الخاص في التفكير، ساعد العراق على اجتياز الوجود الأمريكي، مما مهد الطريق لدستور عراقي جديد لصالح الشعب العراقي”.

صحيفة “اعتماد” الإصلاحية، اعتبرت في افتتاحيتها في 29 أيلول/سبتمبر، أن “كتابات شريعتمداري أتت في أكثر الأيام حساسية في العلاقات بين طهران وبغداد”، مشيرة إلى أنه “بصرف النظر عن الحاجة الاقتصادية والسياسية للحفاظ على العلاقة الإيرانية العراقية في هذه الفترة الحرجة، أكدت جمهورية إيران الإسلامية دائمًا على أهمية العراق بالنسبة لها، إضافة إلى أن آية الله السيستاني يحظى باحترام خاص من المسؤولين السياسيين والأمنيين والعسكريين الإيرانيين”.

ورأت الصحيفة أن “تعميق العلاقات بين إيران والشيعة في العراق كان دائمًا مصدر قلق لخصوم إيران الإقليميين، وأيضاً للحكومات المختلفة في الولايات المتحدة، التي استثمرت بكثافة في هذا المجال”.

في المحصلة، إستدرك المسؤولون الإيرانيون الموقف بعد أن أثار مقال شريعتمادري موجة واسعة من ردات الفعل عراقياً وإيرانيا. هذا المقال، الذي لم يأتِ في ظروف مناسبة، خصوصاً في هذه الأيام التي تشهد أزمة في العلاقات بين طهران وبغداد، كاد أن يودي بالعلاقات بين البلدين إلى مكان يعمل الطرفان على عدم الوصول إليه.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: