الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة28 سبتمبر 2020 12:45
للمشاركة:

طبقات إيرانية جديدة تدخل على خط الفقر وسعر الدولار يقفز في مواجهة التومان

تشهد العملة الإيرانية تراجعاً كبيراً أمام الدولار الأميركي، بعد أن وصل سعر الدولار الواحد 29 ألف تومان في الأيام الماضية، وبيع في السوق الحرة بـ 29500 تومان خلال معاملات الأثنين 28 سبتمبر. هذا الواقع وصفه ممثل دائرة شيراز في البرلمان جعفر قادري بـ"الفوضى الاقتصادية في مختلف قطاعات الدولة".

يذكر أن الدولار الأمريكي اتخذ منحًا تصاعديًا منذ فرض العقوبات الأميركية على إيران في أيار/ مايو 2018، إلى أن وصل إلى 16 ألف تومان في آذار/ مارس الماضي، ليستمر في الارتفاع رغم تدخل الحكومة وضخ النقد الأجنبي في السوق. الرئيس الإيراني حسن روحاني، أوضح أن بلاده خسرت 150 مليار دولار من الإيرادات، منذ أن انسحبت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من الاتفاق النووي، وأعادت فرض العقوبات على اقتصادها، معترفاً بإضرار الإجراءات الأميركية بواردات البلاد من الأدوية وإمدادات الطعام.

أما النائب جعفر قادري، فبرغم إشارة إلى دور العقوبات الظالمة وانخفاض عائدات العُملة الأجنبية في إحداث الفوضى الاقتصادية في البلاد، إلا أنه في الوقت ذاته أرجع في مقالة افتتاحية بصحيفة “تجارت” مشكلة الوضع الاقتصادي الحالي في البلاد إلى الفوضى الاقتصادية في قطاعات مختلفة من اقتصاد الدولة، موضحًا أن أهم موضوعات ومخاوف الاقتصاد الإيراني تتلخص في “الزيادة المُفرِطة في حجم السيولة وبالتالي التضخُّم، وضعف النظام المصرفي، والاعتماد على عائدات النفط، وحواجز ومشكلات قطاع الإنتاج”

بدورها ألفت تلك المشكلات إلى جانب تفشي فيروس كورونا المستجد بظلالها على الواقع المعيشي للمواطن الإيراني، الذي تأثر بالارتفاع في أسعار السلع الأساسية، فضلًا عن تصاعد معدلات الفقر.
في دراسة حول تغيّر سعر صرف الدولار خلال آخر 4 حكومات تولت دفة القيادة في إيران، تبيّن أن سعر صرف الدولار أثناء حكومة هاشمي رفسنجاني وصل (1989-1997) إلى 4 أضعاف السعر الذي كان موجوداً في الفترة التي سبقتها، وارتفع خلال حكومة محمد خاتمي (1997-2005) إلى الضعفين، مقارنة بالفترة التي حكم فيها رفسنجاني، فيما وصل أثناء حكومة محمود أحمدي نجاد (2005-2013) إلى 3.5 ضعف الفترة التي كانت حكومة خاتمي تدير أمور البلاد. لكن في السنوات الماضية، وتحديداً خلال أقلّ من ثلاث سنوات، انخفضت قيمة عُملة إيران الوطنية سبعةَ أضعاف، وبما أنّ سعر السلع يرتبط بسعر الدولار؛ فإنّ العامل الذي يتقاضى راتب مليوني تومان، يحصل على دخلٍ شهري يعادل 100 دولار، والرواتب الحكومية المرتفعة تعادل 600 إلى 700 دولار في الشهر، ما يساهم في انتشار الفقر.

في هذا السياق، ركّزت صحيفة “ابتكار” الإصلاحية، خلال تقرير لها السبت 26 أيلول/ سبتمبر على انعكاس الارتفاع في الأسعار هذا والأوضاع الاقتصادية على حالة الفقر في إيران، وعنونت بأن خط الفقر وصل في إيران إلى 10 مليون تومان، وناقشت الواقع المعيشي للمواطن الإيراني في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار والسلع الأساسية وارتفاع معدلات الفقر في البلاد. وأكّدت على أن الضغوط الاقتصادية مثل الزيادة الكبيرة للتضخم، وانخفاض الدخل، وانخفاض القدرة على الشراء وزيادة الفقر من جانب، والتكاليف الناجمة عن تفشي فيروس كورونا المستجد من جانب آخر خلقت تحديات كثيرة أمام المواطن في إيران.
الصحيفة ذكرت أن خط الفقر في إيران للأسرة الصغيرة المكونة من 4 أشخاص قد بلغ 10 ملايين تومان.
وقال الخبير في شؤون العمل حميد حاج إسماعيلي، إن مستويات الدخل الحالية لا تتناسب بأي شكل من الأشكال مع خط الفقر، متسائلا لماذا يحق لشركات صناعة السيارات أن ترفع أسعار السيارات كل ثلاثة شهور فيما لا يتم ذلك بالنسبة لرفع رواتب العمال؟ وأن التقديرات تشير إلى أن 35 مليون إيراني باتوا في حاجة ملحة للحصول على الدعم الحكومي.

هذا في الوقت الذي أشار تقرير سابق لمركز أبحاث البرلمان إلى وجود من 23% إلى 40% من إجمالي عدد السكّان في إيران يقبعون تحت خط الفقر المُطلق ويعيش ثلاث أرباعهم تحت خط الفقر النسبيّ.

هذا الغلاء والارتفاع في أسعار السلع والمنتجات أجبر البرلمان على مناقشة إعادة استخدام كوبون الدعم من جديد، ولكن بصورة إلكترونية، وعلى أساسه ستوفر السلع والاحتياجات الضرورية للطبقات المتضررة من المجتمع عبر الكوبونات بميزانية تقدّر بـ 31 مليار تومان.
وذكر أستاذ الاقتصاد بجامعة “العلامة طباطبائي” محمد قلي يوسف، في تصريحات نقلتها صحيفة “آفتاب اقتصادي” في عددها ليوم السبت 26 أيلول/ سبتمبر أن ضغوطات التضخم الثقيلة التي لحقت باقتصاد البلاد خلال العامين الماضيين، أعقبها تبعات لا يمكن تلافيها بصورة كبيرة، على النحو الذي انخفضت فيه القدرة الشرائية للشعب إلى الثلث، وتضاءل موائد الإيرانيين يومًا بعد يوم.
قلي يوسف اعتبر أن ما يسعى إليه البرلمان من خطة لدعم الطبقات المتضررة والضعيفة للمجتمع عبر مساعدات غير نقدية ما هو إلا مسكن.

صحيفة “كيهان” الأصولية، هي الأخرى نشرت تقريرا يوضح تغيّر الأسعار في البلاد خلال شهر يور وارتفاعها، موضحة أن نسبة التضخم مقارنة بالشهر عينه من العام الماضي (أيلول/ سبتمبر) وصل الى 34,4%، وارتفعت الأسعار خلال شهر بنسبة 3,6%، كما ارتفع التضخم في البلاد كلها إلى 26%.
يُشار إلى أن نصيب الإيراني من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة كان أقل من 7 آلاف دولار في العام حتى 2017م، وهو بذلك أقل من نصف المتوسط العالمي. وذكرت دراسة ناقشت المسببات الهيكلية للإخفاق في نهضة اقتصاد الثورة الإيرانية أن ترسيخ العدائية تجاه الغرب وتعظيم الهيمنة الاقتصادية للدولة، فضلًا عن تذبذب التوجهات والخطط الاقتصادية، والتضخم المزمن وتقلّب الأداء الاقتصادي، إلى جانب اختلال هياكل الموازنات العامة هي جميعها اختلالات هيكلية اسفرت جميعها إلى اخفاق اقتصاد في مرحلة ما بعد الثورة.

الواضح مما سلف، أن المنحى السلبي للاقتصاد الإيراني لم يتوقف رغم محاولات الترميم الداخلية للاقتصاد عبر توجيه الإنتاج باتجاهات غير نفطية. فالسقوط الحر أصبح الآن على مائدة المواطن الإيراني الذي بدأت اطباقه تصغر وتفقد مكونات رئيسية بحكم غلاء الأسعار، وهو ما يجعل من برنامج أي مرشح للرئاسة الإيرانية محملا بالوعود الاقتصادية. مع ذلك الأمر عينه يجعل من مهمة أي رئيس جديد للبلاد في ظل الظروف الحالية شبه انتحارية، فكل التغييرات السابقة في تاريخ البلاد والتحركات الأخيرة معظمها كانت مدفوعة بعناوين اقتصادية اجتماعية.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: