الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة26 سبتمبر 2020 14:04
للمشاركة:

الانتخابات التكميلية للبرلمان ناقوس خطر للانتخابات الرئاسية المقبلة

طوت إيران يوم الجمعة 11 أيلول/ سبتمبر، صفحة الانتخابات التكميلية للبرلمان الـ11 في تاريخ الجمهورية الإسلامية. إلا أن نسبة المشاركة في المحافظات التسع التي جرت فيها تراوحت بين 2 و15%، الأمر الذي فتح الباب أمام تساؤلات كبيرة في الداخل حول أسباب هذا الإنخفاض الكبير، ما ينذر بأن الانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد قد تكون أيضاً تحت خطر المقاطعة الشعبية.

أسباب عديدة حالت دون مشاركة الناخبين في عملية الإقتراع. يعزو بعض الخبراء السبب إلى أزمة تفشي وباء كورونا، بعد أن وصل أعداد المصابين في الأيام الأخيرة إلى أرقام قياسية. فيما يعتبر جزء أخر من المحللين أن هذه النتيجة هي طبيعية بعد التخبّط الحاصل في المخيّم الإصلاحي، إضافة لعمليات إلقاء القبض على الناشطين السياسيين، حسب تعبيرهم.

الجدير ذكره، أن الانتخابات التكميلية للبرلمان في إيران تُعقد بسبب شغور بعض المقاعد، كوفاة أحد النواب، أو استبعادهم، أو إخفاقهم في الحصول على الحد الأدنى (20%) من أصوات المقترعين. وقد جرت الدورة المشار إليها في 9 محافظات تضم 10 دوائر انتخابية، وذلك بعد أن تم تأجيلها من 17 نيسان/أبريل الماضي بسبب الوباء. وقد بقى الشغور موجوداً في دائرة واحدة سيجري التصويت فيها حسب المخطط في آذار/ مارس المقبل.

الانتخابات التكميلية للبرلمان ناقوس خطر للانتخابات الرئاسية المقبلة 1

إنخفاض في المشاركة

شارك في مدينة سميرم التابعة لمحافظة أصفهان، 8505 ناخبًا فقط من أصل 53890 أي بنسبة 15%، و14127 من أصل 187783 بمدينة لنجان في نفس المحافظة أي ما يعادل حوالي 7.5%.
أما في خوزستان، فقد أوضح الصحافي اميد هلالي أن 79608 ناخب صوّت فقط لإثنين من المرشحين من أصل 1206779 شخص مؤهل للإقتراع في هذه الدائرة، أي بنسبة 6.6%.

شهدت دائرة كرج أيضاً إنخفاضاً في عدد المقترعين مقارنة بالمرحلة الأولى، إذ كانت نسبة المرحلة التكميلية 1.6% بينما كانت نسبة الإقتراع في المرحلة الأولى 2.3%، وفقًا لما نشرته صحيفة “آرمان ملي” الإصلاحية.

هذه النتائج، أظهرت تراجعاً كبيراً في نسبة المشاركة على صعيد المحافظات ككل، مقارنة بالمرحلة الأولى وبالانتخابات النيابية الماضية في العام 2016. فقد شهدت انتخابات البرلمان العاشر نسبة مشاركة وصلت إلى 62% في المرحلة الأولى، و 40% في المرحلة الثانية ، أما هذه السنة، بلغت نسبة المشاركة 42% في المرحلة الأولى، لتنخفض إلى 9% في المرحلة الثانية.

“لا منافسة حقيقية”

النظرة العامة لنتائج الانتخابات التكميلية، تظهر تغيّراً في الآراء الشعبية وسلبية في تعاطيهم مع فكرة الانتخابات في البلاد. حيث رأت صحيفة “جمهوري إسلامي” المعتدلة، أن النظرة الإجمالية لإحصائيات المشاركة في الانتخابات التكميلية للبرلمان تثبت أن القلق من التحركات التي تؤدي إلى إضعاف الظهير الشعبي للجمهورية الإيرانية، هو قلق حقيقي. الصحيفة، ذكرت أن أوضاع تفشي فيروس كورونا وكون هذه الانتخابات تعقد في مرحلة ثانية، كلها أسباب تؤدي إلى انخفاض المشاركة، لكن هذا الانخفاض برأيها لا ينبغي أن يكون تأثيره أكثر من 10%، لأنها تعتقد أن “تدني معدلات التصويت هذه خطر على الظهير الشعبي لنظام الجمهورية”، مرجعة أسباب هذا التدني إلى “الطريقة التي يتعامل فيها المسؤولين مع الشعب، فضلًا عن عدم اكتراثهم بدور الشعب في تحديد مصيره ومصير البلاد” ، كما أوضحت “جمهوري اسلامي” أن ‘المرحلة الثانية من الانتخابات افتقرت للمنافسة الحقيقية بين الأفكار والانتماءات السياسية المختلفة”. مطالبة المسؤولين أن “يدركوا أن تقييد حق انتخاب الشعب هو ما يحول دون مشاركته في الانتخابات وليس أوضاع كورونا، وتابعت الصحيفة قائلة إن “المشكلة الأساسية تكمن في سلوك المسؤولين، ففي أي انتخابات تتوفر فيها المنافسة الحقيقة سيكون للشعب دافع للمشاركة فيها، وحتى سيرغبون في تعزيز النظام في أوضاع كورونا”.

كورونا ليس السبب

برغم الأجواء الإستثنائية لهذه الانتخابات، إلا أن رئيس هيئة الانتخابات في البلاد وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي، واكب سير العملية الانتخابية من محافظة البرز، لكنه في الوقت نفسه لم يتطرق لموضوع عدم رغبة الشعب في التصويت، فاعتبر أن “جميع الإجراءات والتخطيطات اللازمة في إطار قوانين الانتخابات والبروتوكولات الصحية تتم لحضور مهيب أكبر أمام صناديق الاقتراع”. لكن على ما يبدو لم تتهيأ ظروف المشاركة في الانتخابات مثلما كان ينتظر وزير الداخلية، ولم يكن عدم المشاركة مرتبط فحسب بتفشي فيروس كورونا المستجد.

مساعد وزير الداخلية جمال عرف، استشعر القلق المبكر تجاه أهمية المشاركة الشعبية في الانتخابات التي تجريها إيران، وخاصة انتخابات رئاسة الجمهورية، حيث طالب بالاجتهاد كي تشهد المشاركة في انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة إرتفاعاً ملحوظا، مقارنة بالمشاركة في الإنتخابات البرلمانية.
أما عضو حزب “اتحاد ملت” الإصلاحي محمد حاضري، فلم يربط النسبة المتدنية في الإقتراع بانتشار كورونا فحسب، وإنما اعتبر خلال رسالة موجهة إلى المساعد السياسي لوزير الداخلية جمال عرف، أن فرض الرؤية الضيقة للرقابة الاستصوابية وحذف الكثير من مرشحي الأحزاب والطبقات المختلفة من الشعب، يؤدي إلى فقدان تأثير المؤسسات المنتخبة في تقرير مصير البلاد، وبالتالي تصل الأمور إلى انخفاض مشاركة الشعب.
بدوره أكد المتحدث باسم مجمع رجال الدين المناضلين غلام رضا مصباحي مقدم، أن انعدام الثقة المستشري على مستوى المجتمع يعتبر المشكلة الداخلية الأهم التي تواجه الانتخابات القادمة، مع إقراره باختلاف انتخابات رئاسة الجمهورية عن البرلمان.

إشعال الأجواء

يبدو أن هناك استراتيجية لإشعال الأجواء الانتخابية حتى انتهاء الموسم الانتخابي، وتحديدًا عبر بوابة الإصلاحيين. ففي الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة في إيران، كانت أعلى نسب المشاركة تحصل عندما تشهد البلاد مشاركة واضحة وواسعة من الإصلاحين.

مظاهر هذا الاشتعال بدأت مؤخرًا عندما أثير قبل أسابيع موضوع الخلاف بين رئيسي الجمهورية الحالي حسن روحاني، والأسبق محمد خاتمي، حيث أشارت صحيفة “آرمان ملي” إلى هجوم متبادل بين الطرفين، لافتةً إلى هذا الأمر غير معتاد طوال السنوات الماضية، وقد استمر الحديث عن هذا الخلاف برغم نفي مدير مكتب رئيس الجمهورية محمود واعظي، صحته.

على صعيد متصل، انتشرت في خلال الفترة الماضية أخبار الانفراجة التي حدثت للزعيم الإصلاحي الموضوع رهن الإقامة الجبرية مهدي كروبي، واللقاءات المتنوعة سواء السياسية منها أو مع أصدقائه، وما أعقبها أيضًا من رسالة نُسبت إلى كروبي بشأن الدعوة إلى المشاركة الواسعة في الانتخابات الرئاسية المقبلة. كذلك خرج خاتمي برسالة مسجّلة بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد في خطوة قلما تحدث في ظل ما أثير عن فرض حظر إعلامي عليه.
من هنا، طالب المتحدث باسم حزب “اعتماد ملي” الإصلاحي إسماعيل غرامي مقدم، النظام بتغيير الأوضاع ورفع الإقامة الجبرية التي نتج عنها انعدام للثقة، والإقدام على الإفراج عن السجناء السياسيين الآخرين وفتح الأجواء الصحفية وأوضاع الأنشطة السياسية والمدنية بما يهيء المجال لجلب الثقة العامة.

من جانبها، دعت شخصيات إصلاحية في سلسلة من المقابلات إلى “مراجعة استراتيجية الحركة الإصلاحية حتى تتمكن من وضع نفسها كبديل مناسب لكل من المتشددين والمعارضة الراديكالية التي تقوض أسس الجمهورية الإسلامية”. ففي مقابلة تعود إلى تموز/ يوليو 2018، قال عباس عبدي أحد أبرز المفكرين الإصلاحيين، إنه من أجل الرد على الانتقادات العامة المتزايدة، يتعين على الإصلاحيين إطلاق عملية إعادة بناء تنظيمي وأيديولوجي، وإشراك جيل الشباب في قيادة الحركة، وإعادة تعريف علاقاتهم مع الحكومة، وعدم التهرب من انتقاد سياسة الحكومة.

أما المنظّر الإصلاحي صادق زيبا كلام، رأى في مقالة له عدم تصويت الغالبية العظمى من المواطنين الإيرانيين في الانتخابات المقبلة لمرشح إصلاحي- بما في ذلك الرئيس الأسبق محمد خاتمي- يعود لإخفاقات حكومة روحاني والبرلمان العاشر (2016-2020)، حيث تسبب هذان الأمران في فقدان الإصلاحيين لقاعدتهم الاجتماعية وثقة الجمهور، على حد قوله.

بناء على ما سبق، يمكن النظر إلى الانتخابات التكميلية التي حصلت في الأيام الماضية، على أنها ناقوس خطر ينذر بخطر يواجه السباق الرئاسي العام المقبل. فهل تعي السلطات الإيرانية هذا الخطر المشار له وتعمل على تصحيحه، أم تكون تلك الانتخابات صادمة على صعيد المشاركة الشعبية؟

إضغط لمتابعة الملف كاملاً/ الانتخابات الإيرانية.. ظلال الأزمات

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: