الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة25 سبتمبر 2020 13:57
للمشاركة:

إيران تبحث عن عاصمة جديدة والحرس الثوري يطلب تولي مهمة النقل

عاد موضوع نقل العاصمة الإدارية والسياسية لإيران من مدينة طهران إلى الواجهة مجدداً، بعد أن أعلن عضو البرلمان أبو الفضل أبو ترابي، في حديث لصحيفة "همشري" التابعة لبلدية طهران يوم 23 أيلول/سبتمبر، أن "مقر خاتم الأنبياء الاقتصادي التابع للحرس الثوري قدم طلباً رسميا للرئيس الإيراني حسن روحاني أبدى فيه استعداده لتولي عملية نقل العاصمة إلى موقع آخر غير طهران".

نقاش نقل العاصمة الإيرانية من طهران، والتي أصبحت مركزاً للبلاد في العام 1795 بعد شيراز، هو نقاش عمره من عمر الثورة الإيرانية عام 1979. وقد بقي هذا الموضوع محطّ نقاش بين نظرة مؤيدة لذلك، وأخرى ترى فيه خطوة غير فعّالة ومكلفة ودون أهمية. لكن مع وصول حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية في الدورة الأولى، تم إخراج المشروع من دائرة النقاش إلى دائرة اتخاذ القرار عبر البرلمان ومجلس صيانة الدستور

لمحة تاريخية

عُقد اجتماع في العام 1989، بحضور الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني، اقتُرح فيه نقل العاصمة من طهران وإعادة تنظيم المدينة، لكن هذا الاقتراح لم يأخذ مساره للتنفيذ. بقي هذا الموضوع محلّ أخذ ورد في البلاد، حتى آذار/ مارس من العام 2014، حين عقد مؤتمر حول موضوع اللامركزية وإعادة تنظيم العاصمة، صدر عنه توصيات عديدة قصيرة، متوسطة وبعيدة المدى لنقل العاصمة السياسية والإدارية للبلاد بهدف تطوير مدينة طهران.

في أيار/ مايو من العام 2015، تمت الموافقة على قانون تشكيل المجلس التنظيمي لنقل العاصمة السياسية والإدارية للبلاد بأغلبية 151 صوتًا في البرلمان وتمت الموافقة عليه من قبل مجلس صيانة الدستور في نفس الشهر. وبحسب هذا القانون تم تشكيل مجلس يضم 11 عضوا و4 ممثلين مراقبين من مجلس النواب.

أسباب نقل العاصمة

أبو الفضل أبو ترابي، في تصريحه لصحيفة “همشري”، أكد أن المقر سيتكفّل بكل تكاليف العملية دون أن تحمّل الحكومة أي عبئ، مشيراً إلى “أننا نملك بين أيدينا مشروع قانون حول ذلك أقره البرلمان الماضي، لذا يجب تشكيل مجلس أعلى لتنظيم العاصمة الجديدة”.

الأسباب التي دفعت السلطات المعنيّة إلى التفكير بذلك كثيرة حسب أبو ترابي، لكنه أشار إلى أن أعداد المواطنين الكبيرة التي تنزح إلى طهران كل عام هي من أهم الدوافع، لافتًا إلى أن العام الواحد تستقبل فيه المدينة ما يقارب الـ 250 ألف شخص، وذلك بهدف العمل أو التعليم أو غيره”، وأوضح أبو ترابي أن “250 ألف شخص يعني أن إحدى المدن الكبرى في إيران تُفرغ كل عام ويتدفق سكانها إلى طهران، لكن العاصمة لم تعد قادرة على ذلك، ما يشكّل خطراً وتهديداًعلى البلاد، لأن هذا التركيز الصناعي والسكاني والعلمي في طهران، قد ينتج عنه تهديدات طبيعية أو عسكرية أو حتى يتأذى بالمظاهرات”.

من هنا، رأى أبو الترابي أنه “يجب علينا أن نقوم بما قامت به العديد من دول العالم أي فصل العواصم السياسية والثقافية والعلمية والإقتصادية وهذا يتماشى مع مبدأ الدفاع السلبي”، موضحاً انه “علينا إزالة عدد من الجامعات المهمة والثكنات والمصانع الكبيرة من طهران، وفصلها عن المركز السياسي للبلاد، وهذه الخطوة ستريح المدينة”، معتبراً أن “طهران اليوم تمثّل كل ثقل إيران، وبالتالي إذا تضررت فذلك يعني أن الجمهورية الإسلامية كلها ستتضرر، والضرر الذي نتحدث عنه قد يكون زلزالاً أو جفافاً أو ضربة عسكرية”.

بما يخص اختيار العاصمة الجديدة، وصف عضو البرلمان هذا الموضوع بـالــ “سرّي”، كاشفاً أن الخيار لم يقع على أصفهان، والبحث الأولي وقع على اختيار 5 أو 6 مدن لتكون العاصمة واحدة منها.

مخاطر بيئية وطبيعية وأمنية

شكّل الإنفجار الذي ضرب مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت في 4 آب/ أغسطس جرس إنذار للعديد من الدول للانتباه لعملية تخزينها بعض المواد شديدة الإنفجار. تزامن هذا الإنفجار مع عودة الحديث عن نقل العاصمة طهران، ما جعل منه حجة إضافية لدى المطالبين بإتمام عملية النقل.

كذلك، فإن وجود عدد كبير من المنشآت النفطية والنووية في العاصمة، دفع المسؤولين للتفكير بنقل هذه المصانع من طهران، وكان هذا الموضوع محلّ نقاش بسبب تهديد حياة المواطنين بوجود هذه المنشآت. وأعلن عضو مجلس بلدية طهران مجيد فراهاني، في 7 آب/ أغسطس2020، أن “المجلس الأعلى للتنمية العمرانية في وزارة الإسكان، بحث نقل مستودع النفط من أحد أحياء طهران، وذلك بعد تحذيرات أطلقها من أن العاصمة الإيرانية قد تواجه مصيرا أسوأ مما شهدته العاصمة اللبنانية، إثر انفجار مستودع نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت”. وأوضح فراهاني أن “نحو 300 شاحنة يتم تحميلها بالوقود كل يوم من خزانات النفط في حي “شهران” بطهران، وتسير عبر الأحياء مهددة حياة المواطنين”، مشيرا إلى أن “المستودع عندما أنشئ عام 1975، لم يكن بالقرب منه حي سكني”.

من جهة أخرى، تضم طهران عدداً من القواعد العسكرية إضافة للمراكز النووية، وهذاا أيضاً يشكّل خطراً كبيراً على المواطنين في حال تعرّضها لأي استهداف عسكري. من هذه القواعد قاعدة بارتشين العسكرية، شرقي المدينة، والتي تعتبر من أهم القواعد العسكرية لصناعة وتطوير الصواريخ الباليستية ذات الإستخدام النووي في إيران. ودائماً ما تصدر أخبار عن استهداف هذه القاعدة ما يخلق حالاً من الهلع عند المواطنين، آخرها الأخبار التي انتشرت في 17 أيلول/ سبتمبر الماضي، والتي نفتها السلطات الرسمية.

أمنياً، ركّزت بعض وسائل الإعلام على تصريح أبو ترابي الذي اعتبر فيه أن السبب الأساسي لنقل العاصمة هو للتخفيف من عبء المظاهرات التي تشهدها المدينة. حيث استندت إذاعة “زمانة”، التي تبث بالفارسية من هولندا، خلال تقريرها في 23 أيلول/ سبتمبر إلى هذا التصريح، معتبرة أن “خطة نقل العاصمة الإيرانية لمكان بديل هدفها الأساسي إبعاد المقار الحكومية عن مرمى المحتجين خلال المظاهرات العامة التي تندلع بين الحين والآخر داخل البلاد”، ولفتت إلى أن “محافظة سمنان (مسقط رأس الرئيس الإيراني حسن روحاني) الواقعة شمالي إيران، كانت من بين الأماكن التي توقع إيرانيون أنها الموقع البديل لعاصمة بلادهم”.

إلى ذلك، تقع إيران عند ملتقى صفائح تكتونية عدة ويعبرها عدد من الصدوع والفوالق الجيولوجية، ما يجعلها عرضة لنشاط زلزالي كثيف. هذا الواقع، يجعل من سكّان العاصمة ضحايا لأي نشاط زلزالي محتمل في البلاد، بسبب الكثافة السكانية وغياب المساحات الواسعة التي يمكنهم الهرب إليها في حال حصول أي حدث طبيعي. ففي السنوات الماضية، شهدت البلاد عدة زلازل راح ضحيتها آلاف المواطنين، وهذا بدوره يصنع دافعاً لدى البعض للمطالبة بنقل العاصمة.

بيئياً، تعدّ طهران من أكثر مدن العالم تلوّثاً. في العام الماضي، قبل أزمة كورونا، أغلقت السلطات الإيرانية المدارس في طهران أكثر من مرة خاصة بعد أن أصبحت مستويات التلوث “غير صحية بالنسبة للمجموعات الحساسة”، حيث يخيم الضباب الدخاني على المدينة لعدة أيام. وتتجاوز مستويات التلوث في طهران بست أضعاف الحد الأقصى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية والبالغ 25 ميكروغراما للمتر المكعب، حيث وصل متوسط تركيز الجزيئات الخطرة المحمولة جوا إلى 145 ميكروغراما لكل متر مكعب في بعض الأيام من العام الماضي. والقسم الأكبر من التلوث بالمدينة سببه المركبات الثقيلة والدراجات البخارية ومصافي النفط ومحطات الطاقة، بحسب تقرير للبنك الدولي صدر في العام 2018.

بناء على ما سبق، تشهد مدينة طهران مخاطر كثيرة، تجعل منها عرضة لأزمات كثيرة يمكن أن تشلّ الحركة الرسمية في البلاد، وهذا ما دفع الكثير للمطالبة بتخفيف العبء عن المدينة عبر نقل العاصمة الإيرانية.

وجهة نظر معارضة

تعد طهران أكبر المدن في البلاد، ويسكنها حاليا 14 مليون نسمة، وتعد العصب للسياسة والاقتصاد معا، ففيها الإدارات الرسمية، إضافة للصناعات الكهربائية، والنسيج، والسكر، وحتى المواد الكيميائية. وبالتالي، فإن فكرة نقل العاصمة من هذه المدينة، سيكون مكلفاً، والنتيجة لن تكون أكيدة حسب المعارضين لهذه الخطوة.

وكالة “بورنا” الإيرانية، في تقرير لها يوم 23 أيلول/ سبتمبر بعنوان “نقل العاصمة السياسية والإدارية من طهران.. هل ستتغير عاصمة إيران؟”، عرضت آراء بعض الخبراء المعارضين لهذه الخطوة.

نائب رئيس مجلس بلدية طهران السابق مرتضى طلايي، اعتبر أنه في الوضع الإقتصادي الحالي للبلاد، من الخطأ تغيير العاصمة، ويجب استخدام هذه الأموال في مشاريع أخرى، مشيراً إلى أن “كل المدن الكبرى مثل شيراز وأصفهان والأهواز وغيرها تعاني من مشاكل ولا يمكن نقل العاصمة إلى تلك المحافظات”.

من جهته، رأى العضو السابق في بلدية طهران محمد حقاني أن “مقر خاتم الأنبياء ليس منفصلاً عن الجمهورية الإسلامية، وبالتالي التكاليف التي سيدفعها المقر هي من أموال الجمهورية ويمكن الإستفادة منها في مشاريع أخرى”، مضيفاً “أينما أصبحت العاصمة فإنها ستواجه المشاكل التي تواجه طهران حالياً، لذا البحث يجب أن يكون حول الإجراءات التي يجب أن نتخذها لتلوث الهواء، وحجم حركة المرور، والزيادة السكانية، وغيرها من مشاكل المدينة”.

ووصلت الوكالة إلى خلاصة مفادها أنه “بدلاً من إنفاق المليارات على تغيير العاصمة، يجب أن ننفقها على طهران لحل مشاكلها الحالية، فحتى لو تغيّرت العاصمة، فإن مشاكل طهران الحالية ستبقى قائمة”.

في المحصلة، لا يبدو وفقًا للخبراء أن الوضع الاقتصادي في إيران يسمح باتخاذ خطوة كبيرة كنقل العاسمة السياسية والإدارية. إلا أن التهديد الأمني، والتخوف من أي تطوّر عسكري محتمل في المنطقة، جعل من الحرس الثوري الإيراني مدافعاً عن هذه الخطوة. فهل ينجح “مقر خاتم الأنبياء” بالمضي قدماً في خطته؟

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: